الأكثر مشاهدة

هند القثامي هكذا دعت أم صالح نساء القرية ليجتمعن عندها نهاية الأسبوع، حيث كان مع …

يوم السدو

منذ سنتين

1385

1

هند القثامي

هكذا دعت أم صالح نساء القرية ليجتمعن عندها نهاية الأسبوع، حيث كان معتادً في تلك الفترة أن يتعاونَّ في حياكة السدو، والسدو في اللغة الامتداد والاتساع.

بدأت أم صالح بنصب خيمة لاجتماعهن، مغطاة من جهتي الشرق والغرب لتهيئ أجواءً بعيدةً عن حرارة الشمس، وكانت ضيافتها لهن خبز الملّة مع السمن والعسل والتمر بجانب القهوة السعودية.

في اليوم الأول من اللقاء حيث المرحلة الأهم في السدو، يشرف عليها أكبرهن عمراً، فأم عائض أنسبهن لهذا العمل لخبرتها الطويلة وتمكنها من السدو، حيث تبدأ في تجهيز النول (وهو آلة نسيج بسيطة من خشب الطلح بعد حفه وتنعيمه) تُمدُّ أفقياً على الأرض يُقصّر ويزيد حسب الطول المرغوب، وتوضع أربعة أوتاد يثبِّت كل وتدين عصاة تسمى الأولى النول والثانية رأس النول يحملان عصاة صدر النول أو المطوى.

ثم تبدأ مرحلة السداة حيث اختيرت حصة (وهي فتاة صغيرة في السن) لتقوم بمد خيوط الصوف بشكل طولي من العصاة الأولى إلى الثانية ثم العودة مروراً بعصاة النيرة وخيوطها الموضوعة بشكل عرضي؛ لأن حصة الأنسب لهذا العمل كونها تتمتع بالصحة والرشاقة في تحمل المسافة ذهاباً وإياباً، حيث يستغرق هذا التأسيس ليومٍ كامل من التحضير.

وفي اليوم الثاني تُخرج أم صالح (الدجج) ومفردها (دجّة) من صندوقها الحديدي وهي كرات الصوف الملونة التي تجهيزها خلال الأشهر السبعة الماضية، ما بين جز صوف الأغنام أو الإبل ثم غسله وتفكيكه (بالكرداش) وهي أداة ذات لوحين مدببتين وبداخلها أسنان تحوله إلى صوف منفوش، ثم يتم غزله (بالمغزلة) وهي أداة تبرم الصوف لتتكون الدجّة ويكون طولها خمسة أمتار وقد صبغت كل دجة بلون خاص يُستخلص من النباتات الموجودة في مناطق شبه الجزيرة مثل الحناء والكركم والزعفران، أو تجلب الألوان على هيئة بودرة ثم تخلط بماء حار وتوضع الخيوط الطبيعية في الماء لعدة ساعات حتى تتصبغ باللون، ومن ثم تنشر على الحبال حتى تجف، ويعتمد عدد الدجج على كمية الأغنام لديهم أو يبتاعون صوفاً جاهزاً في وقت الحج حيث تكثر الأضاحي ليضيفوه لإنتاجهم من الصوف إن كان لا يكفي في ذلك العام.

تجلس أم صالح عند مقدمة (الشملة) تلك التي تريد صنعها سواء لزينة البيت أو لصنع أمتعة التخزين وحفظ الملابس وقد كان نساء البادية ينسجن بيوت الشعر بأنفسهن.

تُمسكُ أم صالح (بالميشع) وهي أداة من جريد النخل طولها 75سم يلف عليها خيط الصوف تنتقل به يمينا وشمالاً من بين خيوط النيرة العرضية والخيوط الطولية مستعينةً (بالمنشزة) وهي أداة تثبت تلك الخيوط بجانب بعضها وتحكم تراصها متنقلة بين الألوان والأشكال الهندسية. 

وهنَّ يتناوبن في أعمال السدو يتبادل النسّاجات أخبارهن وقصصهن وعادةً ما يقمن بالغناء أو إلقاء الشعر وتتضمن الفخر والحماسة والحكمة. 

يستمر العمل بالأيام على حسب القطعة المراد إنتاجها، وعندما يصلن للطول المطلوب يتم فك السدو من النول وتسمى هذه  المرحلة بـ(الحتو) حيث توضع غرزة أخيرة يثبت بها كامل النسيج ويكون محكماً كي لا تتفكك خيوط السدو. 

وها هي أم صالح تنظر لشملتها بسعادة وجاراتها حولها يتلمسن أجزاء الشملة بفخر وينظرن لتفاصيلها بإعجاب ويقترحن أفكاراً  لعمل مستقبلي دعتهن عليه جارتهن الأسبوع القادم وكلهن حماس وتأهب.  

التعليقات

  1. يقول Fatimah Al-Sharif:

    ما أجمل هذا السرد التشكيلي لحرفة السدو… بوركت مبدعتنا هند

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود