44
069
074
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11890
05622
05592
05250
04860
0إعداد_حصة البوحيمد، هيا العتيبي
مفهوم الأجناس الأدبية مرتبط بالعتبة النصية لطبيعة الخطاب الأدبي شعرًا أو رواية، ويقع العديد من النقاد في حيرة واضحة أمام تحديد بعض الأجناس الأدبية خصوصاً في فنون الشعر الحر والتفعيلة وقصيدة النثر وما بين الخاطرة والقصة وما بين الرواية وأنواعها لاختلاط نوعية النصوص مع بعضها وتزايد معدل الإنتاج وفق اتجاهات متشابهة مما أخرج بعض الدراسات النقدية التي كانت محل اختلاف بين النقاد أنفسهم من جهة والأدباء من جهة أخرى، وهذه الدراسات قد تعين في تحديد آلية بناء النصوص من قبل الكاتب وآلية محاكمتها من قبل الناقد والقارئ وتضع الضوابط التي تحكم الأجناس الأدبية وقواعدها الجمالية.
في قضيتنا لهذا العدد نطرح مجموعة من المحاور التي تدور حول هذا التداخل والتباين في تصنيف وقولبة النصوص الأدبية على نخبة من النقاد والأدباء:
هل للأديب الحق في توصيف إنتاجه وفق ميوله أم أن النقد كفيل بوضع المسميات على أصنافها ؟
–هل لدور النشر الخاصة دور في أخطاء تحديد الأجناس الأدبية خصوصاً وأن العديد منها جهات طباعة ولا تمتلك مهنية “توصيف” المنتج؟
–كيف يتم احتواء الخلاف بين النقاد حول مسائل تحديد الأجناس الأدبية، وكيف تقوم الجهات الثقافية بتوحيد الآراء النقدية في قالب موضوعي بعيداً عن الاجتهادات الخاصة في حالة العجز عن تحديد هوية المنتج؟
التداخل يجعل النص سياميًا مشوّهًا
يجيب الناقد الأدبي د. أحمد عبد المنعم عقيلي من سوريا على طرح فرقد بقوله:
لعل من أبرز القضايا التي شغلت بال المثقفين والدارسين والنقاد، قضية تداخل الأجناس الأدبية، ومدى تأثيرها على الحركة الثقافية والأدبية.
ولا يخفى على المثقف والمتخصص أن ظاهرة التداخل بين الأجناس الأدبية أصبحت أكثر حضوراً في الواقع الثقافي اليوم، وقد أدت هذه الظاهرة إلى ما نطلق عليه في دراساتنا النقدية: (النص المفتوح )، والمقصود بهذا المصطلح: النص الإبداعي الذي يحتوي في فضاءاته الفنية الشعر، والسرد، والمسرحة، والحوار، ولم يقف الأمر عند هذا الحدـ بل امتد لدى بعض المعجبين بهذا التداخل إلى إقحام مفردات الفن التشكيلي، وفضاءات الموسيقى في بنية النص الإبداعي، وحين ننظر إلى هذا الواقع بعين الناقد الأدبي، نجد تشكّل هوّة وفجوة بين الجنس الأدبي المتداخل مع غيره وبين الجنس الأدبي ذاته، فالشعر بأنواعه التقليدي والحرّ المبني على التفعيلة، لم يعد شعرًا نقيًا، والقصة لم تعد قصة صافية، والرواية لم تعد تلك الرواية التي نعرفها بسماتها ومقوماتها الفنية.
لقد تسرّب المسرح إلى بنية النص الشعري، وتغلغلت السينما في حنايا الرواية، وغير ذلك كثير من إرهاصات تداخل الأجناس الأدبية، ومع أننا مع الثراء الثقافي والمعرفي، وتلاقح الأجناس الأدبية وإفادتها من بعضها البعض، إلا أننا لسنا مع التداخل المطلق الذي لا تضبطه قواعد وأسس منهجية فنية دقيقة، وإلا فإن هذا التداخل سيمحو جمال النص الأصلي ويفقده مقوماته ويجعله نصًا سياميًا مشوّهًا، وكأنه الثوب الذي ضم عشرات الرقع والألوان، فغاب لونه الأصلي.
ولا شكّ أن لكل ظاهرة أدبية فنية أسبابها الكامنة وراءها، ولعلي أرى أن مفهوم الغنى الثقافي والبحث عن الثراء المعرفي، أوحى إلى بعض المبدعين من شعراء وروائيين وكتّاب أنّ استخدام أكثر من فن أدبي ضمن النص الإبداعي الواحد، يعني أن الكاتب مبدع وعميق الثقافة، موسوعي المعرفة، والحقيقة تجانب ذلك تمامًا، فالإبداع وليد التميّز وحسن التوظيف، والبلاغة والقدرة على التأثير في المتلقي.
إن الأديب والمبدع وحده لا يمكنه أن يقدّم توصيفًا دقيقًا لإبداعاته ونتاجه الفكري، والأدبي؛ لأنه لا بد أن يقحم ذاته وميوله في هذا التوصيف، وهذه مهمة الناقد الأدبي الذي يفكك النص المدروس ويحلله، ويبحث في مكامن الجمال والإبداع فيه، ويحدد طبيعة هذا النص، ونوعه، والجنس الأدبي الذي ينتمي إليه، ويميط اللثام عن المواضع التي حلّق فيها الكاتب وأبدع، والمواضع التي تحتاج تطويرًا وتدقيقًا وتمحيصًا، ليخرج النص الإبداعي في أبهى حلةٍ وأجمل صورة. وصفوة القول:
لا شكّ أن الثراء الفني الأدبي مطلوب في العملية الإبداعية الأدبية، لكن هذا الثراء لا يكون في محو خصوصية كل فنّ أدبي، وجعله يذوب ويتلاشى في ثوب أجناس أدبية أخرى، تجعل من الصعوبة بمكان تحديد نوع هذا النص وماهيته.
فليكن الوعي الثقافي حاضرًا لدى كل مبدع وكاتب، ولتكن لديه المسؤولية الفكرية والثقافية، وهي ليست مسؤوليته فحسب، بل يشاركه فيها النقاد والمتخصصون من خلال توحيد المواقف والرؤى النقدية الساعية نحو التميز الأدبي بشكل علمي وموضوعي، وتشاركه أيضًا في المسؤولية دور الطباعة و النشر حين تنتهج نهجًا علميًا مهنيًا قادرًا على توصيف الجنس الأدبي وتحديده ماهيته.
*يبقى القول الفصل للمتلقي النوعي
ويعلق الروائي نعيم آل مسافر من العراق على محاور القضية بقوله:
يُعد التجريب في الشكل والمضمون من أهم الأسباب التي أدت إلى تداخل الأجناس الأدبية، ودخلت الفنون المجاورة كالتشكيل والموسيقى والسينما والمسرح في صياغة النصوص الأدبية وأغنتها بشكل كبير، وظهر جراء ذلك ما يعرف بالنص المفتوح. فتداخل السرد بالشعر وتداخل الشعر بالنثر، والتبس الأمر على الكثيرين باستسهال الكتابة، وأصبح الباب مفتوحًا على مصراعيه أمام أنصاف الموهوبين، خصوصًا بوجود وسائل التواصل الاجتماعي المتاحة للجميع، ودور النشر الأهلية التي تسعى معظمها إلى الربح المادي دون الالتفات إلى جودة ما يطبعونه.!
أضف إلى ذلك مدى وعي الأديب نفسه في توصيف الجنس الأدبي لنصه، وما هو القالب الجمالي الذي اختاره لتقديم ذلك النص. ولكن يبقى القول الفصل في ذلك للمتلقي وخصوصًا النوعي منه (الناقد). وبما أن الأدب من العلوم الإنسانية التي تعتمد الذوق الذي ليس له قوانين صارمة كما في العلوم الصرفة، إذن لابد أن يكون هنالك اختلاف في الرأي من ناقد لآخر حسب تمكنه من أدواته النقدية وسعة اطلاعه، فتظهر هنا الحاجة الملحة للمؤسسات النقدية المختصة في تحديد مفهوم التجريب وحدوده، ووضع المعايير التي يُحتكم إليها. وتحديد إن كان النص المفتوح جنسًا أدبيًا يضاف إلى الأجناس الأدبية الأخرى المعروفة.
*الأجناسية..فوضى وفقدان هويَّة
ويربط الناقد السعودي محمد الحميدي بين هذا التداخل وبين مقالة رولان بارت بقوله: يعود الإشكال إلى لحظة فارقة في تاريخ الأدب، حينما أعلن رولان بارت انفصال المنهج التفكيكي عن المنهج البنيوي، عبر مقالته المنشورة عام 1967م، والمعنونة بـ”موت المؤلف”، حيث انتقل بذلك من مناهج الحداثة إلى ما بعدها، ومن التمسُّك بـ”المركزية” إلى تحطيمها، إذ تبدَّلت الأدوار بين الكاتب والقارئ، الذي بات محور “العملية القرائية”. وقد اعتمدت فلسفات الحداثة على مركزية الكاتب في شرح وتفسير المقصود من النص، بينما فلسفات ما بعد الحداثة اعتمدت تأويل النص من قبل القارئ، ولهذا ظهرت العديد من المناهج المتسقة معها؛ كالسيميائية والتداولية ونقد استجابة القارئ، إضافة إلى مناهج قريبة؛ كالنقد الثقافي.
أصبح القارئ شريكًا في “صناعة المعنى”، باعتباره عنصرًا أساسيًّا من عناصر عملية “التلقي”، التي أخذت على عاتقها مهمَّة “قراءة النص”، واستخراج الدلالات الكامنة من أعماقه، دون النظر إلى جنسه الإبداعي، أو نوعه الأدبي، وبهذا خطت الإشكالية الأجناسية خطوة هامَّة نحو عدم التفريق بين أنواع الإبداع. تساوي الكتابات، وإلغاء الفواصل، والمسافات، حدثٌ تمَّ الاحتفاء به من قبل البيئة الثقافيَّة؛ لكونه يهدمُ “الطبقيَّة، والتمييزَ” بين الكتَّاب الذكور والإناث من ناحية، ويؤسس لمرحلة جديدة، تغدو فيها الكتابات شكلاً واحدًا في تداوله وانتشاره من ناحية أخرى، فالأهمُّ بالنسبة للناقد ليس القالب الإبداعي، بل “الدلالةُ” المبتكرة، و”الصياغةُ” المدهشة.
اهمالُ الشكل، والاهتمام بالدلالةِ والصياغةِ من قِبل الناقد، ومن ورائه البيئة الثقافيَّة، دفعَ المبدعَ إلى محاولة تجاوز القوالب المتعارف عليها؛ كالقصة، والرواية، والشذرة، والشعر، والمسرح، والأقصوصة، والسيرة، وغيرها، لكن محاولاته اتَّسمت بـ”العشوائية”، وعدم التخطيط، ما تسبَّب في جعل كتاباته عرضة للتشظي والتفتت، فوقع في إشكالين: تشتت المعنى، وفقدان الشكل، والعشوائية وعدم التخطيط استمرتا في كتاباته اللاحقة، فمع بدايات الألفية الجديدة، وبزوغ نجم وسائل التواصل الاجتماعي، انتقلت الكتابة إلى مرحلة مختلفة، أصبح الكاتب خلالها مُطالباً باتِّباع “شروط كتابة” جديدة، من أهمها التكثيفُ، والإيحاءُ، وعدمُ الإطالة، وهو ما عمَّق الإشكالية الأجناسية؛ حيث تمازجت القوالبُ، وتداخلت أكثر، وبات من غير الممكن التفريق بين الكتابات نفسها، لا من ناحية الشكل كما في السابق، ولا من ناحية الموضوعات والاتجاهات.
شروط الكتابة الجديدة؛ اهتمَّت بالخصائص التعبيرية الداخلية، مع إهمال للشكلِ الإبداعي، الذي أصبح من الصعوبة الالتزامُ به، وهو ما أضاف عبئًا على النقاد، والمؤسسات الثقافيَّة، وجعلهم في حيرة أثناء تصنيف الأشكال الحديثة، حيث العشوائية وعدم التخطيط؛ قادا إلى “فوضويَّة” أجناسية. والفوضويَّة؛ أكبر مشكلة تواجه البيئة الثقافية، فالتداخل والتمازج بين الأنواع الإبداعية؛ جعل من الصَّعب تصنيفها، وتبويبها ضمن فئة محدَّدة، إذ باتت كأنها نوعاً واحداً لا يتغيَّر، وهو ما قاد إلى طرح تساؤل حول: متى تنتهي الفوضى؟
دعوة أمبرتو إيكو إلى تنظيم “الموسوعة”؛ حيث الاكتفاءُ بالتأويلات المقبولة، وإبعاد المتكلَّفة والبعيدة؛ يمكن أن يُمثِّل خطوة أولى في إعادة الأمور إلى نصابها، فهو لا يتفق مع الفوضى الحاصلة، إذ يرى أنَّ لكل جنسٍ أدبي هدفٌ يختلف عن الآخر، كما أنَّ له هُوية تميّزه عن البقيَّة، وفي ظلِّ الفوضى يختفي الهدفُ، وتنمحي الهويَّة.
*للأديب الحق في توصيف إنتاجه وفق العرف
يقول الكاتب حسين صبح الغامدي: ليست الظاهرة بتلك السوء حتى نقضي عليها، بل بالعكس هي تدعونا لنكون فريق ونعمل، نعمل دون مراءاة، علينا أن نعمل وفي أذهاننا أجيال قادمة، وعلينا أن نسأل أنفسنا، هل ستتوقف تلك الأجيال عند عصرنا أو يقفزون عنه مثلما قفزنا عن بعض العصور السابقة.!. التي لم يكن لها في الصحائف ذكر. أما الأسباب والمعذرة لأني بدأت من الشق الثاني من المحور وأسباب تداخل الأجناس متعددة يأتي من ضمنها الكم الهائل من النصوص، وتلاقح ثقافات العالم في منصات الكترونية، مثلاً الفيس بوك هناك من يكتب من العرب وآخر من فارس وثالث من الأكراد وهكذا، قد نكتب بلغة واحدة ولكن نمطنا وثقافتنا وسلوكياتنا ورؤيتنا حتماً موجودة في نصوصنا، أيضا لم يعد الكم الأكبر من البشر يهتم في الأدب وقليل من يحب القصة أو الشعر، انشغلت الناس عنه إما بطلب الرزق أو ترفيه أكثر جاذبية، فلم تعد تفرق بين المقال والقصة، ولا تهتم بهذا، وهناك سبب أيضا وهي: أن الكاتب يريد أن يكون شاعراً وليس لديه موهبة كتابة الشعر، فيطلق على ما يكتبه شعراً حتى لو لم يحقق أدنى معاييره، فبعض الكتاب يستخدم أسلوب المغالطات ليضيف إلى شخصيته قيمه من خلال ذلك الجنس الأدبي. وبكل تأكيد، للأديب الحق في توصيف إنتاجه، ولكن ليس وفق ميوله بل وفق الواقع، وفق العرف والمتفق عليه، لا يصح مثلاً أن أطلق على الخواطر قصيدة نثر.. ولا يصح أن أطلق على المقال قصة قصيرة. أما النقد فمشكلة أخرى، الساحة النقدية التي ينظر إليها المبدع كما ينظر المريض إلى الطبيب، ينظر المبدع إلى عدالة الوسط النقدي وإعطاء الإنتاج حقه الحقيقي، ولكن أسباب كثيرة عصفت بحيادية النقد وجعلته يهمش الإنتاج القيم ويبرز السطحي والعادي، عموما ليس النقد موضوعنا، ولكن امتداد للسياق.
ومع كل أسف تغيرت أهداف دور النشر، فلم تعد تهتم بجنس الأدب أو قيمته أو رصانته، بقدر ما تهتم بالأرقام، لذا أصبحت تستهدف الأشخاص الذين يملكون كم كبير من المتابعين في وسائل التواصل بغض النظر عن قدراتهم الإبداعية ومهاراتهم في التأليف، تستهدف الأشخاص الذين يستطيعون يسوقون إنتاجهم حتى لو كان محتواهم متدنياً وأفكارهم ضعيفة، فأصبحت دور النشر تقيس إنتاجها بالكم وليس بالكيف.! ونتيجة لهذا فقد تختفي الكنوز من المؤلفات وتظهر المؤلفات السطحية، وعن كيفية احتواء الخلاف بين النقاد حول مسائل تحديد الأجناس الأدبية، يقول الأستاذ حسين: لابأس ببعض الخلافات، أو لنقل لابأس بالخلافات التي تحرك الراكد، وتكد ذهن المتابع، وتحفز على البحث والقراءة. على أن يكون الخلاف نابع من حياد وصدق، أما لو كان مجاملة لإنتاج ما أو شخص ما فعلى النقد السلام، أما الجزء الثاني من المحور ، الذي يتحدث عن الكيفية.. فالأمر بكل سهولة على المؤسسات الثقافية أن تعمل، تكّون فريق عمل وتنجز لأجل الأجيال، أيام الخليل بن أحمد لم يكن هناك مؤسسات ثقافية، ومع ذلك استطاع ذلك الجيل أن يترك أثرًا كبيرًا للأجيال والجامعات ودور العلم، ما ذكرته نموذج فقط للعديد من الأجيال السابقة. في عصرنا الحالي هناك جامعات ومؤسسات وانفتاح على كم هائل من الثقافات، وتبادل المعلومات والبيانات يتم في زمن قصير جدًا، فقط تحتاج الجهات المعنية إلى عزيمة وإخلاص، وتحتاج أيضًا تلك المؤسسات أن تعطي العلماء الحقيقين حقهم وتقدمهم عن عشاق الشهرة ووسائل التواصل.
*دور النشر لم تعد منبرًا لتصحيح الإبداع
ويرى الناقد عبدالله السمطي من مصر أن لكل جنسٍ أدبيٍّ هويته الفنية والجمالية الخاصة به، ولكل قواعده التقنية التي يتميز بها والتي تصنع له فوارقه التعبيرية مع الجنس الأدبي الآخر. هكذا هي الصورة المبدئية لوجود الأجناس الأدبية وتجليها. لقد اعتدنا ذلك مع فن المسرحية التي كانت تُكتب أولا شعراً كما في المسرح اليوناني عند هوميروس ويوربيدوس مثلا، ثم عند وليم شكسبير بعد ذلك، ولم يقف الشعر حائلاً أمام كتابة مسرح نوعي بل إنه صنع كلاسيكية عظمى من وجهة فنية ودرامية كما كان في المسرح الشكسبيري المستمر حتى اليوم بمسرحياته الكبرى مثل: هاملت وعطيل وماكبث والملك لير وغيرها من كلاسيكيات المسرح.
وكلنا نعرف قواعد فن الرواية المبنية على السرد والشخصيات والأحداث والزمان والمكان، ولنقل ذلك أيضا عن فن القصة القصيرة، وربما الخاطرة والمقالة الأدبية.
على أن فن الشعر هو من أقدم الفنون، خاصة في بيئتنا العربية، وتراثنا العربي ارتكز على الشعر وتحولاته في كل العصور على امتداد أكثر من 1600 عام.
في ظل هذا الوعي نحن حيال أجناس أدبية نوعية متعددة، لها خصائصها من جانب، ولها فرادتها من جانب آخر.
لكن مع التحولات التاريخية كان لابد أن تتلاقى هذه الأجناس في كتابة ما، تتمثلها، كنوع من التجريب الإبداعي، وهذا أمر مشروع لكل أديب، شريطة أن يقنعنا بعمله بشكل فني وموضوعي معاً. إن التداخل بين الأجناس قد يكون بدأ مع المسرح، لكنه انتقل بعد ذلك لنجد أن ثمة تداخل رائع عبر ما يسمى ب:” الكتابة عبر النوعية” التي تتضمن الشعر والسرد معا، أو يتمسرح فيها النص الشعري أو تتداخل الرواية مع القصة وأحيانا الشعر. لكن هذا التداخل لا يتم بشكل عبثي لابد من تجربة مقنعة وراؤها مبدع مقنع في كتابته، لأن الخطورة هنا أن تتلاشى هوية الجنس الأدبي وتنفرط الصورة. كان الأديب الروائي إدوار الخراط قد جرب هذه الكتابة العابرة النوعية لكنها تبقى في إطار التجريب، ربما لم تفلح كثيراً في ترسيخ وجودها بالمشهد الإبداعي العربي لكنها موجودة على أية حال، وجربها محمود درويش في كتابه:” أثر الفراشة” وجربها نزار قباني في (مائة رسالة حب) بامتزاج الشعر مع النثر.
أما بالنسبة لدور النشر فلا ذنب لها هي لم تعد تشكل منبراً لتصحيح الإبداع، لكنها أصبحت تهتم بالبعد المادي لحركة النشر فقط، ربما يقع الأمر على عاتق الحركة النقدية والنقاد في الأكاديمية خصوصاً. من أجل تهذيب الأعمال الأدبية وتحديد نوعيتها وهويتها الإجناسية.
*الكاتب لا يلزم ببناءٍ يؤطر عمله الأدبي
ترى الكاتبة سميرة البيضاني أن تداخل الأجناس الأدبية ظاهرة طبيعية نتيجة التطور وليست وليدة هذا العصر فقد ارتبطت بوجود الأدب. والإبداع يكسر الحدود ويكره التقولب والتأطير ويبرهن على هذا وجود العديد من النصوص احتار فيها كتابها إلى أي جنس أدبي يصنفونها، ولهذا سميت بنصوص أدبية لصعوبة تحديد إلى أي جنس أدبي تنتمي، ويتأتى تداخل الأجناس الأدبية من سعة سماء الإبداع عند الكاتب بحيث لا يلزم ببناء أو سياق معين يؤطر عمله الأدبي، وللحد من الخروج من الذاتية إلى الموضوعية عدة طرق منها، النظرة الشمولية الحيادية التي لا تنزلق في مضائق الذاتية وتدور في فلك واحد بل بالاتساع والتجدد والتطوير وخدمة وجهات النظر المختلفة، وأرى أن للكاتب الحق في توصيف إنتاجه وفق ما يراه استناداً إلى معرفته التامة بتكوين عمله الأدبي ووفق تصوره الخاص لما قدمه، ولأن الناقد قد لا يعطي توصيفاً دقيقاً كما يراه الكاتب بل يطلق التوصيف فقط وفق المعطيات التي أمامه، وتشترك دور النشر في خطأ توصيف الجنس الأدبي لافتقادها كما ذكر المهنية والقدرة على تمييز الأجناس الأدبية ولكون أغلبها حالياً دور طباعة غير معنية بماهية ما قُدم لنشره وطباعته، ولأن بعض الكتاب حريص على تداخل الأجناس الأدبية لكي يتميز عمله الإبداعي وبالتالي له الحق فيما يراه مناسب لإرادته، يتم احتواء اختلاف النقاد حول مسائل تحديد أجناس العمل الأدبي، بإيضاح ضرورة الانفتاح على الاختلاف والتجدد والتطوير مهما اختلفت الأساليب لأن الهدف هو إنتاج عمل أدبي مبدع يخدم هذا التطور ويخدم الفكرة الأساسية الموجهة منه للمتلقي بغض النظر عن القالب الأدبي الذي وضع فيه.
*العمل هو المحك والمتلقي له الحكم
وعن هذا التداخل يقول القاص علي المالكي:
تداخل الأجناس الأدبية هو ظاهرة حديثة أدى إليها ظهور جيل حديث ممتلئ بما يود قوله وليس لديه في البدء دراية كافية عن فنيات الجنس الأدبي سواء قصة أو رواية أو قصيدة، والقصيدة وما دخل عليها من ثقافات خارجية كقصيدة النثر والهايكو الذي لا زال الكثير يسمي الخاطرة الشاعرية بهايكو والشذرة كذلك، لكن هذا لا يزعج القراء الذين تعمقوا في قراءة الأدب بشكل خاص وتشكل لديهم ثقافة كافية تؤهلهم إلى خلق ذائقة ثقافية وتمكنهم من جرأة القول بأن هذه لا ترقى لمستوى رواية وتلك خالفت فنيات القصة وما إلى ذلك .
مهمة الكاتب تنتهي بعد نشر منتجه وله حق أن يكتب على غلاف إنتاجه رواية أو غيرها لكنه لا يملك قدرة إقناع القارئ بعمله، فالعمل هو المحك والمتلقي له الحكم، سواءً ناقدًا متخصصًا أو قارئ متعمق وكذلك القارئ للمتعة. وأعتقد أن من يتناول الأجناس الأدبية باهتمام كبير يجيد أن يصنف الجنس الأدبي الذي بين يديه ويجيد أيضًا أن ينتقي لنفسه زاوية يصدر من خلالها حكمه والأحكام هنا مالم تتناول العمل بمنهجية تبقى انطباعات قراء، وأشعر أن هذا وصل أيضًا إلى تناول الناقد المتخصص نفسه، فكثير من الأوراق النقدية لأعمال معينة هي طرح شخصي وحكم من وجهة نظر ناقد قد يختلف أو يتفق معه نقاد آخرين. أما في ما يخص دور النشر وأخص التجارية البحتة، التي يتقدم عندها هدف الربحية على القيمة الأدبية فمشكلتها ومعاييرها هي مهمة الجهة التي منحتها فسح النشر وكان على الجهة التي سمحت لها بالنشر أن تشترط توجهات الدار ومعاييرها وليت أن يكون ضرورة توفر محرر ومقيم للعمل تضعه الجهة شرط ولا تترك للدار حرية ذلك، الدور الربحية لا يهمها سوى ما تقبضه من المؤلف وتوهمه بقوة إنتاجه لتربح ثم تصدمه بتحمل خسائر وصدمات أراء القراء هذا إذا استطاع المؤلف أن يسوق لعمله، وكم أشفق على أولئك الذين أخذوا في اعتبارهم أن النص الأدبي يقدم ويأخذ أصداء بمجرد نفاذ الكمية أو تلك التصميمات التي يتكلف بها المؤلف فوق ما دفعه لدور النشر وخاصة جيل الشباب وبالأخص من دفعوا بمواهب مبتدئة لدور النشر دون ترويّ.
أما ظهور الاختلاف بين النقاد تجاه تحديد الجنس فإني لا أراها مشكلة بل على العكس تمامًا فخلق الاختلافات النقدية وتنوعها هو جاذب للنص الذي عليه دار الاختلاف وقد نستغل ذلك في إنتاج مشروع نقدي مغاير عن سابقه ويترتب عليه توجهات وآراء خارج المدارس النقدية الأكاديمية، وهنا سنقرأ نقد ونص مختلف عن ثقافة النقد التي لازال الكثير يرى أن النقد هو المقيم للعمل علمًا أن النقد الحديث قارئ للعمل لا مقيم وليس للنقد سلطة رفع العمل أو تهميشه.
*إعادة الهيكلة تحتاج لثورة فكرية ثقافية
ويبدي الشاعر المصري محمد حسني عليوة رأيه حول موضوع التداخل بقوله:
لا شك أن هناك أسباب أدت إلى تداخل الأجناس الأدبية، منها ما هو جوهري يرجع بالأساس إلى ما يطلق عليه تمازج الثقافات والمشارب المعرفية المختلفة، وبين ما هو ظاهري “حداثي” متماس مع روح العصر ومتطلباته وضروراته أيضًا. ضروراته التقنية المعتمدة على روح النص ذاته، في صياغته وتشكيله الخاصين، وهنا نقول أن صياغة اللغة النصية هي الفيصل الأول والرئيس بين الجنس الأدبي في قالبه الشعري وبين قالبه النثري، وفي الظن أن الظاهرة مستمرة، وفكرة تفكيكها أو مساعي إعادة هيكلتها تحتاج إلى ثورة فكرية ثقافية معرفية شمولية.
فقضية تداخل الأجناس الأدبية كما شغلت قديمًا، فهي لا تزال أيضًا حديثًا تشغل الباحثين والنقاد المنظرين، وتتمحور حولها الدراسات والنظريات التي رصدت أجناسها المختلفة، فمنها كانت النظرية التاريخية والكلاسيكية، كذلك الاسلوبية. وقد أقروا بتلك الظاهرة، على غير رغبة بعض النقاد الداعين إلى إلغاء التصنيفات والمسميات الأدبية، وحجتهم أن الأدب وحدة فنية متكاملة، والأديب ليس في حاجة لتصنيف ما يكتبه أو يضع له تقسيمات تفرق بين ما هو شعر وبين ما هو نثر.
ومع التحديات الاقتصادية الكبرى التي تواجهها دور النشر، خاصة ذات المسئوليات المحدودة، طرأت فكرة “ما يحققه للنشار من الربح والشهرة” أكثر على حساب جودة المنتج الإبداعي، مما أدى إلى “فوضى نشر” كأن تجد كتابًا من حيث الشكل والطباعة جيدًا و فقيرًا في محتواه. ومعادلة القيمة الفنية في الطباعة والمحتوى تكاد تكون قليلة في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.
استطلاع مميز شكرا للمجهود
موضوع مهم جدا يستحق المزيد من البحث والنقاش وشكرا لاتاحة الفرصة للمشاركة والاطلاع…
مجهودات مميزة .. كل الشكر لأسرة تحرير مجلة فرقد الإبداعية/ الغراء