331
0219
0690
0232
0245
018
041
0132
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11822
04785
04756
04676
04416
17فيحاء المرزوقي*
قصيدة: (يا سيّدي المتنبي)
للشاعر العراقي: عبدالرزاق عبد الواحد
مُوَكَّلٌ بك لا سفحٌ ولا قممُ
ولا فنارٌ فأستهدى ولا علمُ
وحدى وصوتُك يطويني وينشرني
للريحِ والعصب المشدود والقلم
ومعبر الصهوات الألف والعدم
وَالخَيلُ وَاللَيلُ وَالبَيداءُ والأكم
وأنت تخفق مثل البرق منتفضا
تنشق عنك الدياجي ثم تلتحمُ
حتى إذا انجاب عن عين غشاوتها
لا شيء إلا هزيم الرعد والظلمُ
لا أكتمنك حد المغرب انعقدت
حولي ظلالك تغريني وتعتصمُ
جلست للبحر مأخوذاً برهبته
وكان بيني وأدنى موجه قدمُ
وكنت أرقب كان البحر في رئتي
وفى عروقي وفى عينيَّ يلتطمُ
اللهُ كم كان ضخماً في مروءته
وكم تأبد فيه النُبلُ والقدمُ
واللا نهاية والمجهول ثم سرت
بي رعشةٌ كنت عرضَ البحر ترتسمُ
مُوكَّلٌ بك ليت الأرض توقف من
مدارها تسكن الأجرام والسُدُمُ
وتستعيد نهايات بداياتها
للحظةٍ تنهض الأكفان والرمم
تستعرض الأرض ما أبقت وما أخذت
منها وما نال من سيمائها العدم
إذن مددت يدي ما اسطعت أمسك من
أذيال ثوبك والأجساد ترتطم
يا سيدى المتنبي أنت تسمعني
إني هنا بمهبٍ منك أعتصم
بلى عرفتك هذا الوجه أعرفه
هذا الشموخ الذى ما زال يتهم
يا هائل الغيظ يا وجداً أكابده
يا مفزعاً لم تلبد مثله أجم
بلى عرفتك جرحي كيف أجهله
الشعر والكبر والإحباط والألم
والهيبة التكتم الأنفاس أعرفها
هذي العواصف، والطوفان، والرجم
شر المصائب ما صرنا نخففه
بأن يعم وأنا فيه نقتسمُ
وشر ما يرث الإنسان عن دمه
إذا أُرِيقَ دموعُ الناسِ والندمُ
عندما يبني الشاعر قصيدته، فإنه يرسم أبعادًا لهذه القصيدة سواءً بصوره الفنية، أو رموزه العميقة التي يختبئ خلفها ليمرر فكرة معينة إلى ذهن المتلقي، فعندما نبحث في نص الشاعر العراقي عبدالرزاق عبد الواحد في قصيدة (يا سيدي المتنبي) فإننا نلحظ في بداية الأمر أنه يستلهم شخصية تراثية، يبني عليها جسر قصيدته، في محاولة منه لجذب انتباه المتلقي وتشويقه.
فاستحضار الشاعر لهذه الشخصية زاد النص تركيزاً، وعمقاً لما تحمله هذه الشخصية من سمات للشجاعة، والطموح، والفخر، وهذه السمات هي ما أرادها الشاعر لتخدم نصه الشعري، في صورة رمزية يلجأ المبدع إليها للتعبير عن هموم، وآلام شعب العراق في ظل ما يعانيه، ويقاسيه من الحياة السياسية والاقتصادية التي يعيشها.
فالشاعر حينما يبدأ نصه الشعري بأسلوب (نداء) فإنه يدلل على مقدرته في جذب انتباه المتلقي، وقد كرر الشاعر جملة النداء (يا سيدي المتنبي) في مراحل القصيدة وأجزائها المختلفة منذ بدايتها، وحتى نهايتها ست مرات، مما أعطى النص دلالات فنية ساعدت على دعم الحركة الدلالية، فهذه الصيغة التكرارية ( يا سيّدي المتنبي) أكدت على مكانة المتنبي، ومنزلته الرفيعة، ووجود صفات مشتركة بينهما ساعدت على تجسيد الصورة الرمزية في أجزاء النص.
وعندما نتأمل جماليات الصورة الفنية التي وظّفها الشاعر لتخدم نصه فإننا نجده يعتمد على (الثنائيات الضدية) حيث ابتدأ بها في بيته الأول:
(موكَّل بك … لا سفحٌ، ولا قممُ )
السفح هو أسفل الجبل وكلمة القمة وهي أعلى نقطة في الجبل هنا نلحظ اختلاف المبنى والمعنى.
( وحدي.. وصوتك يطويني و ينشرني )
كلمة يطوي هنا تعني يخفي، ويكتم. أما كلمة ينشر تعني يذيع، ويبسط.
فلو تأملنا هذه المفردات التي استخدمها الشاعر لوجدناها متضادة في المعنى.
وقوله: ( تنشق عنك الدياجي ثم تلتحم)
فكلمة تنشق أي تتمزق وتتصدع وتصير قطعاً متفرقة. أمّا كلمة تلتحم أي تجتمع وتلتئم وتصير شيئًا واحداً. فكلاً المفردتين متضادتي المعنى.
وتتكرر هذه الضدية في قوله : ( ما أبقت، وما أخذت) وقوله : ( الأنوار، والظلم) وأيضاً ( الضحى والدجى،) و( نضحك، ونبكي) و(يصخب، و ينكتم)…نجد أن هذه الثنائيات التي يعيشها الشاعر في نفسه ترسم صورة لحياته القائمة على متناقضات صراعية بين الشعور واللا شعور .
ولو بحثنا عن ظاهرة التعالق النصي فإننا نجد الشاعر عبدالرزاق يعمد إلى التعالق والاشتباك مع نص المتنبي ( واحر قلباه) يقول عبدالرزاق في ذلك:
ومعبر الصهوات الألف، والعدم
والخيل والليل والبيداء والأكم
متعالق مع نص المتنبي:
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
ونلحظ التضمين هنا نصياً وإيقاعيًا. وأيضا قوله:
أُعيذك الآن من صوتي فإن به
مرارة كبريائي سيلها العرم
متعالق مع نص المتنبي الذي يقول فيه:
أُعيذها نظراتٍ منك صادقةٌ
أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
ومن هنا نلحظ أن هذا الاشتباك بين نصي عبدالرزاق والمتنبي أكسب عبدالرزاق لوناً خاصاً به خدم بيته الشعري بصورة مميزة، وركز المعنى في الذهن وكشف عن خفاياه القريبة، والبعيدة.
أمّا تشكّل تقنية (تعدد الأصوات) عند عبدالرزاق فإننا نلحظها من خلال خلق المشهد الدرامي والبناء السردي بحيث تظهر قدرة الشاعر الفنية والإبداعية على استثمار معطيات الحوار وتصاعد الحدث فيقول:
جلست للبحر مأخوذاً برهبته
وكان بيني وأدنى موجه قدم
وكنت أرقب كان البحر في رئتي
وفى عروقي وفى عيني يلتطم
الله كم كان ضخماً في مروءته
وكم تأبد فيه النبل والقدم
ترسم هذه المقطوعة مثالاً واضحاً للنص المتعدد الأصوات، فهو يظهر صوت الشاعر من خلال حضور ضمير المتكلم (جلستُ، بيني، أرقب، سرت، بي رعدة، كنتُ، رهبته) وحضور الصوت الآخر وهو ضمير الغائب (موجُه، مروءته، تأبد فيه) نراه يصور ممدوحه كالبحر العظيم الضخم الذي لانهاية له، فدلالة الصورة القريبة امتداد البحر، وعظيم اتساعه، أمّا الصورة البعيدة هو ذكر صفات الممدوح المتمثلة في كمال المروءة، وعظيم النُبل والكرم.
والشاعر عندما يوظف عنصر الحوار في نصه فإنه يجعله سلاحاً يخدم رؤيته بحيث يُبرز مظاهر السردية في المشهد الدرامي ويتمثل ذلك في قوله:
يا سيّدي المتنبي أنت تسمعني؟
إني هنا بمهبِ منك أعتصم
بلى عرفتك هذا الوجه أعرفه
هذا الشموخ الذي مازال يتّهم
وكما نُشاهد أن عبدالرزاق يحرّك المشهد وينمي حيويته من خلال تفعيل عنصر النداء، والاستفهام والحوار الثنائي القائم على السؤال والجواب حيث اعتمد على صوته الداخلي الأنا وصوت الآخر المتمثل في شخصية المتنبي التي جعلها قناعاً عن صوت شعب العراق المتألم بواقعه المُعاش وقد فعّل عنصر التشويق في ذهن المتلقي.
وهكذا وجدنا أن تقنية تعدد الأصوات في المشهد الدرامي عند عبدالرزاق أكسبت نصه أجواءً تأثيرية خلقت روح التفاعل بين الشاعر والمتلقي وأسهمت في إبراز رؤيته التعبيرية، والفنية من خلال تقديم عناصر السردية في مقطوعته الشعرية.
* ناقدة سعودية
قراءة نقدية ممتعة جداً
امتعتينا آيتها الناقدة المبدعه ❤️❤️