مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

وليد قادري* من أغرب الأمور التي قد تمر بها في حياتك أن يستوقفك رجل غريب في الشار …

صندوق أشيائي الضائعة

منذ سنتين

229

0

وليد قادري*

من أغرب الأمور التي قد تمر بها في حياتك أن يستوقفك رجل غريب في الشارع، الأغرب أن يسلمك صندوقًا مع مفتاحه، كنت أتوقع أنني ضحية خدعة أو مقلب حيث يخبرني بأن في الصندوق قنبلة وعلي أن أحملها بعيدًا عن العامة..

ولأنني لست من صنف الأبطال، أرجعت له الصندوق بأدب فأعاده إليّ وقال: هذه كل أشيائك الضائعة منذ أن ولدت، قد سلمتك الأمانة وحان وقت رحيلي..
ولكن..
أنت أيها الغريب، عُد..
ماذا تقصد بأن في صندوق ممتلكات أضعتها؟!
هل كنت أنت من وجدها ؟!
كيف وجدتها؟!
ووجدتني؟!
هل سرقتها؟!

رحل الغريب بلا أثر..
لم أمهل نفسي كثيرًا، آثرت العودة إلى مكان آمن لأفتح الصندوق..
كوب وحيد من القهوة كان كافيًا لأن يرفع مستوى الفضول عندي لأقصاه، وبأصابع متوترة فتحت الصندوق الذي يشبه أي صندوق آخر تعرفونه فلا داعي للوصف..

لدقائق تحجرت عينيّ وأنا أنظر لمحتوياته، كنت أمنع الدموع من التساقط لكنها اقتحمت السد كسيلٍ منهمر، لم يعد هناك داعٍ لأن أقفل الصندوق فمشهد أشيائي الضائعة سيظل يطاردني في صحوي ومنامي..
ليس هناك أسوأ من فقدان الأشياء سوى عودة الذكرى التي وأدتها من المكان الذي دفنتها فيه..

أخرجت الأشياء تباعًا على الطاولة..
هذه فردة جورب قديم..
هذا سنّ سقط بسبب صفعة معلمي في الابتدائية لذنب لم أرتكبه فقط لأن (الشر يعمّ)، وبرر لوالدي بأن السن كان سيسقط على أية حال، بحثت عن تبريره في الصندوق فلم أجده، فهو صندوق الأشياء الضائعة لا التبريرات الباردة..

تحت لوحة ممزقة رسمتها عن العالم بعد مائة عام وجدت ثلاث نسخ لمفتاح سيارتي القديم، ونسختان من هويتي الوطنية، وأغطية أقلام ممضوغة، وقلم جاف كان هدية من والدي مقابل السن الذي ذهب مع الريح..
بدا لي الصندوق يحمل أكثر من سعته..

كنت أظن أنني لو وجدت أشيائي المفقودة سأحتاج لصناديق وربما مخازن، ربما فندقًا يجمع قصص الحب التي عشتها والصداقات التي آملت استمرارها وضحكاتي التي هجرتني..

صندوقٌ واحد لا يكفي لاستيعاب صدمتي في عدالة الحياة يوم رحلت جدتي، أو لكرامتي التي ضمرت في مركز شرطة حيث تم إيقافي بلا وجه حق، أو ثقتي بنفسي بعدما أهدرتها في جدال المتنمرين على مواقع التواصل..

استمررت في التنقيب بداخل الصندوق، رسائل ورقية جبنت عن إرسالها، ولاعة لا تعمل احتفظت بها يوم قررت أن أتعلم التدخين لكن رئتي صرخت سعالًا كاد يلفظ قلبي من فمي، وهذه بطاقات عمل من أشخاص لا أعرفهم من مناسبات لا أتذكرها، وهنا فرصة عظيمة كنت مرشحًا لها لكن سيادة (الواسطة) كان لها رأي آخر..

صندوقٌ واحدُ فقط..
يا لصدمتي..
أخرجت من الصندوق كتابًا نسيته في رحلة طائرة، نظارتي الشمسية التي كانت هدية ميلاد، سلك شاحن، بقايا صور، نفحة هواء من أنفاسها، منديلًا مضمخًا بعطرها وتتوسطه آثار قبلة..

بحثت عن أسرار نسيتها..
لا شيء..
صوتي المفقود..
ليس هناك..
عقلي يوم أحببتك..
ليس له أثر..
أيقنت بأن كل الأشياء التي فقدتها لم تعد تعني لي شيئًا..

سأبحث عن الرجل الغريب..
وسأدفنه مع الصندوق لئلا يتدخل في شأني مرة أخرى..
ولذلك أرجوك، إن وجدته قبلي، أخبرني أولًا، ولا تأخذ منه صندوق أشيائك الضائعة.

 

*كاتب من السعودية

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود