الأكثر مشاهدة

قراءات لقصص المشاركين في الأمسية الافتراضية zoom د . عائشة يحيى الحكمي* ● قصة عَ …

إدهاش القص (3)

منذ سنتين

408

0

قراءات لقصص المشاركين في الأمسية الافتراضية zoom

د . عائشة يحيى الحكمي*

● قصة عَدْو – فيصل غمري
لطالما غضب مني مدرس التربية البدنية؛ لأني أنظر إلى الخلف و للأعلى أثناء عدْوي، ويظل يصرخ: أنظر أمامك…! يبدو أنه لم يجرب الجري تحت قذائف الغارة الجوية!

اختار القاص الشخصية الكفء مثلما يقال (يمتلك مهارة فن الرد) فالطالب  اعتاد  الخوف والرعب من قذائف الحرب أن ينظر إلى الخلف أو الأعلى في أثناء لعب الكورة  ومعلم البدنية يطالبه  بالنظر إلى الأمام  باستمرار فتعرض لمواقف جارحة؛ يبدو أن الطالب المجروح  قد تحمل  كثيرًا بدليل طول المدة الزمنية بداية النص فاستعان بمفردة  (لطالما)  والتي تعني تكرار تنبيه المدرس  لطالبه عدة  مرات؛ يؤكد ذلك اقتران الكلمة باللام، ففكر الطالب أكثر برغبة في الرد بكلام مهذب يتناسب مع مكانة معلمه وحين بلغ السيل الزُّبى صدر الرد المهذب  بحقيقة جارحة لم يتوقع أن يضطر لاسترجاع ذكريات مؤلمة من قسوة الحرب والقذائف. تأخير التصرف ينم عن شخصية  متزنة ذات بناء متميز؛ فهو لم يتسرع في وقف كلام المعلم الجارح  فقد منح نفسه مهلة حتى لا يقع في خطأ فتجمد الحدث دون الحاجة للاستمرار، ترتب على ذلك الرد (المسكت) كما يقال سهولة إقناع المتلقي بنهاية سلسة متقنة.

● قصة الواشي – فيصل غمري.
في صغري أجهدت نفسي لأعرف ذلك العصفور الذي يخبر أمي بكل خطأ أقترفه، حين كبرت عرفت أنه عيناي!

حياة الأباء مع أبنائهم تمتلئ بالمواقف والأحداث لا تكفيها  كل الكتابات وكل الأجناس ستبقى عاجزة عن تجسيدها، حاول نص (الواشي) تصوير إحدى تلك المواقف؛ فظهر في صورتين قبلية وبعدية، القبلية عينا الصغير، البعدية العصفور الذي تلصق به الأم  الوشاية مع سبق الإصرار وطول صبر، فكان عصفورها كاميرا خفية يسهم في ضبط سلوك طفلها  وتنفيره من الكذب بأسلوب تربوي رقابي لين لطيف مثير باستغلال إحدى مكونات البيئة المحببة لعالم الصغار؛ فالطفولة  أكثر مراحل الإنسان امتلاءً بالذكريات ؛ تتصف بالبراءة  والنقاء وانطلاقًا من هذه الطبيعة يصدق الطفل كل ما يقال له حتى ولو كان لا يمت للحقيقة بصلة مثل (غرفة الفئران) و (أمنا الغولة)  و (العصفورة قالت لي)..
الأخيرة تلجأ إليها الأم حين يتصرف الطفل تصرفا خاطئًا، أو يخفي سلوكًا غير مرغوب، يقنعه الأبوان بقولهما: (العصفورة قالت لي) توظيف القول المأثور الدال في سياق خطاب النص منحه سلاسة وعفوية وفي ذات الوقت قوة في المدلول حين اكتشف بعد أن كبر أن عينيه كانتا تخبر أبويه  بأسراره.

● قصة تهنئة – فيصل غمري.
في رمضانه السبعين هنأ زوجته الجديدة برمضانها العشرين، فنظرت إليه شذرًا قائلة: وما الجديد، فنحن في صيام دائم!

يصور القاص موقف  بعضنا تجاه  زواج المسن من الفتيات الصغيرات وهو موضوع  قديم جديد  ينفر منه معظم الناس فيحاربون الفكرة ويقاومونها بنظرة ازدراء لكل رجل مسن يؤيد أو يرغب أو ينفذ ذلك؛ لحالة التناقض بين المرحلتين ووقوع الظلم على الفتاة واستغلالها  وقد تكرر حضور الفكرة  في الأعمال الأدبية والفنية، لكن القصة القصيرة جدًا قدمت الفكرة بصورة مضغوطة  تحمل مدلولات مشحونة بالغضب والاستهانة  والاعتراض ولكي ينجح القاص في إيصال المدلول وصف تغلغل التجربة في المجتمع  واحتجاج نظرة الزوجة  إلى زوجها بانتقاء مفردة (شذرا)  ومن الدوال الملفتة في النص استخدام  (صيام)  ذات المدلول البعيد والقريب الصيام حبس الصائم نفسه عن الملذات الحياتية والشهوات، والمدلول البعيد حبس الفتاة عن حقوقها المشروعة وإقامتها الجبرية في عصمة زوج غير قادر على الوفاء بتلك الحقوق  فقد تساوى لديها المنع والحبس في رمضان وغير رمضان، نجح القاص في توظيف مفردة (رمضان) الأكثر التحاماً بالحالة.

● قصة طائر – إبراهيم مضواح.
كان حُرًّا تحدُّهُ السماء، يَخِفُّ من غصنٍ إلى آخرَ، لا يشغلُهُ سوى قُوْتِه والغناء، كلُّ ظلٍ له مستراح. فلمّا أصابَ قلبَه الصغيرَ الهوى، باعَ حُريَّته، وأطلقَ جناحيه؛ يجمعُ خيوطَ قيدِه، ويُحكِمُ بناءَ سجنِه، فأمسى مُكبَّلًا سجينًا، وحارِسًا لسجنه أمينًا.

من العلامات الفنية البارزة للمتلقي حاول القاص تجميد الزمن عند لحظة مهمة ثم تعميق هذه اللحظة من خلال رسم المكان وشحن الكلمات بطاقة مضيئة تسمح برؤية الأبعاد الزمنية السابقة واللاحقة. النص يتمركز حول الشخصية. العنصر الرئيس (شخصية/ طائر)، يا ترى أي طائر حلق في ذاكرة الكاتب؟ هل هو طائر السنونو؟ هل العنقاء، الفلامينجو، النورس، اللقلق، الفينيق، القمري، الحمام، الكروان؟، ولهذه المسميات أنواع وصفات في الذاكرة الإنسانية منها الجوارح ومنها الأليف ومنها  القوي والضعيف، ويعد الطائر  من أقرب الكائنات إلى مشاعر الإنسان برغم قلة  الإفادة منه كما الكائنات الأخرى يستمد  منه الإنسان  مظاهر كثيرة،  مثل سرعته،  وعدم الوصول إليه بسهولة، يعتني به، يتأمله، يستعين به في خدمته ينظر إليه الإنسان كنموذج قادر على الوصول لأهداف يمني نفسه الوصول إليها فيعجز  يطوعه لخدمته  في الصيد مثلا  أو  يتخذه رفيقا يناجيه أو يسقط عليه شاعره  كما هي عادة الأدباء والشعراء.
هذه الصورة تذكرنا  بقول أبي فراس الحمداني حين كان في غرفة السجن:
أقول وقد ناحت بقربي حمامة
أيا جارة هل تشعرين بحالي.
فيعد الطائر رفيق رحلة الإبداع يتسلل إلى كل الفنون بصوره المعهودة أو الرمزية أو الغرائبية.
وحين ننظر في النص (طائر) يحدد الكاتب هويته الظاهرة  التحليق، التنقل بين  الأمكنة  بحرية تامة، لا حدود  لمساراته،  كل الأرض، كل الأشجار، كل الصحار، كل الجبال يتجول في ثقة  وحرية  تامة  كما يحلو له، لم يفكر يوما  بمنافسين له، يفكر ويسعى ويحلق في الآفاق كل الذي يشغله البحث عن مصادر الرزق، تحقيق سبل حياة جيدة ينظر إلى مخلوقات الأرض من عل، ولكن دوام الحال من المحال  وقع في فخ  الضعف  أصاب قلبه  الصغير الهوى (وهو محبة الإنسان الشيء وغلبته على قلبه) الهوى يلازم القلب  في علاقة  متينة. اختيار المفردات بعناية  مثل (مستراح) مفردة تستخدم  لاستدعاء بيت الخلاء (يخف بسرع في التحليق) الدلالة قضية نفسانية فكل شيء يصدر من الإنسان يحدث في النفس أولًا ومن ثم  تشير موحيات الكلمات (36)  كلمة تبعًا للسياقات والمواقف التي تحتضن الفكرة بمعية  سمات دلالية للمفردة (صوتية، تركيبية) انسجامًا.

● قصة نضج – إبراهيم مضواح

كذلك نص ( نضج ) يشتغل على الشخصية في العشرين

كان يرى الطُرقَ أمامَهُ مستقيمةً متوازيةً كعيدانِ (الإسباقيتي)، وحينَ أنضجتْهُ الخمسون كانتِ الطرقُ ما تزالُ تُشبِهُ عيدانَ (الإسباقيتي)؛ ولكنها، هي أيضًا، قد أصبحتْ ناضجة..
يتألف النص من (24) كلمة بما فيها العنوان يلتحم مع النص فيلوح بحالة تتبع وتطور نمو الشخصية/الساردة من حيث البعد الخارجي في (العشرين) كرقم في هذه المرحلة توقف يتأمل ينظر إلى نموذج حالة تنموية لمرفق حيوي خدمي  (الطرق) ببنائها الجمعي فكانت تتفق مع عنفوان شبابه حيوية وقوة والطرق ممهدة مستقيمة مرتبة  الصورة في ذهن المتلقي عن شاب في العشرين واضحة في ذهن المتلقي لكن صورة الطرق المستقيمة تومئ برضا جمالي في ذهن الشخصية  حاول السارد تجسيد صورة تقريبية  إلى ذاكرة المتلقي البعيد عن مشهد تلك الطرق فاستدعى القاص صورة تكاد تكون شائعة وهي (عيدان الإسباقتي).
حرص القاص على توظيف مفردات صوتية  خاصة في تجسيد المشهد (كعيدان) في مرحلة النشأة والجدة، وبعد أن هرمت الشخصية  في (الخمسين) كرر مرحلة أخرى وهي التقدم في العمر وضعف الطرق بعد ثلاثة عقود عبر عنها بنفس المفردات مع تعديل طفيف في البنية التركيبة (ماتزال تشبه عيدان…) فوصف ضعف بنية الطرق وقربها من التلاشي  بـ(تشبه) كأنها التي عرفها سابقًا مازالت على حالتها.
ممكن ننظر في دقة توظيف القاص المفردات وحبك توليفة ناجحة بين نضج الشخصية بفعل مرور السنين والطرق كذلك أصبحت (ناضجة). استحواذ موضوع (الطرق) على ذهن القاص وإدراكه لأهميتها دون   الموضوعات حوله لوعي القاص بأهمية  تحديث الطرق وتطويرها لا نجاح خطط التنمية، الإنسان نضج وتغير للأحسن والطرق لم تتغير بل تهدمت، فيمارس السارد الاحتجاج والتذمر من ركود مرفق تنموي خدمي بفنه القصة القصيرة جدًا بصورة هادئة تحمل قلقًا  وتذمرًا واحتجاجًا  هادئًا لعدم التطوير.
ثم يتجاوز السارد الثلاثين والأربعين من عمرها وسبب التوقف… تستند على استعادة ماضي تخطى السارد مراحل ثم يتوقف عند  مرحلة العشرين. كرر عبارة عيدان (الإسباقيتي) في صورتين  أولا: كعيدان، ثم عيدان  يبدو عيدان الثانية تأكيدًا واستمرارًا لحالة الطرق على حالتها الرديئة. المفارقة/ المقارنة (العشرين) عام مضت من عمر الشخصية وعمر المرفق الخدمي المتردي.

● قصة خطبة – إبراهيم مضواح.
ترتكز القصة على شخصية ألقت خطبةً بليغةً في هجاءِ الواسطة؛ وهي، بالطبع، شيءٌ آخر غير الشفاعة الحسنة التي أوصلته إلى هذا المنبر. يتألف النص من (16) كلمة. البداية سردية افتتحها السارد  بالتركيز على محاربة  الواسطة بصورة تناقض المأمول من سلوك الخطيب، بعد أن وصل إلى وظيفة خطيب بالواسطة،  المجتمع المسلم اعتاد على كثرة الناصحين والوعاظ  يذكرون بالسلوكيات الجيدة في كثير من الموقف دون الالتفات إلى ذواتهم وفقا للقول: {يأمرون الناس بالمعروف وينسون أنفسهم} أو بقول: {يقولون مالا يفعلون} فهل من ينصح غيره على سلوك مشين يستبعد أن يرتكب الناصح المشين؟؟ أعتقد من يميل إلى التناقض بين قوله وفعله يشعر بنقص أو عجز عن تعديل سلوكه، أو رغبة في تنفيذ ما يفكر فيه فيعمل على تعديل سلوك الآخر والله يقول:  {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا مابأنفسهم} ونقول في المأثور: (فاقد الشي لا يعطيه) صاحبنا الخطيب مع سبق إصراره والقناعة بمساوئ الواسطة، يضئ لغيره طرق الخير، ويدلهم عليه وهو لا يحصد إلا المتاعب  والعناء وقد حرص المتحدث على توظيف كل طاقاته ووسائله التعبيرية  لتنفير الناس من الفعل  تلوح دلالات جهوده  في وصف القاص لتلك الجهود بكلمة بليغة. فاستعان برموز لغوية أو شبه لغوية مصاحبة للمنطوق تسهم في دقة التبليغ لضمان عملية نجاح الاتصال الألسني  بين الخطيب والفئة المستهدفة، من الطبيعي أن يستعين الخطيب في مثل هذا الموقف برموز منطوقة، وببعض العلامات الموازية مثل التنغيم  والحركة الإيحائية وهي مؤشرات عفوية طبيعية تسهم في أداء وظيفة تعبيرية ومن ثم يصل إلى حالة انسجام بينه وبين المخاطبين تدعم  العلامات الألسنية  المتكلم. نجح القاص في التعبير عن موقفه من القضية باستخدام كلمات مفتاحية (واسطة، شفاعة، منبر، خطيب)  فوصلت الرسالة بصورة سريعة مشفرة تخفي ما لا تظهر.

● قصة تطوع – إبراهيم مضواح.

يمثل النص صورة احتجاج أي إنسان – يعي التطورات التي حدثت للأعمال التطوعية –  على أعمال التطوع  المشبوهة. من الظاهر يسوق ويدعم فكرة جمع أموال من المتبرعين بطريقة التلاعب بعواطفهم  بخطبه وكلماته البليغة تراقص مشاعرهم وتحفزهم  للانخراط والجود بما لديهم فيظهر خيرية ومشروعية التطوع ويخفي مطامعه الشخصية، فالقاص يدعو إلى الانتباه إلى طرق التطوع وعدم الوقوع في حبائل المحتالين باسم عمل الخير.

*ناقدة وأكاديمية سعودية

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود