مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

محمود منصور* تلك النسمات المنعشة على ضوء القمر أثلجت صدره، كله حيوية ونشاط، سماء …

بيادر

منذ سنتين

495

0

محمود منصور*

تلك النسمات المنعشة على ضوء القمر أثلجت صدره، كله حيوية ونشاط، سماء القرية مليئة بالنجوم، ما أجمل تلك الحقول في مواسم الحصاد .. القرية لا تنام .. نباح الكلاب من البعيد يدل على حركة دائمة ليلا، الفلاحون هذا العام في قمة السعادة ..

لقد دخل اختراع جديد، دراسة خضراء تعمل بالأقشطة على الجرار الزراعي، لقد ولى زمن الحيلان والنورج، هذا العام كان عام خير والحصاد وفير، هذه الدراسة تعمل ليل نهار وتحتاج إلى ورديات للعمال، في كل وردية أربعة عمال، عامل يقف في الأعلى يزودها بالزرع المحصود الذي يرفعه له الآخرون، صاحب الدراسة زعيم في مشيته كالمحافظ، دخانه وطعامه مجاني، في جيبه ورقة الدور، كانت الدنيا عشاء، والدي يسقي على ضوء القمر محاصيله من الخضار، المياه وافرة هذا العام في البئر، وصوت محرك النضح (اللستر) ..

يكسر السكون من البعيد .. سمان القرية لا ينام أيضا قبل منتصف الليل .. طلبات البيادر لا تنتهي .. أرسلني والدي لأجلب علب الدخان، يريد أن يسجل دورا عند صاحب الدراسة، القرية ليست بعيدة عن حقلنا لكن صوت الكلاب كان يخيفني، لا مجال للمناورة معهم، يجب أن أكون حذرا من شرها وأعدو بسرعة بعيدا عنها من طريق آخر .. عدت متعبا وأعطيت والدي علب السجائر .. كانت الدراسة قريبة من حقلنا .. ذهبت مع والدي .. كم كنت سعيدا عندما شاهدته يسجل لنا اسما في الورقة التي أخرجها من جيبه، دورك يا أبو أحمد بعد يومين … أن لم يحصل عطل ما تناول من يد أبي علب السجائر، رحت أراقب عملها، إنها مصنع متحرك .. صوت محرك الجرار في تناغم مع عامل تزويد الزرع للدراسة، مجموعة من الأقشطة وعلى الجانب شوال القنب الذي يستقبل الحب .. غبرة التبن تقطع ضوء اللكس على الشادر، هي تلك أيام البيادر، القرية لا تنام ..

هذا العام سوف يسدد والدي ديونه وسوف يشتري لنا ثياب المدرسة ويصلح سقف البيت، كم كنت سعيدا بأحلامي، أنا فخور جدا بأبي، إنه فلاح نشيط، لا يحب أن يؤجل عمله، كم تعلمت منه لقسوة الحياة دروسا في الصبر والمثابرة، تلك الأرض أحببتها واحبتني، لم تبخل علي يوما، كنا في عشق متناغم دائم .. ولن تبخل أن تضمني في صدرها الرؤوم في قادم الأيام.

*كاتب من سوريا

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود