الأكثر مشاهدة

شاهيناز العقباوي* من الصعب الفصل بين الأخلاق والأدب فكلاهما يسير في طريق واحد، ف …

 أدب الطفل وتزكية الأخلاق

منذ 3 سنوات

311

0

شاهيناز العقباوي*

من الصعب الفصل بين الأخلاق والأدب فكلاهما يسير في طريق واحد، فمنذ أن بدأ الأدب بكل أشكاله المتنوعة، كان جليًا وواضحًا أن على قائمة أولوياته وأهدافه الارتقاء بها، والعمل على دعم وتثمين كل ما يعلى من قدرها،  فالغالبية العظمى من مبدعي الأدب، يحرصون على أن تخرج أعمالهم مساندة ومدعمة لكل قواعد التربية الأخلاقية في المجتمعات المختلفة والمتنوعة على مر العصور، حقيقة هناك من خرج عن هذه القاعدة، لكن السواد الأعظم  منهم يضعون المبادئ الأخلاقية نصب أعينهم خلال مراحل إبداعهم المختلفة..إذا كان هذا حال الأدب بصورته العامة الكلية التي تخاطب كل الفئات والثقافات والأجناس.

فماذا عن أدب الطفل؟  الذى هو في الأساس قائم على مبدأ خلقي، يهتم ويحرص ويسعى ويدعم كل ما يتصل برفع وتزكية أخلاق الطفل وتنميتها بشكل سلس بسيط، يسير بصورة طبيعية بعيدة عن التكلف والاعتماد على منهج التوجيه والتربية.

أدب الطفل قائم على لغة بسيطة معبرة يستخدم ألفاظًا ومصطلحات متداولة، لكن منتقاة بشكل يتناسب ويكمل هدفه الرئيس ألا وهو تزكية الاخلاق، حقيقة لايوجد ميثاق يجبر مبدعي أدب الطفل على الالتزام الخلقي، فيما يعرضون ويقدمون من إبداع ولكن الأمر برمته يرجع إلى ما سيتعرض له من نقد لكل ما يقدمه فيما إذا خرج عن الحدود الأخلاقية وتخطى قواعد الالتزام والآداب.

المحتوى الذى يقدمه المبدع يعتبر العنصر الخلقي هو عموده الفقري الذى يقوم عليه والأساس الثابت الذى يهتم بأن يبنى عليه كل عناصر قصته  بداية من اعتماده على شخوص وأبطال من الضروري أن يتمتعوا في الأساس بالسلوك القويم الذى يتفق مع مبادئ المجتمع هذا فضلا عن  أن أحداث قصته لابد أن تسير وفق تسلسل طبيعي تدريجي يتفق ويتماشى مع  مبادئ الحياة ولا يخرج عن المألوف منها، و حتى عندما يطلق المبدع لنفسه العنان في الخيال ويحلق بعيدًا عن أرض الواقع هو في الأساس مرتبط بالكثير من القواعد الأخلاقية الثابتة التي يصعب عليه أن يحيد عنها  أو يتجاوزها ويتخطاها. 

يتميز أدب الطفل بأنه الوحيد الذي يشترك كل مبدعيه على مستوى العالم، ورغم اختلاف ثقافاتهم، بالتزامهم الأخلاقي رغم تفاوت وتدرج أشكال الالتزام ولكن بصورة عامة من النادر أن يحدث تجاوز، ذلك لأنهم جميعًا، يدركون أن قصصهم  ورواياتهم وحتى أشعارهم الموجهة للطفل ماهي إلا قواعد وأسس  يساندون بها الأسرة والمجتمع في بناء أجيال قوية جميلة خلقيًا.

تتنوع وتختلف المسميات الأخلاقية التي يتبناها أدب الطفل، فتارة نجد المبدع يعلى من شأن صفة من الصفات الحميدة مثل الصدق والأمانة والشجاعة والإيثار والتعاون وغيرها، وهو لا يعلن  صراحة عن تبنيه مبدأ خلقيًا يدافع عنه ويقدمه عبر أحداث قصته، لكن يظهر ذلك جليًا وواضحًا عبر اللغة المستخدمة والحبكة التي يعتمد عليها وخلال تسلسل الأحداث الذى يسير عبره ليصل إلى نتيجة مرضية عقلانية يرفع من خلالها إحدى القيم الأخلاقية، حتى وإن لم يظهر ذلك صراحة.

في كثير من الأحيان، لا يكتفي المؤلف بتقديم مبدأ خلقي واحد عبر قصته فبعضهم يحاول تقديم مجموعة متكاملة ووجبة كاملة من المواقف التي تدعم إحدى القواعد الأخلاقية  العامة أو المنتشرة في البيئة التي ينتمى إليها المبدع، أو حتى يسعى إلى نبذ صفة سيئة بأسلوب يتميز بالسهولة في العرض و الروعة  في التقديم. 

مر أدب الطفل عبر تاريخه الطويل بالكثير من مراحل التطوير،  وتأثر بالمواقف الزمنية والأحداث المتنوعة واختلف شكل وأساليب التعبير وطرق السرد ونوع الحبكة وطرق  التناول والعرض، لكن كل ذلك لم يؤثر بأي حال من الأحوال على عموده الفقري وهدفه الرئيس ألا وهو تزكية الأخلاق والارتقاء بها، فلاتزال هي المهيمنة والمسيطرة على فكر وتوجه وهدف كل مبدعي أدب الطفل.

*كاتبة _ مصر
Shah_anp2000@yahoo.com

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود