الأكثر مشاهدة

فقه الدلالة العربية -٢- خلود عبد العزيز الحربي* تعامل الخطاب القرآني مع مفردة & …

فقه الدلالة العربية -2-

منذ 3 سنوات

316

0

فقه الدلالة العربية -٢-

خلود عبد العزيز الحربي*

تعامل الخطاب القرآني مع مفردة “الريب” معاملة خاصة فرضتها السياقات الّتي وردت فيها، ولكنّها مع ذلك، عندما وسع من دلالة هذه اللفظة أرجع لها دلالة غابرة استعملت في بداياتها الأولى؛ فالريب في أصله اللغوي هو ما يؤدي إلى الشك؛ أي العوامل التي تولد الشك في قلب الإنسان، وهي دلالة هجرت منذ حقب زمنية بعيدة، ولكن القرآن الكريم أعادها مستعملا دلالتها هذه لحكمة أن العرب تعرف تلك الدلالة ببداهة القرائح التي جُبلت فطريا على اتقاد الأذهان وفطنة الأفهام.
ويلحظ أن الخطاب القرآني في استعماله لمفردة “الريب” يرمي إلى الدلالة المؤّدية إلى الشك ذلك لوردها منفية؛ أي أن السياقات الّتي وردت فيها هي بصدد أن تنفي كل العوامل المؤّدية إلى الشك والمظنّة.
ولعل من تلك السياقات: قوله تعالى:
﴿ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾
هذه الآية تقرير صريح على أن القرآن الكريم نزل يقينا فهو لا يحتمل أي عامل من العوامل المؤدية إلى الشك والتهمة، فجاءت لفظة “الريب” أنسب الألفاظ دلالة على الشك والرجحان، “.
فالفرَّق بين الريب والشك هو أن الريب شك مع تهمة، إذ يقول الراغب الأصفهاني:
“الشك اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما، وذلك قد يكون لوجود إمارتين متساويتين عند النقيضين، أو لعدم الإمارة فيهما، والشك ربما كان في الشيء: هل هو موجود أو غير موجود؟”
والريب هو أن يتوهم في الشيء ثم ينكشف عما توهم فيه، وقال الجولي:
“يقال الشك لما استوى فيه الاعتقادان أو لم يستويا ولكن لم ينته أحدهما إلى الظهور الذي تنبني عليه الأمور والريب لما لم يبلغ درجة اليقين وإن ظهر نوع ظهور، وذكر الرازي في “التفسير الكبير” (مفاتيح الغيب)، ما نصه:
“الريب: قريب من الشك، وفيه زيادة، كأنه ظن سوء، تقول: رابني أمر فلان، إذا ظننتَ به سوءًا، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك))..
وقد حسُن قوله تعالى (لاريب فيه) بدلًا من قوله “لا شك فيه”؛ للإشارة إلى أنه لا يحصل فيه ريب فضلًا عن شك، ونفى سبحانه وتعالى الريب فيه مع كثرة المرتابين، على معنى أنه في علو الشأن وسطوع البرهان بحيث لا يرتاب العاقل بعد النظر في كونه وحيًا من الله تعالى لا أن يرتاب فيه حتى لا يصح ويحتاج إلى تنزيل وجود الريب عند البعض منزلة العدم لوجود ما يزيله”، فكان نفي الريب عنه مرحلة قاطعة لأن يُشك فيه. وهذا من باب التنزيه للقرآن وإعلاء شأن نزوله.

 

*ناقدة وأكاديمية سعودية

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود