مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

 أحمد بنسعيد* مقدمة: كثيرًا ما ينتقد الكتّاب هذا الانتقاد، وتصلهم هذه العبارة من …

الوعظية في الكتابة للطفل

منذ سنتين

627

0


 أحمد بنسعيد*

مقدمة:
كثيرًا ما ينتقد الكتّاب هذا الانتقاد، وتصلهم هذه العبارة من دور النشر: (نأسف لعدم قبول النص المرفق لميله إلى الوعظ والمباشرة)
ولكثرة هذا الانتقاد؛ كان من الواجب تسليط الضوء عليه، ومناقشته بشكل رصين يحترم الرأي وينصت للرأي الآخر…
هل المقصود بالوعظية وضع هدف تربوي في المكتوب؟
إذا كان المقصود بالوعظية هو (وضع هدف تربوي) في المكتوب، فهذا الانتقاد يذكرني بفترة شبابي؛ حيث سأل مداد كثير لإثبات مقولة (الفن للفن) واعتبار الفن وليد كائن مثالي لا يحتاج إلى تربية ولا إلى رؤية تربوية تُشذّب سلوكياته، والنفور من وضع هدف تربوي للفن، كأنّ هذا الفن ليس وليد الإنسان هذا الكائن الذي تحكمه عدة تجاذبات، قد تحيد به عن الصواب تحت أي ظرف أو شهوة أو ضغط …
واللغة الإنسانية برمتها ما وُضعت إلا للتعبير عن أفكار تشغل العقل البشري، وتؤدي معاني منطقية تعبر عما يختلج في عقله ونفسه وتساهم في تطوير الإنسان من جميع النواحي … وتطوير الإنسان -في حد ذاته- هدف كبير تسطر تحته جميع الأهداف الصغرى.
سر من أسرار الانهزام
لم أكن أظنّ أن “التسليم” بمقولة (أن العالم الغربي هو رائد الكتابة للطفل) سيوصلنا إلى كارثة أن نَصِمَ ما عندنا من كتابات للطفل بالوعظي-المباشر-التقريري معتبرين ذلك قدحا في الكتابة للطفل، ومُمرّرين “مُسلّمة” أنّ الطفل لا يحب هذا النوع من الكتابات. وأن العالم الغربي ضليع في فهم احتياجات الطفل فهو يكتب له بطريقة ماتعة ممتعة طريفة فكاهية بعيدة عن أي هدف أو وعظ …
ورغم أني لا أحب الحديث عمن سبق باعتبار الأدب مادة إنسانية منسابة يستفيد منها الجميع لصالح الجميع، إلا أنني أفتح القوس هنا علّ الثقة تعود لبعضنا، ممن وجب أن يعلموا أن المبدع العربي القديم قد بكّر للكتابة للطفل في النثر والشعر والأغنية والأهزوجة واللعبة والنكتة والمسابقة والرياضة … ولدينا أدلة لا تعد ولا تحصى تؤكد ذلك. بل لدينا كتابات أخذ منها العالم الغربي ونهلَ منها وأخرج أفلاما واقتباسات لا تخفى على أحد … ومن أراد بعض العناوين فليدرس رواية (حي بن يقظان) لابن طفيل (ت 1185م) التي نُهلتْ منها عشرات الحكايات والرسوم في العالم الغربي، بل من وضع (جحا) وشخصيته المرحة؟ من السّبّاق للفكاهة والمرح والنشاط؟ … وسلسلة المغامرات الخارقة والبطل الخارق (سيف بن ذي يزن)؟ وحكايات الذكاء مع (مقيدش) و(حديدان) وغيرها … بل وقام العقل العربي الذكيّ بعملية ترجمة لأهم كتب الأطفال المعروفة آنذاك ملأ بحكاياتها عالم الأطفال العرب، ولا يزال العالم الغربي ينهل منها أيضا مثل: (كليلة ودمنة) من ابن المقفع (ت 759م) وغيرها كثير والتي أخذ منها العالم الغربي وشعراؤه وقصاصوه.
إذا كان لدى العالم الغربي اليوم مدارس لتدريس أدب الطفل، فكذلك لديه مدارس لتعليم دور النشر كيفية التعامل مع الكِتاب وكيفيات التسويق، ودراسة السوق من خلال الاطلاع القريب على احتياجات الأطفال من رحم واقعهم، وليس بشكل متخيَّل أو مستورَد لا يمتّ لواقعهم بصلة أو فرض احتياجات معينة عليهم … ما رأيكم في رواية (هاري بوتر) التي اكتسحت مبيعاتها العالم بأسره؟ إن فيها حضور (النوويل) بشكل بارز في نهاية كل جزء من أجزائها… والرواية في عمومها تحمل الكثير من الأهداف والقيَم النبيلة والأخلاق العالية.
الكاتب(ة) العربيّ بدوره يعبّر عن ما يحبه الأطفال من عمق الشارع العربيّ، ما يحبه السوق الحقيقيّ، بينما تعبّر دور النشر عن ما يحبه رأس المال وتوجيهاته وتوجُّهاته.
هل المقصود بالوعظية: الوعظ الديني؟
أما إذا كان المقصود بالوعظية التي طالما نهت عنها مجموعة من دور النشر: الوعظ الديني فلنسلط الضوء قليلا على هذا الأمر تحليلًا وتدقيقًا من خلال قصص الأنبياء لأنها هي المعروفة وسط الكتب الموجهة للأطفال (بداية من الطفولة المتوسطة):
حسب ما نتابعه في واقع الأطفال العرب من خلال الحوار القريب مع المئات منهم، فهم يعشقون قراءة هذا “الوعظي” ويميلون إلى سماعه ميلًا كثيرًا، حيث يفتح أمامهم أفق التفكير الواسع على مجموعة كبيرة من الانشغالات الوجودية أهمها: من أنا؟ وماذا أفعل هنا؟ … بل وينتظر أستاذه أو الحكواتي أن يسرد له قصص الأنبياء والرسل بفارغ الصبر، ويستمع لها بشغف. ويمكنكم أن تسألوا المعلمين والأساتذة عن تلك المحبة الغامرة والاستماع الهادئ أثناء روايتها عليهم، وشغفهم الشديد للاستزادة منها، وفتح باب الحوار والتساؤل الصريح والمباشر والكثير حول مضامينها وجزئياتها …
خاتمة:
يبقى مشكل فهم أدب الطفل بأبعاده الذاتية والموضوعية، وزرع الثقة في الذات، وفتح المجال للأنا أن تتكلم برصانة وعقلانية، والتماس الوسطية والانفتاح على الذات قبل الانفتاح على الآخر عبر سلسلة الكتاب برمّتها (من الكتابة للنشر والتوزيع) أحد المهامّ الشاقة جدًا، ويلزمها وقت إضافي آخر، لأنه يبدو أن كل ما بذل من تضحيات ووقت ثمين لا يكفي لتحقيق التصالح الذاتي، والثقة في الذات وفيما عند الذات من كنوز وإمكانيات التعبير والذوق والخيال …
وحتى أختم مقالي أود أن أسأل سؤالًا واحدًا: حين يقف المنشّط (بهلوان مثلا) أمام مئات الأطفال ويأمرهم بترديد ما يلي:
زْدِكْ دِكْ دَا بْلا بْلا بْلا
ZDIG DIG DA BLA BLA BLA
يضحك الأطفال نعم، ولكن ترويحا –فقط- حتى يستأنفوا نشاطهم للنهل مما لدى كاتب(ة) قضى عمره في دراسة مهنته ومعرفة خصوصيات الأطفال وإمكانياتهم وحاجاتهم … وتشرّب جيدًا تحديات العصر التي تنتظرهم … فهو يحاول جاهدًا تقديم مادة جيدة توفّق وتوازن بين تحقيق الجمال والمتعة من جهة، وخاصة تحقيق الفائدة التعليمية التربوية …
ورأيي أخيرًا أن تحذف هذه الكلمة أقصد (الوعظية) من قائمة مصطلحات نقد أدب الطفل، ويُقتصَر على كلمات أخرى مثل: التقريرية أو المباشرة …

*كاتب للأطفال_ المغرب

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود