405
1673
1265
0653
01891
039
063
071
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11884
05554
05551
05165
04854
0إعداد_حصة البوحيمد
تشكل الثقافة عاملاً مهماً في حضارات الأمم وتطورها، وفي ظل هذا الركض المعرفي الذي يشهده حاضرنا، نرى يومياً عشرات الإعلانات عن دورات التنمية البشرية والعلوم المختلفة، إلا أن التدريب الثقافي المتخصص يكاد يكون شبه معدوم أوغير مجدي؛ لكونه لا يتفق مع معايير الجودة في ظل مطالب مجتمعية ورؤى ثقافية تتطلب وجود الدورات التي تخرج لنا أجيالاً واعية ثقافياً وذات حسٍ أدبي، وتنمي مهارات أصحاب المواهب الأدبية التي تحتاج الدعم المعرفي المقنن لمواهبهم الواعدة لترسم لهم طريق الإبداع بأيدٍ مؤهلة وأهداف قياسية بعيدة عن الارتجالات والاجتهادات الشخصية، هنا وعلى مائدة الحوار الفرقدية نسبر أغوار هذه القضية بمشاركة نخبة من الأدباء والأديبات من خلال المحاورالمطروحة:
*الدورات لا تناسب جميع الطبقات والثقافات
_يجيب الروائي جابر محمد مدخلي على محاور اللقاء بقوله:
في البدء علينا النظر إلى ما يمكننا فهمه واستيعابه من التدريب الثقافي، وإلى ما يرمي إليه؟ وما النتائج المرجوّة منه؟ ومن يقوم على هذه الدورات؟ وهل المدرب مبدع مُمارس للعملية الإبداعية الكتابية، أو الشعرية، أو النقدية، أم هو مجرد مُعلم صف!؟
هذه التساؤلات وغيرها ذات الصلة إذا ما استطعنا تحليل إجاباتها الميدانية لا الورقية أو (الاستبيانية) كل إجابة سؤال على حدة، فعندها سنتوصل للحلول التي ستجبرنا على إعادة النظر بالمستهدفين الواجب تطويرهم والعمل عليهم -وبرأيي- لن يخرج المستهدفين لأي برنامج تدريبي عن صنفين: مبدع، وموهوب.. ولن ترقى وتنجح الدورات التدريبية التطويرية للحركة الإبداعية خارج إطار هذين الصنفين؛ لأن الكتابة الإبداعية ليست عملية تعليمية وإنما هي ذاتية بالمقام الأول، ودافعية تحفيزية لكل مبدع أصيل، أو موهوب يمكن إجراء فحوصات كثيرة ومتعددة على موهبته للتأكد منها بهدف ترقيتها وتطويرها لرتبة إبداعية. وأما الذي يجترّ الكتابة اجترارًا ويحلم بتعلمها مع خلو نواة موهبتها من داخله فهذا يمكنني تسميته بـ (مجتهد كتابيّ) وليس مبدع، أو موهوب حقيقي، وتسمية من أنهكوه بالتدريب بالمستثمرين.
وإذا ما خلُصنا إلى هذه الخلاصات يمكننا الحديث عن الدور الريادي المنوط بالجهات الثقافية وفي طلائعهم وزارة الثقافة وهيئاتها التابعة –كل فيما يخصه- وخروج هذا الجزء المُهم الموضوع أصلًا لبناء إبداع حقيقي عن متابعة الوزارة، كما كان يحدث هذا الخروج سابقًا بشكل ملحوظ، وما زال يحدث اليوم بشكل طفيف. هذا الخروج الفردي الربحي الذي لا يقدم كاتبًا رائعًا، ولا نتاجًا جيدًا؛ لأن المُدربين في كثير من هذه الدورات الاجتهادية أو الخارجة خالي الذهن مهما أظهر من مؤثرات، وكذلك غير ممارس للعملية الإبداعية إلا النزر اليسير منهم. فالكتابة الإبداعية أو الدورات المتعلقة بها لا يمكن تكييفها على جميع طبقات المشاركين، ولا على مستوى ثقافاتهم، ولا يمكن إشراك كتّاب متفاوتين في تجاربهم الإبداعية بدورة واحدة -كما يحدث اليوم- كونها لن تتناسب مع ما هم فيه من قُدرات وإمكانات؛ لأنني على يقين تام أنّ ما يتم تقديمه بين حين وآخر إنما هو تكرار لقواعد كتابية يعيها أصغر الكُتّاب، ولهذا آن لبوصلة التدريب الإبداعي أن تتجه بمشهدنا للاتجاه الصحيح.
وحتى نصل بالدورات الثقافية لأعلى مراتبها علينا أولًا إعداد مدربين انتمائهم الأصيل لهذا المجال؛ لأن الساحة تفتقر لهذا النوع المتخصص الذي أفنى سنوات كثيرة من تجربته في الكتابة ليكون بذلك قد خبرها وعلِم بمكامنها وخرائطها، ولأجل أن يقدم منهجًا تدريبيًا علميًا قائم على مرجعيات، وبرمجيات، ونظريات في الكتابة المتطورة كل يوم. ثم علينا ألا نعول على الجهات والمؤسسات الثقافية الصغيرة التي تهتم بنقل وتوثيق الخبر الصحفي عما تقدمه أكثر مما هي طامحة في إنجاز عمل مهني وإبداعي له مخرجاته، وخططه على أرض الواقع، ونواتجه الملموسة والحقيقية–بعيدًا عن ذكر مؤسسة ثقافية بعينها- لذا حتى نقدم برامج تدريبية بجودة عالية علينا بناء خطة ميدانية لما تم تقديمه حتى اليوم، وما الأخطاء التي اتُبِعت في مثل هذه الدورات؟ ثم كيف يمكن علاجها من خلال سؤال استطلاعي ميداني وواقعي لكل المتدربين بكل دورة .. وحينها أكاد أجزم -سلفًا- بالنتيجة لهذا الاستطلاع أنّ المشاركين الذين نبت لديهم حماس كبير في بداية كل برنامج أو دورة تدريبية لتطوير مهاراتهم ومواصلة نتاجهم قد خفتت لديهم، وأن ذلك الحافز بعد مضي أيام قليلة من برنامجهم أو دورتهم تلك قد انتهى مفعوله. ولكن إن أتينا لسؤال شريحة أخرى عملت عليهم مؤسسات متمكنة كما يحدث في المعتزلات الكتابية التي تنظمها الجوائز العربية كالبوكر، وكتارا، ووزارة الثقافة ممثلة بهيئة الأدب والنشر والترجمة مؤخرًا .. وغيرها، أو البرامج التي ترعى الموهوب والمبدع في شتى مجالات الثقافة منذ نشأته واكتشافه إلى بداية إصداراته وإنتاجاته الإبداعية كما يحدث في كثير من بلدان العالم فإننا سنجد بونًا شاسعًا في الحافز والحماسة.
وأعود أخيرًا لأبعث نداءات مُحاطة بالتفاؤلات للجهات المسؤولة والمعنية بمثل هذه البرامج بضرورة إعادة ترتيب هذا المصدر الخام والهام في بناء مشهدنا الثقافي وتغذيته بمثقفين لمستقبلنا ومستقبل إبداعنا وأدبنا السعودي. وأثق جدًا وجيدًا بما قد تقدمه هيئة الأدب والترجمة والنشر في هذا الإطار وتحديدًا حين تضع نصب عينها مستقبل الثقافة السعودية ونواتجها وفق هذه البرامج المنظمة والمعتمدة والناهضة بالثقافة والإبداع.
*قلة الوعي بأهمية الدورات سبب في ندرتها
_وترى الكاتبة د. سلوى الأمين من لبنان أن:
للثقافة أوجه متعددة يمكن اكتسابها إذا درب الإنسان المتعلم نفسه على أخذ المكاسب من العلوم الإنسانية والمعارف كلها، بحيث لا يعيقه أي منها لو أراد اكتساب المهارات الثقافية.
والعلم وحده لا يصنع مثقفاً أو مبدعاً، فالثقافة اكتساب معارف يتدرب عليها الإنسان ليزيد علومه ثقافةً واسعة، لا تكون محدودة ضمن الكتب التي تلقى منها علومه التخصصية، لهذا ليس هناك من مانع من إقامة دورات لتثقيف الإنسان وزيادة معلوماته العابرة لكل المعارف.
أما سبب ندرة الدورات الثقافية في المجتمع، وهنا دعوني أتحدث عن واقعنا اللبناني، فيعود إلى عدم الاهتمام بإنشاء هكذا دورات تخصصية، وذلك يعود لكثرة الجمعيات والنوادي الثقافية والأدبية المرخصة من الدولة، التي تهدف إلى إقامة الندوات الأدبية والأمسيات الشعرية أو مناقشة أي إصدار جديد فقط لا غير.
طبعاً الخلل لا يكمن في قلة المدربين المتخصصين، الذين يأخذون على عاتقهم الاهتمام بالإبداع الفكري والمعرفي، بل يعود لقلة المعرفة بأهمية تلك الدورات وما تنتجه، من خلق مجتمع فاعل لتطوير ثقافة المجتمعات الآيلة إلى الإرتقاء، وربما يعود السبب إلى أن طبقة المثقفين في الوطن العربي، هم طبقة مهمشة لا حول لها ولا قوة، وبالتالي وزارة الثقافة هي من أفقر الوزارت موازنة، هذا ما يحصل في بلدي لبنان، لهذا لا يمكن للمثقف تقديم اقتراحاته وخبراته كي يكون عضواً فاعلاً في مجتمع طغى عليه التفكير المادي، وباتت الثقافة في الدرج الأوطى، ونحن نعلم عبر تاريخنا العربي مدى اهتمام العرب بالشعراء والأدباء والفلاسفة وأهل العلم، وقد برز منهم العديد في مختلف الميادين وشكلوا حضارة مازلنا نعيش على أمجادها. أما اليوم فالوضع مختلف تماماً، خصوصاً أن صاحب الموهبة لا يلقى اهتماماً كما أن المبدع لا يلقى اهتماماً من الدولة ومساعدة كي ينتج ويبدع، لهذا علينا أن نؤسس لحراك يتم تمويله من الدول العربية المقتدرة، كي نعيد مجداً لنا سلف وكي نهتم بأصحاب المواهب والمبدعين.
إن الإعداد لمثل هذه الدورات يتطلب وعياً متكاملاً بأهميتها وضرورتها في ظل العولمة وانفتاح العالم على بعضه البعض، بحيث لا يجوز التلكؤ عن ركب الحضارة العالمية في زمن نملك فيه الثروات البشرية والمعدنية والبترولية، فنحن أمة عرفت عبر التاريخ بعلومها المتحضرة وتاريخنا يشهد على التراث العلمي والأدبي والشعري الذي ما زلنا نواكبه حتى عصرنا الحاضر، لهذا المطلوب من وزارة الثقافة في بلادنا الاهتمام بخلق جيل واع لأهمية الجودة الثقافية من مختلف فئاتها، حتي نستطيع خلق مدربين متمكنين من الاهتمام بإزالة العوائق أمام المثقف والمبدع والموهوب، حيث من خلالهم نستطيع تجديد الحضارة العربية وبعثها، وإطلاقها من القمقم التي نامت فيها زمناً ليس بالقصير، من أجل أن نستعيد زماناً غابراً تجلى كأحسن ما تكون العصور، فنحن لا ننسى ما نتج خلال العصور العربية من فكر وأدب وشعر وفلسفة وعلوم ما زلنا نعب منها حتى تاريخنا هذا، لهذا لا بد من تعميم فكرة الدورات الثقافية بجعلها هدفاً يرتجى في بلادنا العربية على أن تكون دورات تدريبية للعقول ولاكتساب الثقافة المتنوعة، لأن الثقافة جهد ذاتي وأكتساب معارف في نفس الوقت، لهذا علينا أن نهتم بتدريب الأجيال الجديدة أجيال الانترنت والتواصل الاجتماعي، عبر برامج تثقيفية تشرف عليها وزارة الثقافة وتنميها من أجل خلق جيل يعي حاضره ومستقبله ويستفيد من ماضيه، وللأسف الثقافة في عالمنا العربي تمر بمراحل متدنية في ظل انصراف الجيل الجديد إلى الاستعمال الخاطىء لوسائل التواصل الاجتماعي، هذا المنبر المفتوح الذي يمكننا الاستفادة منه في مختلف المجالات لتنمية قدراتنا الثقافية والفكرية والمعرفية، عبر إقامة دورات تثقيفية، تدرب العديد من الجيل الجديد على الإحاطة بكل ما يصدر في هذا العالم المحيط بنا من علوم ومعارف، باستطاعتنا تلقفها عبر الأنترنت أو عبر الدورات الثقافية المتخصصة، ومن الممكن الاستفادة من هذه الدورات عبر وضع الأهداف التي تغذي وتنمي ثقافة الفرد، عبر إطلاعه على ما يجري في هذا العالم المتصل اتصالًا وثيقًا ببعضه البعض، والهدف من ذلك تزويد الجيل الجديد بكل ما يثري معارفهم ويحسن مهاراتهم، كي تكون متآلفة مع العالم الجديد ، وكي تكشف لنا عن مواهبه الدفينة وإبداعاته، لأن الإبداع يلزمه البيئة الحاضنة كي ينفجر ويعلو وإلا يبقى مخفياً، وبالتالي نخسر نحن العرب نتاج العديد من المبدعين والموهوبين، أما الأهداف التي تحققها الدورات التثقيفية فتكمن أهميتها في أنها تجعل المشارك بها ملماً بما كان يجهله، لأنه مهما كانت ثقافته واسعة وشمولية بحاجة إلى تنظيم، وهذه الدورات تعين المتلقي على برمجة عقله لتلقي أهم المعلومات وتنظيمها وتنسيقها، لذا فهي ضرورية وتنعكس بشكل إيجابي ليس فقط على الشخص وإنما على المجتمع ككل، لأن المجتمع القابض على المعارف والعلوم هو مجتمع يسعى إلى نهضة الفرد والارتقاء به إلى أعلى، وحول دور الأندية والهيئات المختصة في التخطيط للدورات تعلق الدكتورة قائلة:
الدور الأول يقع على وزارة الثقافة والجامعات لجهة الإمكانيات المادية واللوجستية التي تملكها، لأن الأندية الأدبية والجمعيات الثقافية غير مؤهلة بإمكانياتها الضعيفة للقيام بهذه المهمة خصوصًا لدينا في لبنان، مع كل الأهمية بعقد هذه الدورات المتخصصة التي تساعد على التفكير بالمدى السريع للمستقبل الذي يتفاعل بخطى واسعة نحو التقدم العلمي والمعرفي والحضاري، ونحن في سباق دائم مع الزمن، لهذا علينا أن نسرع في التخطيط لمستقبل بلادنا العلمي والمعرفي، خصوصاً أننا كنا البادئين عبر التاريخ لاكتشافات في الطب والفلك والهندسة ومختلف العلوم الأخرى، التي ما زالت تدرس في أكبر الجامعات العالمية في أوروبا وأميركا، وأعطي مثالاً على ذلك ما قاله على منبرنا في ديوان أهل القلم حين كرمناه، عالم الفضاء اللبناني الأصل والأميركي الجنسية الدكتور شارل العشي رئيس مركز الدفع النفاث في وكالة الفضاء الأميركية ناسا: “إن العرب هم من وضع الأسس لعلوم الفضاء” لهذا يجب علينا التخطيط بشكل جدي وشجاع لإقامة هذه الدورات المتخصصة وتعميمها في جميع الدول العربية، وتبادل الخبرات المتمكنة، كي نخلق جيلاً واعياً يهتم بصنع حضارة متميزة لهذا العالم العربي الغني بقدراته البشرية العلمية والمعرفية.
*وزارة الثقافة قطعت جهيزة قول كل خطيب
ويقول الكاتب محمد بن ربيع تعليقاً على ماتضمنته محاور القضية:
كل ما ذكرتِ هي أسباب تكمن وراء تلك الندرة، ولكن قبل ذلك يبرز لنا سبب أساس هو معضلة اتساع المدلول وتعدد الأنشطة التي تندرج تحت ذلك المدلول، فالثقافة هي كل مكتسبات الوطن الناشئة عن التعبيراللفظي أو اللوني وكل مكتسباته الناشئة عن التطبيق الحرفي أو الأدائي، وهذا يجعلنا أمام قائمة واسعة جدًا من الأنشطة الثقافية تبدأ من الخط ومهاراته ولا تنتهي عند أقصى أركان المطبخ، وهي أنشطة لا يقدر على احتضانها كاملة إلا وزارة، وها قد وصلت الوزارة أخيراً، وشرعت في ترتيباتها، ومن بين ترتيباتها دورات التدريب التي أرتفع مستواها في بعض تطبيقات الأداء إلى الابتعاث وهذا أمر عظيم وننتظر المزيد والخير قدام.
جاءت وزارة الثقافة فقطعت جهيزة قول كل خطيب، إنها هي المعنية من وجهة نظري بتلك الدورات، وأتمنى أن تضيف إلى هيئاتها هيئة للابتعاث والتدريب إن لم تكن موجودة بالفعل وغائبة عني فقط. ولربما قال قائل والتعليم؟! فأقول التعليم مهمته سابقة للتدريب لأن قاعدته أوسع أما التدريب بالمعنى الذي فهمته في هذه المحاورة فهو شأن يلي مهمة التعليم وهو منوط بوزارة الثقافة. وفي هذه الحالة تقوم تلك الهيئة بمرحلة مشاريع التدريب وهي مراحل لن تخرج عن عموميات خمس هي:
1-حصر محتاجي التدريب
-2- تصنيف مجالاتهم والمؤسسات الثقافية التي تحتاج إليهم
3- الشروع في التدريب
4- توزيعهم بعد إتمام التدريب
5- وضع آليات لمتابعتهم.
وهذه الدورات ستقطع بنا نصف الطريق نحو تكوين القاعدة العاملة في المحاضن الثقافية (مبدعون أو حرفيون)وستكون قاعدة مدربة تحل محل قاعدة الهواة المجتهدين. لكن سوف يتبقى لنا بعد ذلك النصف الثاني من الطريق وهو المران، فالدُّربة والمِران سبيلنا إلى إكتمال القاعدة الماهرة، والمران يأتي بوضع هؤلاء المتدربين وجهاً لوجه مع ما تدربوا عليه فلا يصلح تدريب دون مران ولا يستقيم مران بلا تدريب.
وعن دور الأندية والمؤسسات والجامعات يقول: دورها يبدو جيداً ومهما في عملية المران، إنها معنية بإيجاد البيئة المناسبة للمران ومعنية باستيعاب المتدربين وفق المجالات المناسبة لها، على وزارة الثقافة أن تدرب وعلى تلك المؤسسات أن تستقبل أولئك المتدربين، وأن تمنحهم الثقة والميادين.
*الدورات لاتنتج مبدعاً ولكنها تشكل وعياً مجتمعياً
وترى القاصة ليلى عبدالواحد المرَّاني من العراق أنه: إذا شئنا وتحدثنا عن الثقافة ومعناها وأخذنا اشتقاق الكلمة من كلمة “التثقّف “فإنها تعنى الإطلاع وتعنى المعرفة، والاطلاع والمعرفة فى كل فروع العلم والأدب والدين والسياسة والفلسفة فليس مهما أن تقرأ كل شيء ولكن أن تعرف شيئاً عن كل شيء! فإذا تحدثنا عن الدورات الثقافية ورأينا وضعها على خريطة الواقع الذى نعيشه لوجدنا أنها قد تكون نادرة ونسبية وتختلف من مكان إلى آخر وفى نفس الوطن الواحد يختلف وجودها فى العاصمة عن الإقليم وفى القرية عن المدينة..
وتأتى ندرة هذه الدورات لأسباب كثيرة منها الاعتمادات التى يجب أن توفر لها وكذلك نوعية المثقف ألملم بموضوع الدورة والمتخصص أكاديمياً فى فروع الدورات المختلفة ومواضيعها سواء كانت فى فرع من فروع الأدب أو الفن اوالعلم أو الدين …الخ. ومن هنا نقول قد توجد دورات ثقافية ولكن ما العائد وما المردود الثقافى الذى تنتجه هذه الدورات؟
وغالبًا ما تكون الجهات الرسمية للدولة هي التي يعول عليها الإعداد لمثل هذه الدورات وكذلك كل الجهات الثقافية الخاصة تستطيع أن تنظم مثل هذه الدورات والتي تعتمد على مدربين قليل منهم المتخصصين وكثير هم الهواة !
فالمحاور الثقافية فى مجالات المعرفة المختلفة لا تقدم بشكل علمى مدروس يستطيع المتدرب أن يخرج منه بنتائج مفيدة لصقل موهبته أو دراسته، وهذا يأخذنا إلى ماهية الأهداف التي تحققها هذه الدورات ؟ هل تخرج لنا مبدعين في كافة نواحي الإبداع ؟
لا شك أن الدورات الثقافية لا تنتج مبدعاً، لأن الإبداع فطرة وموهبة والمبدع نادر الوجود ولكن نقول أن أهم أهداف هذه الدورات هي المساهمة في تشكيل الوعي الجمعي والمجتمعي الذي يحمله المثقف لمجتمعه، وإذا كان الوعي الجمعي للمجتمع وتشكيله من أهم الأهداف الثقافية والحضارية للمجتمع والذي يكون بمثابة التنوير للمستقبل وخطوة على طريق الحضارة فإن دور المؤسسات العامة للدولة من هيئات ثقافية ووزارية وجامعية وكذلك الهيئات والمؤسسات الخاصة كنوادي الأدب والصالونات الثقافية وإتحادات الكتاب والمثقفين في كل دولة، كل هذه المسميات يجب أن تقدم دورات ثقافية متخصصة ومدروسة بشكل علمي وتقني وتكنولوجي حديث حتى يستفيد المتدرب ويصقل موهبته ويحصل على المعلومة التي تفيده فى تخصصه ومجاله ويحصل على خبرات أهل العلم والمعرفة في كل مجال، وإذا كانت الثقافة في المطاف تشكل وعي المجتمع فإن المثقف ينبغي أن يكون ضميرالمجتمع.
*المبدعون لا يتوفر لهم الدعم لعقد الدورات
ولعضو اتحاد كتاب مصر الشاعر حسن الحضري رؤيته الخاصة حول القضية حيث قال:
موضوع الدورات الثقافية يبدو معقَّدًا ومتشعِّباً بعض الشيء، ولا سيَّما في السنوات الأخيرة، في ظل انتشارمواقع التواصل الاجتماعي، التي أَوْجَدت قطاعاتٍ عريضةً ممن أقحموا أنفسهم في إنشاء مؤسسات ثقافية ليس لديهم رؤية صحيحة في إدارتها، وفي الوقت نفسه نجد أن وزراء الثقافة في بعض الدول غير متخصصين ولا تتوافر فيهم الموهبة أو الإبداع أو الخبرة، وبالتالي لا يعرفون الغثَّ من السمين مِن بين هذه المؤسسات، وأحيانًا كثيرة يدعمون المؤسسات غير الجادة أو التي لها توجُّهات أخرى بعيدة عن العملية الثقافية، وهذه المؤسسات تستطيع أن تفرض وجودها في المجتمع مستغلة مقدَّراتها التي تحصل عليها من الحكومات في بلدها، لكنها لاتستطيع أن تؤدي دورًا جادًّا لأن مجالها الحقيقي لا علاقة له بالثقافة؛ وإنما تتستَّر خلفها، فلا هي أفادت المجتمع ثقافيًّا ولا تركت المؤسسات الجادة تؤدي ذلك الدور، كما نجد في خضمِّ ذلك كله أنَّ المبدعين في تلك الدول مشغولون بأمورهم الحياتية وتدبير شؤون معيشتهم، فأصبح المشهد خاليًا لأصحاب العبث.
ومما سبق يمكن أن نؤكد باختصارٍ أنَّ الذين يتوافر لديهم الفكر والإبداع والرؤية الصحيحة لا يتوافر لهم الدعم اللازم للقيام بمهمَّة الدورات الثقافية أو (التثقيف المجتمعي)، والذين يتوجَّه إليهم الدعم مِن قِبل الحكومات في بلادهم ليس لديهم ما يؤهلهم للقيام بهذه المهمة، والمسؤول عن ذلك بصورة كلِّيَّةٍ هي وزارات الثقافة والتعليم والجامعات؛ التي يجب عليها الانتباه إلى هذا الأمر والقيام بمسؤوليتها تجاهه، ويمكن أن يتعاون معها (في حال جدِّيَّتها) كثيرٌ من المبدعين المثقفين الذين يعرفون معنى الإبداع ويدركون أهمية العملية الثقافية وأبعادها ولديهم رؤية صحيحة تتواءم مع مجتمعاتهم في ضوء النهضة الحديثة التي يشهدها العالم، والسِّباق الحضاري الذي يدفع كل مجتمع إلى إحياء موروثه الثقافي الذي يعبِّر عن هويَّته، وبإمكان أندية الأدب أن تقوم بدورٍ كبيرٍ في ذلك و تم تنظيمها جيدًا وتوافرت لها الإمكانات والصلاحيات، لكن بعض الدول تقلِّص دور هذه الأندية، ولا توجد لائحة تنظِّمها بشكل صحيح، ولا سيَّما في الدول التي يتولى وزارة ثقافتها أشخاص غير متخصصين أو مؤهلين ثقافيًّا وأدبيًّا للقيام بأعباء هذه الوزارة.
ولا شك أن مثل هذه الدورات الثقافية لو تمَّ الإعداد لها بطريقة صحيحة؛ فإنها ستكون وسيلة جيدة وقوية لنشرالوعي المجتمعي، والقضاء على الغزو الثقافي الذي يلاحق بلادنا العربية والإسلامية، والحفاظ على التراث الثقافي والهويَّة المجتمعية، وتنشئة أجيال جديدة قادرة على استثمار ذلك التراث في النهوض بالعملية الثقافية من خلال منتَجٍ ثقافي وأدبيٍّ يعبِّر عن هويَّتنا ويُعيد أمجاد أمَّتنا، ويردُّ إليها صدارتها الثقافية والعلمية التي كانت مصدر رفدٍ وعطاءٍ لغيرها من الأمم والشعوب على مدى قرون طويلة في العصور السابقة.
*الثقافة قوة ناعمة تحتاج إلى التبني و البناء
ويفيد القاص و الناقد صالح الحسيني مجيباً على محاور القضية بقوله:
– لن نكن منصفين إذا وصفنا الأمر ب ” الندرة“؛ لوجود عدد من الدورات التثقيفية التي قدمتها بعض الأندية الأدبية و كذلك بعض فروع الجمعية العربية السعودية للثقافة و الفنون، و بعض الجهات المتبنية لورش العمل الأدبية، و الحلقات النقاشية حول الأجناس الأدبية و الأنواع الفنية فيها، والفنون التشكيلية و البصرية.. – على سبيل المثال–، و لكنها قدمتها على استحياء!، و التقصير – لا شك – موجود من بعض الجهات المتخصصة في إثراء المشهد الثقافي بالبرامج الإثرائية سواءً في جانبها النظري أو التطبيقي، و بخاصة الأندية الأدبية، فهي مقلة في هذا الجانب بشكل ملحوظ!، و هي قد لا تعده من جوهر مهامها، رغم أنه قد نص على ذلك في اللائحة المعدلة لعمل الأندية الأدبية؛ حيث طغى تنظيم: الملتقيات النقدية، و الأمسيات، و اللقاءات، و طباعة الكتب؛ على مسألة و أهمية البرامج التدريبية و تنمية المواهب الأدبية. أما عن المدربين فهم متوفرون نوعاً ما، و لكن ليس هناك ما يحفزهم على التدريب لقلة التنسيق للبرامج التدريبية في الجانب الأدبي تحديداً، و ضعف الدعوات لتقديم برامج تطبيقية تُعني بالتعرف على كتابة الفنون الأدبية أو البصرية أو التشكيلية.. إلخ. و هناك جهات تبنت هذا المجال و سعت فيه سعياً يحمد جهدها فيه، و خاصةً في جوانب تعزيز أهمية القراءة، و مطالعات الكتب. أما في ما يتعلق بالاعتماد والتراخيص فهذه جوانب إدارية لا أعتقد أنها سبب رئيس في قلة تقديم الدورات التدريبية.
ويسند الأستاذ صالح مهمة التنظيم لهذه الدورات إلى وزارة الثقافة من خلال: برامجها المتنوعة، و هيئاتها المتخصصة التي أنشأت مؤخراً، مناسبات معارض الكتاب التي تستمر إلى ١٠ أيام، الأندية الأدبية، فروع الجمعية العربية السعودية للثقافة و الفنون، المراكز الثقافية، مراكز الفنون. و المحاور الأنسب: ماهية موضوع الدورة التدريبية..، تاريخه، أهميته الثقافية، سماته، عناصره، مكوناته و أدواته الفنية، مدارسه، تجارب رواده، موقعه في الإعلام الجديد، الجوائز التي خصصت و تخصص له.
والأهداف التي سوف تحققها متعددة و متنوعة منها: تنمية المواهب، تعريز النتاج الأدبي و تقييمه و تقويمه، بناء جيل واعي، مثقف، مدرك لتطور العلوم و الحياة، المساهمة في ترجمة المتميز منه، تحقيق التواصل الحضاري من خلاله، و كذلك البعد الإنساني، عرض ثقافة المجتمع و قيمه، المنافسة على الجوائز العالمية كما رأينا – مثلا“- في جنس ( الرواية )؛ كفن رحب المدى.
ودور الأندية الأدبية، و فروع جمعيات الثقافة..، و الهيئات المتخصصة، والجامعات، هو: التبني الحقيقي لهذه الدورات، و التخطيط الأمثل لها، المبنى على أسس علمية و منهجية مناسبة لتحقيق الهدف المرجوّ منها. بشكل برامج دورية؛ فالثقافة قوة ناعمة تحتاج إلى التبني و البناء، والتقويم.
*المنظور الأمني أدى إلى تكاسل المنوطين بانعقاد الدورات
ويوضح الروائي المصري محمد البنا سبب ندرة الدورات الثقافية والأدبية بقوله:
المشكل يتلخص ببساطة في الإدراك القاصر للمسؤولين فيما يمكن أن تقدمه هذا الدورات الثقافية التخصصية من فائدة عظيمة للمجتمع ككل، وتخوفهم– المبالغ فيه وغير المبرر – من نظرتهم لها ليس ككونها تدريبية، وإنما كونها دورات توعوية قد تؤدي إلى تفلتات تحررية فكرية تخالف التقاليد والأعراف ومبادئ الدين المعتمد للدولة، بمعنى آخر النظرة لهذه الدورات من منظور أمني بحت، يؤدي إلى تكاسل المنوطين بانعقادها او الاشراف عليها، بل وربما يستفحل الأمر فيبلغ مداه الا وهو تخوف المسؤولين أنفسهم من العقاب وما قد تجره عليهم من ويلات هم في غنى عنها، لذا ينبغي على الطبقة المثقفة الحقيقية حمل لواء الثقافة، والعمل الدؤوب على تهدئة مخاوف السلطات الأمنية والدينية في آن بكل الطرق المتاحة والمشروعة، والنأي بأنفسهم عن الصراعات البينية، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الفردية الآنية، وبرهنة أن الفكر المتطرف أيا كان نوعه او منشأه لا يتصدى له إلا الفكرالمستنير، فيدمغه بالحجة والدليل القاطع.
*الجهود لا زالت قاصرة دون المأمول
ويؤكد الكاتب خُزام الشهراني من فريق صالون ضاد الثقافي على أهمية الثقافة والتأصيل لها بقوله:
لا يخفى على عاقلٍ دور الثقافة في مختلف المجتمعات ومدى إسهامها في تقديم هوية مجتمعٍ لآخر، والتعريف به، والكشف عن عقول ناسه ومكنونات نفوسهم وحصيلة معرفتهم، وعمقهم المتجذّر في التاريخ، ومجتمع بلا ثقافة هو مجتمع بلا هوية، والحديث في شأن الثقافة واسع ويتشعب بقدر ما تسعى لتغطية جوانبه، لاسيما وأن الثقافة تشكّل بظنّي الرأس الثالث في مثلّث تكوّن كل مجتمع؛ فهي الرأس الثالث بجوار الشأن السياسي والآخرالاقتصادي.
واليوم لا يخفى أيضًا على أحدٍ ضرورة غرس أهمية الثقافة والتثقيف في نفوس العامة والنشء والتأصيل لها بكونها رافداً أصيلاً في إبراز معالم مجتمعاتنا، وهذا كلّه لا يتأتى إلّا من خلال التحفيز والتدريب ونشر الوعي بين الأفراد والمؤسسات. والعصر الذي نعيشه اليوم صار ضرورةً أن يعرف أحدنا من أين وكيف ينتهل مادته الثقافية وهنا يبرز دور الدورات الثقافية والمحاضرات المعرفية وإنشاء مراكز ثقافية متاحة للعامة دون استثناء للانخراط فيما تقدّم من إسهام معرفي ومعلوماتي يصقل شخوصنا الثقافية ويسهم في تكوين مجتمع معرفي متوثّب ومدرك لمجريات الحياة بعمومها والأحداث بخصوصها.
والتعويل كل التعويل صراحةً على وزارة الثقافة مشكورةً في تهيئة البيئات المناسبة والمحاضن المعنيّة لتبنّي مثل هذه الدورات وتكريس الجهد من قبل المعنيين من مثقفين ومسؤولين وكل من لهم باع في هذا المجال لإقامة الدورات والمحاضرات والدروس النافعة والتي تعود على الفرد والمجتمع بالنفع.
وللمراقب والمطّلع أن يعدد ما شاء من الأهداف المرجو تحقيقها في حال الانتشار الثقافي والمعرفي والخروج من دوائر النخبوية في صناعة جيل يعي حقوقه وواجباته المجتمعية، وعلاقته بربّه والبشر والكون بأسره، وأيضًا من الجليّ أن مثل هذه الدورات لها دور هام وبارز في مثل هذا الوقت بالتحديد كونه الفترة التي يقفز فيها وطننا الغالي نحو تحقيق رؤيته الطموحة ٢٠٣٠. وذلك لتقديم وطننا وإنسان مجتمعنا بالصورة اللائقة والمشرفة للآخر. فالشعوب بمعارفها تُعرَف، وبثقافاتها تتميز، وما الثقافة هنا أو هناك إلّا الجسور المتينة التي يعبر من خلالها الإنسان من داخل أسواره إلى خارجه وهو مايكشف ماهويته لغيره.
ختامًا ينبغي أن لا ننسى الدور المناط بالأندية الثقافية والجامعات والمكتبات العامة في تأسيس جيل واع مثقّف ونهم للمعرفة ومُحِب للاطلاع. وهي حقًا من الجهات المشكورة على الكثير من الجهود المبذولة ولكنها لا زالت قاصرة دون المأمول وعن مسابق الزمن نحو صناعة مجتمع مثقّف، مجتمع متوثّب، مجتمع يبتدئ تاريخه المتين من نواة تكوينه الثقافي.
التعليقات