مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

حوار _ رندا أبو حوى  *تعود أصولي لمدينة عجيبة تزخم بالأسرار *ملامسة القصيد لمشاع …

الشاعرة أماني الزعيبي : المرأة العربية أنثى الأرض

منذ سنة واحدة

671

0

حوار _ رندا أبو حوى 


*تعود أصولي لمدينة عجيبة تزخم بالأسرار

*ملامسة القصيد لمشاعر المتلقي نجم يهتدي بهِ الشاعر

*نقرة على الزر توازي وثيقة جواز السفر

“البحث عن الحكمة ” أين نشأت التساؤلات ؟ وهل كان دافعها عاطفة عميقة جعلتها لا تكف عن البحث و تظل تتنقل زائرة لكل بلاد 

أم هي تلك الدهشة التي اجتاحت كل الجوارح فأصبحت منغمسة في معرفة ما خلف الواقعة التي لفتت الانتباه حتى سلبته تماماً ؟ من سبق الأول في ميلاده ذاكرة الفؤاد الرقيق التي لم تنفك في محاكاة  كل ما يُصادفها ، أم هي نواة ذاك الجزء الدقيق الذي تستثيره تلك الظواهر بأكملها، ابتداءاً من عمق الذات مروراً بتلك الغزيرة التي تحثه على التجانس مع نداءات الكون و طلب استجابة منه ؛ من أثينا موطن آباء الفلاسفة إلى تونس حيث أحفادها و مسقط رأس الثقافة المتنوعة حيث الفيلسوفة الأديبة أماني الزعيبي التي حملت في جذورها تلك النزعة والتي خطت أناملها الشعر في عقدها الأول حاصلة على شهادة الدكتوراه في الفلسفة المعاصرة، شاعرة صدر لها مؤلفات من أبرزها: 

 ديوان: قافية لآخر المعجزات _سيرة الأضواء. مارست بدورها الثقافي ترجمة بعض الكتب والروايات أشهرها “أورانوس “مارسيل إيميه 

*تعود أصولي لمدينة عجيبة تزخم بالأسرار، شغلت أذهان المؤرخين و علقت في ذهن الزائرين .

– أماني الزعيبي الشاعرة والفيلسوفة؛ ابنة المدينة النابضة (صفاقس)، تلك التي أسرت قلوب المؤرخين، متى كان فجر بزغت فيه شمسك و على أي أرض اخترتي أن تُشرقي؟

صفاقس أو عاصمة الجنوب هي مدينة عجيبة ومختلفة، تجدُ فيها تواشجًا بين العتاقة والتقدّم، بين الجمال والقبح، والانفتاح والانغلاق، الهشاشة والقوّة، لا تكشفُ أسرارها للزائر منذُ الوهلة الأولى، هي تحتاجُ قراءة عميقة لتاريخها الأدبيّ والفنيّ والمعماريّ والجماليّ والنضاليّ.

ولدتُ في هذه المدينة وتربيّتُ في ريف من أريافها، قرية مترامية الأطراف تُعرفُ ببساتين الزيتون واللوز الممتدّة وبالفلاحة، هناك حيث كان لقائي بالطبيعة دافعًا للكتابة. أثّرت البيئة القرويّة في تركيبتي الإنسانية. وجدتُ كثيرًا من العناية من العائلة ومحبةً كبيرةً من الأجداد، جدتي لأمي هي معلمتي الأولى، فقد كنت أسمعُ أغانيها الشعبية في المناسبات وفي مواسم جنيّ الزيتون، وهذه الأغاني أشعار وَرِثَتها عن الذين سبقوها، كنت أتبعُ إيقاع الأناشيد بشغف كبير.

كانت بدايتي مع قراءة القرآن وترتيله، أذكر أنّي ختمتهُ وأنا في سنواتي الأولى في المدرسة. حَرِصَ والدي على دراستي وكان مهتمًا كثيرًا بضرورة تحصيلي للمعرفة. كنتُ تلميذة موهوبة، اكتشف المعلمُ قدرتي على التعبير وكتابة القصص والخواطر، فقد كان كلّ مرّة يشيدُ بمَلَكَةِ الخيال لديّ.  بدأتُ قراءة الشعر في سنّ مبكّرة، وكان لديّ وعيّ حاد بأهمية القراءة والكتابة، ولكن لم يخطر لي أبدًا أنّني سأصبحُ شاعرة في المستقبل. كُنت أقرأ الشعر لأصدقائي في المعهد وأحاول أن أحاكي بعض الشعراء بكتابة بعض المقاطع والانفعالات.الركض مُضر بصحة التأمل ، و تروقني رياضة الفلاسفة 

– ركضتي بأصالة بين دروب الشعر والترجمة وحصدتي بهجة المتلقي إلى أي مدى سيستمر الركض، ومتى ستنالين رضا الذات في هذا الميدان الإبداعي؟ 

بصراحة أنا لا أحبُّ الركض وراء الأشياء، أحبذُ فِعْلَ المشيّ أسوة بأسلافي القدامى، أبناء الفلسفة المشائيّة. يحرمُ الركض المبدعَ من رؤية تفاصيل الحياة واللغة، يحرمهُ من التمعنّ في مضمرات النصوص الأدبية والفلسفية. الشعر بالنسبة إليّ صيغة وجود، وصيغة بقاء وخلود، هو المكوث والحركة في آن واحد، هو الاستطاعة والاقتدار، هو التجلّي والظهور المختلف في العالم. أما لغة الشاعر المتفرد فهي أشبه ما يكون بلغة المطر، لغة لا تظمأ أبدا.

ذهبتُ إلى عالم الترجمة صدفة، عُرض عليّ اقتراح فوافقت لأنَّ النصّ أعجبني كثيرا، فراهنتُ عليه. لم أسعَ وراء دخول هذا العالم، وإنّما تركتُ الأمر مفتوحا. قرأتُ الترجمة في الجامعة وأدرك خطورتها وعواصتها، أذكر جيّدا النصوص التي كُنا نشتغل عليها في الجامعة (كتاب للفيلسوف الفرنسي ميرلوبونتي “العين والفكر”، وقسم من كتاب للفيلسوف الألماني أدورنو، …)

كُنتُ أعتبر الترجمة مشروعًا مُستقبليّا، ولكنّي اغتنمتُ الفرصة وسأحاول العمل على نصوص جديدة داخل الاختصاص. الترجمة الفلسفيّة تحتاجُ إلى مزيد من العناية والجهد.

أنا راضية إلى حدٍ ما عن كلّ ما قُمتُ به إلى الآن، وأتطلع دائمًا إلى ماهو أفضل، تحصلتُ على الدكتوراه وأنا شابة، كَتبتها بكثير من الحماس والدقة. خَضتُ مغامرات إبداعيّة عدّة أهمها الشعر، ولي جمهور عربي يُحبني. المحبة هي مُفتاحُ كلّ الأبواب المغلقة. أنا فخورة جدّا بما وصلتُ إليه، وفخري الأكبر بهؤلاء الذين يحبون ما أكتبه، وما أرنو إليه. فنحن لا نحلم بمفردنا، الحلم واحد والحالمون كُثر.



*سبق الشعر الفلسفة في مولده ، تمكنت من معرفة سر السعادة.

– يشترك الشعر مع الفلسفة حيث أن غايتهما واحدة وهي : المعرفة و الكشف عن الحقيقة.

ماهي الأُحجية التي تمكنت أماني كشفها عن طريق الشعر؟ 

العلاقة بين الشعر والفلسفة، ضاربة في القدم  والشعر سابق للفلسفة، إذْ كانت قصائد هوميروس موضوعًا للجدل والدرس في النقد الأدبي عند اليونان، وفي مطلع القرن الخامس ازدهر الشعر الغنائي مع بندار، وكانت الفترة القبـل سقراطية، فترة احتفاء بالنثر والشعر واللغة، فقد كان السفسطائي الأشهر بروتاغوراس يلقي محاضرات عن الشعر. كلّ هذا ذكره أرسطو في كتاب الشعر  إذْ لم يسلّم بآراء أستاذه أفلاطون المهاجمة للشعراء، وإنّما اعتبر الشعر فنّ، ولكلّ فنّ لذته، وقال إنّ الشعر يثير العواطف وينبثق من منبعين كلاهما طبيعي وهما المحاكاة والإيقاع  مُضيفًا وظيفة الشعر التعليمية إنّ المتأمل في تاريخ الفلسفة، سيلحظُ بداية الفلسفة شعرًا مع هيراقليطس وبارمنيدس وغيره من الأسلاف الأوائل. تمكنتُ من فهم هذه العلاقة المعقدّة والبسيطة في آن واحد، راوحتُ بين الشعر والفلسفة والأحجيّة التي تمكنتُ من كشفها من خلال الشعر هي محاولة الاستمتاع بكلّ التفاصيل التي تُحيطُ بي، الاستماع بجمال اللغة، بنصوص عميقة، بأصدقاء خُلّص، بفكرة مُحلقة، أغتنمُ وجودي في هذا العالم لأتركَ أثرًا، ولأفتحَ آفاق لغيري.



*ملامسة القصيد لمشاعر المتلقي ، نجم يهتدي بهِ الشاعر 

 

– الابتعاد عن التيار أو ما نسميه الصور التقليدية بالنسبة لشاعر هل يجعل منه متقدماً و لامعاً ؟ أم أن ذلك يعتمد على المحتوى الذي يُقدمه للساحة الأدبية بشكل عبقري؟ 

المسألة ليست متعلقة بالابتعاد عن التيار، بقدر ماهي مرتبطة بالاختيار والخصوصيّة. وهذه الخصوصيّة والتفرّد مرتبطان بشكل وثيق بمقدرة الشاعر على فهم استطاعة اللغة، وتطوير مهاراته في الكتابة وتدريب خياله على خلق آفاق حيّة لنصوصه. الشاعر المتفرّد والمُلهم، لا يمكنُ أن يكونَ مجرّد نسخة عن شاعر آخر، وإنّما عليه أنْ يكون شجاعًا بما يكفي ليفتحَ ورشتهُ الشعرية. وهذه الورشة لا تحتاجُ إلى تقنيات وصناعة لغويّة وحسب، وإنّما تحتاجُ إلى عينٍ وفكر وإحساس. أن نكتبَ الشعر هو أنْ نحسّ بالعالم، وبالإنسان، وبالذوات المحيطة بنا. أنْ نقدّم نصّا شعريّا، هو أن نعيدَ تشكيل لحظات إنسانيّة بخطاب جمالي، يُلامسُ إحساس المُتلقي، ويفتحُ أسئلة في عقله، ويُنشطُ مخيلتهُ في آن واحد. نحنُ لا نحتاجُ اليوم إلى الصور التقليديّة، بقدر ما نحتاجُ إلى ترجمة شعريّة لهذه الحقبة. لا يجبُ أن ننظر إلى الشعر كجوهر احتفائيّ بالعالم، وإنّما إمكانًا له وشكلاً من أشكال الحياة. 

*نقرة على الزر توازي وثيقة جواز السفر

– نعيش على هذا الكوكب الذي يأبى أن يكون في وضع السكون، مما يجعلنا نشهد حقبة من الثورات المعلوماتية ، برأيك هل كان لهذه الثورات أثراً بالغاً في تغير خط سير التقدم في العالم العربي ؟ 

فعلا، نحنُ نعيشُ اليوم في زمن الثورات المعلوماتيّة، ولا أحد ينكرُ أهميّتها في تقريب المسافات والأفكار. أصبحنا نُحمّل دواوين الشاعر الذي نُريدُه بضغطة زر. أصبحَ التواصل أسهل في جميع المجالات، الفنيّة والشعرية والفكرية والاجتماعية… أصبحَ العالم العربي قرية صغيرة، وقد ساهمَ ذلك في توطيد التبادلات في مختلف المجالات (سياسية، اقتصادية، تاريخية، علميّة)، وفي فهم بعضنا بعضا بشكل أفضل حضاريًا وفكريّا.  

 

*أنا  تحت تأثير تعويذة إليوت و بابلو 



– مازال الشعر لُغزاً محيراً، أين بدأ ؟ وكيف؟ ومع ذلك امتد نطاقه فأصبح غلافاً يُحيط بالأرض وفي كل رقعة مر بها شيد صرحاً له. المدراس الشعرية على امتدادها التاريخي أيهما يا تُرى شغف فؤاد أماني حُباً؟ وحظي بتوقفها عنده؟ 

في البداية، يجبُ ألا نخلط بين الشعر والمشاعر، وبين القصيدة والخواطر، وبين الشِعْريّة والشَاعِرِيّة. الشعر نادرٌ نُدرة الكبريت الأحمر، الشعر ولادة جديدة لمخزون فنيّ وجمالي وإنسانيّ. قرأتُ الشعر العربيّ، بدءًا بالشعر الجاهليّ (امرؤ القيس، والنابغة الذبياني، وعنترة، طرفة بن العبد، …) مرورًا بالعصر العباسي (المتنبي، أبو العلاء، أبو فراس الحمداني، بشار بن برد…) وصولاً إلى العصر الحديث. اطلعت على بعض النماذج من الشعر اليوناني القديم (هوميروس، هسيود، أوفيد، سوفوكليس…)، وعُدتُ إلى الملاحم البابليّة والكنعانية القديمة. قرأتُ للسيّاب وسميح القاسم ونازك الملائكة، وفدوى طوقان، ونزار قباني، ومحمود درويش، وأدونيس. إلى جانب ذلك، أقرأ الشعر الأعجمي، قرأتُ لآرثر رامبو، وستيفان مالارميه، وإليوت، وشارل بودلير… توقفتُ عند نصوص عديدة، سحرتني بلاغةً وبيانًا وصورًا شعريّة مُتفرّدة، لعلّ أهمها كتابات العملاق “المتنبي”، هذا الشاعر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، ومازلنا نتحدثُ عنه إلى اليوم. بصراحة، لم أتأثر بمدرسة بعينها، وإنّما بنصوص ومسارات شعريّة، تُعجبني نصوص درويش التي تكادُ تلامسُ الميتافيزيقا، تسحرني كتابات إليوت وبابلو نيرودا، أُنشطُ خيالي بنصوص يوهان غوته، وأنهار هولدرين الصاخبة.

*الحُلم شاطئ الراحة و التأويل منعطف ضوئي قادني نحو منازل الجماهير  

 

– المحافل و الملتقيات الأدبية التي عُني لها من قِبل المؤسسات الثقافية في العالم العربي شأن بالغ الأهمية لدورها الفعال على الصعيد الإنساني و الأدبي أيضاً. هل يمكن أن تُشاركينا تجربة التحاقك في مسابقة “أمير الشعراء”؟  

تابعتُ برنامج أمير الشعراء منذُ مواسمه الأولى، وكُنت واثقة من وقوفي على مسرح شاطئ الرّاحة ذات موسم وفعلاً، تحقق ذلك في الموسم الثامن، وكان تجربة استثنائيّة ومُتفردّة بالنسبة إليّ. تمكنتُ من دخول البيوت العربية بمحبةٍ كبير، وتعرّفتُ على جيل جديد من الشعراء وقرأتُ لهم ومازلنا نتواصل إلى الآن، ونتابعُ نشاطات بعضنا بعضا على مواقع التواصل الاجتماعي، وجدت الكثير من القبول في برنامج أمير الشعراء، أشادت اللجنة بتجربتي، وصلتني الكثير من التعاليق من جمهور الشعر العربي. ما يُمكن أن أقوله عن هذه التجربة، إنّها مُنعطفٌ ضوئيّ فتحَ لي بوابة للعبور إلى ضفة المتلقي العربي.

*الأنثى  هي حقيقة القصيد  

– كيف تُقييم أماني الحراك الثقافي في الوطن العربي ؟ وهل تمكنت المرأة العربية من إثبات هويتها؟ 

ثمّة حراك شعريّ جليّ في العالم العربيّ، وثمة شعراء كثيرون في مقابل القليل من الشعر الصافي. مازال الحراك يحتاج إلى كثافة الدعم والتشجيع والتشارك. وتحديدًا في مستوى النشر، يجب تكثيف الجهود لدعم الشاعر المشاريع الشعريّة الواعدة والرائدة. إلى جانب ذلك، يجبُ الاهتمام بترجمة الشعر، وتقديم أنفسنا للعالم، لماذا نرحبُّ دائمًا بالوافد فقط؟ ألم يحن الوقت لتقديم قصائدنا وتجاربنا لهم ترجمةً ودراسة؟

هناك جيل من الشباب يكتبُ بتفرّد كبير بعيدًا عن الأضواء، لا يشبهُ أحدًا، قادرٌ على نحت الصخر شعرًا، أقرأ لهم جميعًا، وأحب تجاربهم، وأفتخر بها. أما في ما يتعلق بالمرأة العربية، هي امرأة استثنائية ومُبدعة، استطاعت افتكاك مكانتها، في تاريخنا العربيّ لا نجدُ حضورًا كبيرًا لقصائد المرأة على الرغم من كون القصيدة أنثى، نجدُ بعض الأسماء الخالدة مثل الخنساء وولادة بنت المستكفي…

تغيّرت الخارطة قليلاً، وأصبحنا نتحدثُ عن شاعرات من العيار الثقيل، شاعرات يكتبنَ بتمكّن، ولهن مكانة في حقول الشعر المعاصر. تمكنت المرأة الشاعرة اليوم من تحقيق هويتها الشعريّة، لكن مازال أمامها الكثير من الصعوبات والتحديات والعراقيل التي لابدّ من تجاوزها. أنا أراهن على المرأة العربيّة بشدّة.

*الحياة مسرح أبطاله الأحداث بمختلف صورها 

– (الحياة ليست بحثاً عن الذات) سقراط. من وجهة نظر أماني الانسانة ماهو تعريف الحياة؟  

الحياة بالنسبة إليّ لا تُختصرُ في تعريف، بل تُعاش بكلّ تفاصيلها الجميلة والأليمة. الحياةُ مسرح كبير، فيه أبطالٌ كُثر وعُقد وانفراجات وأحداث كثيرة، لا يُمكن الإحاطة بها. نجدُ فيها الخير والشر، الجمال والقبح… فيها كلّ الثنائيات الميتافيزيقية التي أطنب في تفسيرها أفلاطون في محاوراته.

طرحتُ آفاقًا وسُبلاً ومسارات في أطروحة الدكتوراه مُتعلّقة بـ”جدارة الإنسان بالحياة”. إنَّ الحياة هي مثلما عبر عنها الفيلسوف التشيكيّ يان باتوشكا “آفاق وإمكانات، وتجربة لأجلها نحن نختار، وهي في كلّ لحظة تتجلى حقلاً مفتوحا”. كان سقراط مُحقًا عندما قال إنَّ الحياة ليست بحثاً عن الذّات، هي ممكنة في تحققها وفي قدرتنا على الفعل. تنبجس الحياة الإنسانية في علاقة مع الآخر، وفي انفتاح الذّات وشغفها بالعالم. ومنه، تكمنُ جدارة الحياة في “المعنى” الذي يجعلنا نتمسكُ بها. بصراحة أنا لا أوافق داروين في مقولته الشهيرة “الصراع من أجل الحياة”، لأنّ الصراع يقتضي ضرورة القوة، المسألة ليست علاقة صراع بين الأقوياء والضعفاء. ما يهمُّ عندي هو أنْ نُقْبلَ على الحياة بطريقة مغايرة أكثر امتلاءً وزخمًا وعطاء، لا يُمكن أن نحيا دون أنْ نعطي محبة، ودون أن نتشارك الفكرة والقصيدة والجمال والألم…

كَـتــَبْـتُ الشّعرَ من بَعضِي وبَعــضِـي

وَبعـضُ الشّـعر يَكتُبهُ  الضِّــيـاءُ

فـأورق في هــتـاف الــرّوح نـجـــمٌ

وقَــدْ مَـالت عَــلى الأرْض الـسّـمـاءُ

فـأذّن في ضُـلــوع الأرض نـهــــرٌ

وضـجَّ بِـجـثَّــةِ النّــهر العــــواءُ

كَـأنَّ جَنائزَ الأنهــارِ حُــبْـلَــــى

بِـظــبي الـضَّـوء مُــذ صَام البُــكـاءُ

*القصيدة العامودية موضوع استحوذ على اهتمامي ، و إحساسي بحاجة لترجمة 

– إن القصائد والنصوص ليست كما هو شكلها الظاهر كلمات وجُمل قد صيغت إنما هي بعض من روح الشاعر قد تجسدت على هيئة حديث. في هذا النص ما هي النزعة التي كانت تُحيط بكِ آنذاك؟

كتبتُ هذا النص سنة 2015 م، وأنا طالبة في الجامعة، وفازت بجوائز عدّة. كُنت وقتها قارئة وفيّة للشعر القديم، ومهتمة بالقصيدة العمودية بشكل عام. أذكر أنّي كتبتُ هذه القصيدة بشكل متقطع، كانت بدايتها في المبيت الجامعي، ثمّ في مدارج الجامعة، وفي الحافلة… حاولتُ عركَ الصخب الذي بداخلي وتحويله إلى كلمة، كلّ إحساس هائل يحتاجُ للكتابة، محبتي للشعر تحتاجُ إلى ترجمة، وهكذا كانت هذه القصيدة.

*المرأة العربية أنثى الأرض ، و حقول الأوركيدا و النارنج

– صدر لك مجموعة من القصائد وكان عنوانها “قافية لآخر المعجزات ” مالسبب الذي يكمن خلف هذه التسمية ؟

طُرحت عليّ أسئلة كثيرة مُتعلّقة بالعنوان، وضعتُ مقترحات عديدة للمخطوط، ولكنّي اخترتُ هذا العنوان لأسباب عدّة. أهمها، تخليدُ المرأة الشاعرة في تاريخ الشعر العربيّ المعاصر. ومحاولة لكسر بعض الأصنام، والأوهام، المرأة اليوم تكتبُ الشعر في مختلف أشكاله، داخل الإيقاع وخارجه. وفي النهاية، هي لا تحتاجُ إلى اعتراف بمقدرتها الإيقاعية، بقدر رغبتها في تخليد نصوصها، وفي نحت نصوص تشبهها.

“قافية لآخر المعجزات”، هي هديّة للمرأة العربية، وللشاعرة على وجه الخصوص، هي شرفة لغويّة، وآفاق شفيفة في آن واحد. هي أنوثة الأرض وخصوبة التربة، هي حقول من الأوركيدا والنارنج، هي باقات من الجمال والصفاء لكلّ امرأة تَكتبُ بقلب مفتوح.



*لا أطمئن لنصوصي، حقيقة إلهامي أنهُ يأتي من تتبع مرادفات الحياة و أضدادها   

– الإلهام هي ؛ حالة أشبه ما يِقال أنها تلك التي تجعل الانسان مطمئنًا يظل في كنفها متقداً، وقد تتشكل على هيئة بشر أو طبيعة خلابة. من أين تستقي أماني الإلهام؟ 

في الحقيقة، أنا لا أنتظر “الوحي” و”الإلهام ” أو الجلوس على الربوة أنتظر ما “يُوحى إليّ” لأكتب الشعر. لا أتذكّر أنّي كتبتُ قصيدة دُفعة واحدة، أكتبُ بشكل مُتشذّر ومُتقطّع…

ثمّة شرارة تحقق فعل الكتابة، أحبّ التجوّل في الطبيعة، والسفر والمشي في المدن العتيقة، والمعالم التاريخية، تُلهمني الوجوه المتأرجحة بين اليأس والفرح، تلهمني لحظات الفقدان والخذلان، ورائحة البخور في زقاق الحيّ، امرأة تطعمُ قطط الشارع، بحارٌ يترقبُ الطقس للصيد… أستقي الإلهام من الإنسان، من الثنائيات، من بساتين الزيتون، من باعة السوق العتيقة، من أسوار مدينتي، من باعة الفلّ والياسمين، من الوفاء والخيانات، من الخير والشر، من السلم والحرب، من الحياة والموت، من مسرحيّة، من عمل إبداعي…

عندي ما يكفي من الشغف للكتابة، كُنت دائما مُشحونة بالعزم، أنهلُ من تفاصيل العالم البسيطة. ليس لي قلبٌ حاقد، ولا ذاكرة خؤونة، ولا وعي جاحد، أنا أكتبُ للإنسانية وللمحبة والجمال. لا أطمئنُ لنصوصي، أنا في حالة قلق شعريّ دائم، أحاول تجديد كتاباتي تطويرها ونحت لغتها، وتنويع مواضيعها.

*الروحانية تُثقله و القضايا الإنسانية تستفز قريحته 

– كيف تنظرين لمستقبل الأدب السعودي وما مدى ارتباطك به ؟ 

أنا قارئة جيّدة لبعض مراحل الأدب السعودي، ومُطلّعة على التجارب الشعريّة الراهنة في المملكة. وهو أدب مثقلٌ بالروحانيات وبالقضايا الإنسانيّة والحياتيّة. وليتُ وجهي شطر بعض المسارات الشعريّة السعوديّة، وهي تحتفي بأغراض مُختلفة منها الوطني والقيمي والجمالي. أذكر على سبيل المثال، كتابات حسن بن عبد الله القرشي، الذي يُعتبر من الشعراء المجددين وله أعمال كثيفة تتراوح بين الشعر (مواكب الذاكرة، نداء الدم، سوزان…) والقصص والدراسات والبحوث. إلى جانب ذلك، قرأتُ لمحمد بن علي السنوسي وبعض أعمال أحمد بن إبراهيم الغزّاوي، و”الطائر الغريب” لحسين سرحان، و “ما وراء حنجرة المغني” لجاسم الصحيح. الشعر السعودي المعاصر مُتنوع وثريّ، ينهلُ من الموروث الشعري، والروحي، والجمالي.

– تونس الخضراء ومدينتك الزاهية المقيمة في عمق التراث والحضارة معاً ما مكانها من “الحضور ” و”التجلي “في نصوصك والى أي مدى يجذبك المكان بالشعر -هل تلبس الشعر رداء الحرية الفضفاض عربياً أم أنه لا يزال مرهوناً لمقاسات “الهوية ” و”الهواية ” الخاصة بعيداً عن فرضيات “الرقابة”؟؟ 

المبدع في تونس استفاد من مساحة الحرية التي أتاحتها الثورة في شتى المجالات الإبداعيّة. لكن على المبدع أن يعي مفهوم الحرية تجنبا للإسقاطات والابتذال.

* أتوق لزيارتكم لي حيث أقطن بين  دوواين الشعر

– كلمة تُقدميها للقُراء

ندعو القراء إلى الاطلاع على التجارب الشعرية المعاصرة بما في ذلك تجربة الشاعرة أماني الزعيبي.

الكلمات المفتاحية

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود