الأكثر مشاهدة

أحمد بنسعيد* مقدمة قبل أي شيء؛ أدعو كتّاب أدب الطفل أن يتسع صدرهم فما هذا المقال …

حلول حبسة الإبداع عند الكُتّاب

منذ سنتين

475

0


أحمد بنسعيد*

مقدمة
قبل أي شيء؛ أدعو كتّاب أدب الطفل أن يتسع صدرهم فما هذا المقال وأشباهه إلا من نموذج كاتب(ة) قضى أغلب عمره في الكتابة للطفل، فهو يحمل قلما كمقص طبيب يحاول تحليل الواقع وانتزاع الأورام وما أكثرها في جسم أمة تعاني ويلات التخلف المقيت.
من المعروف أن الإنسان مخلوق يحب التحفيز والتشجيع ليعمل أو ليزيد من العمل؛ فلو وضعت مؤسسة ما للكتّاب الآن جائزة قالت فيها:
(اكتبوا حكاية للأطفال وسأناول الخمس قصص الأولى مكافأة 10 آلاف دولار للواحدة) حتما ستشعر النفوس بالحيوية والأقلام بالنشاط،  وسيهبّ الكتاب وحتى غير الكتّاب من كل حدب وصوب للعمل الإبداعي والكتابة، وبالمناسبة أعجب من أمة اهتزت في مجال (القراءة) هزة بفضل جائزة عربية خاصة بالقراءة؛ وأتساءل تُرى هل كانت ستهبُّ كل هذه الْهبّة لو لم تكن هذه الجائزة.
حافز الجوائز –رغم أهميته- لا يُعتدّ به لأنه معرّض في كل لحظة للعدم، والفائز سيكون واحدا فقط من بين المئات وربما الآلاف. وأما الحافز الداخلي للكاتب(ة) الذي وجب أن يربّيه ويرعاه في نفسه وقناعته شيئا فشيئا حتى يصير مشعّا كنور الشمس الساطع، فهذا هو الحافز الذي ينبغي أن يَعتدّ به الكاتب(ة) لأنه حافز لا ينضب ولا ينتهي أبدا، فكيف يكوّن الكاتب(ة) لديه هذا الحافز الداخلي؟
-حين يعلم الكاتب(ة) في قرار نفسه أنه يحمل مشروعا كبيرا حضاريا اسمه (الكتابة للطفل) هذا الطفل المسكين القابع في غياهب النسيان.
-حين يتجاوز الكاتب(ة) مرحلة (الكتابة إلا حين تحضره المتعة).
-حين يتجاوز الكاتب(ة) مرحلة اصطياد الجوائز ليكتب.
حين يكتب كاتب(ة) الأطفال إيمانا بمهنته، بصنعته ويشعر بأن الملايين من الصغار ينظرون إليه بشوق ينتظرون ما سيقدم لهم.
حين يعلم أنه أمام مائدة متنوعة، وأنّ أمامه عدة خيارات رقمية وورقية:
-كتابة الحكايات
-الشعر
-المسرحيات
-المقالات
-السيناريوهات
-الترجمات
-المذكرات واليوميات
-النقد والمراجعات
-المشاركة في الحوارات بكتابته
والكتابة في حد ذاتها متشعبة جدا؛ هناك الكتابة الأدبية، والعلمية، والتاريخية، وكتابة السير، والخيال العلمي، والمغامرات، وكتابة الألعاب والتسلية، وكتابة الكتب المدرسية …
الكاتب(ة) اليوم أمام مائدة متنوعة جدا جدا من الكتابات؛ يكتب الخيال، يكتب الشعر، يفتّق المعاني، ينتقد، يُغيّر … بشجاعة وبقوة وبحكمة.
حين يعلم كاتب(ة) كتب الأطفال أن لديه صنعة تصدر من فكر ترقّى في مدارج التفكير فهو يعتلي على رأسها. حين يتيقّن أنه هو الذي عليه العمدة لينقل مجتمعه من الحضيض…
فلْيأخذ مني هذه الأدوات المهمة كي يحافظ على حيوية الإبداع، ولا يعاني من الحبسة نهائيا:
-لا ينبغي للكاتب(ة) أن ينتظر التشجيع المادي:
إذا انتظر الكاتب(ة) التشجيع، من مواقع تدفع المقابل للكاتب(ة) فسيطول بالكاتب(ة) الانتظا، وسيضع بذلك نفسه في مؤخرة الإبداع، لأن الوقت الثمين سينساب منه، سيضيع منه. حيث سيشعر بإحباطات متتالية تدفعه أن يضع على إثرها قلمه بشكل نهائي ويتوقف عن الكتابة.
ليعلم الكاتب(ة) أنّ أغلى ثمن يمتلكه هو: (الوقت) يُعطى له من واهب النعم سبحانه، ووقته محدود ومعدود، وهو مزاحَم فيه من قبل مجموعة أمور؛ منها أغراض الأسرة، الضيوف، المرض… فليجعل من وقته المتبقي مجالا لجِدّه وكده وعمله المتواصل الممدود إلى أبعد الحدود… وعلى قاعدة صلبة متينة ينبغي أن تكون واضحة جدا جدا في ذهن الكاتب(ة) وهي:
-أنّ رؤوس أموالنا لا تشجع الكاتب(ة).
على الأقل في عصور التخلف التي نعيشها الآن. فهل ينتظر الكاتب(ة) إلى ما لا نهاية ينتظر زمنا لن يحدث يتلقى فيه التشجيع المالي؟؟.
-لا ينبغي للكاتب(ة) أن ينتظر نشر أعماله:
الكاتب(ة) كاتبٌ وليس ناشرا، هو يقوم بدوره ككاتب(ة) شغوف بالكتابة، لا يعنيه أمر النشر، هو يكتب في غير كلل ولا ملل، يكتب للصغار لمن سيُعمّر كوكب الأرض قريبا، وللأجيال بعدهم في سلسلة من الولادات لا تنتهي، الكاتب(ة) للطفل لحنُ عصفور خالد… إذا قوقع أحلامه العظيمة على (دار نشر) فقد حطّ من همّته أيما انحطاط، الكاتب ليس لديه وقت لغير الكتابة، بل في معارك إبداعاته وكتاباته التي لا تنتهي ينسى أن هناك دور نشر، ينسى وجودها حتى يذكّره الآخرون …
دور النشر في بلاد الغرب تنظر للموهبة وتنشر للموهوبين، هي من تبحث عن الموهوبين، وفي بلادنا المتخلفة هناك مقاييس تخلفية موروثة ومعروفة، لا داعي أن نضيع مدادا لأجل إعادة ذكرها، لأنه بالفعل أُضيع فيها مداد عظيم بل دماء غالية،  والأمر للأسف لا يزال على ما هو عليه؛ وربما استمر لزمن.
-لا ينبغي للكاتب(ة) أن ينتظر الإلهام:
هذه نقطة دقيقة؛ قد يختلف فيها الدارسون، ولكن رأيي في المسألة أن الكاتب(ة) يمتلك (صنعة)، فهو يعدّ لصنعته عُدّة يعود إليها كلما احتاج لذلك، هو الذي يكتب وليس الكتابة هي التي تكتبه. فإذا انتظر أن يأتيه الإلهام (أو متعة الإلهام) ليكتب فإنه بذلك يعرّض نفسه لحبسة الإبداع، أو كأنه لم يضع لنفسه تطعيما يقوي مناعته. الكاتب(ة) هو الذي يكتب في كل الظروف. لا يعاني من الحبسة أبدا، أو هو الذي عاشها لفترة قصيرة، فهمها، وتجاوزها للعمل، للكتابة المتواصلة.
كما تعلمنا في (أسبوع الكتابة للطفل) الكتابة مع وجود (الإكراهات) مع عيش الإكراهات الحياتية الطبيعية في هذه الحياة، تدربنا على الكتابة حتى مع إكراه الحرب، ورأينا أن الكتابة تكون بداية، ثم تأتي مرحلة متابعة الكتابة بالنقد والتمحيص مرارا وتكرارا، حتى تستوي وتصير أشهى من العسل المصفّى…
وكما نبهنا في مقدمة المقال فأبواب الكتابة للطفل وحول الطفل متعددة جدا، فإذا ملّ الكاتب(ة) من نوع –وهو أمر طبيعي جدا- فلينتقل بسرعة إلى نوع آخر، وإذا لم يكن متمكنا منه فليصرف من وقته لتعلّمه، وقد أصبح اليوم تعلم أي نوع من الكتابة متاحا وله عدة معلمين ومؤلفات… هكذا سيحصل على علم غزير وسيكون علَما في مجموعة أبواب في الكتابة للطفل…
-أين يضع الكاتب(ة) كتابته؟
وأما قنوات ضخ كتابة الكاتب(ة) فعلى رأسها قنوات التطوع في بلادنا التي تعاني ظمأ ماليا، وضعفا اقتصاديا وفكريا عارما. وليعلم الكاتب(ة) أن قنوات التطوع القليلة هذه ما هي سوى مجموعة أفراد رأوا هذا التخلف المقيت ورأوا تقاعس رأس المال، فهبوا تأخذهم غيرة على الأجيال المتتالية التي لا تجد أمامها إلا القليل الذي لا يكاد يُذكر من كتابات كتّابها. فأعلن هؤلاء الأفراد تطوعهم للعمل وللبذل والعطاء في غير تردد ولا تلجلج، فلا داعي أن يكون لدينا ككتّاب تلك الحساسية التي لا محل لها من الإعراب تجاه المؤسسات التطوعية في أدب الطفل، ولا نسمع لتلك الاتهامات التي توصَم بها، إذْ لو وَجدت هذه المؤسسات رؤوس أموال صادقة في مجتمعاتها لما هبت للتطوع، وليُرينا كل من تكلم فيها بسوء أفضل منها لنتجه نحوه، وسنكون بذلك سعداء جدا. وأما أن نظل ككتّاب للطفل منتظرين لهذا المال الذي لن يأتي أبدا، والوقت الثمين والعمر يمرّ فهذا لا يقبله أحد طبعا.
راجين طبعا أن يتغير حالنا، وننتقل لمرحلة المؤسسات الاقتصادية المشتغلة في أدب الطفل والواعية بطبيعة المرحلة، والتي تعطي كل ذي حق حقه، ولكنْ حتى ذلك الحين -الذي يبدو بعيدا وربما بعيدا جدا- لا تتوقفْ أيها الكاتب(ة) العزيز عن النشر والعمل التطوعي… وليصر اسمك عاليا في سماء الجودة في الكتابة للطفل.
-إلهاب حماس الكتابة
إن لم تكسر الكتابة جمودك أيها الكاتب(ة) وبشكل يومي فسيضيع منك وقت طويل، فكبار الكتاب واظبوا على الكتابة بشكل يومي رغم الظروف القاسية التي مروا بها، ونقتصر كما هي العادة على نموذج الظروف القاسية التي عاشتها الكاتبة المعاصرة للأطفال ج. ك. راولنج. نعم طبعا قد تكون هناك استراحات من الكتابة لظروف حياتية معينة، ولكنها لا تعدو أن تكون استراحات ليعود الكاتب(ة) بشكل أكثر حيوية ونشاطا للكتابة حيث يجد ملاذه وراحته.
-حبسة الكاتب(ة) فرصة للقراءة وإعداد للجديد
أدب الطفل مجال شاسع واسع، والكتابات فيه لا تعد ولا تحصى؛ الكتب والمجلات والصحف والدراسات والروايات والأشعار والنصوص المسرحية… وخاصة اليوم تعدّ بالآلاف إن لم أقل الملايين وبمختلف اللغات حتى النادرة والمخطوط منها.
فإذا قرأ الكاتب(ة) خاصة الكتابات الجيدة، فإنه بذلك يملأ خزان الإبداع لديه، ويثري مخيلته، ويحفز قلمه لإنتاج الجديد.
حين يشعر الكاتب(ة) بالحبسة فليعلم أن جنين كتابة جديدة يتكون لديه، فليُحسن الاستعداد.
خاتمة
هناك الكاتب(ة) الذي لا زال يتعارك مع النقطة والفاصلة، وكيفية شكل النصوص، وطريقة كتابة الهمزة… وهناك الكاتب(ة) الجيد الذي قطع في الصنعة أشواطا فهو يتعارك مع عوالم الخيال عموما والخيال العلمي وسنوات المستقبل… ليأخذَ القارئ بفنية وسلاسة في رحلات ممتعة إلى عوالم الإبداع والاختراع لأجل عالم وحياة أفضل.
ترى أطفالنا العطشى لأيّ الكُتّاب هم أشدّ حاجة؟؟…
الجواب واضح في هذه المسألة، وهنا تتفاوت درجات الكتّاب، ودرجات حمل الهمّ والإحساس بالمسؤولية الحضارية التي تتجاوز سجن الجسم وضيق أفقه…
تقبلوا تحياتي ومودتي.

*كاتب للأطفال_ المغرب
bensaid_ahm@hotmail.fr

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود