الأكثر مشاهدة

د.أحمد إبراهيم المسودي. وأنت تتصفح تويتر يلفت نظرك هذا القدر الهائل من الشعر وال …

الشعر الرقمي و النقد الرقمي بين الحضور و الغياب – نموذج تويتر

منذ سنتين

652

0

د.أحمد إبراهيم المسودي.

وأنت تتصفح تويتر يلفت نظرك هذا القدر الهائل من الشعر والشعراء، ويتسرب حينها إلى خاطرك أن في صدر كل مغرد شيطان ينفث الشعر على لسانه بين الفينة والأخرى، ويغلب على ظنك أن الشعر صناعة سهلة يتناولها كل من أراد، وصنعة من لا صنعة له، المهم رصف الكلمات في قالب موزون، مع قدر لا بأس به من إعادة التدوير والإعجابات والثناء والمدح؛ ومبارك عليك أصبحت شاعراً عظيمًا يشار إليه بالبنان! وكأنّ هؤلاء لم يقرؤوا قول الحطيئة:
الشعرُ صعبٌ وطويلٌ سلمهْ
إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمهْ
هوتْ به إلى الحضيض قدمهْ
يريد أن يعربه فأعجمهْ
وحين تتصفح هذه الكلمات التي يطلق عليها أصحابها -زورًا- شعراً تجدها على أنواع:
نوع يتصف بالمباشرة، يخلو من روح الشعر ورائحته، ونوع على شكل تمتمات وهمهمات وشعوذات وبهلوانات لغوية ساذجة لا تكاد تفهم منها شيئًا، ونوع يُنسج على غرار نماذج قديمة أوتي صاحبها معرفة بالعروض واطلاعًا على الشعر القديم الجيد ولم يؤت الموهبة فكلامه أقرب إلى النظم منه إلى الشعر، ونوع جيد، والجيد قليل وهو الذي يبقى أما الزبد الذي لا طائل منه فيذهب جفاء، فبعض الشعراء على (تويتر) بهذا التصور؛ كالإبل المئة لا تكاد تجد فيها راحلة.
إن غياب النقد الرقمي قد حرض أشباه الشعراء على التمادي في البوح بتجاربهم اللا شعرية وأفسد الذائقة الشعرية الجمعية أيما إفساد، فالشويعر في العادة يكون محاطًا بمجموعة متابعين من أقاربه وأصدقائه ومريديه وتجدهم مع كل محاولة يثنون عليه ثناء حارًا يجعل من هذا الشويعر شاعرًا عظيمًا، فيفسد ذائقتهم الشعرية ويفسدونه حين يصنعون منه شاعرًا وهمياً سرعان ما يسقط مع أولى جولات النقد الجاد.
إن (الأدب الرقمي) أو التفاعلي فكرة رائدة تنهض بمسؤليات عظيمة تجاه أدبنا المعاصر وتؤسس لمدونة تتسم بالتشعب والتفاعل والامتداد في الزمان والمكان، والتنظير له أمر ومطلب ملح لوضع المهاد الفلسفي له.
إن الأدب الرقمي يؤرخ للحظة راهنة حاسمة في تاريخ أدبنا، يؤرخ لمزاجنا، لذائقتنا، يضعنا في خانة صحيحة من خارطة الأدب الذي نحب أن نكون فيه، إن الأدب الرقمي لا ينهض إلا بمعية النقد الرقمي، النقد الذي يعصم أدبنا من الدخلاء والأدعياء، ويحصن ذائقتنا الأدبية من الفساد والتقهقر، النقد الذي يجعل الأجيال القادمة تحترم إبداعنا، وتقّدر ذائقتنتا ونظرتنا الخاصة للفن.

إشكالات وأسئلة.
ثمة إشكالات عويصة تعترض المنظرين للأدب الرقمي ونقده وهي في الحقيقة إشكالات معقدة ويأتي على رأسها اضطراب المصطلح وعدم استقراره إلى الآن، وبالنظر إلى رؤى الدارسين نلحظ أن فريقًا يوسع المصطلح ليشمل كل نص أدبي مرقوم عبر جهاز رقمي -أي جهاز أو برنامج- وفريق يضيق المصطلح يحصره في النص الأدبي المكتوب على الأجهزة الرقمية أو برامج التواصل الاجتماعي بكل ما يحمله هذا النص من إمكانات لغوية وغير لغوية كالأصوات والألوان والمؤثرات الأخرى التي تشترك في تكوين النص. وتقودنا إشكالية المصطلح إلى إشكالية أخرى هي إشكالية الوجود، بمعنى آخر هل لدينا أدب رقمي في الوطن العربي؟ وفي ضوء الرأيين السابقين يذهب فريق إلى أن الأدب الرقمي موجود، وهنالك تجارب ناضجة تستحق الدراسة والنظر، في حين يذهب الفريق الآخر إلى أن الأدب الرقمي لا وجود له في أدبنا العربي المعاصر.

وإذا كان لنا من كلمة ورأي حول سك المصطلح وسؤال الوجود فإننا نميل إلى التوسط ولذلك نقول إنّ الأدب الرقمي: ” كل نص أدبي كُتب ونُشر أولًا في الفضاء الرقمي” ، بمعنى أن يكون صاحب النص قد كتب ونشر نصه رقمياً مع اشتراط القصدية في النشر الرقمي أولًا، ثم بعد ذلك له ماله من أمر نشره على الوسائط الورقية.
ومن الإشكالات صعوبة التعامل مع الفضاء الحر المفتوح، فربما يقول قائل أني قد حمّلتُ تويتر ما لا يحتمل، فهو في أساسه منصة رقمية ترفيهية ووسيط من وسائط التواصل الاجتماعي وفضاء حر يحق للجميع الكتابة فيه، فهو ليس قاعة درس أو بحث نقدي، فلماذا تحجر واسعاً؟!
وهذا صحيح، ذلك لأن الكتابة الإبداعية اليوم لم تعد حكرا على مجموعة من الكتاب هيمنوا على الساحة فترات طوال، وروجوا لإبداعاتهم من خلال مؤسسات يصعب على غيرهم الاستفادة منها كبعض الصحف المهتمة بالشأن الثقافي والأندية الأدبية وغيرها من الإمكانات، وهنا تكمن الإشكالية والعقدة الكبرى في وجه من يتصدى للأدب والرقمي والتنظير له، وهنا يُثار سؤال حرية الكتابة في هذا الفضاء المفتوح.
ومن الإشكالات أيضًا إن هذا السيل الجارف المتدفق من الإبداع الرقمي لا يتوقف ولا ينحسر، ما إن تنتهي من قراءة نص حتى يغشاك تويتر بعشرات النصوص الجيدة وغير الجيدة، ومن العجب أن يجرف هذا السيل في طريقه بعض ممن تخصصوا في النقد الأدبي، فتراهم يعلقون بحرارة وحفاوة على نصوص رديئة تحت وطأة العلاقات الاجتماعية، تاركين أمانة النقد وراء ظهورهم، وتعجب أكثر عندما تجد عشرات الإعجابات والتعليقات والثناء والمديح لأبيات رديئة وما ذلك إلا لكون كاتب النص أنثى! ولست هنا ضد الشعر النسائي فهنالك تجارب تستحق الاحتفاء، لكن المسألة مسألة جودة وهنا يُثار سؤال الجودة!

وخلاصة القول لا يمكن أن نؤسس لأدب رقمي بمعزل عن نقد رقمي مصاحب، يقوم التجارب ويصحح المسارات، ولا يمكن أن نؤسس لأدب رقمي إلا إذا أجبنا على تلك الأسئلة المركزية التي تؤطره وتحدده.

*ناقد وأكاديمي سعودي.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود