مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

فاطمة الدوسري* ‏توقف زمن طفولتها منذ سنين عجاف، رُسمت حياتها بألوان أخرى ليس من …

أرجوحة الألم

منذ سنتين

283

0

فاطمة الدوسري*

‏توقف زمن طفولتها منذ سنين عجاف، رُسمت حياتها بألوان أخرى ليس من بينها الفرح، منذ مساءٍ احتجزت فيه في بيت عمتها الخرساء، لتقوم على خدمتها وقضاء حوائجها بعد أن بدأت الشيخوخة تطالُها.

‏مر وقتها غارقة في عالم الصمت وزوابع عمتها المفاجئة، ‏فشلت في التقاط حلم شارد تجاوزها بمسافات، هربت خلفه فرحتها وابتسامتها وبقيت ملامح وجهها الشاحبة في حالة جمود.

‏كَبرت في بيت يلوذ بالصمت واستدار جسدها، طالت جديلتها، بتجاعيد ناعمة سوداء كالليل البهيم، جاوزت كتفيها متعدية للأسفل، اعتاد ابن عمها الترصد لها في سلم العمارة عند عودتها من المدرسة، وغالبًا ما يمسك بها عند محاولتها الهرب منه. يمطرها بقبلات سريعة مفاجئة قبل أن تصرخ ويلقي بها على الأرض ويلوذ بالهرب وهو يتوعدها.

بعد انحناءة كل ليلة تحت قدمي عمتها وغسلها بالماء الدافئ، تدفن رأسها تحت اللحاف وهي مجهدة، تتحسس يديها الجافة، ترى أن الجفاف طال كل حياتها.

تجتر بقايا نشوة يوم مدرسي، ترمم ذاكرتها، يداهمها النوم وشيء آخر! ربما كابوس تصارعه؟!، تذوب كقطعة حلوى صغيرة بين يديه، تخنقها انفاس تعرفها، يضيع صراخها في الفراغ، في الصباح رأت العمة المأساة داخل ملابس ممزقة ونحيب.
ولا زالت سحائب ليلتها تهطل على وجنتيها المكفهرة.
عقارب الساعة تتسارع، رائحة البخور وملابس ملونة، الكل يظهر الفرح إلا قلبها المدهوس.
تجلس القرفصاء .. نظراتها معلقةٌ على ساعة الحائط ..
تك .. تك .. تك ..
ينازعها الحنين على عمر توقف عند حواف طفولتها.
تك .. تك .. تك ..
مضت عشرون سنة .. ما زالت تحمل الماء الدافيء تحت قدمي .. تزوج ثانية .. رحلت عمتها .. كتبت كل شيء باسمها .. راودها عن البيع .. عندما رفضت، رفسها بشدة، في هذه المرة لا تدري كم عاصفة برق صعقتها لتعيد لها حواسها، مشاعرها المتبلدة، لتشعر بإنسانيتها ..
استيقظت ‏في اليوم التالي لم تنحني تحت قدميه، جاءتها صفعته نارية زادت من درجة إفاقتها. اغلقت خلفه الباب للأبد، أعلنت ثورتها ..
تك .. تك .. تك
‏يتسلل ضوء شمس التاسعة صباحا في خجل إلى الشرفة، تناوش أشعتها طرف الطاولة أمامها، تجلس على الكرسي، تكشف عن ساقيها تمدها للأمام لتغرق في الشعاع، يسري الدفء في أوصالها، تلين.
تتناول هاتفها بعد رشفة من كوب قهوتها، تتصفح الرسائل الصباحية ترد على بعضها وتتجاهل أخرى، أما رسائله تقوم بحذفها دون قراءة.
تغمض عينيها، يداعبها شعور جميل، تتنفس بعمق وهي تطالع رسالة قبولها في الجامعة، تتلذذ بعودة الحياة،
تفتح موقع محكمة الأحوال من هاتفها وترفع طلب خلع.

 

*كاتبة من السعودية

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود