كلما تراءت نجوم السماء حضر في مخيلة الناظر نجمان مضيئان يقابل بعضهما بعضاً يظهران فوق القطب الشمالي (الفرقدان) لا يتفارقان كما قال الشاعر الجاهلي عمرو بن معد يكرب الزبيدي:

وكلُّ أَخٍ مُفارِقُهُ أخُوهُ
لَعمرُ أبيكَ إلاّ الفَرقدانِ

ووفق أبحاث علوم الفضاء وعلوم الفلك، فإن فرقد هو نجم متغير في مجموعة الدب الأصغر المتحركة ويشكل مع نجم الكوكب نهاية حوض كوكبة الدب الأصغر، يبعد عن الأرض 480 سنة ضوئية، وينتمي إلى الفئة الطيفية A3 مما يعني أن درجة الحرارة على سطحه تتراوح ما بين 7,500 إلى 11,000.
وورد في معاجم اللغة أنه:
نجمٌ قريب من القطب الشَّمالي ثابت الموقع تقريبًا ولذا يُهتدَى به أثناء الرحلات والسفر في الصحراء وهو المسمى النجم القطبي، وبقربه نجمٌ آخر مماثلٌ له وأَصغر منه ولذلك يسمى الإثنان الفرقدان.
وأوضح ما قيل في تعريف الفرقدين:
هما: نجمان في السماء لا يغربان، ولكنهما يطوفان بالجدي وقيل أنهما كوكبان قريبان من القطب.
وقيل هما كوكبان في بنات نعش الصغرى، يقال لأبكينك الفرقدين، حكاه اللحياني عن الكسائي أي طول طلوعهما، قال: وكذلك النجوم كلها تنتصب على الظرف، كقولك: لأبكينك الشمس والقمر والنسر الواقع.
قال ابن سيده: وعندي أنهم يريدون طول طلوعهما فيحذفون اختصاراً واتساعاً وقد قالوا فيهما الفراقد كأنهم جعلوا كل جزءٍ منهما فرقداً قال:
لَقَدْ طَالَ يَا سَوْدَاءُ مِنْكِ الْمَوَاعِدُ
وَدُونَ الْجَدَا الْمَأْمُولِ مِنْكِ الْفَرَاقِدُ
قيل: وربما قالت العرب لهما الفرقد
قال لبيد:
حَالَفَ الْفَرْقَدُ شُرْبًا فِي الْهُدَى
خُلَّةً بَاقِيَةً دُونَ الْخَلَلْ

وكنت كلما قرأت كتاباً أو ديواناً شعرياً ومررت على كلمة فرقد تأملت سياقها ومعناها ولماذا
هذه الكلمة بالذات يتم توظيفها لتعبر عن سطوع المعنى وتفرد المجاز والإيحاء والتشبيه.
ولعل أجمل ما جلبته لي الذاكرة من الشعر العربي ما قاله المتنبي:
أُحِبّكَ يا شَمسَ الزّمانِ وبَدْرَهُ
وَإنْ لامَني فيكَ السُّهَى والفَراقِدُ

والسهى نجم خفي رمز لسهر المهمومين كما أن الفرقد نجمٌ يسامرهُ العشاق
يقول المتنبي أيضاً:
ما زِلْتَ تَدنو وهْيَ تَعْلُو عِزّةً
حتى تَوَارَى في ثَراها الفَرْقَدُ

وعند مرور عاشق البلاغة والبيان بروضة الشعر لدى إيلياء أبي ماضي يجد قوله العجيب عن الكبر والكبرياء:

يا أخي لا تصدْ بوجهكَ عني
لا أنا فحمةٌ ولا أنت (فرقدُ)

وفي الإطراء يقول الشاعر ظافر الحداد:
مَجدٌ تَقاصرَ عن سَماهُ الفَرْقَدُ
وسعادةٌ أسبابها تتأكدُ

ومن النماذج الجميلة الرائعة في توظيف مفردة فرقد:
قول البحتري:
كالفرقدين إذا تأملَ ناظرٌ
لم يغنِ موضعُ فرقدٍ عن فرقدِ

ويقول جبران خليل جبران:
وفي علاها فرقدان لهان ما
تلقى وكان لها العزاء بفرقد

ويقول أيضاً في قصيدته الدالية:
بِرَغْمِ المُنَى أَنْ غُيِّبَ القَبْرَ فَرْقَدٌ
أَضَاءَتْ بِمَا أَضْفَى عَلَيْهَا الفَرَاقِدُ
وقيل أنها لخليل مطران

كما يقول أبو العلاء المعري:
كأنّك عن كيدِ الحوادثِ راقد
وما أمِنَتْهُ في السّماءِ الفراقدُ

وقال ابن الرومي:
ذؤابتها بين الفراقد فرقدُ
أولئك أوعالُ المعالي مسهَّلُ

جاءت كلمة فرقد في الشعر مفردة ومثناة وجمع فرقدٌ وفرقدان وفراقد ولكل صيغة منها جمال التوظيف ودهشة المعنى.
وتمتلئ صفحات الأدب والشعر بالفراقد الزاهرة الباهرة وها هي اليوم تضيء سماء عالمنا الإفتراضي بمجلة فرقد الإبداعية لتشع الإبداع والجمال بشتى صور الأدب وفنونه.
عادت مجلة فرقد للظهور من جديد بعد أن غابت للتجديد والتطوير، غيابٌ كان مدعاةً للأمل والانتظار بعد أن أخذت معها عهدة الشوق وأمل اللقاء.

إضاءة:
يا فرقدَ الشعرِ جئنا نستمدُّ سناً
من ضوئك الساطع المسكون بالألق

كل التحايا وآيات المنى تُليت
من دهشة الفجر حتى ومضة الشفق.

*كاتب سعودي

حساب تويتر: @abalwled