77
0125
0259
081
160
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
2972
02108
02040
01546
01425
12عادل النعمي*
كانوا رجلين وشبح …
أحدهم لا أعلم من هو، والثاني مات منذ زمن بعيد! يتوسط الأول المجلس ويقول بثقة:
ـ يقولون: العواصف تجعل جذور الشجرة تمتد إلى أعماق أكبر، وربما عواطف أعظم!
ـ ادخل في صلب الموضوع بشكل مباشر، ولا تتحدث بالألغاز.
ـ تذكر أني اتفقت معك منذ البداية: أن لا ترحل، ولا تغضب.
ثم يصمت للحظات وبحيرة يرمي بنظره إلى الفراغ، وكأنه يريد أن يستجلب شيء من العدم، ثم تبدو في عينيه كلمة (لما لا).
قديماً أخبرتني أمي يوماً أن اتجاهل كل كلام وكل انفعال، وأتأمل عيون الأشخاص ـ فالعين بوابة الروح ـ إذا استطعت أن تقرأها فستقول لك كل شيء!
استأنف بعد أن جفلت عينه:
دعك من كتب علم النفس، وكل الفلسفة، وخذ بكتاب الله ـ فمن عفا وأصلح ـ وكل إنسان يتغير إذا ندم واعترف بخطئه.
لا جواب.
لا انفعال.
لا ابتسامة
طلب مني أن أرد على كلامه فلم انبس ببنت شفة، فأخبرني حين مل من الحديث، أن أقول أي شيء كرامة لحضوري، وبدون مقدمات قلت:
ـ كل إنسان يعيش بشخصيتين: شخصيته العميقة التي تربى عليها، وشخصية القناع ليكون مقبولاً اجتماعياً، ولكن حين يضمن حضوره تخرج شخصية الحقيقية إلى العلن.
سأحكي لك قصة وليس فيها تعريض أو إهانة لم أروها في حياتي، هي مؤلمة جداً حاولت أن أرويها مرة وكدت أن أبكي.
لن أطيل عليكم …
كنت أسكن في أطراف المدينة، وكنت أخاف أن أسرق، وكان لدي صديق عشقه الوحيد هو الكلاب، وليست أي كلاب إنها كلاب من سلالة دلماسي.
رفعت صوتي حين قلت سلالة فبدأ ذلك الشبح يتحرك على كرسيه، ويصدر حركات تتملل، أنا أعرف أنه يحتقر الحديث فنظرت إلى المضيف وقلت:
ـ إذا كنتم مستعجلين فعليكم الرحيل.
أشار برأسه (أن أكمل) بنظرة ووجه محايد، وكأنه يترقب أن يشتم!
تبسمت وعدت واستأنفت:
تلك الكلاب جميلة جدا بيضاء وعليها بقع سوداء إذا رأيتها من بعيد كأنها لوحة فنية ـ من كل زاوية تبدي صورة مختلفة- والجميل فيها ليس جسدها الجميل وحسب، ولكن عيونها الزرقاء.
شكلها طريف جداً ومحبوب، ذات آذان مثلثية متدلية تصل إلى قاع الفخذ، تبدي طرافة دون انفعال.
في يوم وجدت عنده جراء كأن أحدهم عينه لامعة وشكلها يوحي بالذكاء، والغريب أن ذلك الكلب دائم النظر إلي، وكأن بيننا رابطة، وكأنه كلبي في حياة سابقة، نظر إلي ذلك الصديق مفتخراً وأخبرني أن هذه الكلاب، تحمي صديقها حتى الموت، ولا تنبح إلا عند الضرورة، متلهفة عادة لإسعاد مالكِها، ومع ذلك هي لَيسَت ودّودَة جداً مَع الناسِ التي لا تعرفهم، أَو لا تأمنهم مثلي!
عرضت عليه المال لأخذه فرض وكأنه تفاجأ، هو يرى أنه هذه السلالة نادرة وقد حصل عليها بصعوبة، وما قد اخترته كأن أفضل ما في تلك السلالة بصفات لا أعرفها.
حصلت عليه بصعوبة بالغة وكأني اتذكر الآن كمية حسرة والنظرة المؤلمة حينما غادرت بصحبة ذلك الكلب.
كنا وحيدين في البداية.
في البداية كان طفلي، وبعد وقت كان صديقي أشد به أسري، وبعدها كأن أخي بل نصفي بل روحي. كنت أشتاق إليه عن غيابي عنه، وأضرب المثل فيه بالوفاء.
اتنهد وأزفر زفرة من عميق القلب واستأنف:
ـ بل كنت أحبه حبا جماً، سنتين لم يؤلمني بشيء، آه لو كنت ترى كيف يرقص ذيله، عند حضوري إلى المنزل ويتمسح بي بفرح جم، يشعرني أن الحب خلق لي، وأن الحب جوهر الحياة، حتى أني لم أعد بحاجة إلى صداقة أو محبة أو معرفة أحد من الناس.
في يوم تغيرعلي … كانت تقول عيونه أنه يحبني، ولكنها تخبرني في ذات الوقت أنها ستؤذيني، قبلها كان هادئاً لأيام.
لم أستطع مسكه، كان غاضباً، وضجراً فأحضرت طبيباً بيطرياً إلى المنزل، وعندما رآه رفض الامساك به، وبعد تخديره وتقليبه، طلب مني النظر إلى جرح بسيط وقال هذه عضة خفاش في الغالب، وما أصابه سُعار.
صمت لثوان وهو يحدق في عيني وقال بتأكيد:
ـ قتله أرحم له.
تراجعت إلى الخلف، وانا أهز رأسي بإنكار، ليست لدي الجملة المناسبة للرد، الأمر أشبه بصدمة، ترافق سهما توجه إلى القلب مباشرة، جعل اللسان ينشل والعيون تحدق بفزع، أرأيت أحداً يحتضر، هذه ما سببته كلاماته لي.
نقدته مالاً وطلبت منه الذهاب، نصحني بعزله، فهو سيتحول إلى وحش قريباً، ويصبني بمرض لا شفاء منه.
في ذات اللحظة، طلبت أن يصنع له قفص من حديد ضخم ووضعته به.
بعد أيام أصبح طوال الوقت هائجاً ونكداً، ثم بعد ذلك انتقل إلى مرحلة الهيجان، كل شيء يتحرك حوله يريد أن يهجم عليه، وفي يوم جعل يمضغ القضبان حتى أن أسنانه تكسرت، اقتربت منه فانتصب على ساقيه الخلفيتين بقوة شديدة، وكأنه يعصر نفسه عصراً، وفجأة سمعت تكسر عظامه، حقاً قد كسر عموده الفقري، أتتخيل مقدار القوة التي يتطلبها ذلك، إنه انقلاب تام في الشخصية.
تحول الحيوان الوديع هذا إلى قاتل عنيف.
وكل ذلك بدأ بعضة واحدة، وإذا غدر بي فله أسبابه كذلك.
سأل الوسيط ماذا صنعت به:
طلبت أن يقتل رحمة به، ثم دفنته ودفنت ذكريات معه.
نظر الوسيط إلى الشبح الذي بجانبه بعدما قطع ورقة بيده، وقال له:
ـ اذهب من هنا فقد سمعت الجواب.
*كاتب من السعودية
التعليقات