23
074
0206
018
115
022
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
2945
02108
02015
01526
01422
12إدهاش القص (2)
قراءات لقصص المشاركين في الأمسية الافتراضية zoom
د . عائشة يحيى الحكمي*
● قصة عقدة – حسن النعمي
منذ أن عرفتْ أمي أنَّني كثيرُ النسيانِ حاولت أن تساعدَني، فكانت تعقدُ طرفَ غترتِي حتَّى لا أنسى ما أنا بصددهِ، ومن يومِها انشغلتُ عن التفكيرِ بتحسسِ العقدةِ!!
تتعدد صور وظائف العقدة في الاستعمالات الحياتية، قديما كان يعقد خيط على الأصبع للتذكير يسمى (عقدة الرتيمة/رتائم)، تستخدم لتقصير الخيوط أو الحبال أو وضع شيء في طرف قماش لحفظه ثم ربط طرف معين من ملابس الشخص للتذكير حالة النسيان كما في حالة الغترة شخصية القصة، كذلك (عقدة اللسان): عدم الطلاقة في الحديث التعبير، وعقد الساحر، وللعقدة عدة استعمالات جغرافية.
أما في النص (عقدة) تحمل صورتين عقدة محسوسة ظاهرة وهي عقدة الغترة، ثم عقدة النسيان التي اكتشفتها أمه منذ صغره وعقدة الوسواس الذي يشغل ذهنه و يدفعه لتفقد عقدة الغترة في كل لحظاته اليومية، والعقد النفسية التي يعاني منها مكتسبة ويمكن معالجتها للتخلص من آثارها السلبية وقد لجأت أمه الى حل من أجل أن يتكيف ابنها مع ذاته.
فيقدم القاص نماذج العقدة في ق ق ج على سبيل المفارقة بين الاستعمالات وشدة وطأتها على الطفل فتبدو المعالجة ذات دلالات نفسية عميقة، فتحضر العلاقة المتينة بين الأم وابنها فحركة الأم المضمرة وهي تحكم ربط العقدة أمام ابنها وتحرصه على الاهتمام بها عمق في ذات الطفل. حرصها واهتمامها بالأمر رسّخ في وعيه حركة تفقدها الذي لا ينتهي.
إذن، نحن أمام نص مضغوط وكان بإمكان القاص أن يسترسل ويسطر صفحات عن التفاصيل، إلا أنه كما يبدو يحترم المتلقي ويحرص على تفهم ذوقه وانشغالاته فنظر إلى العمل على أساس إيصال الفكرة فالعبرة ليست بالحجم وإنما بقدرة القاص على تمرير الدلالة من خلال النص بأقصر الأساليب وفي أيسر الطرق اللغوية وهذه من أهم مرتكزات ق ق ج، ولم يسْعَ القاص إلى الانشغال بمطاردة الصورة وبعد التخييل والتمويج الشاعري الذي لا غنى عنه في تقنية ق ق ج.
لا شك أن القاص حسن النعمي قادر على خلق مساحة لغوية محملة بالبعد الشاعري إن رغب في ذلك.. أحيانا الاستعجال في تدوين الفكرة يفقدها الكثير من الصناعة والتجويد.
● قصة عقال – حسن النعمي
ما إن كبَّر الأب تكبيرةَ الإحرامِ خلف الإمام حتَّى تفلَّت منه ابنه ذو الثلاثة أعوام يركضُ بينَ الصفوفِ، بدأ الأب يختلس النظر لعلَّ ابنه يلحظهُ ويتوقفُ، لكنَّ الابنَ أقبلَ من غزواتهِ بين الصفوفِ يحملُ كومةً من عقل المصلينَ، وما إن سلَّم الإمام حتَّى تراكض كلٌّ يبحث عن عقاله.
استلهم القاص فكرة النص من تجربة معاشة. كثير من الناس يعاني منها والمعنيون بها يحاربونها بشدة ويبحثون عن معالجتها ولكن دون جدوى؛ وهي اصطحاب الأطفال إلى المساجد وما يحدثه وجودهم من فوضى وإزعاج وإشغال للمصلين.
والعبث بالمرافق فكرة بسيطة لكن القاص حولها إلى موقف كوميدي هزلي ساخر فكاهي ممتلئ بالحركة والمغامرات الطفولية، ويحمل دلالات التناقض والاستنكار بين الخشوع والهدوء أثناء الصلاة واستغلال الصغار لتلك الحال وقيامهم بإرباك المكان، مما يسبب حرجا لذويهم، ولا يتوقف انشغال القاص بإرسال هذه الفكرة إلى القارئ على البعد الواقعي الماثل لدى الجميع، فقد يفكر فيما هو أبعد من ذلك، ومما قد يتصوره المتلقي أو يخمنه من وراء النص ما تشير إليه عبارة (كومة عقل المصلين وتراكضهم لاستعادتها) نبرة احتجاج يرسلها القاص.
كل ما يهمهم هو عقلهم، فيطرح تساؤلاته حول فقر وعي المصلين، الصلاة عندهم ليست أكثر من سلوك وواجب يؤدى، دون تجسيدها فعليا في حياتهم ومن حولهم.
ومن الطبيعي خاتمة النص ساخرة (تراكض كل يبحث عن عقاله) تقوم على الفكاهة والمفارقة.
اعتمد النص على الإيجاز اللغوي الدال، وحسن التركيب المكثف، إلا أنه يفتقد جماليات اللغة الشاعرية المبتكرة في توظيف جديد مختلف.
● قصة بورتريه – محمد علي مدخلي
كان المقهى شبه خالٍ، والمذياع يبث أحاديث مملة. طلبتُ قهوة في انتظاره. أتى متأخراً، اعتذر بخجل، وتقوقع في مقعده.
شرعتُ برسمه… ملامحه جميلة، يملك شعراً سبطاً وعينين ناعستين. تناول لوحته بفرح… ودعني، متلمساً بعصاه باب الخروج…
النص عبارة عن جزئين؛ جزء يختص به النص القصصي، والآخر فن الرسم.
أعتقد أن عملية المزاوجة بين فني (القص، والرسم) على سبيل التناص تغني القاص عن الاستطراد الذي لا تتفق مع ق ق ج، فتوظيف الرسم يفتح النص على مساحات من الدلالات ممكن لا يتمكن منها القاص دون التناص؛ ط لذا تصبح محاولة الدمج بين عالمين في ق ق ج مغامرة لفتح باب المزيد من التأويلات.
تمكن القاص من تصوير حالة إنسانية جسدها من خلال المواءمة بين فن الرسم بالريشة كما يقال: (شعر صامت)، وفن الرسم بالكلمة وقد وفق في اختيار سارد فنان أنابه عنه لينفذ فكرته بحركة درامية، وهو اتفاق بين الفنان وبطل لوحته مسبقا ففي النص حالة انتظار طويلة بعلامات: (المقهى شبه خال) بعد انصراف رواده، واقتراب نهاية العمل تسرب الملل إلى سمعه جراء تكرار ما سمعه في المذياع، تكرار طلب فناجين القهوة كذلك الدال: (أتى متأخرا)، (اعتذر بخجل)، ينم عن الاتفاق المسبق بين الطرفين. ثم يبرز السارد سبب الـتأخير، شعور الشخصية بالإرهاق، صعوبة الحركة، انخفاض النشاط والحيوية، وبعد الاعتذار انكفأ على ذاته يفتقد الحافز وهو أحد أصعب الحالات التي تمر بها الشخصية حين تلجأ إلى التقوقع في مكان محدد أو على ذاتها، فجعلنا السارد أمام مشهد في سياق لغوي مفعم بالقوة والتكثيف، أما الجزء الآخر فهي مهمة الرسام، والفنان عادة يرسم أقرب الأشياء إلى قلبه مثل الكاتب يسترجع ما لديه من خبرة عنه فيبدأ برسم من حوله وما حوله من الأشياء، وأولها الأشخاص، ثم الطبيعة، والرسام في النص صاحب تجربة كما يظهر . انتقى الشخصية المليئة بالحكايات، ورسم ما هو داخل نفسه من خلال انعكاس بطل اللوحة.
وحين شرع في الرسم، أضاف إلى تقنياته الخاصة دور القاص فعالج الشخصية من خلال الأبعاد الثلاثة ؛ الجواني، والبراني، والبعد الاجتماعي.
فاكتشف جمال الملامح، وشكل الشعر والعينين، وقد بث السارد في بطل اللوحة الابتهاج والحيوية، وقد لامس ذلك عندما ناوله لوحته ليستقبلها بفرح ناسيا ضعف جسده: (متلمسا بعصاه باب الخروج). فختم القاص بقفلة لم تربك القارئ، كانت متوقعة، وممهد لحدوثها بدوال عدة سابقة، فهو قد أنهى النص بنهاية سردية تتفق والبداية: (كان المقهى….) فعملت القفلة على تأطير المكان.
*ناقدة وأكاديمية سعودية
التعليقات