الأكثر مشاهدة

تساؤلات الفقد  مقاربة نقدية لرواية “ندى” لـ / سونيا مالكي صالح الحسي …

تساؤلات الفقد في رواية “ندى”

منذ سنتين

767

0

تساؤلات الفقد 

مقاربة نقدية لرواية “ندى” لـ / سونيا مالكي

صالح الحسيني*

(ندى) رواية اجتماعية صدرت عام 2021م، عن دار تكوين للطباعة والنشر والتوزيع بجدة. تقع الرواية في مائة و أربع و ثلاثين صفحة من القطع المتوسط، للكاتبة السعودية د. سونيا أحمد مالكي، هي رواية “رومانسية ذات بُعد درامي في قالب إنساني اجتماعي ثقافي.. ” – كما تصفها دار تكوين. وهي كذلك.

جاءت الرواية في شكل فصول قصيرة بعدد (11 فصلا)، دون عنونة للفصول، ما يشيئ إلى ربط السرد ببعضه بأسلوبي كتابي متسلسل؛ أما من حيث المنظور النقدي فالرواية تأتي في (4 تقسيمات): القسم الأول تسيّد غالب المحتوى، حيث امتد إلى الصفحات الـ (70) الأولى من الرواية، وهو القسم الذي نال أوفر الحظ في الحديث عن مراحل الحياة الأولى لبطلة الرواية، الشخصية/ندى.

  تبدأ الرواية من حيث انتقال الطفلة (ندى) للعيش مع جدها (عبد الحميد) وجدتها (آمنة المغربي) في حقول حياتهم الفارهة، تخدمها فيها المربية (فرح)، [ص23]؛ ذلك بعد أن مات أبوها (مصطفى) ” في حادث سير أودى بحياته، تاركاً خلفه طفلة في عمر الزهور أصبحت يتيمة، و زوجة أصبحت أرملة و هي في ريعان شبابها/سلمى “[ص103]. وتبيّن الكاتبة أن من أسباب وفاة والد ندى “حالة الذهول والتوهان ومشاعر خيبة الأمل التي انتابته بعد قراءة الرسالة التي وصلت إليه من والده / عبد الحميد – الذي لم يكن راضياً عنه – حيث شكلت له الرسالة الصفعة الأكثر قسوةً في حياته”، [ص 103].

“بعد بضعة أيام تلقى مصطفى الرد من والده، كان رداً عاصفاً فقد انّبه على هذا الزواج – رغم أن زوجته من أقارب والدته -، وأخبره أنه كان عليه أن يستشيره أولاً، وأنه أساء الاختيار. وأنهى خطابه له بهذه الجملة: ” لست ابني ولا أعرفك”، [ص102].

سبق ذلك شعور مصطفى بأن والده يكرهه لأنه فشل في عدةِ جوانب في بناء ذاته ورغبته بأن يكون الأفضل بين أقرانه، وليعتمد عليه في إدارة أعماله وأملاكه فهم عائلة ثرية تمتلك قصراً وسيارات ٍفارهة، و ينتظر منه أن يواصل مسيرة أبيه في عالم التجارة و الأعمال: ” لا حضت والدة مصطفى آثار الحزن الذي كان يكسو وجه ولدها، جزعت من سؤاله و دمعةٌ تكاد تطل من عينيه:

لماذا يكرهني والدي؟ .. لماذا يعاملني بهذه القسوة ؟،[ص82]

من هنا نستطيع القول أن خيوط الرواية تناسلت بعد هذا الحدث الرئيس لتُبني عليه فيما بعد مراحل المتن الحكائي برفقة الشخصية المحورية.

عاشت ندى وكبرت و ترعرعت في بيئة دافئة حانية؛ كحفيدة فقدت العيش مع أبويها دون علمها عن السبب!!؛ فانتابتها تساؤلات لا تنكف تعتلج بداخلها عن أمها و أبيها و مصيرهما؟!  ” تُشاهد أمهات الأطفال من حولها يوزعن الحنان على فلذات أكبادهن “[ص31].

مرت مراحل السرد بالعديد من المشاهد التي تصور و تعكس حياة ندى منذ بداية سُكناها عند جدها و جدتها و هي تحكي لها قصص ما قبل النور كل ليلة..، و لعبها مع الأطفال ممن هم في مثل سنها، و دخولها المدرسة بمراحلها المتعددة، و بوصوف متنوعة الأساليب لحياتها و اهتماماتها، و ممارستها لهواياتها في القراءة و الاطلاع و العزف و التأمل .. إلخ.

صنعت الكاتبة عدة شخصيات ثانوية، كانت كل شخصية منها ركيزة لتشابك الرواية و تداخل أحداثها، حيث كان لها دور أثرى المحتوى المعرفي للمتلقي؛ تلك الشخصيات هي: (عبد الحميد) والد مصطفى، (كمال الهاشمي) صديق عبد الحميد والد يوسف .. ،(يوسف)  صديق مصطفى..،(منى) صديقة ندى التي كانت معها منذ مرحلة الروضة حتى كبرتا، وشاركتها حياتها و زياراتهما المتبادلة بينهما، و الشخصية الأخيرة في حياة ندى هو ( أحمد) أخو منى الذي اقترن بندى في نهاية الرواية و سار بها في منعطف جميل.

تشاركت هذه الشخصيات في الهوايات و الصداقات و القراءة و الاطلاع و العزف وحب الموسيقى.

 كل مرحلة من مراحل الرواية كان لها موضوع جانبي يربط الأدوار ببعضها، فتشكّل عنصر الزمن في الوراية بجلاء، و تحدثت عبره و من خلاله جميع الشخصيات لإكمال دورها في البناء الروائي/الحكائي. وتتكئ الرواية على عدة عناصر لمتنها السردي، منها: انتقال ندى للعيش مع جدها و جدتها .. ، مراحل حياتها .. ، تعارف عبد الحميد و كمال .. ، تعارف ابنيهما مصطفى و يوسف ..، رحيل مصطفى دون علم والده وزواجه من فتاة من أقارب والدته..، حياة ندى برفقة صديقتها مُنى..، خطبتها لـ (أحمد يوسف) أخو مُنى..، حب أحمد و ندى ..، سفر ندى إلى أمها سلمى ..، مراحل الحزن و الشوق و الألم في حياة ندى .. جزعها .. حيرتها .. و تساؤلات الفقد في داخلها.. التشكي من فقدها حنان أبويها وأمنيتها في العيش معهما، محاولاتها البحث عن تفسيرات لوحدتها، سرحانها المتكرر، بكاءها، التداعي الحر للأفكار في معظم المقطوعات الأدبية التي استخدمتها الروائية خاصة فيما يتعلق بعدم سؤال أم ندى عنها فترة طويلة.. قصة فراقها.

الرواية من بدايتها سردُ مترابط، جاء من عدة زوايا بسبب تعدد الرواة وتوفر تقنية الحوار بينها، و كان دور الشخصيات متنامياً بشكل سَلسْ، لا يشعر معه القارئ بفجوات أو ثغرات أو قفز على الزمن أو إهمال لتصوير الأمكنة و الأشياء من حولها؛ ما يؤكد سلامة سير الخط البياني للسرد. وقد عمدت الكاتبة إلى البدء في الرواية من منتصف أحداثها (انتقال ندى..)، و ختمتها بعودة ندى إلى أمها زائرةً لها مع زوجها (أحمد) في بيتها البسيط بقرية ريفية قرب المحيط.

هذا المنجز الروائي – في المُجمل – جاء يحمل إضاءات حول خطأ أسلوب التعامل الفظ مع الأبناء ومحاولة تطويعهم ليكونوا كما يرغب الأب: في تهميش من الأخذ برأيه ومنحه مساحة الاختيار لبناء مستقبله و قسوة التعامل، كما تحمل رسالة اجتماعية سامية حين حمّلت (ندى) جميع أفراد عائلتها خطأ الفراق و أثر المال – الذي قَبِلَهُ خالها من جدها لتنتقل إلى العيش معه بعيداً عن أمها – و ما يفعل ذلك من ظلمٍ للطفل الصغير بغياب الأسرة الجميلة المتوافقة.

الرواية من حيث البناء الفني: كل شخصية ظهر دورها من موقعها، و يلحظ القارئ اللغة المعبّرة و الدقيقة في وصفها للأحداث، و تسلسلها، و في حواراتها، كذلك خلوها من الأخطاء الأسلوبية؛ ما يعني أن المؤلفة أولت جانب اللغة كل عنايتها، حيث كتبت الرواية بلغة فصيحة متقنة و بأسلوب جميل و محفز على القراءة يأخذ القارئ معه لاكتشاف جمالياتها.. في بقية أجزائها، وقد اكتنزت الرواية بالكثير من المسميات، و المعالم، و المعارف الثقافية في عرض الفنون و أدواتها، و القصص الأدبية التي تحكيها لها جدتها و أنواعها: ” حكايات الشاطر حسن، ست الحسن و الجمال، البقرة السحرية، و حمادة الكسلان، و علي بابا والأربعين حرامي،” أوليفر توسيت، ورحلات جنيفر، وفرسان المائدة المستديرة، الأرض الطيبة، و الطريق إلى بئر سبع [ص32-33]. ” كما تعلمت من جدتها العزف، فعزفت مقطوعتي ” الدانوب الأزرق ” و ” أمواج الدانوب ” لشتراوس..، وأجزاء من المقطوعات الكلاسيكية.. مقطوعة ” نوسون دورما” لـ بافاروتي .. مقاطع من الكونشرتو لتشايكوفيسكي .. ،السيمفونية الخامسة لبيتهوفن ..، السيمفونية الأربعين لموتسارت .. مقاطع من كارمن لبيزيه ،، و حلاق أشبيلية لروسيني، [ص43].كذلك الشخصيات التاريخية و الأدبية التي كانت تُعرفها بهم جدتها و تقرأ ندى شعرهم و تُلقيه من على مسرح المدرسة: كالمتنبي، و أبي فراس الحمداني، أبي العلاء المعري، المنفلوطي، جبران خليل جبران، أحمد شوقي، حافظ إبراهيم، إبراهيم ناجي، محمود درويش ، صلاح عبد الصبور .. وغيرهم [ص46]. و ذُكر كذلك كتاب الرواية أمثال: تولستوي.. دوستوفيسكي، جوركي، تشيخوف، بوشكين ، جوجول .. كأسماء قرأت ندى رواياتهم. [ص51].

كما جاء ذكر بعض أشكال الأمكنة و هيئتها: مسرح ألبرت هول في لندن، شارع أكسفورد، قصر برمنجهام، متحف الشمع، المتحف البريطاني، حديقة الهايد بارك، دار الأوبرا، قاعة ألبرت هول، قرية قرينيتش. [ص75].

وقد تمكنت الكاتبة من خلال ثقافتها الواسعة – التي عرضناها – وسعة اطلاعها على الفنون وكُتب التاريخ و الأدب من توظيف قدرتها الوصفية للمشاهد و الأحداث و إظهار الرواية بلغة سردية جميلة، ما يؤكد على أن القارئ أمام كاتبة نجحت بفعل ثرائها الأدبي و ثقافتها – خاصة في الجانب المعرفي و السياحي – و إجادتها للكتابة الروائية، من تقديم عمل أدبي يستحق القراءة المتأمِّلة و الإفادة مما حواه من صور فنية و لغة ثقافية متميزة.

وفي نهاية هذه المقاربة النقدية التي أتت على بعض الملامح و السمات الفنية للرواية أرى أن الكاتبة رفدت المكتبة العربية برواية تستحق الاطلاع و الاقتناء، لما حملته من معارف و ثقافة اجتماعية جاءت بأسلوب جاذب و ممتع.

* كاتب و ناقد سعودي

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود