356
0436
0407
1526
0399
041
065
072
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11887
05573
05569
05192
04855
0
وحيدة المي*
تعيش آلاف الطيور في غابة ممتدة الأطراف، باسقة الأشجار متشابكة الأغصان، مجاورة لنهر يسمّى نهر الأمان .
كانت على اختلاف ألوانها وأشكالها تستقر في أعلى الأشجار، تبني أعشاشها وتحصل على غذائها بالتهام الثمار والبذور والحشرات والديدان.
تعيش في كنف الوئام والتفاهم والأخوّة.
تشدو صباحا وتستقبل خيوط الشمس المتسلّلة من بين الأغصان، تنشغل بالتقاط قوتها، وإطعام فراخها، و احتضان بيضها، أو التحليق بعيدا عن الغابة للاستمتاع بالفضاء الرحب والتحليق عاليا ثمّ العودة بعد رحلة متعبة.
تصدر زقزقاتها المتنوعة وقد حولت الغابة إلى حفل موسيقى بهيج.
أنثى الكناري التي تركت فراخها في العش، وغادرت تبحث عن فاكهة التين اللذيذة لتقتات منها أبطأت العودة.
كانت تتسلّى وهي محلّقة في أرجاء الغابة بجمال بعض الأشجار وعظمة بعظها الآخر، وكانت بين حين وحين تحط على هذا الغصن وذاك وتلتقط بشراهة ما لذّ وطاب.
ولما شعرت بالشّبع، حملت معها ما تيسّر لفراخها وعادت العصفورة الجميلة صاحبة الصوت الساحر. لكنها لم تجد فراخها في انتظارها.
وقفت في العش الفارغ، تنحب بصوت حزين. وترفرف في كل الاتجاهات غير أنها لم تعثر على أثر يدلّها عن الفاعل الذي غدر بها في لحظة الغياب.
كانت رقيقة، صغيرة الحجم تتألّم ليلا نهارا، لا تنام، ولا تبحث لها عن طعام. حتّى رقت لها قلوب حيوانات الغابة وقررت مساعدتها وإنصافها.
انطلقت الحيوانات تبحث في أرجاء الغابة زحفا، عدوا، مشيا، وقفزا وطيرانا دون جدوى.
_ من الفاعل يا ترى؟
تساءل كبير الطيور يتأمّل الوجوه المحيطة به، لا أحد استطاع توفير إجابة تخفّف حزن الأم المفجوعة في فراخها.
غضب غضبا عاصفا وخاطب الجمع الغفير بلهجة متوعّدة وهو ينفش ريشه الكثيف ويدق على الغصن برجله المتخشّبة:
_ اسمعوا وعوا نحن في غابة يجاورها نهر الأمان، إنها هي أيضا غابة أمان وسلام، لا خائن يعيش فيها، ولا ظالم يعيش بيننا.
أطلقت الحيوانات صوتها الجهوري الذي اهتزت له أغصان الغابة مساندة:
_ لا خائن يعيش فيها،.. لا ظالم يعيش بيننا.
اتفقوا على مدّ الحبال من أقصى طرف الغابة إلى الطرف المقابل مرورا عبر نهر الأمان، وأمر كبيرهم بسير كل الحيوانات عليها لأن الكاذب والفاعل الحقيقي سيسقط في النهر عند مروره فوق الحبال، حينها إما يُترك ليبتلعه الماء أو يخرج ويعاقب عقابا شديدا بحجم فعلته الشنيعة.
اشتغلت الحيوانات كامل اليوم في لف الحبال من لحاء الأشجار العملاقة ومدّها من أقصى شمال الغابة إلى أقصى جنوبها.
ولما حان موعد الحساب، تجمهرت، و اصطفت للخضوع لاختبار الكذب الذي قرره حكيمهم بذكاء. غير أن طائر العقعق تغيّب على غير عادته.
سأل كبيرهم وهو يحرك رأسه في كل الاتجاهات:
_ لا أراكم مجتمعين أين طائر العقعق، لم أره في شدّ الحبال ولا بين الحضور؟
أجاب الأرنب:
_ لعله جاع ذهب يبحث له عن الحشرات والعناكب والفواكه.
رفرف الطائر العجوز بجناحيه وهو يحوم فوق رؤوس الحاضرين :
_ الآن ظهر الحق، لا سير على الحبال يا جماعة أنتم أبرياء طلقاء، ابحثوا عن العَقْعق وأتوني به حيّا.
أغلقت الحيوانات باب الغابة وكل المنافذ حتى لا يهرب، يعيش في الغابة المفتوحة والمراعي والأراضي الزراعية والأحواض، كما يعيش في الحدائق و البساتين.
انهمكت الحيوانات لساعات في البحث عنه دون جدوى. نصحها حكيم الغابة بالبحث في البساتين والحقول المجاورة، إذ يمكن التعرّف على آثار هذا العصفور المخرّب وهو من فصيلة الغرابيات بسرعة لأنه غالبا ما يتسبّب في أضرار عندما يبحث عن الغذاء.
تكفّل العقاب بالقيام بهذه المهمة لسرعته وحدة بصره.
غادر الغابة يبحث في البساتين المجاورة… حلق كبيرهم محذرا:
_ لا تتعب نفسك بالبحث في حقول التوت والمكسرات والفواكه لسنا في فصل الشتاء.. فمن عاداته في مثل هذا الفصل، الربيع، أن يأكل البيض والفراخ والقوارض على خلاف فصل الصيف الذي يتغذى فيه من الحشرات.
صوّب العقاب اتجاهه نحو أقرب بستان. كان يحدّق من علوّ في رؤوس الأشجار، ويدنو من الأغصان المتشابكة يتفحّصها. إلى أن عثر عليه يلتهم إحدى الفراخ التي اختلسها من إحدى الأعشاش.
انقضّ عليه العقاب وحمله بين مخالبة وحلّق بعيدا في اتجاه الغابة.
كان يرتجف من الخوف ويتوسّله الصفح عنه دون جدوى.
انتصب حكيم الطيور ينتظر أمام حشد من الحيوانات. و أمر بوضعه في قفص حتى لا يهرب.
نادى الكناري الحزينة وسألها:
_ على أرضنا نرفض الظلم، ها هو من أكل فراخك وجرح قلبك، ماذا نفعل فيه؟
_ أطرقت تفكر، نزلت دمعة من عينها، وقالت:
_ لا شيء، لا أحب القتل ولا الذبح عقابي له أن يبقى في هذا القفص وهو ينعق ولا يصمت ليلا نهارا.
قال الحكيم:
_ هذا عقاب رحيم، لكنه صعب ومزعج لنا!
أجابت الأم الحزينة:
_ نحن في غابة الأمان لا نعذّب ولا نؤلم لذلك سأتركه ينعق كامل الوقت ليتذكر فعلته الشنيعة.
غادر الجميع. علقوا القفص بين الأغصان. كان العقعق يبكي و يفكّر في حنجرته التي سيجرحها النعيق وصوته الذي سيختفي في قادم الأيام.
تمنى لو يلتهمه أحد أعدائه كالكلب، والقط والطيور الكاسرة حتى يرتاح من هذا العقاب.
رفع صوته بالنعيق وهو ينظر في اتجاه ذلك العش الفارغ الذي أكل فراخه منذ يومين.
*كاتبة تونس
التعليقات