206
0464
0236
0190
01523
1297
0172
0347
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11428
04669
03938
173156
0فيتشر العدد 85
إعداد_صالح الحسيني*
تتشكل اتجاهات المعرفة من أعماق الدوافع إلى آفاق المنافع .. وتأتي المواسم الدينية لتحقق غاية المراسم الأدبية في محافل الضياء من خلال فنون ثقافية تتربع على عرش “الإنتاج ” ..
تتخذ إمضاءات الروحانية لتفتح عوالم من الدهشة ومسارات من الإبداع، كما تتخذ من “الثقافة ” صرحاً يرتب “مواعيد ” الإمتاع الأدبي في قصائد خالدة ونصوص شامخة، إضافة إلى شؤون متنوعة من الأدب في القصة، والرواية، وكتب الرحلات، و السير ..
من آيات الله البينات عن بيت الله الحرام ما ورد في القرآن الكريم عن مناجاة سيدنا إبراهيم –عليه السلام–، ودعائه لربه – سبحانه وتعالى -: ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُون ) [إبراهيم: 37]
واستجاب الله تعالى لنبيه دعاءه، وأمره أن يؤذن في الناس بالحج
(وَأَذِّن في الناس بالحج يَأْتُوكَ رِجَالًا وعلى كُلِّ ضَامِرٍۢ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍۢ) [ الحج : 27 ]
ومنذ ذلك الوقت والقلوب يستبد بها هوىً جارف، وحنين طاغٍ، وشوق لهيف إلى بيت الله الحرام، وفي كل عصرٍ وآن كلما أحسّت النفوس من ذلك ريًّا، إذا بها يستولي عليها ظمأٌ شديد، وعطشٌ غلاب، يطالبها بمزيدٍ من الريّ، وبأضعافٍ من الإرتشاف.
فيما كان الشعراء وعلى مر العصور والأزمان، في مقدمة من ألهب الحج مشاعرهم واستثار أفئدتهم، فتغنوا في وصف هذه المكانة العالية التي تحتلها مكة المكرمة في نفوس المسلمين، وأبدعوا في الإفصاح عن شوقهم وحنينهم إلى مهوى الأفئدة، فلا تزال تشتاق النفوس إلى ُربى هذه الأرض المباركة، وتهفو القلوب إلى لقياها، فهذا هو الحج وهذه هي الفريضة العظيمة المقدسة، التي ألهمت الشعراء وجعلتهم يعبرون عما يشعرون به تجاهها، فكم مِن باكٍ شوقًا وتوقا، وكم من مشتاقٍ يتمنّى القدوم إلى مكة، ليحظى بالمبيتَ ولو ليلة بمِنى، أو الوقوف ساعةً بعرفه، أو ذكر الله في مزدلفة، أو عند رمي الجمرات، أو الرشف من ماءِ زمزم، أو الطواف بالبيت العتيق وسَكب العبرات، حيث تنزل الرحمات، فهذا الشوق المكنون يحدو المسلمون من أقاصي الأرض في كل أحوالهم، فيتحملون عناء الأسفار ومشاق الطريق و مخاطره، وتهون عندهم كل الشدائد للظفر برحلةٍ قدسيةٍ تقرِّبهم إلى الله، وتملأ قلوبهم طمأنينة، وتسكب في أرواحهم رياحين الرضا، إنه الشوق إلى أرض الرحمات، وأرض العطايا والهبات، حيث تُقال العثرات، وتُستَجَاب الدعوات، فحُقّ للنفوس أن تتوق، وللأرواح أن تحلّق أملاً في الوصال، حقًا إنها حالة دينية وروحية فريدة ومتميزة، تستثير نوازع النفس، وتستدر العواطف والمشاعر على أن تبوح وتشكو وتناجي..، فما أن تهل نسائم الحج حتى تهفو القلوب.. وتجيش الصدور.. حنينًا إلى زيارة بيت الله العتيق.. وشوقًا إلى رضوان رب العالمين.
قال ابن القيم – رحمه الله – يصف حال الحجيج في بيت الله الحرام:
فَلِلَّهِ كَمْ مِنْ عَبْرَةٍ مُهَرَاقَةٍ
وَأُخْرَى عَلَى آثَارِهَا لا تَقَدَّمُ
وَقَدْ شَرِقَتْ عَيْنُ الْمُحِبِّ بِدَمْعِهَا
فَيَنْظُرُ مِنْ بَيْنِ الدُّمُوعِ وَيَسْجُمُ
وَرَاحُوا إِلَى التَّعْرِيفِ يَرْجُونَ رَحْمَةً
وَمَغْفِرَةً مِمَّنْ يَجُودُ وَيُكْرِمُ
وقد سجَّل الشاعر أحمد شوقي بشعره كثيرًا من خواطره في المناسبات الإسلامية، التي استنبطها من وحي الحج في الشعر الإسلامي الحديث قائلاً:
إلى عرفات الله يا خير زائر عليك سلام الله في عرفاتِ
فإذا كانت الزيارة انتقالاً من مكان إلى مكان فإن زائر البيت الحرام هو خير زائر إلى خير مكان حقًّا
و يصوّر ( شوقي ) موكب الاستقبال لكل حاج بقوله:
ويوم تولى وجهةَ البيت ناضرًا
تزف تحايا الله والبركاتِ
على كل أفق بالحجاز ملائكٌ
رسائل رحمانية النفحاتِ
لدى الباب جبريل الأمين براحه
بكعبة قُصاد وركن عفاةِ
وفي الكعبة الغراء ركن مرحب
أفاض عليك الأجر والرحماتِ
واهتم الشعراء والأدباء بموسم الحج منذ قديم الزمان، حتى قبل الرسالة المحمدية وشيوع الإسلام في جزيرة العرب والعالم، فقد أولى الشعراء في العصر الجاهلي اهتمامًا بالغًا بالحج، وأفردوا له مساحات شعرية عبر ( سوق عكاظ )، الذي تنافسوا فيه، وفي عصر صدر الإسلام استمرت عناية الشعراء والأدباء بموسم الحج مرورًا بما بعده من العصور.. إلى عصرنا الحالي، الذي تبارى فيه الشعراء بنظم القصائد والأبيات الشعرية، التي تجسد المعاني والمشاعر الإنسانية؛ خصوصًا شعراء مكة والمدينة. واستجد على ذلك نظم الشعر الغنائي لموسم الحج، فكان شعراء الحجاز أمثال فواد شاكر، وأحمد قنديل، ممن كتب الشعر في هذه المناسبة وغيرها من المناسبات، وبرزت أشعار الزمخشري وقصائده الشعرية المرتبطة بموسم الحج منذ خمسينيات القرن الماضي. منها قصيدة «المروتين» وقصيدة «لبيك رب العالمين» وهي من أشهر قصائده الشعرية في الحج، و قد تنوعت اهتماماته الشعرية بموسم الحج ما بين وصف المشهد العام للحج، كثافة الحجيج، صعيد عرفات، مثل قصيدته «موكب الحجيج».
أهيم بروحي على الرابيه ..
وعند المطاف وفي المــروتينْ
وأهفو إلى ذِكَرٍ غـــــاليه ..
لدى البيت والخيف والأخشبين
فيهدر دمعي بآمـــــــــاقيه..
ويجري لظـــاهُ على الوجنتين
ويصرخ شوقي بأعمــاقيه..
فأُرســل من مقلتي دمــــــعتين
أهيــــــــــم وقلبي دقـــاته..
يطير اشتياقاً إلى المسجــدين
وصدري يضج بآهــــــاته..
فيسري صداه على الضـفتين
أما الشاعر فؤاد شاكر فيقول واصفًا اللهفة والحنين في قصيدته:
( الحج إلى بيت الله الحرام )
أهّلت بأفواج الحجيج المواكب
وخفّت إلى البيت الحرام المناكبُ
تدانت بهم من كل صقعٍ محافلٌ
وفاضت بهم من كل حدبٍ نجائبُ
مشاةً وركباناً على كل ضامرٍ
فمن كل فجٍ أدرك الحج طالبُ
الناس منذ ذلك النداء وهم يأتون ” من كل فج عميق ” قاصدين هذا البيت العتيق، تسبقهم أفئدتهم قبل أجسادهم، عن شوقٍ ومحبةٍ، لينعموا بهذه الرحلة الروحانية، فالمسلمون في كل مكان تتوق قلوبهم إلى رؤية بيت الله وتهيم نفوسهم شوقًا إليه، فقد جعل الله في الحج إلى بيته الحرام سرًا عجيبًا جاذبًا للقلوب.
أطوف به والنفس بعد مشوقة ٌ
إليه وهل بعد الطواف تداني؟!
وألثم منه الركن أطلب برد ما
بقلبي من شوق ومن هيمانِ
فو الله ما أزداد إلا صبابةً
ولا القلب إلا كثرة الخفقانِ
ومن بدوي الجبل قصيدة ( الكعبة الزهراء ) وهي التي يتخيل فيها رحلته إلى الديار المقدسة فيقول:
بنور على أم القرى وبطيبة
غسلت فؤادي من أسى ولهيبِ
لثمت الثّرى سبعًا وكحّلت مقلتي
بحسنٍ كأسرارِ السماءِ مهيبِ
وأمسكت قلبي لا يطير إلى (منى)
بأعبائه من لهفة و وجيبِ
كما زخرت كُتُب الأدب الإسلامي منذ عصر صدر الإسلام بالشعر عن رمضان حيث يصور أميرُ الشُّعَراء أحمد شوقي الصوم في كتابه “أسواق الذهب“: “الصَّوْم حِرْمان مشْروع، وتأديب بالجُوع، وخُشوع لله وخُضُوع، و لكلِّ فريضة حكمة. الصوم يستثير الشفَقة، ويحضُّ على الصدَقة، يكسر الكبْر، ويعلِّم الصبْر، ويسنُّ خِلال البِر، حتى إذا جاع مَن ألِف الشبَع، وحُرم المترَف أسباب المتَع، عرف الحرمان كيف يقَع، وكيف أَلَمه إذا لذع“.
وقد جادت قريحة الشعراء ترحيبًا بهلال شهر رمضان الكريم،
ويقول الشاعر الأندلسي ابن الصباغ الجذامي، احتفالاً بمقدم هلال رمضان:
هَذَا هِلالُ الصَّوْمِ مِنْ رَمَضَانِ
بِالأُفْقِ بَانَ فَلا تَكُنْ بِالوَانِي
وَافَاكَ ضَيْفًا فَالتَزِمْ تَعْظِيمَهُ
وَاجْعَلْ قِرَاهُ قِرَاءَةَ القُرْآنِ
صُمْهُ وَصُنْهُ وَاغْتَنِمْ أَيَّامَهُ
وَاجْبُرْ ذِمَا الضُّعَفَاءِ بِالإِحْسَانِ.
كما صوَّرَهُ الشاعر محمد حسن إسماعيل كضيفٍ عزيزٍ حلَّ وارْتَحَلَ، فيقول:
أَضَيْفٌ أَنْتَ حَلَّ عَلَى الأَنَامِ
وَأَقْسَمَ أَنْ يُحَيَّا بِالصِّيَامِ
قَطَعْتَ الدَّهْرَ جَوَّابًا وَفِيًّا
يَعُودُ مَزَارُهُ فِي كُلِّ عَامِ
تُخَيِّمُ لا يَحُدُّ حِمَاكَ رُكْنٌ
فَكُلُّ الأَرْضِ مَهْدٌ لِلْخِيَامِ
وَرُحْتَ تَسُنُّ لِلأَجْوَاءِ شَرْعًا
مِنَ الإِحْسَانِ عُلْوِيَّ النِّظَامِ
بِأَنَّ الجُوعَ حِرْمَانٌ وَزُهْدٌ
أَعَزُّ مِنَ الشَّرَابِ أَوِ الطَّعَامِ
والشاعر “أحمد سالم باعطب” يُرَحِّب برمضان؛ لما يحدثه من تغيير في الحياة، ولما يجلبه من الخير، فيُقبل بالرحمة التي تتسع لتنال الكونَ كله، فتنتظر النفوس مقدمه، يقول الشاعر:
رَمَضَانُ بِالحَسَنَاتِ كَفُّكَ تَزْخَرُ
وَالكَوْنُ فِي لأْلاءِ حُسْنِكَ مُبْحِرُ
يَا مَوْكِبًا أَعْلامُهُ قُدْسِيَّةٌ
تَتَزَيَّنُ الدُّنْيَا لَهُ تَتَعَطَّرُ
أَقْبَلْتَ رُحْمًا فَالسَّمَاءُ مَشَاعِلٌ
وَالأَرْضُ فَجْرٌ مِنْ جَبِينِكَ مُسْفِرُ
هَتَفَتْ لِمَقْدِمِكَ النُّفُوسُ وَأَسْرَعَتْ
مِنْ حُوبِهَا بِدُمُوعِهَا تَسْتَنْفِرُ
أما الشاعر “محمد حسن فقي“، فينتابه شعورٌ باليأس؛ لِما اقترفه من آثام في الأيام الماضية التي عاشها ملبِّيًا لنداء الغرائز والرغبات، ويتساءل: هل يمكن شفاؤُه مما أنهك قواه الجسميةَ والنفسية؟ ويتفاءَل الشاعرُ بقدوم شهر رمضان، حيث يحلُّ النعيم، وتغشاه الرحمات؛ ففي قصيدته: ” رمضان “
رَمَضَانُ مَا أَدْرِي وَنُورُكَ غَامِرٌ
قَلْبِي فَصُبْحِي مُشْرِقٌ وَمَسَائِي
أَأَنَالُ بَعْدَ مَثَالِبِي وَمَسَاوِئِي
بِكَ مِنْهُمَا بَعْدَ القُنُوطِ شِفَائِي؟
وَبِأَنَّنِي سَأْنَالُ مِنْكَ حِمَايَتِي
وَوِقَايَتِي مِنْ مُعْضِلِ الأَرْزَاءِ
مَا أَنْتَ إِلاَّ رَحْمَةٌ ومَحَبَّةٌ
لِلنَّاسِ مِنْ ظُلْمٍ قَسَا وَعَدَاءِ
وقد اتحدت المعارف وتجلت المشارف في وصف الشعور الروحاني في المواسم الدينية، التي تدفقت كينابيع معرفية لصناعة الثقافة على مر أزمنة عديدة..،و يصعب التطرق والالمام إلى كل ما قيل من قصائد وأبيات شعرية في وصف التمني والشوق إلى الديار المقدسة في مواسم الحج والعمرة، أو من خلال ما جادت به قريحة الشعراء على مر العصور عن رمضان، أو ما احتضنته المكتبات من إنتاجٍ أدبي، شكلت فيه المواسم الدينية نبعاً لا ينضب من تحفيز الأدباء لإنتاج إصدارات أدبية وقصائد شعرية وموشحات ثقافية ترتدي حلل “البهاء ” والزهاء.
*كاتب وناقد_ السعودية
التعليقات