مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

(رسائل حسب الرغبة)، كتاب يشي غلافه الرمادي بالهدوء والاستكانة والدعة، وَقَّعت لي …

خفقات قلب وثرثرة محبة

منذ سنتين

433

0

(رسائل حسب الرغبة)، كتاب يشي غلافه الرمادي بالهدوء والاستكانة والدعة، وَقَّعت لي عليه الأستاذة عهود عبد الكريم، مؤلفته، بكلمات بسيطات: “إلى الأستاذ، يبات علي فايد، بين يديك أول نبضة يخفق بها قلبي في عالم الأدب، أتمنى أن تنال رضاك” كلمات لم أدرِ وقت التوقيع بعمقهن، ولم أكن أعلم أنها إنما تهديني بين دفتي هذا الرماد نارًا مُوّقَّدة. حقَّا لم أنتبه إلى مفردات الجملة: “نبضة، يخفق، قلبي، عالم، أدب، رضاك”. ظننتها كلمات نبتت على شفتيها هكذا قدرا دون سابق ترتيب، وتسلل ضوء منها إلى الصفحة الأولى خاطَّا تلكم الجملة في تلكم الأمسية التي لم تحدِّث فيها عهود عن الكتاب.

يقيني أن الكتابة عن هذا السفر الجميل، تحتاج إلى رفعة في الإحساس، وعلوٍّ في صفاء النفس، وإني لأرجو أن أهدى منهما هذا الصباح نقيرا.

الحق أنِّي لم يخطر ببالي أن ينال مني هذا الكتاب بغلافه الهادئ هذا، وعنوانه الذي استبسطُّه معنىً وخطَّا كل هذا الاهتمام، بل لم يكن يخطر ببالي أن أكتب عنه، وكثيرة هي الكتب التي أهدِيتْ لي، ولم تسعفني هي على أن أخط فيها بضع أسطر، بينما دعاني ظهور الجمر في هذا الشتاء من تحت هذا الرماد إلى أن أبدأ في المقالة وأنا في الربع الأول منه مستدفئا في شتاء الطائف المأنوس.

لا ريب أن الرسائل في حياة الإنسان بعض عمره، وإن اجتمعت بتواريخ متسلسلة، ربما وضعت سيرة ذاتية، في حدود تلكم التواريخ وأوشك وأنا أقرأ هذه الرسائل الإنسانية التي خطت بصورة متأدبة، بسطت فيها الكاتبة مشاعرها بصدق يعتري القارئ ويأخذه بكلياته، بإيحاءات تعيد إليه الكثير من أوقاته، ولحظاته الشجنة السالفة. أوشك أقول أن هذه الرسائل سيرة ذاتية بثت رسائل وخواطر في صورة أشبه بنثر القصائد، إنها الكتابة الإنسانية التي تعتني بالقارئ كل عناية تتحدث عنه، عن مشاعره، وأوقاته التي عجز عن أن يخطها، دون أن تنسب إليه تلكم الأفعال والأقوال، هي رسائل تنتزع من القارئ مشاركة وجدانية صادقة يردها للكاتبة امتنانا، وتقديرا.

الرسائل في مجملها تظهر مدى ثقة الكاتبة بنفسها، هذه الثقة التي أجدها في البوح والاعتراف بتمكن المخاطب منها، من قلبها، من إحساسها، ومن تفاصيل يومها، ويا له من اعتراف جميل، نحتاجه لنلقيه بكل جرأة في بريد من نحب، نعم، أود أن أقول والشيب يضحك بمفرقي، مقتبسا صوت الكاتبة لامرأة في ضميري:

“أنا لا أريد التحليق عاليا لأصل إليكِ، وأنت لن تمشي أكثر من أحلامكِ إليَّ، ستبقين حبيبتي الأولى التي تنجح في كل مرة أن تكون حبيبتي الأخيرة. لم تتفوق غيركِ من النساء في شرعي، لم تتفوق غيركِ في محبتي، ولم توفق سواكِ في احتلال غرفة العشق في قلبي. سأبقى حبيبك الأول، حلمكِ العاطفي الأول، غرامك الناجح، وخسارتك الأولى”.

ثم أقفز في شجىً إلى قول الكاتبة في صفحة 30، مستعيرا إياه لصاحبتي رغم كهولتي لأقول لها:

“أحبُّ محبتي لكِ، وأحبكِ حقا حقا، حينما تتراءين لي بين التفاصيل الصغيرةِ وأبتسم؛ فهذه الأغنية كنتِ تحبينها، وذاك اللون هو المفضل لديك، وهذا هو المطر الذي حدثتِني عنه، وتلك هي المظلة التي كانت معنا ذات محبة، والكثير الكثير يا “عيون زماني”، شكرا لدفتر أقدارنا الذي كتبني في صفحة، وأنتِ في الصفحة المقابلة”.

نعم تأخذنا الرسائل في أحاديث مودة ورحمة، أحاديث محبة وتعلق، في تصوير جميل، وتأدب سامٍ، ينم عن كثير اطلاع، وعظيم نظر في الأدب، بنا نسمعها وهي تعترف بمحبة، ومِقة، وتَوَلُّهٍ وثقة:

“وتسأل سؤالك العميق بنبرة حانية: من أنتِ؟ ثم تأخذ معطفك، وتأخذك الريح بعيدا.

وأحلِّق في إجابات مطولة، إجاباتٍ أبالغ فيها كي أظهر جميلةً ذكيةً في عينيك، وكي أحبك أكثر.

إجابات أفلسفها بجمل مركَّبة، وتعابير بلاغية معقدة، وأعزم العزم على سردها أمامك في اللقاء القادم، وأنساها وأتذكرك”.

هذا الكتاب عميق بعمق العلاقات الإنسانية النبيلة، عظيم بعظمتها، جميل بجمالها، متعب إتعابها اللذيذ.

خطرت ببالي مقولة للزملة الدكتورة مي حليم (رحمة الله عليها)، وكانت تكثر من تناول علاقة الرجل بالمرأة، تحب الحديث عن تلك الصلة وتدرجها في كثير من مناشيرها على متصفحها في فيسبوك، فسألتها ذات مرة: لمَ كل هذا الولع بعلاقة الرجل والمرأة في متصفحك؟ فقالت لي ببساطة وحكمة: يا ها حياتنا يا يبات!

وها هي ذي حيواتنا، تبثها الكاتبة عهود باقتدار، وجمال لا يخطر على البال. وكم من رسائل أحرقنا جهلا، وكم من أحاديث رقيقة أهرقنا في ضحوة الهجر، متناسين ودادا، ومحبة.

شكرا عهود لاحتفاظك بكل هذا الشذى من الذكريات التي أنعشت ذواكرنا بكل جميل، وأهدتنا وفاء قلَّ حفظه في ساعات الطيش والجنون.

للعنوانات في هذا الكتاب حكايات، محبة، وشغف، وفرح، ومسرة، لها أقاصيص أحزان، وأتراح، تبعث في النفس طمأنينة بأن الحياة ما تزال جميلة، وتستحق منا الاهتمام، رغم تقلباتها، واختلافات ظروفها، وظني أن كلمة حب، كانت الأكثر شيوعا في العنوانات إذ وردت قرابة ثمان مرات، بلفظها، ووردت بمعناها أكثر.

*الكتاب من منشورات دار ريادة للنشر والتوزيع، وهذه طبعته الأولى بتاريخ 1444هـ – 2022م، وبلغت صفحاته 156 صفحة من الحجم المتوسط.

 

*كاتب سوداني .

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود