الأكثر مشاهدة

منى العنزي*    تتناول هذه المقالة قراءة العنوان في مقالات د. محمد بن عبد العزيز …

خطاب العنونة: دراسة بنيوية لمقالات الفيصل.

منذ سنتين

803

0

منى العنزي*

  
تتناول هذه المقالة قراءة العنوان في مقالات د. محمد بن عبد العزيز الفيصل، في ضوء العتبات النصية، والمقالة تهدف إلى تحليل العنوان في هذه المقالات في ضوء متغيرين: التركيب اللغوي، البناء الدلالي.
تقوم هذه المقالة على مجموعة من الاختيارات التي تمثل عيّنة لمقالات د. محمد بن عبد العزيز الفيصل، وجميعها منشورة في صحيفة الجزيرة، في مناسبات مختلفة، ويبلغ مجموعها سبع مقالات، هي: “بأي ذنب وئدت” يا أمير الثقافة؟! (18 يونيو 2019)، الحرية وفق المقاسات الديموقراطية !(25 أغسطس 2021)، رؤية وتحوّل .. ومضات حزينة من ذاكرة مفجوعة !(19 مايو 2021)، في وداع الموكب المهيب (10 يوليو 2021)، دورة الألف ليلة وليلة، أكثر الكتب تزييفا (الثلاثاء 30 ربيع الثاني 1434هـ )، زرافة محجبة تصلي في الدور الرابع (27شوال 1432هـ).
وهذه المقالات المحددة، يمكن القول بأنها تنتمي إلى عدة جهات موضوعية، ودلالية، إذ إنها تتناول موضوعات: ثقافية (بأي ذنب وئدت، أكثر الكتب تزييفا)، و سياسية (الحرية وفق المقاسات الديموقراطية)، واجتماعية / رثائية (رؤية وتحوّل، في وداع الموكب المهيب)، واجتماعية/عامة (دورة الألف ليلة وليلة، زرافة محجبة تصلي في الدور الرابع). وإن يكن بين هذه الموضوعات تدخل؛ إذ يمكن اعتبارها جميعًا داخلة في الشأن العام بسبب (تدوينها) على خلفية أحداث جارية، تتصل بالمجتمع المعاصر.
تمثّل العتبات النصية مدخلاً أساسًا من مداخل قراءة النص الأدبي، بعد الاهتمام الكبير بمكونات النص في ضوء تفكيك مفاهيم الكتابة. و العتبات تتكون من الغلاف، العنوان، الإهداء، المقدمة، النهاية. ويحتل العنوان من بين هذه المكونات مساح كبيرة من الأهمية، حيث إنه يكشف عن هوية النص (نسبته إلى صاحبه)، وهويته الإجناسية (النوع الأدبي الذي ينمتي إليه النص، والدلالات المحتملة التي يحملها النص (أفق توقع القارئ)، بالإضافة إلى إثارة القارئ وإغرائه باقتناء الكتاب أو المدونة النصية ومطالعتها.
ومن الناحية الشكلية، تنقسم العناوين إلى مفردة ومركبة، أساسية وفرعية، كما تنقسم إلى مباشرة وصفية، ورمزية موازية للنص، ولذلك فإن العناوين في طابعها العام تعتبر نصوصًا موازية للنص الأساس. ولذلك، تحتاج قراءة العنوان وفك شفراته التواصلية و ربطها بعدة جهات، منها التركيبي، والدلالي، والسياقي. وهي الجهات الأساسية التي يمكن عن طريقها تفسير شفرة العنوان. سوف أعمل في هذه القراءة على تحليل عناوين مقالات الفيصل من هذه جهة التركيب الذي يشمل التركيب اللغوي والدلالي في ضوء العتبات النصية.
من الناحية اللغوية، يمكن ملاحظة أن العناوين السبعة في المقالات المحددة مركبة، فلا يوجد بينها عنوان بسيط التركيب، يتكون من كلمة واحدة أو كلمتين، وإنما جميعها تتكون من شبه جمل أو جمل تامة، بالإضافة إلى أن بعضها يتكون من جزئين: (بأي ذنب وئدت يا أمير الثقافة، رؤية وتحوّل .. ومضات حزينة من ذاكرة مفجوعة). والعنوان الأول منهما (بأي ذنب وئدت يا أمير الثقافة) يتكون من جملتين تامتين: استفهام تعجبي (بأي ذنب وئدت)، ونداء: (يا أمير الثقافة؟). والجزء الأول من هذين الجزئين: (بأي ذنب وئدت) تناص مباشر مع قوله تعالى: “وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قُتلت”.
أما العنوان الثاني المركب: (رؤية وتحوّل .. ومضات حزينة من ذاكرة مفجوعة)، فهو عنوان يتميز بأمرين: الأول كونه يحمل عنوانين: رئيس: (رؤية وتحوّل)، وفرعي: (ومضات حزينة من ذاكرة مفجوعة). والجزء الثاني من العنوان شعري بدرجة واضحة؛ إذ يعتمد على التركيب الاستعاري المزدوج: ومضات حزينة/ من ذاكرة مفجوعة. وكلاهما يعتمد على الإيحاء الشعري داخل النص، في حين أن الجزء الأول (رؤية وتحوّل) يحيل خارج النص. ومن ثم تزدوج الإحالة: داخلي/ خارجي في هذا العنوان. ومن ثم يعمل الجزء الثاني من العنوان على تفسير الجزء الأول فيه.
والملاحظة الثانية في هذا التركيب اللغوي، أن العناوين كلها ــ باستثناء الأول: بأي ذنب وئدت ــ تعتمد على جزء ناقص في العنوان، يحتاج إلى تقدير محذوف، كأن يكون مبتدأ محذوف والخبر هو العنوان نفسه، كما في العنوان: (هذه هي) الحرية وفق المقاسات الديموقراطية، أو العكس؛ أي أن يكون العنوان نفسه مبتدأ لخبر محذوف تقديره (هي): الحرية وفق المقاسات الديموقراطية (هي). أو يكون المحذوف فعلا: (أرى) رؤية وتحوّل ..، أو (رأيت) زرافة تصلي في الدور الرابع.
ومعنى ذلك أن هذه العناوين تعتمد على إثارة مخيلة المتلقي بدفعها إلى التساؤل (أو الإجابة في حالة العنوان الأول: بأي ذنب وئدت؟)، ما يجعلها شريكة في توقع الإجابة أو توقع فحوى المقالة، أي أن نص المقالة نفسه هو الإجابة التي تؤكد التوقعات أو تنفيها.
وقد يكون العنوان (غريبا) بدرجة ما: (زرافة تصلي في الدور الرابع!)، ما يرفع درجة الإثارة والتوقع لدى القارئ؛ متسائلا عن تلك الزرافة، وكيف تصلي!! وكما يمكن أن نلحظ أيضا، فإن هذه يمكن أن تحيل إحالة مباشرة على الواقع: أكثر الكتب تزييفا، و دورة الألف ليلة وليلة، أو تحيل إحالة غير مباشرة إلى هذا الواقع، لعدم تحديد مرجعه المقصود وتعدد احتمالاته: في وداع الموكب المهيب.
إن خطاب العنونة في مقالات محمد بن عبد العزيز الفيصل يتميّز بالتنوع من جهة الموضوعات، والتركيب، من جهة البناء الحواري والدلالي. وهي تعتمد على إثارة أكثر قدر من الطاقة التخييلية لدى القارئ، وتعمد إلى جعله شريكا في توقع موضوعها الدلالي.
تميّزت العناوين في مقالات الفيصل بالتنوع من جهة الموضوعات التي تحيل إليها، حيث تعددت ما بين الموضوعات العامة: “بأي ذنب وئدت؟ يا وزير الثقافة؟ / الحرية وفق المقاسات الديموقراطية، والموضوعات الخاصة: رؤية وتحول .. ومضات حزينة من ذاكرة مفجوعة، في وداع الموكب المهيب، وهو ما يدل على تنوّع اهتمامات الفيصل.
واتسمت عناوين مقالات الفيصل بالتركيب، فهي تتكون من جمل شبه تامة وجمل تامة، وتستدعي دائما جزءا ناقصا (مقدرا) في بنيتها اللغوية، على نحو: صورة ألف ليلة وليلة، وزرافة تصلي في الدور الرابع، وهي العناوين التي تستدعي تقدير مبتدأ محذوف، أو فعلا مقدرا أو نحو ذلك. وميل العناوين عند الفيصل إلى إثارة المخيلة بما تحمله من طابع مجازي في بعضها: زرافة تصلي في الدور الرابع، أو بما تثيره من أسئلة حول مضمونها: الحرية وفق المقاسات الديموقراطية، في وداع الموكب المهيب.
تأتي المقدمة في المقالات مؤكدة لمضمون عنوانها، وتحيل إليها إحالة مباشرة: بأي ذنب وئدت … الثقافة، أو تحيل إحالة غير مباشرة: في وداع الموكب المهيب .. يؤكد علماء أن النفس أن الإنسان قبيل وفاته ..إلخ.  وبشكل عام تميل هذه المقدمات إلى الطابع المجازي الذي يحيل إحالة عامة إلى موضوع المقال، دون أن يفسره أو يحدده تحديدًا نهائيا. ولذلك تمثّل هذه المقدمات تمهيدًا وحلقة وسيطة بين العنوان وموضوع المقالة (المتن). بينما تأتي الخاتمة بمثابة استخلاص وتحديد نهائي للنتائج أو للمأمول من المقال. ولذلك تتميّز الخاتمة بالميل إلى الطابع العقلي المنطقي دون أن تفقد طابعها الأدبي الرصين. 

*ناقدة وأكاديمية سعودية

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود