مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

قصيدة أبي قيس بن الأسلت بعد عودته من الحرب منتصرا هذه القصيدة مما اختاره المفضل …

قصائد نادرة(٢)

منذ سنتين

526

0

قصيدة أبي قيس بن الأسلت بعد عودته من الحرب منتصرا

هذه القصيدة مما اختاره المفضل الضبي في مجموعته المنتقاة (المفضليات). وأما الشاعر فهو المخضرم أبو قيس بن الأسلت الأنصاري. اتُّفق على كنيته، ولم يُتُّفق على اسمه، والراجح أنه صيفي بن الأسلت. واختلف في إسلامه. أما ابنه عقبة فأسلم واستشهد في القادسية.

كانت الأوس قد أسلمت أمرها في حربها إليه، وقد أخلص لقومه ولمعركته، حتى غيَّرت الحرب هيئته، وعاد إلى بيته بعد معركة امتدت أشهرا، انتهت بانتصاره وقومه على عدوهم. دقَّ على زوجه الباب ليلا منتشيا بالنصر، وحين فتحت له أهوى إليها، فابتعدت عنه لأنها لم تعرفه، فقال: أنا أبو قيس. قالت: والله ما عرفتك حتى تكلمت! فكانت هذه القصيدة التي افتتحها بقوله:

قالت، ولم تَقْصِد لقِيلِ الخَنا     مهْلًا فقدْ أَبْلَغْــتَ أَســمَاعِي

أَنْكَرْتِــهِ حِيــنَ تَوَسَّــمْــتِــهِ     والحَرْبُ غُولٌ ذَات أوجاع

يبدو الشاعر الفارس مبتهجا برد فعل زوجته العنيف، وعدم ترحيبها به لأنها لم تعرفه في البداية لأن ذلك دليل على محافظتها على شرفها في غيابه، وعدم الاستجابة لغيره، ثم لإدراكه بأن الحرب قد أثرت فيه فعلا، لدرجة أن أقرب الناس منه لم تعرفه. ولذلك جاء بالجملة الاعتراضية (ولم تَقْصِد لقِيلِ الخَنا) ليدفع عنها أي قصد لقول مسيء. ولا ننسى الالتفات من ضمير الغيبة إلى المخاطب في البيت الثاني.

ثم يحدثها عن مرارة الحرب، وآثارها على الفارس، وثقل العدة الحربية حين لا يتخلى عنها المحارب طيلة مدة المعركة، فيقول:

مَنْ يَذُقِ الحَربَ يَجِدْ طعمَهَا     مُــرًّا، وتَحْبِسْـهُ بِجَعْجَاع

قد حَصَّتِ البَيْضَةُ رَأْسِي فما     أَطْعَمُ غُمْضا غير تَهْجَاعِ

ويعلن أن هدفه من المعركة نصرة قومه:

أَسْعَى علي جُلِّ بَنِي مَالِكٍ        كلِّ امْرِيُّ في شأنه ساع

ثم يمضي في القصيدة ذات الأربعة والعشرين بيتا ناعتا عدة الحرب من سيف ودرع وترس، مضمنا حديثه الحكمة، وضرب المثل، فيقول:

الحَزْمُ والقُوَّةُ خيرٌ مِنَ الـــــــإِ دهــــانِ والفَكَّــةِ والهَــاعِ

لَيْسَ قَطًا مِثْلَ قُطَيٍّ وَلا الـــــمَرْعيِّ في الأقوام كالراعي

ثم يفتخر بنفسه، مشركا معه قومه الذين يشكلون (مُستَنَّةً) – أي كتيبة – ويؤكد أنهم كلهم جماعته، وليسوا جُمّأعًا من هنا وهناك:  

لا نَأَلَمُ القَتْلَ ونَجْزِي بهِ الــــــــــأعْدَاء كَيْلَ الصَّاعِ بالصاع

نَــذُودُهُــمْ عَنَّــا بِمُسْــتَــنَّةٍ       ذَاتِ عَــرَانِــيـــنَ ودُفّـــاع

كأَنَّهُمْ أَسْدٌ لَدَى أَشْـبُلٍ    يَنْهِتْنَ فِي غِيل وأَجْزَاع

حَتَّى تَجلَّتْ ولَنَا غايةٌ   مِن بَيْنِ جَمْع غَيْرِ جُمَّاع       

لقد ألفته خيله، وعرفت طباعه وأخلاقه، وإقدامه وإحجامه، وتلبيته لداعي الحرب، وضربه (قونس) العدو – أي هامته – ولذلك يعرض على زوجه أن تسأل الخيل عن خصاله:

هلا سألْتِ الخَيْلَ إِذْ قَلَّصَــت     ما كانَ إبْطائي وإسْراعي

هل أَبْــذُلُ المــال علي حُبِّــهِ     فيهمْ ، وآتِي دعوةَ الدَّاعي

وأَضْرِبُ القَوْنَسَ يومَ الوَغي     بالسَّيْفِ لم يَقْصُرْ بهِ باعِي

وكما كانت الخيل صديقة في الحرب، فإن ناقته الأمون هي صديقه في السلم؛ ناقته التي تعرف هواه، فتنقاد له قاطعا بها المفاوز الموحشة بـ (أساهيج) جمالية – أي بألوان من السير حسب ما يتطلب الطريق – ويصف ما على رحلها من طنافس (حاري وأقطاع) تريح الراكب. وفي وصف الأساهيج بالجمالية ما يدل على قوة ناقته التي تشبه الإبل من هذه الناحية. إنها رفيقة رحلاته التي لا تحتاج إلى ضرب أو تعنيف، يتنقل عليها وقت السلم لقضاء الحاجات، ولا بد أن هذه الحاجات ليست حاجاته الخاصة فحسب؛ بل وحاجات من يستنجد به:  

وأَقْطَعُ الخَرْقَ يُخَــافُ الرَّدَى     فيه ، علي أدمــاءَ هِلــواعِ

ذَاتِ أَسَــاهِــيــجَ .. جُـمَــاليــةٍ    حُشَّــتْ بِحَــارِيٍّ وأَقْطَــاع

تُعْطِي على الأَيْنِ وَتَنْجُو مِنَ الـــــضُرْبِ أَمُونٍ غير مظلاع

أَقْضِي بِها الحاجاتِ ، إِنَّ الفَتَى    رَهْــنُ بِذِي لَوْنَيْــنِ خَدَّاعِ

*كاتب سعودي

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود