الأكثر مشاهدة

سلوى الأنصاري في زاوية من زوايا حي قديم هرب أحمد مسرعًا من ضحكات أبناء الحي الذي …

خاط نعليه

منذ سنتين

1109

8

سلوى الأنصاري

في زاوية من زوايا حي قديم هرب أحمد مسرعًا من ضحكات أبناء الحي الذي يعيش فيه وقد تصبب جبينه بالعرق من شدة حرارة الشمس، والتصق ثوبه على جسده النحيل وكأنه كان واقفًا تحت المطر، فجأة شعر بالتعب وتوقف واضعًا يده على جبينه ليقي عينيه الصغيرتين الساكنتين في محجرين غائرين يظلّهما حاجبان كثيفان وكأنهما أعشاب في حديقة غنَاء في ليلة مظلمة من حرارة الشمس، أسند ظهره على جدار متهالك وبدأ يتمتم:  

– ما بالك تلهث؟ هل تعبت أنت أيضًا مثلي؟ أصدقني القول لماذا تمد لسانك بهذه الطريقة الساخرة التي تجعل الصبية في الحي يسخرون منك؟ ألا تستطيع أن تُدخل لسانك؟ لقد أحرجني هذا الأمر كثيرًا، وأبكاني ليلًا طويلًا، فإلى متى؟ 

انهمرت الدموع من عينيه البريئتين وأجهش بالبكاء وبدأ يضرب الأرض بكلتا يديه وهو يصرخ إلى متى؟

فجأة سمع صوتًا يناديه: أحمد أحمد هون عليك يا صديقي.

التفت يمنة ويسرة وشعر بالخوف وهمس قائلاً: ترى من الذي يناديني؟ لا يوجد أحد غيري، من يا ترى؟ 

 خالطه الخوف والدهشة عندما سمع الصوت مرةً أخرى: أحمد أنا من أحرجتك بلساني، وأبكيتك أيامًا ولياليَ طوالًا. 

خلع أحمد نعليه ونظر إليهما بدهشة 

فقال له الصوت: أتعرف الخراز يا أحمد؟ 

أجاب: وما الخراز يا ترى؟ 

– الخراز رجل سيجعلني أصمت إلى الأبد وسيُدخل لساني في فمي ولن ألهث بعد ذلك أبدًا.

استيقظ أحمد وكلمة الخراز تدور في رأسه، أسرع نحو والدته قائلًا: الخراز؟ ما معنى هذه الكلمة يا أمي؟ 

وقص عليها رؤياه.

تبسمت أمه فظهر عقدٌ من اللؤلؤ المصقول في فمها، وبدا في عينيها الحزن، وقالت في نفسها: آه يا بني لقد أرهقتني هموم الحياة وفقد والدك، ولم أنتبه لحذائك المهترئ سوى اليوم، كم هي أيام قاسية عشت فيها مرارة الفقد والألم والمرض الذي كان يفتك بي يومًا بعد يوم، آه يا صغيري الأمر لم يكن بيدي. وأثناء حديث مريم لنفسها إذا بأحمد يمسك بكتفها: أمي أمي ما بالك صامتة؟ ألا تعرفين الخراز؟ 

قالت له: بلى أعرفه، سوف نذهب الآن وتراه بأُم عينيك.

الخرازة:

تعد الخرازة مهنة شعبية قديمة توارثتها الأجيال جيلًا بعد جيل، ولا تزال منتشرة حتى وقتنا الحاضر.

يستخدم الخراز (صانع المنتجات الجلدية) أنواعًا مختلفة من الجلود مثل: جلود الماعز، الأغنام، البقر، والجمال في صناعة الأحذية، القرب، النعل -أكرمكم الله-، الحقائب، المحافظ، والكثير من المصنوعات الجلدية التي قد تنافس الماركات العالمية في جودتها، ومن أشهر الأحذية المصنعة في مملكتنا الغالية: الشرقي، والحساوي، والمديني، والنجدي، والقصيمي، التي تختلف أسعارها حسب نوع الجلد الذي صُنعت منه؛ ويعتبر جلد النعام من أغلى الأنواع، الذي قد يصل إلى قرابة 2000 ريال سعودي.

ويتعامل الخراز في تصنيعه الجلود مع أدوات بسيطة مثل: السكاكين، المخاريز، المقصات، والمجاذيب. 

خرج أحمد وقد أبهره الخراز بإغلاق فم حذائه بطريقة جميلة وشكره على ذلك.

وعند خروجه من دكان الخراز رأى رجلًا يسوق خلفه قطيعًا من الأغنام، فقال بدهشة: إنه الراعي يا أمي. 

فقالت له: الرعي يا بني حرفة تربط الكثير من الحرف وهي حرفة مباركة أتعلم لماذا؟

قال: نعم سمعت أبي ذات يوم يقول: ما من نبي إلا ورعى الغنم.

قالت: أحسنت يا بني، رحم الله والدك لطالما علمنا الكثير، أسأل الله أن يكتب أجره.

مهنة الرعي

مهنة عظيمة ‏تغبطها جميع المهن؛ مهنة شرّفها المولى عزَّ وجلَّ بأن جعل جميع الأنبياء يمتهنونها، فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صل الله عليه وسلم قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّاً إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ. فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ»، وللحكيم سبحانه وتعالى حكمة من وراء كل فعل من أفعاله، علمها من علمها برحمته، وجهلها من جهلها بعدله سبحانه وتعالى.

ومن ثمَّ فلله حكمة أولاً من وراء توظيف الأنبياء في الرعاية، وثانياً له حكمة أخرى من وراء حصر الرعاية بالغنم خاصَّة من دون سائر الدواب الأخرى. 

هذه المهنة تطلق للمرء مجالًا أرحب لتأمل مخلوقات الله عزَّ وجلَّ، وتغرس في القلوب الرحمة، وقد عمل بهذه المهنة الآباء والأجداد في معظم مناطق المملكة العربية السعودية؛ لأن أرضها هُيئت لذلك واعتمد سكانها على هذه المهنة بشكل كبير إلى يومنا الحالي.

يعد الرعي من المهن المهمة في المملكة العربية السعودية؛ وذلك للاهتمام سكانها بتربية المواشي كونها مصدرًا اقتصاديًا لهم، وقد أسهم الدعم الحكومي لهذه المهنة التي تعد من الموروث الوطني في ازدهارها والمحافظة عليها، وأسهم هذا الدعم في تشجيع من يمتهن هذه المهنة من أبناء الوطن، وازدهرت معها تجارة الأعلاف والجلود مما أسهم في تغذية وإنعاش بعض المهن التي تعتمد على الجلود من بينها الخرازة، وصناعة الدفوف، والحقائب، وبعض الأدوات المنزلية التي استخدمت قديمًا وحديثًا، فاستمرت معها مهنة الرعي التي تصدرت مع مهنة الزراعة قديماً على سائر المهن الأخرى.

لمهنة الرعي قيمة معنوية، وتاريخية، وتربوية، يتمتع من يمارسها بصفات ذهنية منها: الفراسة، الصبر، الحكمة، التدبر، حسن القرار، والقيادة، والمعرفة. وصفات جسدية منها: القوة، التحمّل، والنشاط.

ولم تقتصر هذه المهنة على سكان البادية في المملكة قديماً، بل اتخذ منها بعض سكان الحاضرة مهنة ووظيفة مصدرًا يكسب منه راتباً مقطوعاً من أصحاب الماشية  في القرية التي يخرج بها الراعي بعد جمعها فجراً، ويعود بها عند الغروب بمقابل مادي.

والرعي مهنة لم تندثر؛ لما لها من تأثير اقتصادي على الفرد والمجتمع، وقد انحصرت في وقتنا الحالي وحُددت لها نطاقات رعوية معروفة في كل منطقة؛ للحفاظ على الغطاء النباتي.

التعليقات

  1. يقول رحمة القرني:

    مدخل جميل ومشوق لسردالمهن القديمه
    شكرا استاذه سلوى استطعتي لفت انتباهنا واهتمامنا لنكمل المقال 👌

  2. يقول رحمة القرني:

    مدخل جميل ومشوق لسردالمهن القديمه
    شكرا استاذه سلوى استطعتي لفت انتباهنا واهتمامنا لنكمل المقال 👌

  3. يقول مي:

    مقال جميل جدا استاذه سلوى

  4. يقول عبير الشامان:

    حقا مبدعه حماك الله ❤️

  5. يقول فوزيه الحويطي:

    سرد ممتع ولوحات رائعة

  6. يقول صالح الحسيني:

    ما شاء الله.. تبارك الرحمن
    رأى :
    العنوان جاذب.. بصياغته و بلاغته
    و الموضوع تراثي حميمي جميل جداً؛ مزج المحتوى بالحكاية..و ترابط السرد و تسلسله… و أثره في ذات المتلقي ؛ عزز ذلك حضور الفن التشكيلي..بمدارسه و منهجياته و رسالته الإنسانية .. مع تأكيد المادة الأدبية على المحافظة على القيم المعنوية..و التاريخية.. و التربوية و ما تولده.. و تشكله من خصال جليلة في الأجيال.
    هكذا هو الفعل الثقافي الإثرائي المتميز.
    وفقكم الله.

    خالص تقديري و تحياتي.

  7. يقول د. حورية البدري:

    جولة تاريخية واجتماعية وأدبية التعبير الجميل من أستاذة سلوى الأنصاري..
    لجميله التعبير والبيان أ. سلوى تحياتي

  8. يقول عبير الشامان:

    كلماتي تقف عاجزه عن التعبير مبدعه قلما وريشه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود