الأكثر مشاهدة

لا يمكن أن نعزو اعتذار الشاعر الليبي خليفة التليسي من مجاراة الغانيات حكمة أو تع …

تظاهرُ الغواني بالولع .. وادعاء (التليسي) الورع

منذ 3 سنوات

343

0

لا يمكن أن نعزو اعتذار الشاعر الليبي خليفة التليسي من مجاراة الغانيات حكمة أو تعقلا، لأن وصولهن جاء بعد فوات الأوان، ولو بكّر بهن الزمان لما اعتذر لهن، ولكان أشغف بهن. والدليل استعراضه لماضيه معهن في رده على فتاة رأته عاقلا متزنا، فتساءلت كيف كان ماضيه؟ وهل كان له مغامرات مع الحسان؟ هل خفق قلبه بالحب؟ فأجابها بأنه قد أبلى في ذلك بلاء حسنا، فكم قطف من زهور، وكم عصر من كروم، لكن جذوته الآن خبت. وكأنما أحس بأنها تبدي قبولا له لو أنه خطا نحوها، فقال لها إن هذا الجمال والحنان الذي يرى ويلمس ليس له، فلتبحث عمن يستحقه:

تناديني أستاذها في حنـانِ      وفي صوتها كل دلِّ الغواني

وتمضي وفي نفسها حيرة     تسائلني عن عميــق المعانـي

وماذا عن الحب ما خطبه     وما يفعــل الحـب في العنفوان

وما كان لي في دروب الحياة    من الحب أو رائعات الحســان

وهل هبت الريح يومـا فألوت    بما كــان في شــاهقات القنــان

وهل مسـني طائف من جنون    فغادرنــي شــاردا عن كيــاني

وكم ليَ في العمر من غــزوة    مــظــفَّــرة بالــمــهــا والقيــان

فقلت – أعابثـها – قــد بلــوت    وقاســيت قبــل حلــول الأوان

وجربت من رعشة في الفؤاد     وعانيــت من عقلة في اللسـان

وکم جمعتْ مـن زهورٍ يــدي     وكم عصرت من كروم الجنان

وجئتِ وقد خمــدت جذوتــی     ولم تبــق من فضلة في الدنــان

لغيري يا أخــت هـذا الجمــال     ومــا فاض من نبعـه من حنان

كفــانــي مــن ســحره حيــرة      تســائلني عن عميــق المعانـي

وفي قصيدة أخرى للتليسي تبدو إحدى الغانيات وكأنها محامية للرجال الكبار، فتدافع عنهم بما بُحَّتْ أصواتهم بترديده من أن المشيب حنكة وعقل، وأن الخطوب هي ما تصنع الرجال. يقول:

سمعتني أشكو الحادثــات وأحنــق      وأذم ما فعل المشــيب المحــدق

فتبســمت لطــفا وســاقت حكمــة:      “إن المشـيب رصــانة وتألـــق”

خلــف المشــيب عزائــم ووقائــع       يمضي الزمان وذكرها لا يمحق

فعلام تنتقــد الخطوب مــريــرة        وتــذم ما فعــل الزمـان الأحمق

إن الخطوب خلقــن منك بطــولـة        ورجولــة وشــهامــة لا تلحـــق

عجمت يد الأحداث عودك مورقا       غضــا فزالــت وهو بـاق مورق

تـــاج المشــيب علاك حقــا إنمــا        روح الشــباب به تضـج وتخفق

وكأنه لم يصدقها فسألها متعجبا: ما الذي حدث حتى تتغير وجهة نظر الغواني؟ أم تغير ذوق النساء كعادتهن في حب التغيير؟. يقول:

فعجبت مـن أقوالها وســألتها     أتغير الذوق القديم المعرق؟

فتبسمت لطفا وساقت حكمة:     “ولكل عصر بدعة وتذوق”

وإن اتضح من محاوِرتِه تلك العبث، فإن واحدة أخرى قد أثبتت بالفعل؛ لا بالقول تفضيلها إياه – وهو الذي يعيش خريف العمر – على الشباب الذين حاروا في أمرها، واختلفت ردود فعلهم، وحاولوا تدمير ما بينهما من علاقة؛ منهم من يطري حسنها، وثان يستعرض شبابه وفتوته، وثالث يغريها بالمال والأسفار، والخبيث منهم استعمل التعنيف واللوم، وتعداد مساوئ العيش مع شيخ فان. يقول من قصيدة (الربيع والخريف):

أنسـتْ له وهي الأبيــة    وفضلته علـى البقيـةْ

لم ينصب الأشراك مـا    أبدى لها صفة الهوية

فأثــار ذلــك غيظــهــم    وتنافسوا في الأسبقية

وتسابقوا في صرف نظـــــرتها بلا أدنى تقيــة

هــــذا يمجــد حســنها     ویثیر نخوتها العصية

ويلاطف القلب الجمو     ح بكل فيض العبقرية

فَفَتــاهم يزهــو بمـــا      خلعــت عليه العنترية

وغنيُّهم نثـر الوعــو       د بكل مأثــرة ســخية

ذهــب وديبــاج وأســــــــــفار إلى الدنيا القصية

وخبيثهــم تـــرك الوعــو     د إلى الهجوم بلا رویـة

مــا أنـتِ والشــيخ الــذي     همدت عواصفه العتيه؟

فدعيــك من دنيــا الخيــا      ل من القضايا الفلسـفية

عيشــي الحيــاة بصــبوة       رعنــاء لا تـدع البقيــة

فالعصر عصــر اللهو والــــــصـبوات والكأس الرویة

وحين لم تنفع وسائلهم في إبعادها عنه تنادوا بأن يتركوها وشأنها، محاولين إيجاد مسوغات وتفسيرات لتصرفها:

قــالوا وقــد أنسـت لــه:     الشـــيخ أولـى بالصبية

فدعوا الطريق فليس يجـــــدي فهمكم سبب القضية

فلعــلــها أخــذت بســـحـــــر القول والدرر السـنية

ولعلـــها ترجــو حيــاة     قــد خلــت من كل سـية

ولعـــلــها أمــنــت إليـــــــه لعلــها كانــت غبــيــة

ولعلــها خبــرت أكــا      ذيــب الشــباب الدنيوية

ولعلــها عشــقت كنـو     ز الفكر تهوى الشاعرية

يدرك التليسي أن للسن أحكاما، فلا ينظر إلى الفتاة – وإن تقربت منه؛ تعلقا أو تملقا – إلا كما ينظر لابنته، كما أجاب إحداهن:

من بعد ما عصف الثليج بتالدي    جاءت تناوشني وتوقد خامدي

لو قربتني السن كنت صــديقها     ورفيقها وطرحت زهد الزاهد

لكن أتــت والعمــر في إدبــاره      فمنحتــها منــي حنــان الوالد

ولا أظن هذه الفتاة إلا زادته فزعا حين ذكرته بسنه وأبوته..

*كاتب سعودي

samghsa11@gmail.com

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود