*تراثنا بدأ يُزهر بعد يباسٍ طويل
*لم أجد في نقد محمد العباس شيئاً محدداً
*أكتب الشعر ولا أنشغل بما بعده
*على الصحافة تجديد أسلوبها
حوار_محمد عسيري
بثيابه المزركشة وشكله الفريد وضحكته البهية وشعاع الأمل المنبعث من كلماته ومن عينيه يطل أحمد الملا دائماً علينا، أفكاره تتدفق، إبداعه ساطع، محاولاته لا تكل.
في سباقه – المليء بالحواجز – نحو ترسيخ فن السينما في السعودية خاض أحمد الملا – في صمت – حربه الكبرى، حتى وصل خط النهاية، مشرعاً باب الانطلاق نحو صناعة سينما سعودية حقيقية، بالتوازي مع ذلك ظل أحمد الملا ينثر إبداعه شعراً جميلاً كجمال روحه.
أحمد الملا شاعر وسينمائي سعودي ولد في مدينة الأحساء عام 1961. تخرج من جامعة الملك سعود، ويعتبر أحد رواد صناعة السينما في السعودية وذلك بتأسيسه وإدارته لمهرجان أفلام السعودية .
2013 – 2017: عين مديرًا لفرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام، وقام في فترة إدارته للجمعية بإنشاء (بيت الموسيقى) و (بيت السينما).
أصدر عدة دواوين شعرية، وعمل بالصحافة والتأليف وكتابة السيناريو.
– في البداية أطرح عليك السؤال الجدلي الأبرز اليوم في عالم (التمثيل: ؟). هل لدينا أزمة نص ؟
حسناً، ربما لو حولناه من سؤال جدلي، إلى ما أظنه إشكالية فهم في الفنون المركبة جمعية الإنتاج، فعلى نقيض من الإبداع الفردي (كالشعر، القصة، الرواية، الرسم…) حيث الفردانية تمنح حرية عالية في كامل مراحل المنتج الإبداعي. ومن هنا علينا التمييز بينهما. وقد اعتدنا القياس، ومن ثم تم تعليق “الجرس” على رقبة المكون الأول للمنتج الفني.
لهذا ليس من العدل تطبيق هذه الإشكالية على أي نتاج جمعي كالأفلام، والمسرح وكل الفنون المنسوجة بجهود متضافرة، جماعية الصنع.
هكذا يكون استهداف السينما، المسرح، الدراما.. بهذه الإشكالية: “أزمة …” في البنية المؤسسة لها (النص، المحتوى، الكتابة، السيناريو ..إلخ) بأنها محط مشكلة المنتج العام، في حين أنها ليست إلا قطعة من إشكاليات هذا المنتج، مشترك التكوين.
في رأيي الشخصي، لا توجد حاليًا أزمة في أي من مكونات المنتج الإبداعي جمعيّ البناء، إلا لو اعتبرنا الإدارة الثقافية والفنية هي العامل الخفي وراء كثيرٍ من الإخفاقات المتوالية التي تراكم ما يطلق عليه في ظاهرها مصطلح “أزمة..”.
كنا في يوم ما متأزمين في العديد من الجوانب، ولأسباب خارجه عن النص وما جاوره من فعل إبداعي، وبقدرة واعية تم القفز – بشكل وقرار مؤسسي- على غالبية المعوقات الظاهرة، لكن في الفن والإبداع لا يمكننا القفز والتفوق بمجرد الرغبة الرسمية ولا حتى قرارها، ولا في حالة فردية تمردية، رغم أهميتها، فالأمر يحتاج الى تراكم مؤصل، وتأسيس يبنى عليه، بين مختلف الأطياف والأطراف، والتشريعات التنظيمية..وهنا يأتي الوعي بالزمن.
أثق أننا سنصل، ولكن علينا أن نتفادى تعليق الإخفاق على طرف واحد (لن أقول الأضعف) في معادلة الفن.
– إذًا اتفقنا على أن لدينا أزمة نص، فهل هذا يعود لنقص المبدعين، أم لضيق المساحات وانحسار الموضوعات التي يمكن الكتابة فيها ؟
لم نتفق بدءًا على ما ذكرت، من منطلق أن لدينا ما يمكن اعتباره أهم مكون للنص، ألا وهو المدهش فيه، من ثقافات متنوعة حسب ما نملكه من تنوع جغرافي وتاريخي ثري، من قصص، من حكايات، أساطير، وتراث متصل وعميق، أراه يزهر بعد يباس طويل.
* لست رائداً للسينما السعودية
– الكلام عن السينما السعودية كثير ووهج المهرجانات ونجوم السينما السعودية ساطع، لكن الشخص إذا ذهب إلى السينما لايجد فيلماً سعودياً إلا ما ندر. لماذا؟
حضور السينما في الحياة العامة لم يُقر إلا منذ بضع سنوات، وها هي عجلة تمكينها تدور بسرعة في اتجاهات عديدة، نلحظ فيها تصاعد الإنتاج كمًا وكيفًا.
وما يحتاجه الفيلم السينمائي من عوامل أساسية للعرض في الصالات التجارية لا يتحقق بين ليلة وضحاها، وهي عوامل في أساسيات صناعة الفيلم وما بعده، إضافة إلى التراكم وبناء العلاقة الجاذبة بين الفيلم والمتلقي.
– يرى البعض أن اختيار مصطلح “السينما الشعرية” عنوانًا لمهرجان أفلام السعودية في دورته الثامنة، ما هو إلا محاولة عبثية لتلميع صورة المهرجان دون وجود خبرات أو رصيد فني يمكن الاتكاء عليه. كيف ترد ؟
جميع المهرجانات لا تدعي صناعة وإنتاج محتوى، بل هي (منصة) لقاء، عرض، تشجيع وتحفيز لما سيأتي بعدها من تلاقي الأفكار وتداولها.. ومن هنا فإن مهرجان أفلام السعودية يتلمس حاجات المشهد ويثريه بما ينقصه، ومنذ الدورة السابعة بُدأ في اختيار موضوعات يرى أهميتها، لتسليط الضوء عليها، بدأت في السابعة بسينما الصحراء، وفي الثامنة السينما الشعرية، وما سيأتي يتطرق لموضوعات منتقاة بعناية.
المهرجان اختار وعرض عددًا من الأفلام الطويلة والقصيرة في هذه التيمة، من مختلف أنحاء العالم، أصدر كتبًا (ترجمات وتأليف) في هذا الموضوع وغيره بلغ عددها ( 14 كتابًا ).
عقد ندوات ولقاءات مع ضيوف ذوي علاقة بالسينما الشعرية، كل هذا لتسليط الضوء على ثيمة رئيسية في السينما تحتاج إلى الانتباه والحوار حولها.
– البعض يتهمكم بالإيهام بوجود سينما سعودية، والحقيقة إنه لا يوجد سوى محاولات وجهود مبعثرة. حتى أن هناك مدن سعودية رئيسية لا يوجد بها صالات سينما إلى الآن . هل هذا صحيح؟
لمثل هذا الرأي يعمل المهرجان وجهات أخرى على خلق المناخ وتشجيع صناع الأفلام السعوديين على مزيد من الإسهام في تشكيل المناخ والبُنى إلى ما نحلم به، وبالوصول إلى صناعة سينمائية سعودية.
نعم نحن حالمون.. دائمًا كان أصحاب هذا الرأي الذي نقلته يتهمون المهرجان يومًا ما با للاجدوى وطلب المستحيل … وكنا فعلًا نحلم به، حتى تحقق.
– عقب انتهاء أيام مهرجان السينما الأخير كتب الناقد محمد العباس مقالاً في “ثمانية” وصف فيه المشهد السينمائي السعودي بالفوضى الذي يزدحم فيه المتطفلين والمدّعين وأشباه الفنانين. كما وصف المهرجان بأنه مهرجان مواهب ذو مخرجات رديئة غير صالحة للعرض على الشاشات. السؤال: بما أنك الأب الروحي للمهرجان ورائده الأول، هل هذه الملاحظات النقدية صحيحة ؟
أولًا لأصحح جملة: “الأب الروحي والرائد” فمهرجان أفلام السعودية يصنع بأيدي شباب وشابات سعوديين متطوعين، تجمعهم روح المحبة والعطاء والإيمان بأن لدينا من الطاقات المبدعة ما يستحق العناء..
أما الرأي الذي كتبه الناقد محمد العباس فقد قرأته وأعدت نشره وإرساله للزملاء في إدارة المهرجان، متمنيًا أن يجد أحدنا ما يستفيد منه، وبعد أكثر من قراءة، كم تمنيت أن أجد (معلومة واحدة) عما وصفه في المشهد السينمائي أو في المهرجان من مخرجات، تمنيت أن حدد واحدة.
وكما أوضحت مسبقًا، المهرجان منصة وليس منتجًا، وينتخب من المشهد أجمله. وأؤكد على أن تطور المشهد من دورة إلى أخرى هو ما يُلهمنا ويبث فينا روح العمل على الاستمرار وتطوير المهرجان.
*واثق بقدوم أفلام سعودية تلامس مجتمعنا
– الكل يتحدث عن ثراء وتنوع لامحدود في الثقافات والعادات واللهجات داخل المملكة ؛ لكن هذا لا ينعكس على السينما ؟ مثلاً ما يُسمى بـ ( اللغة البيضاء) هي المسيطرة في الأفلام، لماذا لا نسمع اللهجات المحلية في أفلامنا ؟ حتى أنت في لقاءاتك المصورة لا تتحدث باللهجة الحساوية التي تعتبر من أجمل وأرق اللهجات في المملكة ؟!!
أتفق معك في حب اللهجة الحساوية، وربما ترحُلي وأسفاري خففت من لهجتي، وأرى أن جميع اللهجات السعودية ثرية بالمعنى، وغنية بالنبرة الجمالية.
أعتقد” سينمائيًا “، أننا للتو بدأنا، وأثق أننا سنشهد أفلامًا قادمة تلامس الكثير من مكونات المجتمع السعودي، إرثا ثقافيًا، وأمكنةً وتاريخًا وحاضرًا، وحتى ألسنة ولهجات. فلا نتعجل.
– هل أنت راضٍ عن وضع (الأندية الأدبية) في وقتنا الحالي ، واهتمامها المنصب فقط على الأدب، دون بقية المناشط الثقافية كالرسم والتصوير والسينما وغيرها ؟
أحزن كثيرًا على أوضاع الأندية الأدبية الحالية رغم تفاوت نشاطاتها، وكلي رغبة في الالتفات لها وإنقاذها، وعدم تركها عمدًا في الفراغ.
– عملت سابقاً في الصحافة الورقية، وقد قيل قبل أكثر من عقد من الآن أن الصحافة الورقية عبارة عن جنازة تنتظر الدفن. برأيك هل حان وقت الدفن ؟
أعتقد أن الصحافة وغيرها من وسائل التعبير والمعرفة و الاتصال، عليها أن تعيد صياغة أدواتها بأساليب معاصرة، وتطور من مفاهيمها مع المستجدات، وتواكب الانتقال السريع إلى المستقبل.
*أكتب الشعر ولا أنشغل بما بعده
– كشاعر حداثي لماذا – برأيك – بقي شعر النثر محصوراً في الطبقة المثقفة ولم ينتشر شعبياً ؟
أكتب الشعر، وما عدا ذاك لا أنشغل بما بعده. وأعتبر الشعر في كل الأشكال الفنية للقصيدة، بل أن الشعر خارجها أيضًا، وأجده في مختلف طرق التعبير الإنساني عبر أدواتها الفنية غير اللغة.
– لم أجد خلال بحثي عن نقد حقيقي لشعر أحمد الملا. بشكل عام هل هذا أمر مريح للمبدع، أقصد قلة أو انعدام النقاد ؟ وكيف يمكن أن يتطور الشعر والمسرح والسينما وغيرها من الفنون في ظل غياب النقد الجاد ؟
النقد قطعة أساسية من بنية كل مشهد إبداعي.. وضرورة فنية للحراك الثقافي، وأحد روافده.
صدرت عدد من الدراسات النقدية عن تجربتي الشعرية، أحيانًا أتوارى عن الإشارة إليها. لذا لست ممن يحرص على ما يكتب عن تجربتي، على عكس ما يحدث عند متابعة ما يكتبه النقاد عن تجارب مبدعين آخرين.
– في كتابه الشهير ” العلم والشعر ” يرى الناقد والشاعر الإنجليزي أ. ريتشاردز ألا مستقبل للشعر ويصف الشاعر في عصرنا هذا بأنه نصف متخلف يعيش في عالم متحضر. كيف ترى أنت مستقبل الشعر في ظل تراجع مكانته لصالح أنواع أدبية أخرى كالرواية مثلاً ؟
لست مهموماً بمكانة ما، وكما قلت سابقًا، الشعر خلاصي الفردي، لا أنتظر له صدى ولا أثر، أعيشه في كل لحظة بكل ما أمتلك من مشاعر، متخففًا عن ما بعده.
*ليست مخرجاتنا السينمائية ضعيفة
– هل ترى أن الانسان السعودي الآن ينظر إلى الشأن الثقافي كضرورة للتطور والتنمية ومكون أساسي في تكوين الوجدان العام والخاص، أم لايزال يراه كمادة استهلاكية يمكن الاستغناء عنها ؟ أو يراه كمُحرم ومحظور ؟
أعتقد أن من أهم مكونات المرحلة التي نعيشها حاليًا، والتي يمكن توصيفها بالنهضة الحضارية، هو أن الثقافة والفنون مكون أصيل في هذه النهضة، تسير جنبًا الى جنب مع مختلف بُنى المجتمع، مرتكزة على تشريعات وقوانين تؤصل الفعل والمعرفة، أنا متفائل بما يتم ويجري العمل عليه، على الرغم من التحديات المستجدة، والتي هي نتاج طبيعي للتحولات الكبرى.
– ما حقيقة أن المخرجات الضعيفة للسينما السعودية سببها الاستعجال في إطلاقها وعدم اعتمادها على الموروث الحقيقي في المحتوى ولجوئها إلى قصص سريعة ومدبلجة ترمي في الغالب إلى الإنتاج دون النظر إلى الجودة؟
لا أظنها حقيقة مطلقة، هناك منتج سينمائي يخالف ذلك، ويمكن الانتباه له بسرعة، من خلال نظرة موضوعية للمشهد، ومن جهة أخرى أعيد التأكيد على أن صناعة الأفلام في خطواتها الأولى، وما تحتاجه من رأي هو التشجيع والنقد الموضوعي لتنضج وتستمر، وليس النفي قبل التجربة.
*لا وجود لأجيال في صناعة الأفلام
– لماذا لا يتم الاستعانة بمنتجين وكتاب وحتى ممثلين من الجيل السابق لصناعة وإنتاج محتوى أصيل للسينما أم أن التوجه فقط للشباب والذين ينتجون برأي الكثيرون أفلام أشبه ما تكون بمقاطع :”اليوتيوب ” المكررة والمملة ؟
لا توجد أجيال في صناعة الأفلام، هناك اجتهادات أفراد مستقلين في مرحلة ما قبل إقرار السينما، وما يحدث الآن من تسارع في إنتاج الأفلام يتيح الفرص لتشارك جميع الكوادر الفنية والإدارية والتقنية أكثر من السابق. المرحلة الحالية تحتاج إلى غرس الثقة المتبادلة بين جميع الأطراف، لينعكس ذلك على المتلقي والمستهلك أيضًا.
– هل انتهت حمى التصنيفات من دوائر الجدل الثقافي بين أطياف التيارات الشعرية والفكرية وما سبب ذلك؟
لا أعتقد أنها انتهت يوماً، إلا في المراحل التي يركد فيها الإبداع ويتحول فيه إلى موات.
– هل حصل أحمد الملا على التكريم الذي يستحقه كرائد للسينما في بلادنا ، وواجهة ثقافية نفاخر بها ؟
لست رائدًا .. بل عامل ثقافة مع رفقة آمنوا بما سيأتي .. وقد حصلت على أكثر مما أستحق من حب وتقدير.
– ماهو الحلم الأكبر الذي يسعى أحمد الملا اليوم لتحقيقه ؟
أن تتأصل الثقافة السعودية بكل أطيافها في مجتمعنا، وتكون علامة فارقة في أنحاء العالم. وعلى مستوى شخصي، أن أستطيع نشر كتابي الشعري الأخير: ” فهرس الخراب”.
التعليقات