الأكثر مشاهدة

أحمد بنسعيد* مقدمة: يعرف المجتمع الإنساني اليوم شلالا من الشاشات تحيط بالطفل من …

جيل الشاشات إلى أين؟

منذ 8 أشهر

290

0

أحمد بنسعيد*

مقدمة:
يعرف المجتمع الإنساني اليوم شلالا من الشاشات تحيط بالطفل من كل جانب … حتى التلفزة العادية أصبحت اليوم مرتبطة بالنت وبالتالي بكل شيء.
لأول مرة في التاريخ يعرف المجتمع الإنساني هذه الظاهرة، الملايين من الناس فوق كوكب الأرض وهي تمسك وتتمسك بالشاشة لزمن غير محدود… هذا العالم الرقمي العجيب الذي أتانا بكل ما تحبه النفس ويعشقه العقل…
ولا يزال العلماء يحاولون فهم هذه الظاهرة الإنسانية من خلال الملاحظة والمتابعة والدراسات المتتالية والمتكاملة، ويولون اهتماما خاصا بالمشاكل المتعلقة بالشاشات وعلاقة الأطفال بها.
منازلنا اليوم لا تخلو من الشاشات التي لا تزال في تزايد وتنوع مستمر وفي كل مرة تظهر لها أسماء جديدة… وأنواع جديدة من الشاشات لا تزال التكنولوجيا لم تفصح عنها بعد … إلى جانب الأضرار الصحية المرتقبة …
حقائق عليمة صادمة؛ كيف لجهاز نقدمه لأطفالنا كي يتطوروا ويستفيدوا أن يكون لديه كل هذا الدمار؟… ولماذا مخترعو مختلف التطبيقات على الشاشة يرسلون أطفالهم لمدارس لا تتعامل نهائيا بالشاشة؟…
أضرار الأشعة الزرقاء التي تصدرها الشاشات:
على حاسة البصر:

_ عدد الأطفال الذين لديهم مشاكل في النظر في تزايد مستمر، مقارنة بأطفال قبل-الشاشات.
ذكر أحد الأطباء أن عدد الأطفال قبل الشاشات في العيادات كان 13 في المئة بينما الكبار 87 في المئة ولكن الأمر انعكس اليوم.
_ ضعف التركيز في الدراسة:
لاحظ المدرسون في أطفال الشاشات (خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة – رياض الأطفال) حركات زائدة، على مستوى الكفين، اليدين، الرجلين، غلق الباب وفتحها مرارا وهكذا… ولاحظوا أن التعليم الذي يرتشفه الأطفال من الشاشات هو مجرد تعليم ببغائي، يرددون من خلال الشاشة الأرقام والحروف والألوان… دون فهم شيء منها. وتؤثر فترات المشاهدة الطويلة على أدمغتهم وتركيزهم.
الطبيعة البشرية اقتضت أن يتم تطور الأجهزة لدى الطفل: (السمع، البصر، المشي…) بشكل تطوري شيئا فشيئا … وهذا يتطلب وقتا طويلا، ومراسا مستمرا، ولا يتم الأمر دفعة واحدة بحيث –مثلا- أقول لطفلي وعمره 3 أشهر: “هيا امش على رجليك معي للسوق”. كذلك التطور المعرفي والإدراكي وكل باقي الملَكات… ونحن إذا –ساعدنا- أطفالنا أكثر من اللازم، فإننا لا ندع لهم فرصة تكوين أجهزتهم وتطويرها بشكل صحيح لينجحوا في تحديات الحياة الدنيا بكل ما فيها…
فالحفاظ على سلامة الدماغ لدى الطفل كي يحقق تركيزا أفضل في دراسته من مهام الأسرة والمحيط قبل كل شيء.
أرق ومشاكل النوم:
يؤدي إدمان الشاشة بالأطفال إلى السهر طويلا مع الشاشة، على حساب راحتهم… ومنهم من يستيقظ في منتصف الليل ليمسك الهاتف. ويتابع سهره، ويتقطع نومهم بشكل مخيف …
إدمان:
تفعّل المشاهد الممتعة التي تصل الدماغ دون بذل أي جهد الغدة المسؤولة عن إنتاج هرمون السعادة بفضل (المكافأة)، فقول الشاشة للطفل مرارا: “أحسنت-عمل جيد-التنقيط-الجوائز…” هذا الإحساس بالقدرة بالإنجاز الخادع (بارع، قوي…) ليس هناك أي تقييم سلبي (حتى يصبح الطفل لا يقبل أي تقييم سلبي ويتوجه للشاشة التي تعطيه إيجابية دائمة) هذا الأمر المتكرر يُحدث لديه نوعا من الإدمان المتزايد… فيطلب المزيد… فهو في خياله لديه كل معاني (القوة، والصمود، والمواجهة، والاستمرارية، والانتصار…) ولكنه في الواقع ليس لديه أي قدرة أو قوة … حتى جسمه وعضلاته لم يطورها بفعل الحركة نظرا لبقائه الساعات الطوال أمام الشاشة، وبالتالي ينشأ لديه مرض جديد وهو (القلق) و(الخوف) …
ينصح المختصون في مجال طب الأطفال بما يلي: “لا شاشة نهائيا قبل 3 سنوات. الشاشة تمغنطهم. يصبح في أيام قلائل مدمنا”
وبما أن الشاشة أصبحت واقعا، ينصح الأطباء أنه -على الأقل- بعد عمر 9 سنوات أن يفتح الوالدان باب النقاش والحوار مع الطفل حول ما يرى وهو في حالة مشاهدة، وأن لا يدعاه أبدا وحيدا للشاشة.
_ توحد:
وقد لاحظ أطباء الأطفال أن علاج التخلص من الشاشة عند الطفل له نفس أعراض علاج الإدمان؛ بحيث يصبح الطفل المعالَج عنيفا صارخا خابطا رأسه… وباستمرار عملية العلاج لحوالي أسبوعيْن مستمريْن يبدأ في التحسن والعودة للحياة الطبيعية، والانتباه للوالديْن والأسرة وللمحيط من جديد مبتسما ومتفاعلا بإيجابية…
مسألة إغراق الشاشة للطفل بمئات المشاهد والصور لا تؤدي أبدا إلى إغناء عقل الطفل كما يعتقد الوالدان، وإنما إلى إغناء أصحاب هذه المشاهد … وأما الطفل فالحقيقة أنه بحاجة إلى تحقيق ذاته والخروج من قوقعة الشاشة أو تحطيم أغلال الشاشة… بحاجة إلى مواجهة الطبيعة الخارجية والتفاعل معها بكل مكوناتها وتحديها …
_ تأخر اجتماعي:
حين يُسلم الوالدان طفلهما للشاشة كأنهما يقولان له: “نحن لا نستطيع تربيتك، الشاشة أقدر منا على تربيتك”. كأنهما يدخلان العالم كله لغرفته قائلين: “تفضل أيها العالم إليك طفلنا ربه كما تشاء”… هل الآلة أقدر فعلا على تربية الطفل منا نحن؟ …
سيفتقد الطفل لمسات والديه، مناغاة والديه، حنان والديه، قرب والديه … وسيلتصق الآن بالشاشة.
رضيع ———- محيط (اشتغال المخ) استقبال وإرسال/تفاعل
رضيع ——– شاشة (جمود المخ) استقبال وعدم إرسال/عدم تفاعل
_ تأخر لغوي:
لوحظ أنه بحضور الشاشة في البيت لا تتحدث الأسرة مع الطفل كثيرًا، وهذا ما يؤثر سلبا في تعلم اللغة لديه. وأما مقولة أن الشاشة تعلم اللغة ويفتخر الوالدان كون طفلهما  يعرف الألوان والأرقام بمختلف اللغات … فالشاشة لا تعلم اللغة بعمقها وفهمها كما تفعل المدرسة، بل لا تعلم إلا الترديد بفعل تكرار المشاهد في الشاشة بدون فهم: (واحد، اثنان، ثلاثة… أصفر، أخضر، أحمر…).
_ نقص الحركة:
أمام الشاشة لا يتحرك الطفل. ولا يستخدم سوى أصبعه لتصغير الشاشة وتكبيرها أو تغيير المشاهد… بينما الطفل بحاجة للجذب والدفع والجري والشقلبة والمشي والزحف والقفز … الطفل في حاجة إلى الحركة، إلى التفاعل كي يستخدم ويطور العاطفة واللغة واللمس … الحركة والتفاعل مع المحيط هو الذي يطور الكفاءات الدماغية بأكملها … التفاعل مع الأرض والشمس والريح والمطر … بهذا تتشكل العضلات وتشتد وتتقوى … وإلا عرفت عضلاته ضعفا شديدا لا يقدر معه على السير السليم والحركة السليمة … تربية ذوق القيام بمجهود بمعنى أن يمد يديه إذا أراد إمساك لعبته، أن يصعد الدرج إذا أراد الوصول لأمه… أمور غاية في الأهمية لأجل تطور جهازه العضلي والمعرفي أيضا…
حين يجلس الطفل لساعات متواصلة أمام الشاشة فإنه لا يعرف كيف يحقق التوازن عبر تصريف الضغط العضلي والدماغي والطاقة … إنه لا يحيا الحياة، إنه لا يعيش تجارب حركية مختلفة…
لا نريد أن نتصور حياة بدون وجود الأطفال يلعبون في الدروب والشوارع والأزقة …
خاتمة:
هل كل هذه النتائج السلبية حتمية؟ نعم. إذا تركنا الطفل للشاشات. وليعلم الوالدان وأولياء الأطفال أن أي تفاعل مع الشاشة لن يكون بمستوى غنى وثراء التفاعل المباشر مع الطبيعة ومع المحيط ومع الكتاب. عش مع طفلك سلّم له كتابا واحرص أن يقرأ أحداثه، أو اقرأ له كتابا. عش معه الحياة بكل جزئياتها … شاركه الحياة، شاركه أفكار الكتب، جيد الكتب، أمهات الكتب … ساعد طفلك الآن، حتى لا تندم غدا… أنت تعيش في مجتمع جديد، وجب أن تواصل البحث والعمل على الأجود.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى ومن الناحية الإبداعية؛ على مجتمع الكبار أن يعمل على تطوير الخطاب الثقافي الموجه للطفل: (حكاية، مسرح، شعر، ألعاب، مسابقات…) ومن الناحية العلمية؛ الاستمرار في متابعة مشاكل الأطفال وهمومهم وتطلعاتهم وذويهم… مع عقد جلسات حوار حول مجريات الأمور والعلاقة طفل-شاشة وعدم الاستهانة بأي ملاحظة مهما بدت بسيطة وتافهة… مع الاطلاع المستمر على آخر الدراسات العلمية في مجال طفل-شاشة لتدارك ما يمكن تداركه.

*كاتب للأطفال_ المغرب

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود