مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

من محطات الحياة ومشوار الكفاح تقف بنا المحطة أمام العم صالح رجل عصامي عاش يتيماً …

رحلة للعيش

منذ 3 سنوات

669

0

من محطات الحياة ومشوار الكفاح تقف بنا المحطة
أمام العم صالح رجل عصامي عاش يتيماً في قرية هادئة إلا من طمع الإنسان وشح المورد وقلة الحيلة؛ فقر وجوع ويتّم وحياة قاسية ..
عاش يتيماً في بيت عمه شداد الذي لم يرحم يتمه،  ولا ضعفه وصغر سنه ..
مرت عليه الأيام قاسية في هجير الشمس الحارقة راعياً للغنم ..
وفي المساء يعود مجهدًا وينام جائعاً ..
الأم التي تتفقد أبناءها غيبها الموت وهي تلده، والأب مرض ومات؛ وعمّه شداد فقير معدم لا، يملك من شغف الحياة غير أغنامه وبعض ما يتبقى لديهم من الخبز..
و تمضي عليهم أيام بلياليها بلا طعام..
مرت السنوات مسرعة وقد الطفل اليتيم كبر وأصبح يسمع عن الدراسة والكتاتيب، ذات مساء
قال: لعمه شداد
مصرّحًا برغبته في الدراسة؛ صرخ عمه في وجهه وزجره بقوة وهو يقول الدراسة تعني
أن تترك الغنم وأنا ما عندي أحد يرعاها غيرك..
قال له صالح: يا عم لن أترك رعي الغنم، أعدك بذلك.
سأذهب بعد الرعي ..
هذا ما اتفقت عليه مع المطوع؛ أدرس في البيت وأسمّع له ..
مرت الأيام وتوالت السنوات وصالح يدرس ويجتهد على
ضوء السراج والقمر ..
كبر صالح وكبرت أمانيه وأحلامه كان متفوقاً في دراسته
محباً للعلم شغوفاً به..
ثم غادر القرية إلى الجامعة.
وأكمل دراسته وكان يعود إلى قريته في الإجازات ليساعد
عمه في رعي الغنم ..
واقترب الحلم ودنى من صالح ليكون من الخريجين القليلين في زمانه من الجامعة ..
عاد إلى القرية يحمل شهادته الجامعية، حلمه، وحلم أبناء قريته ..
ومع ذلك لم يتوقف طموحه نحو المعالي فكان حريصًا
على مواصلة تعليمه لينال الشهادات العليا ..
وكان له شرف ذلك وأصبح يحمل شهادة الدكتوراه بتفوق..
كان يعمل ويدرس فالعمل بالنسبة له أمر لابد منه ليأكل
لقمة هنية من عرق جبينه ويساعد عمه في قوته وقوت عياله ..
وابتسمت له الحياة وأصبح أستاذًا جامعيًا يشار له بالبنان
معروفًا بتواضعه وخلقه وسعة اطلاعه..
قرر أن يكمل نصف دينه فتقدم لخطبة بنت عمه جميلة..
التي كانت آية في الجمال وكانت تشفق عليه كثيراً في
صغره تخبئ له الطعام والشراب وتهتم ببعض شؤونه ولما كبرت وأصبح لا يراها إلا صدفةً زاد تعلقه بها ..
كانت ترفض كل من يتقدم إليها مخفية حبها لابن عمها
بين أضلعها..
هذه الليلة ستزف جميلة إلى ابن عمها الدكتور صالح
وستكون أسعد بنت في القرية..
انتقل صالح وزوجته جميلة إلى المدينة وكان يحثها على
مواصلة دراستها ويشجعها ويساعدها في ذلك حتى أصبحت خريجة جامعية ومعلمة فاضلة..
لم يكتب الله لهما الذرية بعد عدة زيارات للمستشفيات
وفي كل مرة يخبرهم الطبيب أن الزوج
عقيم ولا يمكن الإنجاب..
وفي كل مرة يعود صالح مهموماً حزيناً ويدور بينه وبين
جميلة حديثٌ طويلٌ
ويطلب منها أن تختار حياتها وأنه سيكون سعيدًا لها ومن أجلها..
وكانت تبكي وترفض طلبه وفي كل مرة تقول له أنا اخترت حياتي معك وبقربك لن يفرقنا غير الموت ..
فيصمت !
وهي تقول له أرجوك لا تقول ذلك مرة أخرى..
وتمضي السنوات والحب يرفرف على مملكتهم الصغيرة لكن الحياة لا تدوم لأحد فقد مرضت جميلة مرضاً شديداً وتتدهور حالتها الصحية ويقف صالح أمام غرفة العناية المركزة يناجي الله ويطلبه الشفاء لجميلة..
ويسبق القدر إليها وتنتقل إلى رحمة الله..
يصاب صالح بحالة نفسية سيئة جداً أهمل نفسه وعمله
وعاش على ذكريات جميلة يبكيها ليلاً ونهاراً..
يبكي طفولتهم وشبابهم وحبهم وكل الذكريات الجميلة والسعيدة التي جمعتهم ..
وقد فقد القدرة على التعايش مع الحياة بدونها
ترك كل شيء يذكره بجميلة في هذه المدينة والقرية وابتعد ..
ليبدأ حياة جديدة باهتة الألوان لا روح فيها ولا حياة فقد
انطفأ قلبه وانطفأت أنوار الحياة في عينيه..
ليعود كما كان وحيداً مشتتاً ضائعاً..
كبر سنه ووهن عظمه وغابت الابتسامة عن وجهه..
وحالته تحكي معاناة الإنسان في محطة من محطات
الحياة في رحلة البحث عن لقمة
العيش ‏يضيع العمر طلباً لها

وحالته تحكي معاناة الإنسان في محطة من محطات
الحياة في “رحلة البحث عن لقمة العيش
‏يضيع العمر طلباً لها و عندما نجدها ؛ نكتشف أنه لم يعد لها حاجة
‏فنحن أمام هيكل!!
أودت به تلك الرحلة “
والآن توقفت رحلتنا عند محطة من محطات الحياة واترككم مع هذه الأبيات الرائعة :
فلا تجزع وإن أعسرت يوما
فقد أيسرت في الزمن الطويل
ولا تيأس فإن اليأس كفر
لعل الله يغني من قليل
ولا تظنن بربك غير خير
فإن الله أولى بالجميل.

*كاتبة سعودية

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود