27
078
0206
018
116
022
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
2946
02108
02022
01530
01422
12
مشاركتي في كتاب:
فضاءات نقدية بين النص الأدبي واللوحة التشكيلية
للأديبة والتشكيلية:
أفراح أحمد مؤذنة
المحور: التيه
النص الشعري بعنوان: خديعة عطش،
للشاعر/ محمد إبراهيم غماري
اللوحة للتشكيلية بعنوان: قيد،
للتشكيلي: محمد بن مانع الغباري
حل المقال بالصفحات: 435-446 من الكتاب.
المقال:
معلوم أن الرسم التجريدي يعني رسم صور مجردة عما يمكن التعرف عليه من خبرة الإنسان في بيئته، وهو ما يقال فيه أن لغة الفنان التجريدي لغة غير مرجعية (Non Referential Language)، بمعنى أنك لن تجد ما يقابل عناصر الرسم التجريدي في حياتك، وبيئتك، وجل اعتماد هؤلاء الفنانين على الخيال واللاوعي (Imagination and Unconscious) بمعنى أنهم إنما يأتون بأعمالهم الفنية من تهيؤاتهم، وتهويماتهم، ولا وعيهم، وهي محاولة لبلوغ معنىً أكثر إيغالا في النفس.
فإذا اختلفت المعاني في اللغة المنطوقة نبرا، فأوحت بعكس ما تقوله، فهل يصح التعبير المكتوب، ويعطي كل الحقيقة؟ بالتأكيد لا.
إن الكتابة كثيرا ما تخفق عن إعطاء الحقيقة، فهل يمكن أن تكون اللوحة بديلا للتعبير الأصح عن حالات الإنسان، علما بأن من يعرف طرائق كتاباتك، قادرٌ على فهم نفسيتك، ومزاجك، وأنت تنضد الحروف، وتنتقل بين الكلمات اختيار، وهذا ما يعتقده الفيلسوف الفرنسي بول ميشال فوكو ((Paul-Michel Foucault إذ يقول: “يحاول الرسم أن يُقدِّم ما فشلت اللغة في تقديمه، علاقة أكثر رحابة وشفافية بين الإنسَّان والأشياء”.
والشعر، ظل من أصعب وأجمل اللغات نقلا للمشاعر المتقبلة لدى الإنسان، فأنت إن اشتكى لك شاكٍ بلغة عادية، ربما لا تتعاطف معه تعاطفك مع من يصوغ شكواه شعرا، وقل مثل ذلك في كل أغراض الشعر؛ ذلك أن منال الشعر من النفس في موسيقاه، وأخيلته أكبر من اللغة اليومية العادية. ومعلوم ما يحتاجه الشاعر الحق من اجتهاد حتى يبلغ منازل الكتابة الفاعلة، والمؤثرة.
بين أيدينا لوحة وقصيدة اللوحة للفنان محمد الغباري، والقصيدة للشاعر: محمد الغماري،في محاولة لإيجاد صلة بين اللوحة والقصيدة اختيارا، أهمهم في هذه الكلمة الموجزة.
النص الشعري:
تـجاهلاً.. عاد يروي قـصةَ الـحُكـمـا
حيث استفاقَ اليقينُ المُرُّ واحتدمـا
كانت حدوساً تقود القلب فانتفضتْ
حقائقٌ لم يُعِرهْـا الشوق حيـن همـى
من يـوم بـادَرَهُ الإحساسُ وانفصلتْ
عنـه الوقائعُ خاض الوجـدَ منـهزمـا
أنهى سطوراً من السلوى على أمـلٍ
بأن يعيش سـلاماً يـشبـهُ الـحُـلـمـا
مـذ عاندته الأحاجي فـي ملامحها
تجاوز الشرحَ كـي يُبْـقي على النُدما
الحبُّ كنهٌ عتـيـقٌ قـلَّمـا وصلـتْ
إليـه أفهام من عاشوا بغيـر سـمـا
هـو الذي بـاح بالأسـرارِ فـي لـغـةٍ
تـحيـنتْ مـن مجازاتِ الجـفا قَلَمَـا
صروفُ نبضٍ نحـتْ بالشعرِ وانتبذتْ
مكامـناً طـالما أرخـتْ لمـن ظَلـمَـا
لأنـه العشـقُ نمضي خلفـه قُـدُمـاً
ونحسَبُ الغدر حـظاً عـاند القَـدَمَـا
نسير للتـيـه فـي صحراءِ صبوتـنـا
عطـشى نُعَـلَّلُ باللقيـا ورشـفِ لَـمىٰ
خـديـعـةُ العطشِ الأولـىٰ بنا ولنا
نحـن الذين نُسبـنا للوفا عَـلَـمــا
من أجـلِ ذلك نبـضُ الحرفِ تـغـرقـهُ
جـداول العينِ شكـلُ المَا وطعـمُ دِمَا!
القصيدة من بحر البسيط، هذا البحر السهل الهين اللين الآمن من كل مطبات بعض البحور الشعرية ذات التفعيلة الأحادية حتى، رغم تكونه من تفعيلتين، مستفعلن فاعلن، وبرأيي الخاص فإن البسيط من البحور التي تهب مساحة جيدة من الانطلاق السلس لدى الشاعر، وإن الوقوع عليه لحظة تجلي القصيدة أعتبرها حظا وتوفيقا للشاعر. وليس معنى هذا أن كل من كتب في البسيط سيحسن، فالأمر يحتاج إلى دربة، واجتهاد، وشاعرية حقة، وإن شاعرنا محمد الغماري من الشعراء المجيدين، وسعيد بتعرفي عليه عبر هذه الإطلالة المحدودة.
يفتتح الشاعر نصه ببيت فيه من خيبة الأمل الكثير الكثير.
تـجاهلاً.. عاد يروي قـصةَ الـحُكـمـا
حيث استفاقَ اليقينُ المُرُّ واحتدمـا
كانت حدوساً تقود القلب فانتفضتْ
حقائقٌ لم يُعِرهْـا الشوق حيـن همـى
ثم إن الشاعر يمضي في النص مؤكدا أن ما كان يقود قلبه لم يكن حقيقة مثبتة، وإنما كان مسراه توقعا بوجود حقيقة، تلكم الحقيقة التي جاءت على غير توقعاته، كما يهمل الشاعر كل الحقائق، ليجد نفسه في آخر المطاف مثقلا بالشوق الذي همى عليه، وأبى إلا أن يبلله، ليفيق على سماء ما له منها واقٍ من محب.
كانت حدوساً تقود القلب فانتفضتْ
حقائقٌ لم يُعِرهْـا الشوق حيـن همـى
نعم، يمضي الشاعر في توهمه يخوضه خوضا، وفي الخوض هذا ما فيه من تعرض لأذى، إذ يمشي الخائض على الماء على غير هدى مما قد تتعرض له رجليه، أو ما قد يتعرض له من أحداث بالماء حيث لا ينفذ بصره إلى أعماقه.
من يـوم بـادَرَهُ الإحساسُ وانفصلتْ
عنـه الوقائعُ خاض الوجـدَ منـهزمـا
ثم تتكرر مفردات الخيبة في الأبيات، فما يعيشه الشاعر: حدوس قادته إلى الضياع: فوَجْدُه منهزمٌ، ووقْعُه منفصلٌ، وفعْلُه الخوضُ، والأمل المنقطع المنبت عن بلوغ الغايات المرجوة حلمٌ، والأحاجي معاندةٌ، وللندم بقاءٌ ودوام.
ثم فيما يلي من أبيات، يتحدث الشاعر عن الغدر والخيانة، ويعبر عن خيبته بالعطش، ويختم بصورة غاية في الألم، إذ إن دموعه شكلها شكل الماء، ولكن طعمها طعم الدم. ويا له من مشهد.
النص ينتهي ويبدأ بين قوسي التهكم باتباع أساليب الحكيم المعرض عن أقداره المحبطة، وقصة الحب الأول، تلكم التجربة التي خضناها كلنا بكل براءة، وتجرعنا آلامها جهلا، لطيفا جميلا.
النص الشعري، كان جميلا في تناوله القضية، فهو لم يباشر الشأن الذي تحدث عنه الشاعر مباشرة فجة، بل إن الشاعر لم يتحدث إلا بضمير الغائب؛ وفي هذا ما فيه من الاستياء،والأسى، إذ إن التحدث بضمير الغائب عن النفس فيه الكثير من ظلال الأسى، وهو ما نجده في اللوحة، تلك اللوحة التي توشك تشي بالتعدد لذات الشخصية، في تعدد للمشاعر، واختلاف في الأمزجة، لكنه في ذات الوقت تعدد مخاتل؛ إذ إن ذات الشخصية تتلون، وتغيِّر جلدها مرة بعد مرة؛ ما يعني النفاق، والخداع، والظهور بصور مختلفة، إلا أن هذه الصور تكون غير مرئية للمحب، فهو في غفلة عنها لاحتجاب فؤاده بحجاب الحب الذي لا يفرق بين الحق والباطل، ولا يرى في من يحبه إلا كل الخير، وما هو كلّه خيرا.
كذلك اتفقت خلفية اللوحة مع الخوض، الذي رأينا في النص الشعري، وجهل ما تخبئه المياه من مخاطر الخائض في الماء عنها في غفلة، وهي في ذات الإطار مؤكدة لهذا التلون في الشخصية، وإرادته إهلاك صاحبه، نعم، هناك دوامة ماء تشبه دوامة، تلكم الإشارة التي توحي بالهلاك للمبحر، ويا ويل الشجي من الخلي!
في عدم إبراز عناصر الصورة المتكررة باللوحة ما يشي عندي بأنها أنثى، ويرفض المفن أن يبرز محاسنها، أو هكذا صُوِّر إلي، وكذا في عدم ذكر الشاعر في نصه ماهية محبوبه، إذ لم يأتِ برأيِي في النص الشعري ما يوحي بماهية من خذله، وكتبه في سجل الحكماء إجبارا، حتى إنَّ قوله:
نسير للتـيـه فـي صحراءِ صبوتـنـا
عطـشى نُعَـلَّلُ باللقيـا ورشـفِ لَـمىٰ
يمكن تأويله بعيدا عن المعنى المباشر للشفاه وتقبيلها.
ولعل في قوله:
الحبُّ كنهٌ عتـيـقٌ قـلَّمـا وصلـتْ
إليـه أفهام من عاشوا بغيـر سـمـا
هـو الذي بـاح بالأسـرارِ فـي لـغـةٍ
تـحيـنتْ مـن مجازاتِ الجـفا قَلَمَـا
ما يؤيد قولي من محاولة إخفاء الشاعر قضيته، ودعوته إلى تلمس متلقيه حقيقتها، في قالب فني جميلٍ جميلِ جميل.
* كاتب سوداني.
التعليقات