مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

فيتشر/ الرسائل.. من الحمام الزاجل إلى الرد العاجل *خديجة إبراهيم تشكل الرسائل حد …

الرسائل.. من الحمام الزاجل إلى الرد العاجل

منذ سنتين

610

0

فيتشر/ الرسائل.. من الحمام الزاجل إلى الرد العاجل
*خديجة إبراهيم

تشكل الرسائل حديث “نفس” وحدث روح، يرسلان مشهدي الإرسال و الاستقبال بين شخصين..
فظلت بوح لمكنون الذات الخارج من عمق الفؤاد إلى أفق المراد، وقد كانت وستظل أداة تواصل بشرية تعددت فيها الطرق والهدف واحد، وتباينت وسائل الرسائل تبعًا لتطور الزمان وتباعد المكان، وقد بدأت في عصر البشرية بالحمام الزاجل والرسول الشخصي الذي يوصل الرسائل، ثم تطورت إلى رسائل بريدية عبر البريد بمختلف أنواعه الجوي والبري والبحري، ثم تم اختراع الحاسب الأول، فظهر البريد الإلكتروني، ثم جاءت الأجهزة المحولة لتحدث نقلة نوعية في إيصال الرسائل عبر قنوات تقنية مذهلة في السرعة.
كان الإنسان المحرك الرئيس في هذا الفن الذي بقي بين الرسائل الشخصية وبين أدب الرسائل، حيث كُتبت عنها القصائد وأُنتجت عنها روايات وقصص وكتب، و ظلت عنوان لإتجاهات أدبية في أزمنة ماضية، وباتت الرسالة في مضمون ثقافي ترسم مشاهد المشاعر بين شؤون الذات وشجون الخواطر ومتون التعلم.
الرسائل ما بين شوق عامر وانتظار نبأ وارد ومرسول، تمن النفس في لهفة الوصول واحتضار الفصول، تروي شغف المكلوم وتعطش
لما بعد الآتي، بها تلمس روح كاتبها من الورق ويعبق عطره بين ثناياها.
وقد أوردها عدد من الشعراء في قصائدهم ونصوص عدة بالحرف والوصف حيث
يقول الشاعر الكبير “بدر شاكر السياب” في قصيدته:
رسالة منك كاد القلب يلثُمها
لولا الضلوع التي تثنيه أن يثِبا
رسالة لِم الورد مشتعلًا فيها
ولِم يعبق النارنج ملتهبًا
فالرسالة همزة وصل بين كاتبها والمرسلة له تحمل بين طياتها عبارات ومعان بحسب السياق المراد إيصاله، قد تكون رسالة محبة وشوق أو أخبار أو خطابات رسمية، أو مكاتبات سرية.
وقديمًا عرفت الرسائل عن طريق الحمام الزاجل الذي كان يقوم بمهمة ساعي البريد لنقل الرسائل في الحروب بين الجيوش وبين
التُّجار، حيث إنّه يتميز بمعرفته الجيدة بالطرق والاتجاهات، وقد قامت بلعب دور مهم في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
فتكتب الرسالة على ورقة صغيرة جدًا وتربط على ساق الحمامة أو على ظهرها لتصل للمكان والشخص المحدد.
وكانت تنقش أيضًا على ألواح خشبية أو على قوالب الطين أو على الجلود، وتحرق بعدها لضمان السرية.
ومع تطور التقنية ودخولها على الإنسان ووسائل التراسل التي يسرت الكثير من التواصل ببن الناس ومهدت للتقارب الروحي
والمعرفي بشكل أكبر.
ظهرت الرسائل الأدبية بين المثقفين ومايعرف بـ (أدب المراسلات)، وهو فن نثري يظهر مقدرة الكاتب وموهبته وروعة أساليبه
البيانية القوية، ومنها رسائل جبران و مي زيادة، قال في رسائله لها:
“لقد كتبت كل هذه الصفحات لأتخير كلمة الحب، إن الذين لا يتاجرون بمظهر الحب ينمى الحب في أعماقهم قوة ديناميكية رهيبة”.

وأيضًا رسائل غسان كنفاني وغادة السمان، وكان من ضمن من رسائل غسان لغادة:
“لا تكتبي لي جوابا.. لا تكترثي، لا تقولي شيئا، إنني أعود إليك مثلما يعود اليتيم إلى ملجأه الوحيد،
وسأظل أعود: أعطيكِ رأسي المبتل لتجففيه بعد أن أختار الشقي أن يسير تحت المزاريب”

ثم أصبحت الرسائل تنقل عن طريق القطارات والمواصلات بين الناس لسرعة الوصول فازدهرت كتابتها وتطور مفهوم نقل الرسائل
بظهور البريد الجوي عند دخول الطائرات في نقل الرسائل والبرقيات والطرود والحوالات المالية
والوثائق الرسمية والرسائل البريدية الشخصية وظهور الهاتف والفاكس.

وتغنى الشعراء بالرسائل في قصائدهم وأغانيهم وأشهر أغنية سعودية تحمل لفظة الرسائل هي
أغنية محمد عبده (الرسائل) من كلمات
الشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن:
لا تردين الرسايل وايش اسوي بالورق
وكل معنى للمحبة ذهب فيها واحترق

وليلة كانت الفرقا
و قالت لي .. فـ أمــان الله
و ليلة ذكرها يبقى
على جرحي .. و لا أنساه
و جت تاخذ رسايلها ..
و خصلة من جدايلها
و تديني جوباتي
بقايا عمر بسماتي
و قالت لي .. فـ أمــان الله

وبظهور الجوالات كانت فكرة الرسائل النصية (إس أم إس) وهي مختصرة ومكثفة وتصل على دفعات احيانًا حين تكون طويلة.
وأشهرت عبارة بتلك الفترة (جزء من النص مفقود) والتي كانت تقود إلى حالة من الشغف والترقب لمعرفة تتمة الرسالة..!
ثم ظهرت فكرة البريد الإلكتروني بعد إنتشار شبكة الإنترنت، فأصبح بالإمكان إرسال رسالة إلكترونية بالماسنجر فى دقائق
وتلقى الرد فى نفس الوقت، وظهرت مواقع التواصل الاجتماعي وأهمها الفيسبوك وغيرها من التطبيقات المتعددة على الهواتف
المحمولة وكان أخرها الواتساب والسناب شات، وأصبحت معظم البرامج حاليًا تحوي خاصية الرسائل أو مايعرف (بالدردشة).
وتظل بعض الرسائل لها مكانتها الخاصة ومنزلتها الكبيرة في النفوس لبوح مكنونات الصدور من قواميس الحروف وبعمق الشعور
ترتب المعنى وتجمع الشتات في رسالة، وربما كانت الأخيرة.. لكن تبقى مكانتها في بعض الأرواح عظيمة.

*كاتبة سعودية

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود