مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

ظافر الجبيري*   الأدب بكل فنونه تعبير إنساني، يرتقي بارتقاء الإنسان في وعيه وذائ …

ارتجالات الناقد والمبدع

منذ سنتين

679

0

ظافر الجبيري*

  الأدب بكل فنونه تعبير إنساني، يرتقي بارتقاء الإنسان في وعيه وذائقته ومستوى تعليمه وقدرته على التعالي عن الذاتي والاقتراب من الموضوعي.
   ومن السهولة بمكان، ملاحظةُ أن المنتسبين للمشهد الثقافي متفاوتون في هذا، أعني مدى الوعي والقراءة والاطلاع وقبول الاختلاف والقدرة على تطوير الفن الذي ينتمون إليه، وكذا الرقيّ بالمشهد إلى الأفضل والأكثر اتساقاً مع الحالة الثقافية و الفنية و الجمالية، وحين نركز النظر على الحالة النقدية نشعر بالكثير من صور التداخل والتشابك  السلبي بين الطرفين: الأديب والناقد، في مشهد  يزعزع الصورة المثالية المنتظرة إن لم تكن المبالغ فيها!
  ومن الدلائل على هذا الواقع اللافت ما لمسته – شخصيًّا – من خلال وسائط التواصل الأدبي المباشر بين طرفي المعادلة، ففي إحدى مجموعات ( الواتس أب)  – مثلًا – يظهر جانب مما  آلت إليه تلك  العلاقة من اشتباك كتابي ورفض مباشر للتعليق على النص ما لم يكن التعليق يصبّ في خانة المدح والثناء  ولا بأس به مفرطًا!
  وللتبسيط  في الأمر، أقول إن من البديهي أن (ينشر) الكاتب نصه ويدع القارئ أولاً والناقد ثانيًا يتلمسان مكامن الإبداع  والجمال فيه، وليكن ذلك في جو من الحياد ودون شرط مسبق،  ويزيد الناقد على ذلك  متجاوزًا الرأيَ الانطباعي – على الرغم من أهميته – إلى النقد الفني مراعيًا الحد الأدنى في ذلك كمراعاة مستوى الكاتب العُمري وتشجيعه إن لزم الأمر.
   لكن الإشكالية، ومن خلال التأمل، تظل قائمة  بل تصل إلى حالة غريبة حين نرى المبدع (المزعوم!)  يُنكر على الناقد قراءته ونقده – أعني الموضوعي – بحجة أن الأخير  في الأصل غير قادر على كتابة الإبداع مثله، بل إن بعض الحالات أظهرت ألا فرق في ذلك  بين كاتب مبتدئ وآخر ذي تجربة، الأمر الذي قد يظهر معه الكاتبُ متّهِمًا  الناقد بمعاداة المبدعين لأنه عاجز عن مجاراتهم في الكتابة الأدبية الإبداعية، وهنا قد يحلو لـ(البعض) تمرير مقولة: الناقد مبدع فاشل  فاتّجه إلى النقد ليصفّي حسابات وهمية!
فهل من حلّ ؟
إعادة تأهيل الطرفين أحد الحلول التي طرأت لي كمحاولة أولية؛ فمن وجهة نظري، إن الأديب الموهوب حقا، يُتوقع  منه ألا يكتب ارتجالاً وبلا تأسيس معرفي،  ثمّ يطالب بعد ذلك بكيل المديح لهُزاله وكأنه ( محفوظ ) زمانه!
   وعلى الناقد  الحقيقي أن يتحلى بخصال مهمة منها: الموضوعية، والإخلاص للعلم، والترفع عن الشخصنة، والتعامل مع النص الأدبي بمعرفة، وخبرة، وانفتاح، ونفاذ إلى أعماق النص، وأن تكون القراءةُ (العمل النقدي) عن النص إضافةً للفن وإثراءً للمجال وتطويرًا لآليات النقد وتوعية بمواطن الجمال وتبصيرًا بجوانب القصور .. سعيًا للتجويد وإحسان العمل  القادم، والأهم  من ذلك هو التأسيس لوعي الأجيال وإشاعة قواعد الفن  وقيَمهِ ليطلع عليها المبتدئون  ليبدأوا من حيث انتهى السابقون.
  هذه المعادلة إن لم  تتحقق أو لم تُؤخذ تفاصيلها بعين الاعتبار، فسيبقى الحال على ما هو عليه من  شيوع تلكم الأمراض الثقافية الاجتماعية التي  تكشفها (الثقافة وعالم الكتابة)، وستطل الأزمة برأسها كلما احتد موقفٌ (نقدي) أو حُرم (مبدعٌ) من مديح مجاني أو ( تنمّر ناقدٌ) على نصٍّ ما ممارِسًا  تصفية حساب مع خصم وهمي اسمه كاتب!

* قاص وناقد سعودي

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود