351
0
122
0
832
1
1251
0
603
0
30
0
67
0
13
0
45
0
12
0
الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
12019
0
10986
0
10402
0
9291
5
7853
0
قال جميل بن معمر:
وَإِنّي لَأَرضى مِن بُثَينَةَ بِالَّذي لَوَ ابْصَرَهُ الواشي لَقَرَّت بَلابِلُه
بِلا وَ بِأَلّا أَســتَطــــــيــعَ وَ بِالمُنى وَ بِالوَعدِ حَتّى يَسأَمَ الوَعدَ آمِلهُ
وَبِالنَظرَةِ العَجلى وَبِالحَولِ تَنقَضي أَواخِرُهُ لا نَلتَقـــي وَأَوائِلُه
تشكِّل الأبياتُ السابقة لوحةً فنيةً منحوتة بالأسى، ومُخضَّبَةً بالألم النفسي للشاعر العُذري، بما تحمله من صراع داخلي يتماوج ما بين الشدة والهدوء والتأزُّم بين مكونات نَفْس الشاعر، حيث تتلبسه حالة من التوتر والاضطراب والقلق التي تترافد مع ألفاظه، وما تحمله من دلالات واضطراب وحركة؛ بين رغبة اللقاء والوصل بالمحبوبة، والتسامي فوق الرغبات والمعاناة التي يعيشها الشاعر من قَبولِه لهذا الهجْر.
يضعنا البيت الأوَّل أمام موازنة غريبة؛ بين رضا الشاعر بجفاء وهجر محبوبته بثينة (وإني لأرضى من بُثَيْنةَ بالذي). هذا الهجر الذي يستقبله الحاسد الواشي بالسرور والفرح والارتياح (لقرَّتْ بلابله)، المتربِّص لبهجة اللقاء، فإحساس الشاعر بالاستلاب وحالة الحصار النفسي التي أُحكِمَت حوله، والقمع للرغبات؛ سواءً مبعثها من الأعماق أو وشايات الصبابة زادَه وجعًا وانكسارًا، وما من شيء يُخشى عليه الفَقْد بعد محبوبتِه بثينة، فنراه شاعرًا مستسلمًا يعتريه القلق والهواجس والتوجُّس، مخافةَ ضياع الحب، لذلك رَضِيَ بما تهبه بثينه له.
فكيف يرضى المُحِبُّ بهجر الحبيب؟
(وإني لأرضى) هذا الانفجار الصوتيُّ في انطلاقة البيت ملازم ملازمةً حقيقية للكبت المفعم والمكتنز بالآلام التي يتلذَّذ بها الشاعر برضاه عن هذا الهجر، وكما قال جورج إليوت: (لا نرى مدى عمق الحب إلا وسطَ ألم الفراق)، هذا الإحساس القَلِق المتجذِّر في حنايا الروح، الذي تلمَّسناه في البيت الأول ناتج عن صراع تلك الرغبات في نَفْس الشاعر، إذ تعكس كلماته صدى الانفعال الداخلي في مقاومته رغبة اللقاء والرضا بالبُعدِ والتلذُّذ به؛ لينثر في البيت الثاني مفردات الرفض والامتناع (بـ«لا» و«ألا أستطيع»).
وفي لحظة ضعف تتسلَّل إلى نفسه رغبة اللقاء المكبوتة بمحبوبته فتتهاوى أمامه كل المحاذير، وتتوالى عليه مشاهد الشوق وحرارته، وبــ(المُنى)، لكنه يعود ليَئِدَ تلك الرغبة بقوله: (حتى يسأم الوعد آمِلُه) إشباعًا للرفض وتأكيدًا له، ليُلغيَ ملامح الفرح ويمنح للحزن حياةً؛ فما ذاك اللقاء إلا أمنية يتعذر تحقيقها، مما يقضي بفناء الشاعر في حبه، والتلذُّذ بالمعاناة في الحب قناعةً منه بهذا القدر، فالحب العذري كما يقول يوسف خليف: (صراعات بين الجسد والروح، يتحول في نَفْس العاشق إلى رغبة مكبوتة)، وبذلك يُصبِح البحثُ عن اللذَّة في آلام الحب وأوجاعه المتراكمة أمرًا حتميًّا عنده.
ذلك الصراع المحموم المتأجِّج داخلهما لعاطفتين نفسيتين؛ إحداهما تملي عليهما رفض اللقاء والرضا بالبعد، والثانية الرغبة في اللقاء وبوعي مرهف يتكئ على بواعث من نور جاءت في صورة (النظرة العجلى)، نظرة واصلة تلملم شتات روحيهما الحالمة بما تحمله من ألفة رائقة وطمأنينة يضمنها الحلم المشروع و يجوّزها الأمل الممكن، لتصبح تلك النظرة بمثابة جرعة لأمل جديد يمدهما بالحياة، وإنْ شَحَّت (وبالحول تنقضي أواخره لا نلتقي وأوائِلُه)، فما تلك النظرة إلا صرخة احتجاج وتمرُّد لا شعوريّ على رضاهما بذلك البعد والهجر(فعوامل الكبت تخلق في الإنسان روح التمرُّد والانفعال)، على حسب رأي سيغموند فرويد؛ فمهما طال البعد بينهما وتجلَّى الفراق حائلًا؛ فالأرواح تتواصل مع تلك النظرة المتفردة، فالحب ليس لقاءً بل على مقولة ابن حزم الأندلسي (الحب اتصال بين النفوس)، فلا يعود البُعد عائقًا، ولا الغياب مؤلمًا إن تلاقت الأرواح.
جميل جدا صديقتي مزينة