مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

هل أصبحت الكتابة أسهل مما كانت عليه في أي وقت مضى؟ أجل! بل لقد أصبحت أسهل من أي …

‎اطفئوا شاشات جوالاتكم تضيء عقولكم

منذ شهرين

38

0

هل أصبحت الكتابة أسهل مما كانت عليه في أي وقت مضى؟

أجل! بل لقد أصبحت أسهل من أي عمل مهاري آخر، ولم يعد الكاتب محتاجا إلى فكر ولا لغة، وبالتالي لا حاجة لجهد يبذل في القراءة وتوسيع المدارك!.. ولم يعد الكاتب محتاجا إلى قلم.. يكفي أن يفتح جهاز هاتفه المحمول ليستقبل مئات الموضوعات مجهولة المصدر ليختار منها ما يشاء، وما عليه إلا إعادة نشرها كما هي حتى لا يتهم بالابتكار أو التأليف، ويعرض نفسه للمساءلة والمحاسبة، إذ لا يحق لأحد أن يحاسبه لأنه ليس كلامه، ولا أن يطالبه بالمصدر؛ فيكفي أن يقول إنها وصلته عن طريق (الواتس أب) أو عثر عليها في (الفيسبوك) أو (تويتر) ليتخلى عن أية مسؤولية!

وإن أراد أن يحيِّي أصدقاءه فليس في حاجة لأن ينتقي حروفه، ولا أن ينقحها، فهناك من تعب من أجل راحته وتوفير وقته!.. حتى في المناسبات التي يحرص الناس على إظهار مشاعرهم الصادقة الحميمية كالأعياد والأفراح والأحزان فإنه سيجد أقوالا منتقاة، وإن أراد أن يضيف إليها شيئا من الصور المعبرة فدونه العم (جوجل) إن لم يجد ضالته ملقاة في دروب الفيس أو تويتر أو الواتس أب!!

هل جاءت وسائل الاتصال الحديثة لتساعد من لم تسعفهم قدراتهم على الكتابة والتأليف؟ ومن تنقصهم القدرة على التعبير أو تخونه اللغة الرصينة؟ لا!.. فحتى المثقفون والأدباء والمفكرون لم يعودوا في حاجة للتأليف ولا لابتكار العبارات الرنانة ولا الجمل المنتقاة ولا الرسائل الخاصة!..

هل لديك صديق أكاديمي أو مثقف؟ اقرأ ما يرسله لك من تحايا الصباح أو المساء أو تهاني الأفراح ومواساة الأحزان؟ هل يأتي بجديد؟ أيصوغ جملة أو جملتين من تأليفه أو تعبيره؟ أم يجلب لك من العبارات (المعلبة) والمحفوظة في مواقع (النت) المختلفة؟!

تفرح أن تضيف إلى صفحتك الفيسبوكية أو التويترية أو مجموعتك الواتسابيةإن كنت من ذوي المجموعاتواحدا من المثقفين أو المفكرين لتستفيد من علمه وفكره وثقافته، لكنك ستصاب بخيبة أمل حين تبدأ في استقبال سيل رسائله التي لا تختلف عن كثير من رسائل أصدقائك الأقل حظا في الفكر والثقافة!.. موضوع قديم منقول مجهول المصدر أنهكه كثرة النسخ واللصق والتعديل حتى امتد الخطأ إلى آيات الكتاب الكريم وأحاديث الرسول الأمين.. وإن تطوعت وناقشت أحدا ممن أرسل لك شيئا من هذا فسيقول لك: (كما وصلني) أو (منقول) ويظن بذلك أنه يبرئ نفسه من مغبة الكذب والتلفيق!

دعونا نأخذ أمثلة مما يتبادله الناس على الواتس أب:

تحايا صباحية وتبريكات يوم الجمعة أنهت تماما الاتصالات الهاتفية الأكثر حميمية..

أخبار؛ إما من وكالات الأنباء فلا حاجة لها، وإما لا مصدر لها، وبالتالي فهي مجرد إشاعات..

كشف طبي مكذوب يراد من نشره الدعاية لطبيب مشعوذ، أو صيدلي تاجر..

مواعظ فيها الغث والسمين، وقد تعرضت في أثناء مراحل القص واللزق إلى تشويه، مع عدم الاعتناء بتخريج الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة..

طرائف سخيفة ونكات سمجة وساقطة أحيانا ليس لها من دور سوى إفساد الذوق العام للمجتمع..

المشكلة الحقيقية التي تواجه المثقف وغير المثقف أن الجميع اكتفى بقراءة وسائل التواصل الاجتماعي واستغنى بها عن الكتب والمجلات والدوريات النافعة وأصبحت تستهلك الوقت ولا تدع مجالا للكتابة والتأليف..

أيها الأحبة:  أطفئوا شاشات جوالاتكم لتضيء عقولكم!

 

*كاتب من السعودية

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود