مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

بعد عشر حلقات (من نوادر الأدباء) في مجلتنا الرائدة (فرقد الإبداعية) رأيت أن أخصص …

قصائد نادرة (1)

منذ سنتين

787

2

بعد عشر حلقات (من نوادر الأدباء) في مجلتنا الرائدة (فرقد الإبداعية) رأيت أن أخصص الحلقات القادمة لبعض القصائد النادرة في شعرنا العربي على مر العصور.

وسأبدأ هذه السلسلة برثائية نزار قباني في طه حسين التي عنونها بـ (حوار ثوري مع طه حسين).

قالوا عن الرثاء إنه مديح الميت. ولذلك لم يكن أحد يتوقع أن نزارًا الذي لم يعهد منه سوى مديح النساء يخرج على غير عادته ليمدح – راثيًا – عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بقصيدة لا نبالغ إن عددناها من نوادر القصائد العربية، وتحديدًا في فن الرثاء، فقد بكى مع المرثي الأمة العربية والإسلامية بحسرة، وانتقد واقعهما المرير. والقصيدة طويلة تتجاوز الستين بيتًا، لكني سأعرض منها بعض المقاطع التي تتسع لها مساحة هذا المقال.

يستهل نزار قباني قصيدته بتساؤل مبعثه الدهشة مما يرى في عيني الفقيد من ضوء باهر كأنه ضوء النجوم:

ضــوء عــيـنـيـك أم هـما نـجـمـتـان     كــلهــم لا يــرى وأنــت تـرانـي

وينفي نزار عن المرثي عدم الرؤية، بل ينفي الرؤية عن سواه، ويجعله هو المبصر الوحيد لأنه يرى بالبصيرة لا بالباصرة. ثم يعبر عن حيرته من أين يبدأ رثائيته، فهو لا يريدها رثائية تقليدية تبدأ بالبكاء والعويل ولطم الخدود وشق الجيوب؛ بل يريد أن يتخذ منها منصة يطلق منها قذائف النقد لما آلت إليه حال الأمتين العربية والإسلامية:

لسـت أدري مـن أيـن أبـدأ بـوحـي      شــجــر الدمـع شـاخ فـي أجـفـانـي

ويطلب منه بلطف أن يجلسا معا ليتصفّحا بعض ما ترك من آثار أدبية تنقله إلى العصور الماضية:

ما عـليـنـا إذا جـلســـنا بـركـن         و فـتحـنــا حــقــائب الأحـزان ِ

وقــرأنــا أبــا الــعــلاءِ قـلـيـلاً         و قـــرأنـــا رســـالة الغـفـران ِ

أنا في حضرة العصور جميعًا         فزمــان الأديـب كل الزمــان ِ

ويكرر فكرته أن الفقيد هو المبصر الذي يحيل الليل إلى نهار، ويعيد الحياة للأرض، ولهذا يطلب منه التخلص من نظارتيه، فهو ليس أعمى إنما مَن حوله هم العميان:

آه يـا سـيـدي الذي جـعـل الليـــــل    نهارًا والأرض كالمهرجـان ِ

ارم نـــظـــارتيــك كي أتملّى          كيـف تبكـي شـواطـئ المرجان ِ

ارم نظـارتيك ما أنت أعـمى          إنــمــا نــحـن جـوقـة العـمـيـان ِ

ويذكر بكتابه (الأيام) الذي حكى فيه سيرته الذاتية:

فـي كـتاب الأيام نوع من الرسم      وفــيــه التــفــكــيـر بـالألوان ِ

إن تـلك الأوراق حـقل من القمــح    فمــن أيــن تبــدأ الشــفـتـان ِ

ثم يطلب من عميد الأدب العربي العودة إلينا، فقد كان عصره عصرًا ذهبيًا مقارنة بما آل إليه حال الأديب اليوم:

عـد إلينا فإن عـصرك عصـر        ذهـبـــي ونحـــن عــصـر ثانــي

سـقـط الفكر في النفاق السياسيّ     وصـار الأديـب كـالبـــهــلوان ِ

ويصف له كيف أصبح الشعر سلمًا للوصول:

ذُبح الشـعر والقـصـيدة صارت     قـيـنـة تـشـتـرى كـكـل القيـان ِ

جردوهــا من كل شـيءِ وأدموا     قـدمـــيــهــا بــاللفِ والدوران ِ

لا تــســل عن روائع المتـنبــي     والشـريف الرضـي أو حسـان ِ

ما هو الشــعر لن تلاقي مجيبًا     هـو بــيــن الجـنـون والهـذيـان ِ

عُـد إليـنـا يـا ســـيـدي عُد إلينا     وانـتـشـلنـا مـن قـبضة الطوفان ِ

أنت أرضـعـتنا حليب التحــدّي    فــطَــحَــنَّـا النـجـوم بـالأسـنـان ِ

أيهـا الغـاضـب الكـبـير تـأمــل    كيف صـار الكُـتّـاب كالخرفـان ِ

قـنعـوا بالحياة شـمسًا ومرعـىً    واطــمــأنــوا للمـاء والغـدران ِ

إن أقـسى الأشـياء للنفس ظلما    قــلمٌ فـي يــد الجـبـان الجـبـان ِ

ثم ينتقل ليرسم صورة كئيبة للواقع العربي اليوم، فقد اتبع العرب الشهوات، وجروا خلف الملذات، وتنكروا لقضية الأمة العربية، وأجاع الرؤساء شعوبهم ليوفروا للغواني ما يجلب رضاهن:

يا أمير الحروف ها هي مصـر   وردة تستحم في شــريــانــي

إنني في حمى الحسين وفي الليـــــــــل بقايــا من ســورة الرحمـن ِ

حـبـسوا الماء عن شفاه اليتامى    وأراقوه فــي شـفـاه الغـوانـي

تركوا السيف والحصان حزينيــــــــــن وباعوا التاريـخ للشـيـطـان ِ

يشترون القـصور هـل ثمّ شــارٍ    لقبـور الأبطال في الجولانِ؟

يشترون النـسـاء هـل ثـمّ شـــارٍ    لدموع الأطفـال في بيـسـانِ؟

يشترون الزوجات باللحم والعظـــم أيُشــرى الجمال بالميـزانِ؟

يشـتـرون الدنـيـا وأهـل بـلادي    ينكــشـون التراب كـالديـدان ِ

ثم يختتم القصيدة مخاطبًا مصر، طالبًا منها مسامحته إن خرج عن طوره:

سـامـحيني يا مصر إن جمح الشعـــــــر فطعم الحريق تحت لساني

سـامـحـيـنـي فـأنـت أم المـروءا ت أم الســـــمـــــاح والغــفــــران ِ

سـامحينـي إذا احـترقت وأحرقــــــت فــليــس الحــيــاد في إمـكـانـي

مصر يا مصر إن عـشقي خطير   فـاغـفـري لي إذا أضـعت اتزّاني

* كاتب سعودي

التعليقات

  1. يقول Abdulsalam Fraij:

    الله الله
    ماهذا الابداع ياصديقي
    لقد ابكيت فينا القوافي واخرجت دمعنا في ثوان
    اعدتنا لزمان كنا فيه نتلهف للقافية والكلمة تلهف الرضيع اذا جاع او الارض العطشى
    دام حرفك ويراعك

  2. يقول سعد الغريبي:

    شكرا لك يا صديقي الشاعر والروائي عبد السلام فريج وأشكر لك قراءتك وتعليقك النابعين من عين الرضا. سلمت ودمت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود