الأكثر مشاهدة

* الرواة لم يكونوا أمناء في نقل الشعر * القصائد تجول بداخلي ليل نهار *مؤامرة على …

الشاعر محمد الشحات: اليتم والوحدة والغربة صنعت “الأدب” في داخلي

منذ سنتين

822

0

* الرواة لم يكونوا أمناء في نقل الشعر

* القصائد تجول بداخلي ليل نهار

*مؤامرة على الشعر

*الشاعر صلاح عبد الصبور كان يتابعني، والناقد عبدالقادر القط نشر لي

* الجوائز والأموال دفعت الشعراء للهجرة إلى الرواية

حوار_عبدالعزيز طياش 

تتجول القصائد بداخله ليل نهار، تظل تطارده من أجل الخروج للفضاء الخارجي، وهذا يثبت شاعريته العالية، وإحساسه الكبير، وقدرته الفائقة على ترجمة عميق المشاعر إلى قصائد تكاد تكون متنفّسه الأكبر ووسيلته الأبرز للبوح، ولم تتوقف براعة ضيفنا على الشعر فحسب بل تعدى ذلك إلى فن الكتابة بمختلف أجناسها بل أسس وترأس العديد من الصحف والمجلات التي اهتمت بالمجتمع وهمومه والأدب وفنونه.

محمد محمد الشحات الراجحي

– نائب رئيس تحرير بدار أخبار اليوم 

– ولد عام 1954 – بقرية الظهرية – شربين – دقهلية

– تخرج في كلية الآداب – قسم اللغة العربية – جامعة القاهرة

المهام:

– عضو مشتغل بنقابة الصحفيين 

– عضو باتحاد الكتاب – وعضو بمجلس إدارته في الدورة السابقة 

– عضو مجلس أمناء جمعية مصطفى وعلى أمين (ليلة القدر) 

مشاركات وتكريمات:

– نشرت قصائده في معظم الصحف والدوريات الثقافية والأدبية بمصر والوطن العربي.

– له مشاركات أدبية في الملتقيات والمؤتمرات الثقافية منذ مطلع السبعينيات، خاصة مع صدور ديوانه الأول (الدوران حول الرأس الفارغ عام 1974م) 

– فاز بعدة جوائز أهمها جائزة مصر للشباب عام 1978م .

– مارس العمل الصحفي في العديد من الصحف والمجلات الأدبية فى مصر والوطن العربي، واستقر في دار أخبار اليوم، حيث يعمل في جريدة أخبار الرياضة، كما أنه كان أحد مؤسسي مجلة (مصرية) التي كانت تصدر في مصر أوائل السبعينيات. 

إصداراته:

الدوران حول الرأس الفارغ (دار الحرية) 1974م

آخر ما تحويه الذاكرة (العربي للنشر والتوزيع )1979م

عندما تدخلين دمي، سلسلة الإبداع العربي (الهيئة المصرية العامة للكتاب )1982م

تنويعات على جدار الزمن (الهيئة المصرية العامة للكتاب) 1984م

مكاشفة (الهيئة المصرية العامة للكتاب) 1986م

كثيرة هزائمي (الهيئة العامة لقصور الثقافة) 1990م

المترو لا يقف في ميدان التحرير (الهيئة المصرية العامة للكتاب) 2012 م

أدخلوني على مهل (دار وعد للنشر والتوزيع )2013م

يوميات ثورة 30 يونيو (دار وعد للنشر والتوزيع )2013م

عندما هزني وجعي( دار وعد للنشر والتوزيع )2014 م

البكاء بين يدي الحفيدة( دار وعد للنشر والتوزيع) 2014م

الأعمال الكاملة في جزئيين (دار وعد للنشر والتوزيع) 2015 م

الحياة بلا أي وجه (دار وعد للنشر والتوزيع) 2016 م

حروف الوطن (دار وعد للنشر والتوزيع) 2017م

محاولات لا أعرف نهايتها (الهيئة المصرية العامة للكتاب) 2018م

يكتب في دفتره (دار الأدهم )2018 م

ترنيمات شاعر قبل الرحيل (دار الأديب )2019 م

سيعود من بلد بعيد (دار الأدهم 2019) م

رجفة المقامات ( دار الأدهم 2020 )م

المرايا النقدية التجربة الشعرية عند محمد الشحات يضم 32 دراسة نقدية (دار الأدهم 2020 )م.

 

– مسيرة طويلة من الإبداع، كيف كانت البدايات وما الذي دفعك إلى الكتابة؟

ولدت في قرية الظهرية (نسبة إلى الظاهر بيبرس) التابعة لمركز شربين محافظة الدقهلية عام 1954م، والتي تقع على فرع دمياط من نهر النيل، سبع سنوات أو أقل قليلًا عشتها في القرية، كانت البدايات في كُتّاب الشيخ عديس، وذلك لطفل توفي والده وهو يبلغ من العمر ستة أشهر وتركه مع أخته التي تكبره بسنوات قليلة، وزوجة لا زالت في ريعان شبابها، وأخيه من أبيه، رجل وامرأتان، ولأن العائلة كلها لا تعمل في الفلاحة فهم من البنائين وكان من السهل الانتقال إلى القاهرة، وعندما رزقت أختي الكبرى غير الشقيقة بتوأم كان لزامًا أن تصحب أختي معها إلى القاهرة لمساعدتها في تربيتهم، ولم تتحمل أمي غياب ابنتها عنها فقررت السفر إلى القاهرة والعيش هناك.

عندما تعيش يتيماً تختلف كثيرًا عن أقرانك ممن يعيشون مع آبائهم وأمهاتهم، فهنالك شعور دائمًا بأنك في هذه الحياة بلا أي سند، والأخ الأكبر لم يقم بدور الأب نظرًا لوجود عدد كبير من أولاده، وتحملت الأم تربية الإبن وأخته، والحياة في كنف أختها الكبرى، الأمر الذي يلزم على هذا الولد أن يعمل وهو في سن مبكرة إلى جانب الدراسة، ومن أجل أن يتغلب على طول المشاوير وما يحمله من أثقال كان يقوم بالغناء، ولكنه لم يكن يردد الأغاني المعروفة للمطربين في ذلك الوقت، بل كان يقوم بتأليف كلمات مموسقة يغنيها ظنًا منه بأنه يمتلك صوتًا عذبًا، وظل على هذه الحالة لسنوات.

كانت بداية حياة الطفل الصغير في حي السيدة زينب وقد أكسبته الحياة في هذا الحى الشعبي الكثير من الأشياء البديعة، فكثيرًا ما كان يقضي الكثير من الوقت لمراقبة زوار أم هاشم ثم الانتقال إلى سور الكتب القديم بالميدان والذى كان يضم الكثير من المكتبات ومن هنا بدأ تعلقه بالكتب، فكان يقوم بشراء الكتب كثيرة الصور ويقوم بتقطيعها لعمل ألبومات، وكان في حي السيدة زينب أربع سينمات الأولى الشرق وكانت خاصة بالأفلام الأجنبية والأهلي والهلال للأفلام العربية، أما سينما ايزيس فكانت تمزج بين العربية والأجنبية، ومن هنا بدأت تتكون لدى الولد الصغير ذاكرة سينمائية وعشق خاص للصورة المتحركة، بعد أن ظل لسنوات طويلة يتعامل مع الصور الثابتة.

بدأت بحضور ندوة كانت تعقد على سور السيدة زينب لبيع الكتب واستمعت لأول مرة لشعراء حقيقين بعد أن كنت أعرفهم فقط في نصوص الكتب المدرسة، وهنا قررت القيام بتدوين ما كنت أردده بيني وبين نفسي من كلمات، الشعور باليتم والوحدة والغربة في هذا العالم غلف كل الكلمات التي كنت أكتبها، وظللت أواظب على ندوات يوم الجمعة، ولقرب السيدة زينب من شارع القصر العيني أخذتني قدماي إلى دار الأدباء، وهناك بدأت الاستماع إلى الشعر الحقيقي من شعراء كبار تخلصت من هواية شراء الكتب لتقطيع ما بها من صور وبدأت في شراء الكتب من أجل القراء والمجلات الخاصة بالأطفال، ومع مرور الوقت بدأت ألقي ما أكتبه وأستمع للتعليقات وأواصل القراءة في كل الاتجاهات، والتقيت خلالها بعدد من الشباب والذين قرروا عمل جمعية الأدباء والفنانين الشباب، كان ذلك عقب انتصار السادس من أكتوبر 1973م، ومع ظهور مجلة الجديد التي كان يترأسها د. رشاد رشدي عرفت الطريق للنشر، في ذلك الوقت بدأت عملية تكوين الجماعات الشعرية وكل جماعة تعمل بمعزل عن الأخرى، وتكونت جماعتي (أصوات و إضاءة) من عدد قليل من الشعراء، والذين رفضوا وتجاهلوا كل الشعراء الآخرين، وكانت مجموعة شعراء دار العلوم وكانوا الأقرب إلي رغم أنني لم أكن من طلاب دار العلوم القديمة بشارع المبتديان، وكذلك جماعة الشعر بكلية الآداب جامعة عين شمس، ثم عندما شعرت من خلال الأمسيات التي كنت أشارك فيها باستحسان ما أكتبه، قمت بتجميعها في ديوان والدفع به إلى دار الحرية وكان مقرها بميدان السيدة زينب ونشرت أول ديوان عام 1974م، و استقبله النقاد باستحسان، كتب عنه الأستاذ علاء الديب في عصير الكتب بمجلة صباح الخير، والأستاذ عبد الفتاح زرق بمجلة روز اليوسف، وأيضا عندما أصدرت ديواني الثاني «آخر ما تحويه الذاكرة» 1979م عن دار العربي، كتب عنه الأستاذ كمال النجمي في المصور، والأستاذ أحمد زكي عبد الحليم في مجلة حواء وماهر قنديل في الكواكب وغيرهم.

 

– “إذا الشعر لم يهززك عند سماعه فليس حريًا أن يقال له شعر” إلى أي مدى تتفق مع هذه الرؤية، وهل تراها ترتقي لتكون رؤية نقدية منطقية مقنعة؟

– أنا معك في هذه المقولة، وأعتقد الأمر لا يتوقف على الهز، لأن الهز مصطلح ضعيف إذا ما قورن بما يُحدث الشعرى الحقيقي الصادق والنابع من داخل نفس بشرية صادقة لابد وأن يحدث زلزال بداخلك، يحرك كل سواكنك، وهذا لن يتأتى إلا إذا كان الشاعر شديد الصدق شديد الأمانة يكتب من أبعد نقطة من أعماق مشاعره، والله شاهد على أنني لم أكتب ولو قصيدة واحدة بعيدًا عن صدق تلك المشاعر الإنسانية، وقد فرق الناقد العربي القديم بين الشاعر المصنوع والشاعر المطبوع، والقارئ والملتقي والناقد يمكنهم بسهولة التفريق بين الصنفين، وأعتقد أن الشعر المطبوع هو الذى يبقى أما المصنوع فتذروه الرياح، وأن ما بقي من التراث الشعري هي تلك القصائد المطبوعة، التي خرجت من أعماق الشاعر فوصلت الى أعماق القارئ والمتلقي، وأخذت بذلك شهادة ميلاد لها على ديمومتها وصيرورتها وضمنت لنفسها الخلود.

 

 *الرواة لم يكونوا أمناء في نقل الشعر

-على غِرار النابغة أشعر الشعراء إذا رغب، وعنترة أشعرهم إذا ركب، وامرئ القيس أشعر الشعراء إذا شرب.. هل نستطيع تطبيق هذا التصنيف على بعض شعرائنا المعاصرين؟!

-أنا لست معك في تلك التصنيفات التي أطلقها النقاد العرب القدامى، وضد الطبقات والتقسيمات الكثيرة التي تم بها التعامل مع التراث الشعري العربي، والتي تحكمت فيها الأهواء والأغراض الشخصية، بداية من الرواة الذين نقلوا إلينا شعر الشعراء، وأنا مؤمن بأنهم لم يكونوا أمناء ولم ينقلوا لنا كل الشعر، وما أثير حول الانتحال وتدخل الرواة في الكثير من الأحيان يحتاج إلى أبحاث وأبحاث أخرى، فهل تظن أن الشعرى العربي القديم الموجود الآن بين أيدينا هو الذى جادت به القريحة العربية الشاعرة، والتي كانت تتنفس شعرا، أعتقد أن الأمر يحتاج الى المزيد من البحث والتنقيب، وحصر تلك الألعاب بعينها على شعراء بالاسم، أمر يحتاج إلى مراجعة شديدة، لأنه -وللأسف الشديد- النقاد القدامى كانوا يحبون ويكرهون وتحكمهم بعض الأهواء الشخصية، ونحن بتلك الأحكام نقوم بظلم آخرين، ومن هنا أنا لست مع تلك الألقاب.

ومثلما أنا غير موافق على تسميات القدامى، أيضا ضد تسميات المحدثين مع بعض الاستثناءات لأنها لا تقلل من الآخرين، فأحمد شوقي أمير الشعراء بإجماع شعراء العربية في زمانه، وحافظ إبراهيم شاعر النيل لأنه ولد على ضفافه وأصدق شاعر كتب عنه، وأيضًا شاعر الجبل وشاعر الجندول، وشاعر الشعب، كلها ألقاب أعتقد أنها خاصة ولا تحدث جورًا على باقي الشعراء.

لست مع تلك التسميات، لأن هناك دوافع شخصية وراء ذلك، والناقد بشر يحب ويكره، ويمنح الألقاب لمن يحبه ويحجبها عمن يكرهه، وأعتقد أن الشاعر الحقيقي لا يحتاج إلى ألقاب تصفه، وأن بقاء شعره على امتداد تلك السنوات، أكبر شهادة على شاعريته والمكانة التي يحتلها.

 

– بعض الشعراء إذا سئلوا لم تكتبون ما لا يفهم؟ يجيبون ولم لا تفهمون ما يكتب؟! بين هذا وذاك أين الخلل، ومتى تكون الرمزية جيدة وممتعة وحتى مدهشة؟

 -أعتقد أن الشعراء الذين قالوا تلك العبارات قالوها من باب الفكاهة،  لأن الشعر كتب لكي يفهم و يصل إلى قارئه،  والشاعر لا يكتب ألغاز وطلاسم، هو يكتب شعرًا مستخدمًا كلمات عربية، البعض يميل إلى الكلمات الغريبة والموحشة والتراثية والمهجورة، وهذا ما يفسر غموض بعض القصائد، والآخر يميل إلى استخدام الكلمات السهلة والبسيطة، والتي يسعى من خلالها إلى إرسال رسالته، فاللغة الشعرية هي وسيلة لإيصال أفكار ومشاعر الشاعر إلى الآخرين، وهو المسؤول عنها، وإيمان الشاعر بأهمية الشعر تجعله يتخذ ما يراه من اتجاه إما الإيغال والرمزية والتعقيدات اللغوية وانغلاق الأفكار، أو في البساطة والسهولة وأنا لا أعني هنا بالمباشر أو السطحية، ولكني أتحدث عن البساطة الخادعة هو وصف شعري للناقد د. عادل ضرغام ..

وأنا باعتباري شاعر سبعيني عاصرت انتشار تلك المقولات، كنت دائمًا ما أقف ضدها، وضد الشعراء الذين يروجون لها، وأعتقد أن قدرة الشاعر على فهم العالم، وما يحيط به من أشياء، والقضايا التي يريد أن يتناولها تمكنه من الكتابة السهلة والبسيطة، أما في حالة عدم قدرة على الهضم والفهم، تجعله يكتب الأشياء التي يصعب فهمها حتى على نفسه هو.

الخلل يكمن في فهم المبدع لأهمية الإبداع ودوره ووظيفته، ما الفائدة من أن تكتب نصوص مغلقة وشديدة الرمزية، أنت لا ترسم لوحة فتقوم بعملية شطط ، أنت تكتب  بلغة لابد وأن تصل إلى القارئ، أما الإغراق في الرمزية الشديدة أعتقد أنه أمر غير مرغوب في الشعر، نعم لابد وأن يحتوي الشعر والإبداع على نوع من الرمزية، لكنها لابد وأن تكون رمزية يسهل على القارئ فكها، لكي تصل إليه الرسالة، نحن ضد السطحية والمباشرة، ولكنني أيضا ضد الغموض والإبهام، والمبدع الحقيقي قادر على إدهاش القارئ من خلال رمزية يستطيع بما يرتكز عليه من ثقافة أن يفك رموزها، ولا تحتاج لدليل لفك تلك الرموز وتلك الألغاز.

 

*الجوائز والأموال دفعت الشعراء للهجرة إلى الرواية

-الصراع بين السرد والشعر.. سمعنا من ينادي على غرار قول الأولين (الشعر ديوان العرب) يقول بأن (الرواية هي ديوان العرب) على اعتبار هيمنتها الحالية على المكتبات العربية ومعارض الكتاب وانجراف الكتاب نحوها برغبة شديدة.. برأيك إلى أي مدى أضرت بنا هذه المقارنة، وهل تجدها ضارة بالفعل؟

طبعًا عليك أن تبحث عن الجوائز والأموال الطائلة التي تمنح كل عام للرواية، الأمر الذى  دفع بالشعراء أنفسهم إلى هجر القصيدة والذهاب إلى الرواية، ورغم أن معظمهم لم يحقق النجاح الإبداعي الذى كان يحققه من الشعر، ولكني أعتقد بأن القضية شديدة التعقيد، لأن هناك حرب على اللغة العربية وضربها في مقتل بالقضاء على القصيدة العربية، وتوسيع الساحة للرواية وحثهم على الكتابة بالعامية واللغة الدراجة، وهو ما يميل إليه معظم كتاب الرواية، ما يحدث هو حرب على اللغة العربية، وضربها في مقتل، من خلال إطلاق مصلحات زمن الرواية وما شابه ذلك لأن الشعر سيظل هو سيد الإبداع في كل الأزمنة، ولن يستطيع أحد أن يقضى عليه فهو ديوان العرب وسيظل ديوان العرب ولكن للأسف الشديد الشعراء ساعدوا على ذلك إما بسبب كسلهم وعدم الإخلاص للشعر، فاختفى في حياتنا الإبداعية الأصوات الشعرية المميزة القادرة على التعبير عن هموم وطموحات وأحلام الإنسان العربي، وفتحت المجال للرواية فدخل الروائيون بكل طاقاتهم وأدواتهم، ولكن عليك أن تسأل سؤال كم رواية تركت أثرا في حياتنا، وما هي الأسماء الروائية العربية التي يمكن أن تقف عندها الآن للأسف سوف يدخل في حيرة شديدة، وأعتقد أن الشعر بدأ الدخول إلى مرحلة النقاهة وسوف يعود من جديد ليكون ديوان العرب، الأمر يحتاج إلى اهتمام وسائل الإعلام بنشر الشعر واهتمام الناشرين بنشر الدواوين، حينئذ يمكننا القول بأن الشعر عاد من جديد ليكون ديوان العرب وليست الرواية مع كل الاحترام والتقدير لها ولكتاب الرواية العربية.

 

-متى ينتهي الشاعر؟ أو لنقل متى يموت الشاعر بداخل الإنسان؟

 -الشاعر لا ينتهي، هو يأخذ استراحة محارب ثم يعود ليكتب من جديد، ولكننا عندما نحاول أن نجيب على هذا السؤال لابد من تقسيم الشعراء إلى شعراء قصائد وشعراء دواوين، وشعراء أصحاب مشاريع شعرية، ويمكن تقسيمهم إلى أصحاب مشاريع كبرى وصغرى، فالشاعر الذى يكتب قصيدة يمكنه أن يكتب قصيدة أو عدة قصائد ثم يتوقف وأعتقد أن الجميع في البداية بدأ شاعرًا ثم اتجه لفنون أخرى، من يستمر من هؤلاء يكتب دواوين أو عدة دواوين، ثم نأتي إلى شعراء المشاريع الشعرية سواءً المشاريع الصغيرة أو المشاريع الكبيرة وهم الذين يستمرون في الكتابة مهما تقدم بهم العمر، لأن بداخلهم قضية كبرى يسعى إلى تناولها من خلال الشعر، فبالتالي يظل يكتب ويكتب ولا يتوقف إلى أن تخرج من الروح ليست الروح الشاعرة ولكن الروح التي يذهب بعدها للقبر، والنصف الأخير من هؤلاء الشعراء قلة، لأننا نجد شعراء يكتبون ويتألقون في العشرينات والثلاثينات من عمرهم من ثم  يقلون في الأربعينات، وربما يتوقفون تمامًا في الخمسينات ونراهم يكتبوا مثلا قصيدة كل عام، وهنا الشعراء أصحاب المشاريع الشعرية الذين يواصلون الإبداع ليل نهار، لأنهم ممتلئون بالشعر، بداخلهم نهر من الإبداع متدفق، وكل هذه الأمور تحددها الموهبة، إذا كانت موهبة عادية أو موهبة كبيرة.

 

*مؤامرة على الشعر

-متى يتصالح الشاعر مع الناقد والعكس، برأيك هل وجود برامج المسابقات الشعرية الحية والمباشرة مثل أمير الشعراء ، و شاعر المليون، وغيرها من مسابقات الشعرية التلفزيونية، أقول هل أثرت هذه البرامج إيجابًا و أذابت جبل الجليد بينهما وأظهرت الجانب الإيجابي للنقد؟

طبعًا هذه المسابقات والبرامج أفسدت الشعر والشعراء، وسددت له ضربة قاضية، هل سأل أحد نفسه بعد كل هذه السنوات من برنامج أمير الشعراء، أين هؤلاء الأمراء، ما الذي أحدثوه في الحياة العربية، ما هي التغيرات التي لمسناها لما قالوه من قصائد قام نقاد كبار بتحليلها، هل هناك قارئ أو مستمع أو مشاهد واحد علق بذهنه قصيدة من تلك القصائد الكثيرة التي قالها هؤلاء الشعراء، ما حدث هو جزء من المؤامرة على الشعر، (شو شعري)، للأسف الشديد لم يستفد منه الشعر، بل أضره ضررًا بالغًا، وخسر الشعر من هذه المسابقات أكثر مما ربح، ولو يحبون الشعر لعملوا مايفيده، مثلًا عملوا على نشر الأعمال الشعرية الجيدة، وتحميس النقاد للكتابة عنها، وزيادة عدد المجلات والصفحات الثقافية التي تنشر الشعر، ولكن مثل تلك المسابقات أضرارها أكثر من فوائدها.

 

-بين الوعي واللاوعي.. كيف يستطيع الشاعر الخروج من قميص الناقد الذي لبسه إما بفعل التجربة أو التخصص أو المهارة ربما، وهل يشكل الناقد الذي يسكن بداخل الشاعر عائقا عن الإبداع؟

بالعكس من المفترض أن يكون الشاعر أول ناقد لشعره، لأن الناقد من خلال ذائقته الخالصة يستطيع أن يفصل ما بين الغث والسمين، ولكن الأمر يحتاج إلى نوع من الأمانة والصدق، وأعتقد بأن الشاعر الذي يقوم بمراجعة نفسه مراجعة دقيقة وأمينة يمكنه أن يخطو بإبداعه خطوات واسعة وكبيرة.

-إلى أي مدى تؤثر الأيديولوجيا على الأدب، ألا تحدّ الأيديولوجيا من عملية الإبداع؟

لابد وأن يكون الإبداع -خاصة الشعر- بعيدًا كل البعد عن التأثر بتلك الأيديولوجيات، الفن طائر يرفرف في الفضاء يجب ألا يتم حبسه في أي إطار، يمكن للمبدع أن يتعاطف مع اتجاه ويتحمس له وينعكس في كتاباته ولكن أن ينخرط في تلك الاتجاهات هنا يدخل المبدع إلى متاهة لا يستطيع الخروج منها. 

 

*القصائد تجول بداخلي ليل نهار

– ماذا ينتظرنا بعد من إبداع لدى الشاعر محمد الشحات، هل ننتظر مجموعة قصصية أم رواية أو ديوان شعري آخر؟

أولاً: لابد لي أن أعترف بأنني شاعرٌ ممتلئ بالشعر تجُول القصائد داخلي ليل نهار، تجرى خلفي القصائد وتظل تطاردني من أجل الخروج إلى الفضاء الخارجي، هذا السؤال طرحتُه كثيرًا على نفسي، وحاولت بصدق الإجابة عنه، وكنت أسأل نفسى هل بسبب توقفي تمامًا عن كتابة الشعر لمدة زادت على سبعة عشر عامًا من «1996حتى 2011»، فقبل ذلك التاريخ أصدرت ستة دواوين بدأتْ بديواني الأول الصادر 1974م، ومنذ عام 2012 وحتى اليوم أصدرت 16 ديوانًا، إضافة إلى ثلاثة دواوين قيد النشر، فالمهم أنني عُدتُ للشعر، وأكتبُ بشكل يُلبى ما يدور بداخلي فهناك عملية التقاط لما يدور حولنا من أحداث كثيرة ومتلاحقة، وأحيانًا لا تتمكن القدرات الاستيعابية للشاعر على أن يستوعبها، ويقوم بتحليلها وتحديد موقف منها، إضافة إلى أنى شاعرٌ مهمومٌ بالإنسان وما يُحيط به، خاصة أن الإنسان في عصرنا الحالي يتعرضُ للكثير من التقلبات، ويعيش كمًا هائلا من الصراعات الداخلية والخارجية، وأنا هنا أقصد الإنسان في المطلق.. كل تلك الأشياء تجعلني في حالة اتِّقاد شعري مستمر، وهي في نهاية الأمر رسالةٌ يتحملها الشاعر ولابد من إيصالها للآخرين، فشاعر بداخله كل هذا الكم من الشعر لا يمكنه أن يتجه للقصة القصيرة أو الرواية، فأنا أعتقد بأن الشاعر شاعر والروائي روائي ومكونات الإبداع تختلف عند كل منهم، يمكن أن يحدث تماس بين الفنون ولكنى لا أميل لأن يتجه الشعراء إلى الكتابة.

– تنوع قراءات النقاد حول شعر محمد الشحات وكثرتها، ما دورها في مسيرتكم وتجربتكم؟

طبعا أنا سعيد سعادة غامرة باستقبال النقاد لأعمالي الأخيرة، رغم أن كل الذين كتبوا عن أعمالي لا يوجد بيني وبينهم علاقة مباشرة، وإن حدثت بعد ذلك، وقد صدر جزء أول من المرايا النقدية بمقدمة للدكتور رمضان بسطاويسى تضم 34 دراسة نقدية من نقاد من المغرب، تونس، الجزائر، فلسطين، العراق، السعودية، ومصر وبالطبع أسعدني كثيرًا، وكان الجزء الثاني الذى قدمه الدكتور أيمن تعليب وتضمن 47 دراسة نقدية من نقاد من مختلف الدول العربية، وزادت به سعادتي، وهناك جزء ثالث كتب مقدمته الدكتور عادل ضرغام والأجزاء الثلاثة تضم 117 دراسة نقدية، ويتم حاليًا التجهيز للكتاب الرابع والذى كتب مقدمته د. يوسف نوفل. أي سعادة يشعر بها المبدع، عندما يلفت إلى كتاباته كل هؤلاء النقاد، والذي دفعهم للكتابة الأعمال الشعرية وليس غير ذلك.

-التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، هل ساعدت على تطور الأدب العربي وانتشاره وزيادة تأثيره، أم أنها أدت إلى تراجعه؟

 العالم الافتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة ساهمت بلا أدنى شك في نشر الأعمال الإبداعية، ولكن السؤال: المهم هل ما يتم نشره يصل إلى مصاف عمل إبداعي محكم؟! أعتقد بأن المبدعين الحقيقيين يمكن تمييزهم وتمييز كتاباتهم، في الواقع إننا أمام شرائح كثيرة ومتنوعة من المتابعين، ولكل شريحة من هؤلاء المتابعين خريطة طريق خاصة بهم ومقاصد يتجهون إليها، وليس كل ما ينشر على شبكات التواصل الاجتماعي يحظى بنفس القدر من الاهتمام، ولكني أعتقد بأن هناك حد أدنى من هذا الاهتمام، و بالمحصلة فالإبداع الجيد يجد من يهتم ويحتفي به، وهناك شرائح من المتابعين يسعون ويبحثون عن الشيء الجيد، والعملية تخضع لأذواق مختلفة، لكن أعتقد أن العمل الجيد دائماً ما يجذب إليه من يهتم به.

 

* الشاعر صلاح عبدالصبور كان يتابعني، والناقد عبدالقادر القط نشر لي

– كتّاب وشعراء أثروا في مسيرة وتجربة الأديب محمد الشحات؟

كان اللقاء بالشاعر الكبير صلاح عبد الصبور مفاجأة سارة لي حيث اكتشفت متابعته لي، وشد على يدي مؤكدًا ضرورة السير في الطريق الذى حددته لنفسي بعيدًا عن الدخول والانضمام إلى أي من الجماعات الشعرية التي بدأت تنصب الداء للجميع، ومع ظهور مجلة إبداع كان اهتمام الناقد الكبير عبد القادر القط حيث نشر في العدد الثالث من المجلة، وواصلت الكتابة والنشر حتى عامي 1995 و1996 حيث أصدرت ديواني الخامس (مكاشفة) عن هيئة الكتاب، والسادس (كثيرة هزائمي) عن هيئة قصور الثقافة ولم يكتب عنهم حرفًا واحدًا، حيث كانت الساحة الإبداعية في مصر قد وقعت أسيرة في قبضة عدد من النقاد والشعراء الذى حاولوا نفي الجميع، فقررت الابتعاد عن الشعر مع الانخراط في العمل الصحفي، ولكني عدت للكتابة مرة أخرى عام 2011، وأصدرت ديواني السابع “المترو لا يقف في ميدان التحرير” عام 2012 عن هيئة الكتاب، وأنا تأثرت بكل من جاء قبلي بداية من شعراء العصر الجاهلي حتى عصرنا الحديث ومن عاصرتهم وجايلتهم، لأن المبدع الحقيقي لا يعيش في جزيرة منعزلة هو يؤثر ويتأثر خلال هذا التفاعل.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود