مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

د/ صالح باظفاري تعد الفنون البحرية من التراث اللامادي رغم أنها تمثل حياة ذات طقو …

المعتقدات الدينية عند شعراء السفن الشراعية

منذ سنتين

645

1

د/ صالح باظفاري

تعد الفنون البحرية من التراث اللامادي رغم أنها تمثل حياة ذات طقوس دينية وثقافية قبل الإسلام وبعده في جميع الموانئ التي كان تحمل العلامات التجارية في كافة العصور القديمة، وتعتبر موانئ المملكة هي أحد أكبر الموانئ التي كانت تمر عبرها الصادرات إلى المدن الأوربية من خلال ريادتها في تصدير بخور آلهة الكنائس والمعابد الأوربية والأسيوية آنذاك مما جعلها عرضة للغزو من قبل أمراء الحرب ورواد البحر من وأساطينه وقاداته واليوم أصبح دلك التاريخ مادّة قل ما تجدها في البحوث العلمية .
كانت الحياة الدينية في بعض الموانئ العربية قبل الإسلام مشابهةً لما كانت عليه الديانات غير السماوية، عندما عبد الإنسان بعضًا من مظاهر الطبيعة، وعلى رأسها الأجرامُ السماويّة وخصوصًا عند الصيادين والملاحين ما وصل إلينا إلا القليل من تلك الحياة البحرية المجهولة.
ينفرد شعراء بحر العرب دون غيرهم من شعراء الدول الأخرى بالابتهالات وصنع المواويل البحرية في التقرب إلى الإله وصياغة الأشعار الأراجيز وغيرها من الابتهالات التي تدل على عمق الموروث البحري.
من المعروف أن قرون الثيران ترمز إلى القمر والنجمةِ الثمانية ترمز إلى نجمة الزهرة أما عند الجنوبيون يتقدمون بتماثيل الخيل تقرّبًا إلى الآلهة (ذت بعدن)، أي البعيدة وهي الشمس التي يُعبّر عنها بالفرَس وهي من الحيوانات التي قدّسها قدماء الساميّين (سين) إله القمر يُعتبر «سين» من أهمّ الآلهة التي عُبدت في بادية وسواحل الجزيرة العربية وارتبط بدعوات الشفاء من الأمراض والحماية. وكثيرًا ما تبدأ الأشعار بترديد لفظة «سين» في مقاطع أشعار «االعامة» مثل ياسين عليك فيقال «يا سين عليك يافلان» وهنا يتوظَّفُ «سين» بقصد الحماية من الشرّ أو إذا تعثّر إنسانٌ بشيءٍ ما فيقال «يا سين عليك»، أي سين يحفظك. ولا يزال لفظ «سين» يتردّد في أشعار الشعبية من دون أن يكون له مدلولٌ قدسي بل يوظّفُ للحفاظ على الإيقاع الشعري في الأوزان الشعبية كما وُظّف الإله «سن، سين»
وقد وضف الشاعر حسين أبوبكر المحضار لفظة (سين) في الأغنية الحضرمية كموروث تقافي بحري عند أهل الشعر وحضرموت عامة حيث قال:
ياسين ياحافظ علي ديك العيون
لاقد صلحنا أمرنا أمر العواذل بايهون
وفي قصيدة أخرى نراه يقول :
حلفوا لي اليامين بالله وياسين
مافكروا في اليمين كذابين
وكالشمس والقمر والنجوم والكواكب. في هذه المظاهر رأى الإنسانُ الخيرَ والشرّ معًا، فحاول التقرّب منها واسترضاءها بالدماء والطقوس والتعبّد، وحملها معه في أشعاره ومعتقداته، ورسمها على جدران الكهوف التي شكّلت بيوتَ عبادةٍ ومأوًى يلجأ إليه من تقلّبات الطبيعة.
يُعدّ القمرُ والشمسُ والزهرةُ أبرزَ الأجرام السماوية التي عبدها إنسانُ أهل شبه الجزيرة العربية وعلى الرغم من أنّ إلهَ سوبان وهبيل استحوذا على الاهتمام الأكبر في أشعار الملاحين الحضارم وعرب شبه الجزيرة من حيث الاعتقاد الوثني السائد منذ القدم وحسب التوارث الثقافي البحري انشأت طقوس المعتقدات الدينية من هالات العبادات الوثنية كما أشار القرآن الكريم إلى تسفيه الاقتداء بالآباء في عبوديتهم ومن أهم عقائد الجاهلية تمسكهم بآلهتهم (الغوث) والذي يعتقدون أنه يغيثهم عندما يدعونه أو يستغيثون به لنجدتهم وقد قال أبن الكعبي في كتابه (الأصنام) كان يغوث ميمون النقيبة عند الحرب كما كان سواع مزار الحوامل من النساء أما هبل فإليه ترجع أمور الأصنام ويعتقد أنه ألأهم والأعظم أو أبو الآلهة وكما قال أحد شعراء البحر في أهزوجة يرددها البحارة في توارث زمني منذ قرون يطلب فيها شاعر السفينة الشراعية الاستغاثة من الآلة (هبل) بقولهم:
ياهبل يامالي شيلة يا شيلة
يا مالي الغالي شيلة يا شيلة
كما ورد في اسم هبل في أهزوجة بحرية أخرى بطلب المساعدة على التجديف للدخول بسهولة إلى أعماق البحر بقولهم :
سوايبكم على الجرة هبل والليل يسرى
بلادي بقد المضنون هبل والريح قلح
لقد خاطب الشاعر الألة هبل بأن تجلب إليه الريح وأعتمد أهل البحر في رحلاتهم إلى النجوم الفلكية حيث أن تلك النجوم كانت في زمن الجاهلية الأولى بأسماء الآلهة الوثنية مثل (سعد السعود / سهيل اليماني / سعد الدابج ) وغيرها من النجوم وكما قال الشاعر:
(عيناه في سعد السعود وإنما
مسرى خطاه بكف سعد الدابج )
لقد صنعوا رجال السفن الشراعية لأنفسهم عوائد ارتبطت بمعتقداتهم الدينية خاصة وفي طقوسهم تلك تفرد شعرائهم بابتداع النظم الجميل المتناغم مع كل موقف بجري يتعرضون له وكانوا يعتقدون أن لهم في عقائدهم كرامات عند تقربهم من الأولياء فدعوهم لإنقاذهم من أهوال البحر وأمواجه العاتية وكوارثه المدمرة وقد ظهرت الكثير من قصائد توددهم لنجدتهم عند الشدائد ونرى ذلك الموقف جليا وأكثر.
إن الجذور تاريخية للغناء البحري قديمة بقدم الإنسان في موانئ الخليج وقد تكونت من خلالها العديد من الفنون الشعبية البحرية التي تمتد إلى العهد الوثني الجاهلية الأولى وقد ظهرت تعبيراته الموسيقية في اعتقاداته المهنية من خلال الإيقاع واللحن البحري الذي يعكس تنزع ذلك الفكر الجاهلي في أغاني «البحر وتنوعت أساليب الغناء الشعبي البحري المعروفة منذ القدم في الابتهالات والتوسل للأوثان وبعض الآلهة التي كانت تعبد عند أسلاف الملاحين و”نواخيذ” السفن الشراعية التي لاتزال لها حضور إلى يومنا في أهازيجنا الشعبية البحرية.

* شاعر غنائي_اليمن

التعليقات

  1. يقول صباح مشرعي:

    حبيت الاثراء في المقال والتفصيل والتفسير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود