يتكاثفُ الصمتُ داخلي… يجعلني أفضِّل الانزواء خلف كتلة من الغموض؛ ألوذُ به لكي أكون بعيداً عن صخبِ الحياةِ ومن يعمرها. 
لا يُعَوَّل كثيراً على كثرة الثرثرة في كل المواقف التي تواجهنا، والتي نختلط فيها بالبشرِ.
ينخرُ الوهن، في أحيان كثيرة، العلاقات بين النَّاس، وكلما امتدت وطالت سنواتها تأتي في يوم ما ريح عاصفة وتفكك العلاقات، ولا يثبت أحدٌ على موقفه وتمسكه بالآخرِ. ينكصُ سريعاً على عقبيه عند أي محطة يصل إليها، يترك كل شيء خلفه ويمضي دون أن يلتفت إلى الوراء، مهما كان الماضي مزهراً بمن كانوا حوله.
نغرقُ في تفاصيل الحياة اليومية، فيزداد الوجع… تتعدد الوجوه التي نراها، وتختبئ خلفها مئات الحكايات والنيات والخبايا، لا يستطيع المرء كشفها إلا بعد أن يفوته كل شيء… يضيع الإنسان داخل متاهات الحياة بشكل يجعله متوثباً لتدمير الأشياء الجميلة التي عرفها وعاشها وذاق حلاوتها، وكل ذلك من أجل سراب لاح له من بعيد، غرّه بريقه، فسحبه خلفه، وتبعه حتى ضاع وأضاع كل أشيائه الجميلة التي تركها خلفه. تبدأ معاناته عندما يكتشف زيف السراب الذي خدعه وجعله يتخلى بكل سهولة عن الوهج الذي كان يعيشه… يحاول العودة، لكن تصعب عليه؛ فالطريق التي سلكها لا تمكِّنه من العودة مرة أخرى إلى حيث كان، فيصبح يعيش حياة بعيدة عن كل ما عرفه.
هكذا هي الحياة؛ نكفر بلحظاتها وأيامها السعيدة، ثم نتخلى عن الواقع المحيط بنا ونبحث عن واقع آخر تحت وطأة الطمع، فنقع في الخيبة والانكسار.
لا يأتي الندم على ما أضعناه بدون سبب إلا بعد أن نصبح في وضع لا يمكننا فيه العودة أو التقدم، فنظل ثابتين في مكاننا نتمرغ بالكآبة والألم.
علينا أن ندقق في الطريق الذي نختاره، كي لا نقع في ظلم أنفسنا وظلم الذين يحيطون بنا.

*كاتب سعودي