سلوى الأنصاري
بين أحضان حي قديم كان هناك بيت صغير ينام هانئًا كما ينام أهله بداخله القلوب مطمئنة و البال يرقد هانئًا بينهم ومشاعر الحب تدثر الجميع.
كانت الجدة حبيبة أو بيبه -كما يحب أحفادها أن يطلقوا عليها- كانت ترسم البسمة بين زواياه وتعطر أرجاءه كل يوم بتلك المبخرة التي تضع عليها قطعًا من المستكة وهي تردد: والنبي صلوا عليه بلحن حجازي جميل وبدعوات التوفيق لأبنائها وزوجاتهم وأحفادها.
في كل ليلية كان يجتمع حولها الأحفاد قبل النوم لتحكي لهم قصة أو تلحن لهم مقطعًا من الأهازيج التي تعلمتها هي كذلك من جدتها، قال لها أحمد حفيدها القريب إلى قلبها وكانت تطلق عليه أبو شقاوة
أحمد: غني لنا قبل القصة يا بيبة.
قالت الجدة: حسنًا ولكن على شرط
صاح الجميع: ما هو ؟
قالت: ترددون معي
صاح الجميع: حسنًا يا جدتي
فقالت: صفق صفق
قالوا وبصوت واحد: يا مرجان
-ستي خديجة
-في الروشان
-صفق صفق
-يا مرجان
-ستي زكية
-في الدرجان
أخذوا يغنون مع الجدة بيبة والفرحة تغمرها وتغمرهم، فجأة قالت لهم: هل تسمعون ما أسمع؟
قالوا: لا يا جدتي ماذا تسمعين؟
وضعت يدها على اذنها وكأنها تصغي لصوتٍ فقالت لهم: ضعوا ايديكم على آذانكم وأسمعوا صوت مزنة، هل تسمعون؟
قالوا: نعم يا جدتي
فقالت لهم: ماذا تسمعون؟
فهتفوا بصوتٍ عالٍ:
سالم على ناقته
بالليل ما عاقته
يمحش عرق جبهته
بطريف مسعادته
قفز فؤاد وقال: جده بيبة ما معنى يمحش؟
فقالت له: يعني يمسح
ثم سألتها هالة: وما معنى مسعادته؟
فقالت: الشماغ أو الغترة.
اخذو يتسامرون وتردد لهم الجدة بيبة الكثير من الاهازيج وبلهجات مختلفة.
تعد الأهازيج من الموروث الاجتماعي الذي خلفه الآباء والاجداد لأبنائهم فهي تحمل الطابع الثقافي لكل منطقة من مناطق مملكتنا الحبيبة والبعض منها تحكي لنا قصصًا جميلة، والأخر يؤصل البعض من العادات ونرى البعض منها يمتزج بحنان الام وهي تهدهد أبنائها قبل النوم.
ومن هذه الأهازيج أهازيج ترقيص الأطفال التي تنشدها الأمهات قديماً في حائل للبنت:
سلمى سِمِيل السري
وإن هلهل السكّري
من ذاق حبك يا سلمى
صايم وأفطري
السميل: الرمل الناعم النظيف في مجرى الماء
للولد:
صالح على ذلوله
جاب السفر وحمولة
من أهازيج المرأة في نجد أثناء استخدام “الرحى” لطحن حبوب القمح:
نطحن عشانا، سلّم الله رجانا
وعند قيام النساء بعملية الطحن على “الرحى” تتقابل امرأتان تمسكان معاً بيد الرحى، لتسهيل عملية الطحن في التعاون مع بعضهما البعض مع ترديد بعض الأهازيج
التي تثير الحماسة وتنسيهم عناء تعب الطحن
لوحات الفنان التشكيلي صالح الشهري
*موسوعة الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية- د. سعد الصويان
*من كتاب فتافيت من المواقف والطرائف”- عبدالرحمن السويداء
ابدعتي كعادتك ،شكرا لكك
شعرت وكأنني بين أحضان الحي وكأن رائحة المستكة ملأت الارجاء من حولي ..حقًا أجدتِ الوصف أ.سلوى كما عهدتُ قلمكِ المتألق.. كُل التوفيق .
يعجز اللسان عن التعبير عن مدى استمتاعي بهذه المقاله الاكثر من رائعه شكرا لك مبدعتنا الاديبة والفنانة سلوى الانصاري
قصه جميله ليست من وقع الخيال بل من وقع الواقع… أوجعتني للخلف لسنوات الحنان والتألف بين الاسره الواحده ياله من جمال ودفء الحياه الماضيه النقيه
موضوع جميل جدا، مليئ بالمشاعر والذكريات اللطيفة.🤍
سلم قلمك ياسلوى الله يرحم أجدادنا كانت حياة دافئه رائعه جميله افتقدناها…