3165
02300
02097
01078
0264
081
0251
0189
0118
0148
0169
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11769
04707
04351
174206
03818
0
فيتشر/ صالح الحسيني
ما أن يذكر “العطر” حتى تتجلى في سماء “الشعور” وجدانية الأُثر..، و حينما تتباهى أسماؤه و مكوناته و تفاصيله، تتعمق في “الروح” كيميائية التأثير.. ما بين التاريخ و الجغرافيا و الجيولوجيا و الأحياء و اللغة العربية و الموروث الشعبي و الإرث المكاني و الثقافة و الأدب.
حل “العطر”عنوانًا لتفاصيل عدة، ترتبط بالإنسان، و تترابط مع الجمال..، حتى بقي مقيماً في ثنايا الكتب، و قائماً في عطايا الشعر..، و ركنًا من أركان التطور..، مع هوية موحدة تعكس ميل البشرية إلى الدهشة، و نكوص الشخصية إلى العبير الذي تحول إلى فيضان من الذاكرة، شهدت له العصور و استشهدت به المحافل..
يحكي أن:
امرؤ القيس في بواكير عشقه التاريخية يأسره من محبوبتيه أم الحويرث و جارتها أم الرباب رائحة المسك الممتزج بالقرنفل:
كَـــدَأْبِكَ مِــنْ أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْـــلَهَـا
وَجَـــارَتِــــهَــا أُمِّ الــــرَّبَــابِ بِمَأْسَـــلِ
إِذَا قَــــامَتَا تَضَـــوَّعَ المِسْــــكُ مِنْهُمَـا
نَسِيْمَ الصَّبَا جَاءَتْ بِرَيَّا القَرَنْفُلِ
و يعود لنا مرة أخرى وصفًا لأسلوب حياتهن الفخم، فمحبوباته من أولئك اللائي يطيبن مخادعهن بفتيت المسك:
وتُضْحِي فَتِيْتُ المِسْكِ فَوْقَ فِراشِهَـا
نَؤُوْمُ الضَّحَى لَمْ تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّـلِ
من (أسماء العطر) في معجم لسان العرب:
الطيب؛ الشذا؛ الرائحة؛ العرف؛ العبق؛ الضوع؛ الفوح؛ الأريج و العبير، وكلها أسماء حاملة لدلالة عطرة.
ونجد فيه (صورًا) طيبة منها:
الريحان، الفاغية الخزامى، الغالية، السُّكُّ، والزعفران.
وفي (أوعية) الطيب نجد اسم: العتيدة لوعاء العطر
و تسمية القشوة لتلك القفَّة التي تجعل فيها المرأة طيبها، والجونة أنية سليلة مستديرة مغشاة أدمًا تكون مع العطارين يعدُّ فيها الطيب.
اللطيمة وعاء للمسك
و هذا عبيد بن الأبرص يؤكد و يقول:
وَ مِلْنَ إلَيْنَا بالسّــــــوَالِفِ وَ الحُـلَى
وَ بالقَوْلِ فيما يَشتَهي المَرِحُ الخَـالي
كَأنّ الصَّبَا جــــاءتْ بِرِيــحِ لَطِيمَةٍ
مِنَ المِسْكِ لا تُسطاعُ بالثّمن الغالي
وَرِيـــحِ خُزَامَـــى في مَذانِبِ رَوْضَة
جَــلا دِمْنَها سـارٍ منَ المُـزْنِ هَطّال
في اللسان اللاتيني اشتُقت كلمة (عطر) في اللغة الإنجليزية “perfume” من العبارة اللاتينية، “per” بمعنى “خلال” و”fumus” التي تعني “دخان”، وبعد ذلك أطلق الفرنسيون الاسم “parfum” على الروائح اللطيفة التي تنتقل عبر الهواء من البخور المحترق.
و في التاريخ ارتبط العطر بالدخان، وكان البخور أول أشكال العطر؛ إذ اكتشف قدماء العراقيين في حضارة ما بين النهرين – قبل نحو أربعة آلاف سنة – البخور لأول مرة. وجرى التقليد عندهم على حرق أنواع من الراتنجِ والأخشاب في مراسيم دينية، كما عرف عنهم فرك أجسامهم بسائل مُعطر يصنعونه من نقع الأخشاب العطرية في خليط من الماء و الزيت، و يحضر العطر عندهم كذلك في عملية تحنيط الموتى. و تاريخ العطر بوجه من الأوجه مرافق لمسار تطور البشرية، فأثره حاضر عند كل الحضارات عبر التاريخ.
فلدى المصريين اقتصر استخدام العطور على الطقوس الدينية كالتقرب للآلهة، وتعطير الأموات. وكان تداوله حكراً بين الكهنة و الملكات و زوجات الأمراء دون بقية الشعب.
و بلغت العطور ذروتها في عهد “كليوباترا” التي بوفاتها تراجع الاهتمام بها كثيراً.
حل الفينيقيون محل المصريين في تصنيع العطور، وتولوا نقل هذه الصناعة إلى اليونان الذين أسهموا في تطويرها و ابتكروا لكل منطقة في الجسم عطرا” خاصًا بها.
و وصلت العناية بالعطر حد الهوس في الحضارة الرومانية التي انتهى بها الأمر حد تعطير الأرضيات والجدران والحيوانات (الخيول، والكلاب…)، وكذا استخدام النوافير التي تخرج الماء المعطر في الحفلات.
” العطر عطرك
و المكان هو المكان
لكن شيئا” قد تكسر بيننا
لا أنت أنت
و لا الزمان هو الزمان”
فاروق جويدة
و مهما يكن من أمر الاهتمام ذاك، فالتاريخ يسجل للعرب الريادة في عالم العطور ليس في الجانب اللغوي فقط، ولا حتى في وضع الأمثال التي نذكر منها قولهم: “لا عطر بعد عروس” الذي قالته أسماء بنت عبد الله من قبيلة عذرة بعد موت زوج من بني عمها يدعى “عروس”. وقولهم: “أشأم من عطر مَنْشِم” ومنشم هذه عطارة، يقصدها المحاربون كي يغمسوا أيديهم في طيبها قبل التوجه للمعارك. وإنما في الاشتغال بالعطر صناعة و بحثاً وتجريبا؛ لدرجة أن تلك المعلومات والتفاصيل المتعلقة بأوصاف العطور، ومراكز إنتاجها في شبه الجزيرة العربية التي استهوت المؤرخين والرحالة اليونان والرومان من أمثال: هيرودوت، إسترابون، بيلينوس، التي تضمنتها مصنفاتهم. كانت أهم العطور التي يعتمدها العرب في المزج والتركيب هي: المسك و العنبر و العود و الصندل، وجُلها يُستورد من الهند و بلدان جنوب شرق آسيا و الصين.
وكان لهم باع في الكتابة عن الموضوع، منهم:
ابن النديم صاحب كتاب الفهرست يزودنا بقائمة لبعض المؤلفات العربية عن العطور مثل:
“كتاب العطر” لإبراهيم بن العباس.
“كتاب العطر” للحبيب العطار.
“كتاب العطر” للكندي، “كتاب العطر وأجناسه” للمفضل بن سلمة “كتاب رسالة في كمياء العطر” للكندي.
كما أن بعض القدماء أفردوا في مصنفاتهم أبوابا” وفصولا” للعطر؛ منهم:
ابن أبي حنيفة الدينوري في كتابه “النبات”.
أبو عثمان الجاحظ في كتابه “التبصرة بالتجارة”.
وابن العديم في كتاب “الوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطيب”.
ومما جاء في مصنفات العرب في هذا الباب الأصل الثلاثي لصناعة العطور، فهي إما أن تكون:
– نباتية توجد في صورة زيوت، تُستخرج من الأزهار و الأوراق و الثمار و اللحاء و الجذور.
– سوائل كثيفة القوام تفرزها بعض الأشجار أو في هيئة صلبة.- حيوانية و تُستخدم أصولا” ومواد تثبيت للروائح الأقل و الأخف خلال عملية الخلط، وتستخرج غالبًا من أعضاء بعض الحيوانات كغزال المسك (الآيل)، وحوت المن (Sperm Whale)، وقط الزباد (Cevet)، وقندس الماء (Beaver/ Cuttle Fish).
– تصنيعية؛ وعلة ابتكارها عائدة إلى التكاليف المرتفعة للعطور الطبيعية.
وقد اشتهرت ألمانيا حديثا” بتخليق هذه العطور من مواد كيميائية منها (الكلوروفورم، البنزين، الكحول، وثاني كبريتور الكربون…).
وقد ارتبطت نهضة العرب في صناعة العطور باسمين كبيرين في التاريخ العربي هما: جابر بن حيان الذي اكتشف طرقا” لفصل المواد الكيميائية مثل التقطير الخالص والتبخير والترشيح، ويعقوب بن إسحاق الكندي الذي عده البعض المؤسس الحقيقي لصناعة العطور؛ فقد أجرى تجارب مكثفة ناجحة لدمج عطور النباتات المختلفة مع مواد وخامات أخرى. و له مخطوط قديم بعنوان “الترفق في العطر” حظي بدراسة وتحقيق سيف بن شاهين بن خلف المريخي (وزارة الثقافة والفنون والتراث قطر/ 2010). يحتوي على عشرة أبواب (صنعة المسك، صنعة العنبر، صنعة الزعفران، صنعة الورس، صنعة الغوالي، باب آخر، الأدهان، عمل الكافور، صنعة السك والرامك، وعمل التصعيدات).
أورد فيها الكندي كيفية تحضير ما يبلغ 109 أنواع من الطيب والعطر. وفصل فيه أهم المركبات من الأعشاب والنباتات والحيوانات والمعادن، وطريقة مزجها واستخلاصها.. وما إلى ذلك، ما يجعل المؤلف دليلًا علميًا وعمليًا في العطريات.
و في العصر الحديث ارتبط العطر بالقارة الأوروبية، فمدينة جراس (Grasse) مركز هذه الصناعة وفرنسا المنتج الأول لأرقى العطور على الصعيد العالمي، ويقع فيها متحف “فراغونار” الوحيد من نوعه في العالم المتخصص في تاريخ العطور، ويضم ثلاثة آلاف تحفة عطرية تروي تاريخ الأدوات المستعملة في صناعة العطور منذ مصر القديمة حتى اليوم.
في أوروبا يشار إلى أربعة ملوك كان لهم بالغ الأثر في تطور العطور وهم: فيليب أوغوست وجان لوبون وهنري الثالث ولويس الرابع. كما أن الملك فرانسوا الأول من جهته شجع على مجيء الفنانين والعطارين للإقامة في فرنسا. هذا ولم تظهر كلمة عطر في الوثائق التاريخية حتى عام 1582، وانتشرت مع دخول عادة استعمال العطور إلى فرنسا أواخر القرن الـ 14.
وكان إنشاء أول مصنع للعطور في باريس باسم “هو بيغان” سنة 1755. حديثا” جدا”.
كان “فرانسوا كوتي” أول من نجح في خلط العطور الطبيعية مع الصناعية، وقدم أول العطور الحديثة عام 1905 تحت اسم (l’origin)، بعده بعشر سنوات أطلق العطر الشهير “Chypre” أحد منتجات أشهر المجموعات العطرية التي لا تزال قائمة اليوم.
منعطف آخر ينتظر هذه الصناعة مع حلول عام 1921 حين أقدمت مصممة الأزياء العالمية غابريال تشانيل (Gabrielle Chanel) على إطلاق منتجها العطري الخاص بها؛ أي الذي يوافق الأزياء التي تصممها ويكمل أناقتها، والذي كان من ابتكار إيرنيست بو (Ernest Beaux) وقد أطلقت عليه اسم تشانيل 5 لأنه كان الخامس في مجموعة العطور التي قدمها الرجل في سلسلة عطور تشانيل.
يقال : أنف الرجل مرتبط بثقافته، وتجربته، ومستواه الحضاري”.
قالوا عن العطر:
“لو كان لي الخيار بأن اختار لما كنت غير بائع للطيب فإن فاتني ربحه لم تفوتني ريحه”
الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -.
“يا زجاجة العطر اذهبي إليها، و تعطري بمس يديها، و كوني رسالة قلبي لديها”
مصطفى صادق الرافعي.
“جمال بلا حياء وردة بلا عطر”.
ألكسندر بوشكين
“العطاء هو أول عطر يخرج من شجرة الحب” .
أحمد بهجت
“إنا نحب الورد لكنا نحب الخبز أكثر ونحب عطر الورد لكن السنابل منه أطهر”.
محمود درويش
“لم أكن أعرف أن للذاكرة عطراً أيضاً هو عطر الوطن”
أحلام مستغانمي
العطر كالموسيقى، ينقلنا إلى أزمنة أخرى..، العطر بطاقة سفر إلى الذكرى، أو رحيل القلب إلى الحلم، للعطر صوت يهمس..
أذكريني”
غادة السمان
“دائماً ما يلتصق القليل من العطر باليد التي تعطيك الورود”
روبن شارما
“الفضائل الصغيرة لا تبهر و لكنها تفوح بالعطر.. إنها بنفسج الروح”
مدام نيكر
“زجاجة العطر تبكي في الليل؛ لماذا جعلوا مني وعاء لدماء أزهار ! ”
بثينة العيسى
“مشكلة العطر أنه يتحول إلى وجوه، أماكن، ألوان مشاعر، ابتسامات..، و هلم عطرًا.
عبد الرحمن ثامر
مختتم:
يروى عن الشاعر عبد الرحمن بن الحكم أبي العاص أنه قال في مشمولات الجمال لدى المرأة:
“هيفاء فيها إذا استقبلتها عجف
عجزاء غامضة الكعبين معطار
من الأوانس مثل الشمس لم يرها
بساحة الدار لا بعل ولا جار”
يبقى العطر العبير الذي يملأ ساحات البشر و آفاق التعامل و اتجاهات التعبير بسمو الهوية و رقي المعنى ..، ليظل أداة تواصل، و قيمة وصال، و مهمة أثر، تعكس صفاء النفس، و نقاء الروح.
التعليقات