355
11554
1318
01188
010
0103
0121
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11784
04713
04364
174298
03997
0إعداد_ حصة البوحيمد
تعد الرواية من أهم الفنون الأدبية، والتي تعتمد على حركة الشخصيات ونوعياتهم ومصائرهم وارتباطهم بالمجتمعات ودروب الحياة، وتتفاوت خارطة الرواية ما بين الموضوعية والذاتية، فهنالك من الروائيين من يستخدم لغة الذات في توظيف تجربة خاصة وإسقاطها على فصول الرواية في احتمالات تتراوح ما بين خدمة هدف شخصي أو تمرير التجربة لخدمة أهداف عامة تفيد المتلقي، وعلى جانب آخر يستخدم بعض الروائيين التشخيص الدقيق لخدمة الرواية من خلال حركة الشخصيات ونفع القرّاء بالتشخيص لظاهرة معينة، أو جانب خفي، أو قصة طويلة تضمنت شخصيات كثيرة فخرجت في رداء روائي يعتمد على الوضوح في الهدف والنتيجة.
ومجلة فرقد الإبداعية تطرح هنا جانبا من خارطة الطريق لهذا العمل الإبداعي على طاولة الحوار بين يدي نخبة من الأدباء والروائيين المبدعين من خلال المحاور التالية:
– هل ترى أن استخدام الروائي لتجربته الشخصية يشكل جانب ضعف في الرواية، وكيف تخرج الرواية من حدود الذاتية إلى مساحات المتلقي الفكرية ؟
– ما هي الأدوات الحقيقية التي تضمن مهنية الرواية بعيدا ً عن تحيز الروائي ؟
– هل ترى ان إسقاط تجارب عدة في الرواية يشكل مساراً لنجاحها أم أن الاعتماد على التكثيف السردي لتجربة واحدة يعد أجدى للمنتج وأسهل على المتلقي ؟
إذا تسللت الأيديولوجيا من الباب هرب الإبداع من النافذة
يبدأ حوارنا الروائي محمد فتحي المقداد -من سوريا- بقوله: أيّ عمل في الحقيقة هو المرآة العاكسة لصاحبه، سواءً كان إنسانًا عاديًّا أو كاتبًا، وقضيّة الكاتب -أيّ كاتب على الإطلاق- تتفرّغ بالكتابة بأصنافها جميعًا، وهي تعبير حقيقيّ وواقعيّ عن الكاتب نفسه أوّلًا، وعن آرائه الفكريّة والأديولوجيّة ثانيًا.
والكاتب الروائيِّ جزء من مجتمع الكُتّاب، ويأتي نصّه الروائيّ على شكل رواية، وهي ساحة.. بل ساحات تُشكّل وعاءً واسعًا، يتّسع لوجهات النَّظر الفكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، ومخرجاتها بتفاعلات مليئة بالتوافق والاختلاف والصّراع، والادّعاء بامتلاك الحقيقة، ومن يمتلك الحقيقة، يُجيز لنفسه بطرح نفسه بأن يكون المُخلّص للبشريّة من عذاباتها، بهدف إعادة بناء حياة تستقيم وتتوافق حدّ التطابق مع آرائه المُنتمية لعوالم أيديولوجيّة؛ ليصبغ العالم بصبغته ولونه، وهذا ما يُعبّر عنه بمصطَلح الدكتاتوريَّة. يحصل هذا الاتّجاه في الكتابة الأدبيّة الروائيّة، إذا ما كان الروائيّ مُؤدلجًا يشتغل على تسويق، لمصلحة حزب أو تجمّع، أو مُنتَمٍ لاتّجاه فكريّ مُعيّن، وينتقل الكاتب بهذا المفهوم إلى كونه عرّابًا مأجورًا، أو عن طيب خاطر وحُسن نيّة، وهذا لا ينطبق على كاتب يمتلك “كاريزما” وقضيّة، وما قيمة كاتب من غير قضية مصيريّة يُقاتل من أجلها. هذا في حال كان الكاتب يتحرّك داخل النصّ، ويتدخّل بأدقّ تفاصيله، يُمارس دكتاتوريّته على أبطاله، ويجعل منهم دُمًى وبيادق على رُقعتها لروائيّة، وإجبارهم على تنفيذ رؤيته ورسالته المُراد إيصالها لمجتمع قارئ لإقناعه والتّحشيد لمشاعر هموأحاسيسهم؛ ليكونوا ضمن تيّاره الذي يدعو إليه.
وكمثال فيما ذهبنا إليه تُعتبر رواية (وطن في العينين) للأديبة السوريّة “حميدة نعنع” التي كانت مُنتميَة “للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين” بقيادة “د. جورج حبش”، فقد كانت روايتها مسرحًا للصراعات الأديولوجيّة عربيًّا، وعربيًّا في مقاومة الغرب المُتسلّط استعماريًّا، والصّراعات الفصائليّة الفلسطينيّة الداخليّة.
وعلى الجهة المُقابلة المُفترضَة أن يكون الكاتب الروائيّ خارج نصّه، بأن يكون ديمقراطيًّا، بإفساح المجال وتوسيعه لحركة أبطاله، وحريّة طرح آرائهم، ومشاركتهم الإيجابيّة في صُنع الحدث الروائيِّ بعيدًا عن توصياته ورقابته الفجّة المُباشرة، بتضييق الخِناق عليهم، وأن يتباعد مُتواريًا خلف أبطاله قدر الإمكان؛ لتكون كتابته مُقنعة بمقاربات الواقع بحياديّة وشفافيّة. ليبقى القارئ مع الرواية وداخلها من أوّل صفحة إلى آخرها.
وبالمحلصّة لا حياديّة مُطلقة إنّما تختلف بدرجات. والرّواية مزيج من التجارب والخبرات المعرفيّة الشخصيّة وللمحيط الاجتماعيّ للكاتب القريب. والبعيد من المجتمعات والتجمّعات البشريّة الأخرى. بمُقاربات تستدعي مهارات وخبرات الكاتب الروائيِّ بأبعاده الفكريّة والثقافيّة التي تستوعب هذا الكمّ الهائل، ومقدرته بإعادة انتاجه على شكل رواية تستكمل مِشواره المليء الوازن بمادّة حقيقيّة، تُؤطّر لنبوءة اجتماعيّة. كما في رواية (طواحين بيروت) للروائي اللُّبنانيّ “توفيق يوسف عوّاد”، وفي الختام، وعلى رأي القائل: (حين تتسلّل الأيديولوجيا من باب الأدب، يهرب الإبداع من نافذته)
الرواية لا تخضع لمحددات ولا حتميات
ويرى الروائي إبراهيم مضواح الألمعي أنه لا يمكن للروائي الانفصال التام عن نصِّه، ولذلك فمن الطبيعي أن يظهر شيئاً من تجاربه ومشاهداته في عمله الروائي، ولكي لا تكون التجارب الذاتية سببًا لغلبة الذاتي والمشاهد على الرواية فإنه ينبغي عليه أن يُحسن توظيفها، ودمجها في المتخيل على نحوٍ يُقنع القارئ، وإلا تحولت الرواية إلى رواية سِيِرِيَّة، ويتأتى للروائي الخروج بعمله من هذا المأزق بالتوازن، وحسن التوظيف، والقراءات المتنوعة في موضوع روايته، ودراسة شخصياتها بشكل يمكنه من الاتكاء على المتخيل، الذعي هو من إبداع الكاتب، لا من ذاكرته.
والكتابة الروائية عملٌ شاق؛ يتطلَّبُ الدأبَ على الكتابة والمراجعة، والدقة في الرصد والمشاهدة، والقدرة على التأمل والتخيل، والإحساس بالناس والأشياء المحيطة والعابرة، واللياقة الكتابية، والحس الفني، والاستقامة اللغوية، والأسلوب الصحيح، والفكر المنظَّم، ووضوح الرؤية للفكرة والموضوع
كما أن تَعَدُّدُ الشخصيات والثيمات في العمل الروائي يمنحه درامية أرحب، وزوايا نظر أكثر، وحيوية سردية، ويغني عن اللجوء إلى الغوص في ذات الشخصية المركزية، ويعدد الأجواء الروائية، ويمنح القارئ متعة الملاحقة، والربط، والتذكُّر، ويحمي العمل من الإغراق في الشعرية والذاتية، والمونولوجية الداخلية، لصالح الحوارية الخارجية.
ومع كل هذه الميزات لتعدد الشخصيات والتجارب في الرواية فإنه من غير الملائم وضع أُطُرٍ دقيقة للعمل الروائي، فالرواية لا تخضع لمحددات ولا حتميات، فما يميز رواية قد يعيب روايةً أخرى، إذ أن الرواية بناء متكامل لا بُدَّ أن تتظافر مقومات ومكونات عديدة لتجعل منه عملاً جيدًا.. فليست الرواية مجرد فكرة، ولا مجرد لغة، ولا هي حدث منفصل، ولا هي حكاية، ولا هي مجرد سرد، إنها كل ذلك، ومعه روح الكاتب، وطبيعة المتلقي.
الرواية دمج بين السيرة والخيال
ويجيب الأستاذ خالد بدوي -من مصر- على طرح فرقد بقوله: الشخصنة شيء هام وضروري للكاتب، هي نهج متبع في كثير من الكتابات الروائية، والمعنى الذي أقصده هو شخصنة الفكرة أي تحويل الفكرة من مجردة إلى فكرة مجسدة في عمل أدبي والعكس صحيح أي تحويل التجربة الشخصية لعمل مجرد للإنسانية جميعا يلامس وتيرة قلوبهم، بعض الأعمال تتطلب صياغتها في هذا القالب لكن يجب على الكاتب الحرص الشديد من الوقوع في مشاكل شخصنة فكرته، هو طرح الفكرة من وجهة نظر شخصية أحادية الجانب، دون حيادية أو موضوعية، وهذا يؤثر على العمل بالسلب.
التشخيص: هو صناعة أو خلق عالم من كائنات بشرية أو مخلوقات أخرى في عمل روائي تمنحها الحياة وتجعلها تتفاعل مع بعضها لبعض دون التدخل، نتيجة هذا التفاعل يصل الهدف للقارئ، دون ظهور صوت الكاتب في السرد، والتشخيص هو أهم المرتكزات التي يعتمد عليها المبدع في إيصال معانيه وأفكاره بصورة روائية واضحة للقدرة على خلق عالم موازٍ.
فن الرواية بين الشخصنة والتشخيص: يتبين لنا بأن السرد في العموم نتاج تجارب مر بها الكاتب سواء حياتية مثل المعايشة أو المشاهدة، أو معرفة عن بُعد مثل القراءة أو سماع عنها، أي سرد في الدنيا لا يخلو من الذاتية، لكن هناك فرق شاسع بين سرد التجربة الشخصية وهذا يسمى مذكرات أو ذكريات أو شخصنة قل عنه ما تشاء، هو حكى السيرة الذاتية بأحداث متسلسلة دون لمسة أدبية، ويجب على الكاتب المزج بين الشخصنة والتشخيص، مثال لذلك رواية الأيام لعميد الأدب د طه حسين، وهي تعد أول سيرة ذاتية أدبية، بالمعنى الأدبي والسردي الحديث في الأدب العربي، ومن براعة الأيام إنها سيرة ذاتية أدبية وليس ذاتية فقط وهذا الطابع منحها هذا التفرد، والطريقة السردية التي تبناها العميد تتميز بإخفاء الذات الكاتبة، جعلها تفقد عنصرا هاما من عناصر السيرة الذاتية، يتضح لنا أنه دمج بين السيرة الذاتية ذات الأحداث الحقيقية، والرواية الفنية القائمة على جزء كبير من الخيال وهذا الجزء هو تشخيص بحت.
لكن عندما طلب من أديب نوبل الأستاذ نجيب محفوظ كتابة سيرته الذاتية قال جواب يدل على التفرد الذي يتمتع به وعبقريته قال “ستجدون سيرتي الذاتية داخل أعمالي” لم يكن هذا الجواب العبقري قيل على سبيل الصدفة، لكنه مقصود ومعنيا جيدا، وأنا أظن بأنه يريد إرسال رسالة ما، بأن مشروعه الأدبي هو كل حياته أي لا يستطيع فصل نفسه عن أعماله، وهذا التوحد بين الأديب وأعماله هي سر عبقرية الأستاذ نجيب، وكان يقصد من ذلك خروج الهم الخاص ليصبح هْم عام، ورسالته الأديبة تصبح رسالة عامة، ولا أقصد بالهم الخاص مشاكلة الشخصية؛ ولكن همه الخاص هي هموم كل الإنسانية لذلك يجب على الأديب أن يكون همه الخاص غير ذاتي، أي الذاتية عنده هي رسائل للإنسانية، لذلك هو يتوحد ذاتيا ونفسيا مع شخصياته وهمومها، هذين المثالين هما دليل جواب قاطع على خروج العمل الأدبي من حدود الذاتية إلى مساحات المتلقي الفكرية، لأنني مؤمن بأن الأديب هو ضمير الأمة.
طرأ على ذهني سؤال هل التجربة الشخصية تشكل جانب ضعف في الرواية:
فهذا يتوقف على الكاتب ذاته مهنتيه وقدرته في الصياغة والسرد وعامل التشويق ورشاقة التعبير في الجملة السردية، من وجهة نظري هي لا تشكل جانب ضعف لكن بشروط أن تتوفر في العمل الأدبي أن يكون هذا العمل جيدا يجذب القارئ ورسالته تكن جادة، لا يمكن للكاتب أن يكن جيدا عندما يكتب لنا ذهبت.. وعدت.. ونمت.. وأكلت.. وشربت.. هذا ليس أدب؛ لكن الوصول إلى أعماق الشخصية ووصف الشخصيات من الداخل، وإلى النقطة المضيئة لكل شخصية، يجب على كاتب أن يكتب المشاعر الصادقة لشخصياته والبعد النفسي لها وهذا ما يتميز به كاتب حقيقي عن كاتب آخر يسرد لنا أحداث مثل حدوتة قبل النوم، التجربة الشخصية لو صغيت بشكل جيد تثري النص ولا تشكل جانب ضعف، لأنها ستتحول من تجربة شخصية لتجربة عامة، الأديب يخاطب العاطفة والوجدان لذلك يجب أن تكون مخاطبته للإنسانية جمعا وهذا سينقل تجربته من الذاتية للعامة، وهناك فرق بين التجارب الحياتية والشخصية، والأديب الجيد الذي يستطيع تحويل التجربة الشخصية لتجربة حياتية تشحذ همم وعقول الجميع وتنير مناطق الظلام.
الرواية: هي فن أدبي تتميز بسردها لمجموعة كبيرة من الأحداث بأسلوب نثري، وقد تكون شخصياتها خيالية وقد تكون حقيقية، وقد تتمحور أحداثها بأماكن وظروف غريبة وخيالية، وهي أكبر الأجناس القصصية من حيث الحجم.
يجب على الكاتب المحافظة على عناصر الرواية وهي عديدة واختلاف النقاد على عناصرها:
– الموضوع.. الشخصيات.. الحبكة.. الحوار.. السرد.. الزمان والمكان.. اللغة.. النهاية..
الرواية الجيدة يجب إن لم تنقلك إلى عالم جميل ممتع خصب يحسن من خيالك ويثري فكرك فهي منتقصة، يجب أن تتعلق بها بعد قراءتها وترك أثر داخل نفسك، وتجعلك تطرح أسئلة كثيرة، ويجب توفير عنصر المتعة، الرواية تجربة مهمة وعالم موازي إيجابي.
هناك سؤال دوما يرهق الكاتب هل إسقاط تجارب عدة في الرواية يشكل مساراً لنجاحها أم أن الاعتماد على التكثيف السردي لتجربة واحدة يعد أجدى للمنتج وأسهل على المتلقي؟
في البداية لا أحد يستطيع حسم هذا الأمر، هناك روايات كتبت وبها تجارب عديدة ونجحت نجاحا باهرا، والعكس صحيح هناك روايات كتبت بتجربة واحدة وبشكل مكثف وكذلك كانت جيدة والمتميزة، الجواب يتوقف على طريقة الطرح وشكل الصياغة، في العصر الحديث وبما أننا أمة لا تقرأ نحبذ التكثيف في الأعمال، فعلى الكاتب الجيد يعرف أمران هامان أولا كيف يكتب روايته دون مط وتطويل وحشو، وثانيا هل الأحداث تستدعي هذه الاستطالة أمكان من الممكن معالجة الأمر بصورة مكثفة بشكل أفضل، وهذا يتوقف على خبرة الكاتب ومطالعته، الكاتب الذكي يطرح تجارب عدة داخل التجربة الواحدة تفيد الفكرة الرئيسية في عمله دون الاستطالة في السرد، كلما كثرة التجارب كلما زاد ثراء وجمال النص، هو ما حدث معي في رواية مملكة الهالوك، طرحت تجارب عدة لكنها جميعا تناهض فكرة العشوئيات في القاهرة، وعلى الكاتب ألا يكثف لحد الإضمار ويصبح النص الملغز، لأن الأدب خلق للمتعة، وليس لحل شفرات يضعها كنوع من التفلسف على القارئ، لكن كما قلت سابقا ليس هناك مقاييس ثابتة، التجربة هي من تصنع نفسها وكيفية تناولها، لذلك ليس هناك ثوابت في التجربة الإبداعية بخصوص الحجم، ويجب على الكاتب أن يعي جيدا بأن لا يكتب حادث أو يرسم شخصية في النص دون أن تفيد وتخدم الهدف الرئيسي من الرواية، دون ذلك فهي عبء وحشو مضر، أنا عن تجربتي الشخصية ليس لدي ثوابت عند كتابة النص بخصوص حجم العمل، قلمي مسيرا وليس مخيرا؛ في النهاية لو تمكن الكاتب من توصيل رسالته بشكل مكثف مع توفير المتعة السردية فهذا يساعد على نجاح العمل.
ختاما على الكاتب أن يشتبك مع الواقع الذي يعيش فيه وألا ينسى رسالته والهدف السامي من الأدب.
خبراتنا جزء مما نكتبه والخيال هو الأساس
وترى الدكتورة ظافرة القحطاني أن العمل الروائي يختلف عن القصة القصيرة، في القصة القصيرة كأنك تفتح باب غرفة ما وتنظر الى داخلها ثم تكتب، لكن الرواية هي حياة كاملة، أنت تعيش مع أبطالك، تعيش مشكلاتهم، نومهم، طعامهم، تجلس في ركن كي تراقبهم، بل يصل الأمر في بعض الأوقات أن تنسلخ من واقعك كي تكون معهم؛ الأهم عندما تتوقف قليلاً يجب أن تقرأ كل ما كتبت من البداية كي تستعيد أطراف الخيط وتتجنب أن تكرر أو تنسى أي فعل أو ردة فعل أو تناقض، ومع ذلك هناك أجزاء من كاتب الرواية بين الحروف تظهر حيناً وتختفي أحيانا، ففي رواية (ومات خوفي) الكثير مني وأيضاً القليل مني.
بل في جميع أعمالي أجدني أقف في الظل دون أن أنتبه إلى أنني موجودة، في اعتقادي أن الخيال الخصب -والذي هو هبة عظيمة من الله سبحانه- هو الأساس، ولكن أيضاً خبراتنا تشكل ما نحن عليه في الواقع وبالتالي فهي تشكل بعض ما نكتبه.
الأدب انعكاس للواقع والفيصل هو تمكن المبدع من أدواته
وللأديب الأستاذ خلف القرشي وجهة نظره الخاصة حول القضية حيث قال: لا أرى في استخدام وتوظيف الروائي لتجربته الحياتية الشخصيّة جانب ضعف فيا لإبداع الروائي لأنَّ تجربة الكاتب هي تجربة إنسانية أولا وأخيراً. والأدب ما هو إلا انعكاس للواقع. والفيصل في هذا الأمر هو تمكن المبدع من أدواته الإبداعية ومهارته في تحويل تجربته الذاتية/ تجاربه الشخصيّة إلى عملٍ حرفيٍّ باقتدار ينأى بوصفه وإيراد تلك التجارب وتضمينه بين دفتي روايته عن أن تكون تقريراً صحفياً أو سردا تاريخياً أو صفحات من سيرة ذاتية.
-وبالنسبة للأدوات الحقيقية التي تضمن مهنية الرواية بعيداً عن تحيز الروائي يعلق على هذا المحور بقوله: سؤال كبير وعميق حقيقة. يمكنني إيجاز إجابته في التالي:
كل الأدوات التي يحتاجها العمل الإبداعي الروائي هي الضامن للمهنية، ومنها توظيف التجربة الذاتية والمواقف الشخصيّة لتصبح هماً إنسانياً يتجاوز حدود الزمان والمكان والشخوص لتصبح عالماً مدهشاً فيه من الواقع مادة البناء الأساس، وفيه من الخيال والاشتغال الفني والتوظيف ما يجعل من المادة الأساس خلقاً آخر مكتنز بالجماليات والدلالات.
وعن إسقاط عدة تجارب في الرواية أو التكثيف السردي لتجربة واحدة يرى القرشي أن المسألة هنا تتفاوت تبعاً لموضوع الرواية ومحتواها وطبيعة بنائها، وكذلك حجمها وعدد كلماتها وصفحاتها وقبل ذلك نوعها. وهنا نعود للسؤال/ المحور الأول…ونؤكد أن العبرة والتحدي يكمنان في تمكن الروائي من أدواته، وقدرته على تحويل العادي واليومي والملقى على قارعة الطريق والمتاح والمعروف لغالبية الناس إلى عمل فني متميز يمكن وصفه حينها بالسهل الممتنع.
توظيف التجربة الشخصية يستوجب استيفاء الشروط
ويشاركنا الحوار الأديب محمد الرياني الذي يقول: لا أعتقد أنه يشكل ضعفًا في معظم الأحوال؛ لأن كثيرًا من التجارب الشخصية يمكن تعميمها وبالتالي فالمتلقي يتقبل العمل السردي الذي يتشابه مع حالات التجارب التي مرت عليه، كما أن حالات التذوق عند المتلقي تسيطر عليها النواحي العاطفية فهم يتعاطفون مع الكاتب ويندمجون معه حتى لو لم تكن تلك التجربة تتطابق مع تجارب مرت عليهم، مع الأخذ بالاعتبار أن يكون توظيف التجربة الشخصية في العمل الروائي من قبل الكاتب مستوفيًا لشروط العمل السردي الذي يقود إلى التلذذ به والاستمتاع برواية بها كل الجوانب الفنية للعمل الروائي والإبداعي، ولاشك أن العمل الجيد يفرض نفسه وهناك الكثير من التجارب الشخصية تحولت إلى أعمال روائية وحلقت في سماء العالمية ومن ثم انقلبت إلى أعمال درامية وسنيمائية وحققت شهرة عريضة والسبب عمق هذه التجربة وصدقها وارتفاع درجة الاحترافية التي صيغ بها العمل الروائي.
وليس كل صاحب تجربة ناجحة أو مريرة قادرًا على تحويل تجربته إلى عمل روائي أو درامي، والمسألة تعتمد على الشفافية العالية التي تعرض لها صاحب التجربة، ويمكن لكاتب الرواية أن ينتج عملًا عظيمًا من خلال تجارب الآخرين وتقمص شخصياتهم، وهذا يتطلب احترافية عالية في الغوص في أعماق صاحب التجربة وترجمة تلك المعاناة إلى عمل إبداعي، وليس بالضرورة أن تكون الرواية نتيجة معاناة فقد ترجمة لنجاحات في مجالات عدة، أو حالات من نبض الشارع أو الحي أو المدينة، الرواية هي تصوير لكل ما يجري ويحدث، ولا يستطيع الشخص الاعتيادي الذي لا يمتلك أدوات الكتابة أو عنده الخيال الواسع، أو اللغة الأنيقة لرصد تلك الأحداث وترجمتها، ولاشك أن الرواية من الفنون الأدبية الراقية وهي ديوان الأدب العالمي الجديد، لأن هذا الفن غزا الوسط الثقافي بشكل مذهل والشاهد في هذا الكم الهائل من الأعمال الروائية المترجمة لأدباء من أمريكا الجنوبية والشمالية وأوروبا والهند واليابان وغيرها فضلًا عن الأعمال العربية، والعمل الروائي يحتاج ذاكرة استثنائية تتذكر الأحداث جيدًا أثناء تسلسل الأحداث ولغة رصينة راقية غير مكررة في العمل، كما أن الراوي يجب أن يكون ذا تجارب عريضة وخبرات تراكمية في السرد تجعله يخرج عملًا متكاملًا خاليًا من الثغرات التي تؤثر على ثيمة وقيمة العمل الإبداعي.
وعن إسقاط تجارب عدة في الرواية أو الاعتماد على التكثيف السردي لتجربة واحدة يرى الأديب الرياني أنكلاهما قد يؤدي إلى النجاح، والعمل الجيد هو الذي يفرض نفسه في النهاية، والمتلقي عاطفي بطبعه وتستهويه الكتابة الصادقة التي تخاطب وجدانه وقلبه، سواء كانت تلك الكتابة عن معاناة فقير معدم، أو أرملة أو مسل وبسلب حقه، أو كانت الرواية من الخيال الذي يطابق الواقع، أو الخيال الذي يمكن أن يكون واقعًا، ونؤكد على أن توظيف اللغة في العمل الروائي يعتمد على مهارة الكاتب في انتقاء الألفاظ والأسماء التي يحركها في السياق كي يجعل القارئ يتفاعل ويتنقل مع سيناريو الرواية دون الشعور بالملل أو عدم الفهم، ونختم بأن فن الرواية يعتمد على جودة الخريطة الذهنية للكاتب؛ بحيث تكون هذه الخريطة واضحة المعالم، سهلة الانتقال معها من البداية إلى النهاية، مع وجود عناصر التشويق التي هي بمثابة الأشياء الجمالية التي تزين الشوارع والمساحات المختلفة، وفي المجمل فإن المتلقي يجب أن يكون على قدر عال أيضًا من التذوق الأدبي كي يعيش الجو الأدبي بكل جماله و روعته.
لاينبغي للروائي أن يفرض سطوته على أبطاله
ويُسهب الروائي صابر الجنزوري -من مصر- في الحديث عن فن الرواية وأدواتها الإبداعية بقوله: الرواية جنس أدبي له عناصره وخصائصه، فهي عمل إبداعي متكامل وللرواية تصنيفات كثيرة منذ بدأت تأخذ شكلها الحداثي مع أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حيث كانت الكلاسيكية والرومانسية تطغى عليها فبدأت تتحول مع الأدب الروسي إلى الواقعية وما بعد النصف الثاني من القرن العشرين.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأت الرواية تأخذ موقعها وتتربع على عرش عالم السرد والنثر حتى الأنف أصبحنا نرى نظريات وفلسفات ودراسات نقدية كثيرة منها ما بعد الحداثة والبنيوية وموت المؤلف وكلها دراسات تختص بالشكل والمضمون والمحتوى الروائي.
واستخدام الروائي لتجربته الشخصية ووضعها في الرواية لا شك يضعف الرواية لأن القارئ يشعر حينئذ بوجود المؤلف وحياته حتى كأنه يقرأ السيرة الذاتية للمؤلف وحتى يخرج المؤلف من ذاتيته إلى المتلقي.
فعليه أن يهتم بالمحتوى والفكرة ويعمل عليها دون تحيز لمذهب أو عقيدة ويوظف شخصيات وأبطال العمل في حدود الزمان والمكان المرسوم لفكرته في روايته ولا يجعل أبطال روايته يرددون أفكاره بل يتركهم كأنهم أحياء يتكلمون ويتحاورون ويتناقشون ولا يفرض سطوته فيظهر للمتلقي كأنه كل ذلك ومن هنا يأتي الإبداع وتتولد العملية الإبداعية وتظهر أدوات الكاتب الحقيقية ومهنيته واحترافيته في تقديم عمل روائي متكامل حيث استطاع توظيف كل عناصر الرواية من سرد وحبكة ورسم للشخصيات وتوظيف الزمان والمكان او الزمكان وكذلك توظيف اللغة وتطويعها للتعبير عن افكاره وفكرته الروائية التي يعبر عنها أبطال النص الروائي.
واستغلال الكاتب لتجاربه ومشاهداته وقراءاته وثقافته ووضعها في عمله الأدبي من خلال ما يسمى الإسقاط ربما لا يمثل عائقا في العمل الروائي بقدر ما يمثل المادة والمصدر التي يستقي منها أفكاره ويوظفها حسب رؤيته التي يريد توصيلها للمتلقي. ولأن الرواية لا يحبذ معها استخدام التكثيف السردي إلا في حدود حتى لا يشتت القارئ ويخرجه عن مضمون فكرته خاصة مع الروايات التي ترتبط بفترات زمنية وتاريخية فإن الكاتب لا بد ألا يخرج عن هدفه ويشتت القارئ ويصف تفاصيل التفاصيل التي لا فائدة منها.
فالأسهل للمتلقي والناقد أن يصل إلى رؤية واضحة للعمل الروائي الذي بين يديه من خلال السرد وسلاسته وعنصر اللغة المهم وكذلك رؤية أبطال العمل وأفكارهم وكيف رسم الكاتب صور شخصياتهم ، كل ذلك يجعل المتلقي يتفاعل مع العمل الروائي ويصل إلى الهدف والفكرة التي أراد المؤلف توصيلها إليه.
لا يجب على الكاتب الخروج من ذاته ليصل إلى المتلقي
وتدلي الأديبة ليلى الأحمدي برأيها حول القضية المطروحة بقولها: أرى أن استخدام الروائي لتجربته الشخصية من عوامل قوة الرواية وعمقها، فهو سيكون أكثر تأثرًا حين يكتب فتأتي كلماته مدعومةً بصدق مشاعره.
وحين يكتب الأديب بعمق وصدق حقيقي ويبلغ في التصوير، ستصل الصورة إلى المتلقي بسهولة، ولا يجب على الكاتب الخروج من ذاته كي يصل إلى المتلقي فإن المتلقي إنسان، يستطيع بسهولةٍ فهم مشاعر الكاتب وتخيلها وبالطبع سيسقطها على مشاعره هو الشخصية، السر فقط في قدرة الكاتب على الوصول إلى عمق الشعور لدى المتلقي وهذا هو المطلوب منه، والأدوات الحقيقية التي تضمن مهنية الرواية هي القدرة على الوصف الدقيق للزمان والمكان، والقدرة على التوغل في المشاعر، واستخدام السرد المترابط الذي يجذب القارئ إلى الغوص مع الكاتب في تفاصيل القصة بسلاسة، كذلك عنصر الدهشة والأحداث المتنوعة إذا أتقن الروائي حبكها.
كذلك إسقاط التجارب العديدة في روايةٍ واحدة، هو عاملٌ مهمٌ لنجاح الرواية، فقط يجب أن تدمج بشكل فني وتمكن من الكاتب، كذلك التكثيف السردي عاملٌ مهم، لذا وجودهما معًا يقوي الرواية، إذا تفاعلا بشكلٍ جيد ومتين من الكاتب.
التكثيف السردي لتجربة واحدة ثرثرة متصلة
وتشير الروائية بثينة مكي -من السودان- إلى دور الرواية في تجسيد الواقع بقولها: تعتبر الرواية من أقوي المحاور التي يمكن من خلالها قراءة التاريخ الاجتماعي والواقع المعاش للشخصيات والأحداث في زمان ومكان معين، وذلك عن طريق التصوير الأدبي لطرق سبل العيش والغذاء والملابس والأغاني والرقص وحكايات المأثورات الشعبية والحالة النفسية والاجتماعية من خلال السلوك المعاش للشخصيات وان دخل فيها بعض خيال المؤلف، لأن الكاتب لا يستطيع أن يخرج عن نطاق مجتمعه ومعاشه إلا في حالة كتابة بعض الروايات مثل روايات الخيال العلمي، حتي الروايات التاريخية يكون الكاتب قد استنبط الكثير من تجاويف المعاش واليومي من حوله وإلباسه للشخصيات التي يخترعها، لكي يضمن نجاح الرواية دون أن يؤطر لها في حدود الذاتية المغلقة الضيقة في الروايات التي تعالج الحال النفسي والاجتماعي.
ولكل كاتب أدواته الخاصة التي يستخدمها في موهبته من المؤثرات البيئية والدينية والسياسية، الكتاب العرب الذين يكتبون عن البحر أو الخليج غير الذين يكتبون عن الصحراء، وهم يختلفون في كتاباتاهم عن الذين يعيشون في المناطق النيلية والزراعية.
يختلف السرد والوصف للشخصيات والأحداث المعاشة ويقال أن الكاتب ابن بيئته، أما الأسباب التي تمنع التقوقع وعدم التحيز في الكتابة الإبداعية فهي اتساع الأفق العام للكاتب عن طريق الاطلاع والقراءة في شتا العلوم والمعارف والسفر والتجربة الواسعة والالتقاء بآفاق محورية ومعرفية تؤثر وتزيد في عمق فكر وثقافة الكاتب، إن إسقاط تجارب متنوعة أو متعددة شخصية أو غير شخصية على السرد يعطي الرواية أبعاد إنسانية ومعرفية أكثر على ألا يكون ذلك سبيلاً يقود إلي الترهل وتشتيت ذهن القارئ المتلقي، أما التكثيف السردي على شخصية واحدة أو تجربة واحدة تمتد طوال صفحات الرواية فإنه قد يجعل العمل الفني مملا ً أو مربكا لأن الكاتب يحاول حصر كل ما لديه في سرد واحد متصل قد يكرر فيه نفسه ويضع رؤيته في إطار محدد ويجعل السرد الإبداعي مجرد ثرثرة متصلة ونادراً ما ينجح العمل الأدبي الذي يتمحور حول الذات الكاتبة المنتفخة مهما كانت ناجحة وبارعة في السرد.
التعليقات