27
078
0206
018
116
022
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
2946
02108
02022
01530
01422
12جرجس حوراني*
كان يحتسي عصير البرتقال ويحدق في الصندوق منذ أكثر من ثلاثين سنة، وعندما تزوج قالت له امرأته: أريد منك فقط أن تحترم رغبتي بعدم فتح هذا الصندوق. لا تطلب مني ذلك أرجوك مهما حدث، إن عاقبة هذا الأمر ستكون وخيمة وقد تصل إلى الطلاق. عندما لفظت كلمة طلاق، ارتعد. كان متيما بعينيها العسليتين، وأنفها المستقيم، وفمها الذي تفوح منه دائما رائحة عطرية، وكثيرا ما كان يظن أنها زرعت تحت لسانها حبقة دائمة الخضرة. لذلك لم يكن يتصور أبدا أنه يمكن أن يخسرها بعد أن ناضل كثيرا كي يحصل عليها. وأجابها: سوف احترم رغبتك طوال العمر. ولكنه الآن استسلم لنداء خفي من أعماقه، نداء طالما أوعز له أن يحطم هذا الصندوق ويعرف ماذا تخبئ امرأته بداخله، يتذكر تماما كيف دخلت البيت، وكيف كانت تحمله كأنها تحمل طفلها المدلل. تحضنه بكل حب، وكان كلما رآه أحسّ بغيرة مفاجئة، ترى ماذا يمكن أن يكون بداخل هذا الصندوق؟ ماذا يمكن أن تخفي امرأة عن الرجل؟ هكذا كان يحاكم الأمر، ويصل إلى نتيجة واحدة: إن المرأة لا يمكن أن تخفي عن رجلها إلا العشق. يمكن أن يحتوي هذا الصندوق على رسائل متبادلة بينها وبين حبيبها الأول. لو كان الأمر كذلك، ماذا سيكون رد فعله؟ تهب نار الغيرة، وتكاد أن تحرق صدره. أبعد كل هذه السنيين لا زالت تحتفظ بكلماته لها؟ أية حماقة هذه؟ لقد أمضى معها أكثر من ثلاثين سنة، دللها كما يدلل فلاح وروده، عاملها بكل حب ومودة ورقة، لم يبخل عليها يوما، ولم يرفض لها طلبا. ماذا تريد المرأة أكثر من ذلك كي تحب الرجل؟ وكي يستطيع هذا الرجل أن يمحي تاريخها الماضي، لكنها على ما يبدو مختلفة عن كل النساء، لابد أنها مريضة بهذا العاشق الذي سحرها خلال فترة قصيرة، لقد تزوجها عندما كان عمرها تسعة عشر سنة، وبالتالي ليس من المنطق أن يكون عمر حبها الأول أكثر من ثلاث سنوات. ويبدو أن هذه الثلاث سنوات تتغلب على الثلاثين سنة. ليس الحب بالسنوات على ما يبدو، ولكن ألا تستحق كل الاحترام على وفائها؟ ألا تستحق المزيد من الحب لموقفها هذا؟ هبت نار الغيرة مجددا لتحرق القسم الواعي من محاكمته وتزيد توتره، عاد من شروده وقد بان عليه الغضب، قال لها وقد بدا مرجل يغلي بصدره: يا عزيزتي، ها قد مر على زواجنا ثلاث وثلاثين سنة، والأولاد قد كبروا وكل منهم طار في سمائه، لقد احترمت رغبتك بما فيه الكفاية، لكن هذا الصندوق الذي عكر حياتي بما فيه الكفاية، وفلفلني بما فيه الكفاية، آن له أن ينكسر، كلما رأيته أشعر أن شيئا ما يتحرك في صدري، يسحقني وأعتقد أنه حان الوقت كي أعرف ما فيه. أخشى أن أموت، وأنا أتحسر على ذلك. اندهشت، وراحت تفكر كأنها تتذكر شيئا ما: الصندوق؟! أي صندوق؟
فكر مجددًا: لم أر امرأة أعند منها، إنها تراوغ الآن. أزعجه أنها تستخف بعقله، ومشاعره، قال لها مجددا: لا تقولي لي أنك نسيت الصندوق الذي حملته معك يوم دخلت هذا البيت وكأنه أهم من كل جهاز عرسك.
ضحكتْ: الصندوق. صندوق جدتي، يا إلهي، وهل لا زلت تذكر، يا عزيزي؟ حملته أمي من قبلي، وحملته أنا، وسوف أقدمه لابنتي عندما تتزوج. إنه فألنا الحسن، كان وجهه خيرا على جدتي، أهداها زواجا سعيدا طوال عمرها …
شك في الأمر: ولكن لماذا أخفيت عني هذا الأمر؟
ابتسمت: لأنك لو عرفت ما بداخله، لحطمته، أعرف أنك لا تؤمن بهذه الأمور.
ولما أيقنت أنه لا زال يشك بكلامها، فتحت الصندوق. راح قلبه يطرق بقوة عندما رأى قطعة من الورق ملفوفة على شكل قلب مربوطة بخيط. قالت له: هذا ما فعلته جدتي كي تصطاد جدي وتصطاد معه الحظ السعيد.
*كاتب من سوريا
التعليقات