الأكثر مشاهدة

إعداد_أحلام شعبان على مر العصور ارتبطت أسماء عائلات بأكملها بالأدب والثقافة وتوا …

توارث الأدب بين أصول الاعتبار وفصول الاختيار

منذ سنتين

1172

0

إعداد_أحلام شعبان

على مر العصور ارتبطت أسماء عائلات بأكملها بالأدب والثقافة وتوارثت وفق أجيالها الإرث الثقافي وظلت القضية متأرجحة بين توجيه الجيل الأول حفاظًا على اعتبار العائلة وميول الأجيال المتعاقبة نحو اختيار الذات، وظل الموضوع رهينًا بأمور متعددة تجلت في تأثر الأجيال بالقيمة الثقافية والأدبية لأجيال سبقتهم من العائلات والأسر التي اشتهرت بالثقافة، فهل ذلك يؤثر على الأدب والثقافة وتوارثها لأجيالهم مع تغير الوقت الراهن في شؤون الحياة ومتون الأعمال وتغير طريقة التربية واهتمام العائلات سابقًا باختيار التخصص الدراسي الذي يتماشى مع مصلحتهم بحكم تمتعهم بخبرة واسعة، وكذلك طموح الأجيال بتغير المهن التي يطمحون الحصول عليها فالواقع الجديد مختلف وما مدى انعكاس هذا التوارث على الالتزام باتجاهاته والحفاظ على مقدراته من جهة أو الاكتفاء بالإرث السابق والعيش على اطلال ما جنته الأجيال السابقة من سمعة ثقافية.

هذا ما طرحته فرقد على طاولة الحوار مع نخبة من أصحاب الرأي والخبرة والأدباء والمثقفين من خلال المحاور التالية:

ما مدى قراءتك للمشهد الثقافي المتعلق بتوريث الأدب على مدى عقود هل ظل قائمًا أم أن هناك تحديات وتغيرات جديدة طرأت عليه ؟
برايك ما هي العوامل والدوافع التي تسهم في استمرار توريث الأدب رغمًا عن التغيرات والتحولات ووجود اتجاهات جديدة تقتضي الانشغال بمهام أخرى خارج أسوار الثقافة ؟
هل لهذا الموروث بصمته في تطور الجوانب الثقافية والأدبية بين الأجيال للحفاظ على الهوية المعرفية التي تتعرض للتراجع وسط ثورة التغير التقني ؟

*الأدب موهبة تنمو بالمران والتلاقح الأدبي 

يبدأ حورانا حول القضية المطروحة الشاعر والناقد الدكتور يوسف حسن العارف بقوله :

أولًا:1- مسألة التوريث للأديب يحتمل معنيين الأول: يتعلق بانتقال الثقافة الأدبية من الآباء إلى الأبناء أو الأحفاد توريثًا   جينيًا. ويبدو أن هذا هو المطلوب في هذه القضية.

2- يتعلق بانتقاله بين الأجيال أي تنامي وتداول الأدب بين الأجيال المتعاقبة فالسابقون يورثونه للاحقين وهذه سنة كونية سائرة ومستمرة فلا إشكال فيها، وإن كانت تستحق المساءلة والتحاور حولها. ولكنِّي سأختار المعنى الأول وهو الذي فهمته من الزميلة أحلام شعبان محررة هذه القضية!!

وهنا أذكر أن المتنبي شاعر العربية وعرَّابها لم يورث الشعرية لأحد من أبنائه لكن زهير بن أبي سلمى صاحب الحوليات ورثه شعرياً ابنه كعب بن زهير صاحب البردة النبوية. وكذلك الشاعر اللبناني أمين نخلة الأديب الكبير في شعره ونثره ورث ذلك عن أبيه رشيد نخلة الذي كان شاعرًا متواضعًا في شعريته ولم يكن له ذلك الصيت!!

وفي مصر يقال إن الشاعر الكبير أحمد شوقي له ابن اسمه حسين ورث الشعر عن أبيه لكنه لم يبرز فيه حتى اضمحل وانتهى ولم يعرف إلا الشاعر الأب!!

هذا على المستوى العربي قديمًا وحديثًا. أما على المستوى السعودي المعاصر فغازي القصيبي لم يورث أدبه وشعره لأحد من أبنائه وكذلك الروائي عبدالرحمن منيف لم نعرف له ابناً أدبيا!!

أما الشاعر إبراهيم مفتاح  ابن فرسان فقد خلف لأحد أبنائه وهو عبدالله مفتاح شيئًا من الشاعرية وهو الآن قيمة وقامة شعرية معروفة في مشهدنا الثقافي والشعري.

والأديب عبدالفتاح أبو مدين رحمه الله له ابنة أديبة وكاتبة وشاعرة وهي سلوى أبو مدين.

ومن هذا ألخص أن الشعر، والأدب موهبة ربانية ومكتسب معرفي ينمو بالمران والتلاقح الأدبي وليس شرطاً أن يكون وراثيًا.

ثانيًا: لا شك أن الدور الوالدي/ الأبوي، والتمدرس الأدبي، والتشكل المعرفي على مستوى الأسرة والمدرسة والمنتديات والإعلام والمثاقفة – بشكل مستنير ومستمر – سيكون لها دور في استنبات وصناعة الأدباء ذوو المواهب الفطرية وهذا بالتالي سيؤدي إلى تطوير الثقافة وازدهار الأدب بين الأجيال، وسيحافظ على الهوية الأدبية والمعرفية. ولعل ما تقوم به جماعة فرقد الإبداعية بنادي الطائف الأدبي، وجماعة عبقر الشعرية بنادي جدة الأدبي، وأكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف، وبيت الشعر في دبي ومؤسسة البابطين الثقافية وغيرها من المؤسسات الإبداعية والأدبية لها الدور الأكبر في التنشئة والتكوين الشعري للأجيال القادمة التي تحمل مواهبها وترغب في تنميتها وتطويرها.

ثالثاً: لم نتفق – بعد – على مسألة توريث الأدب بمعنى انتقاله من الآباء إلى الأبناء!! ولا أرى ذلك – رغم وجود بعض الشواهد – إلا أنني أعتقد أنه من العوامل المساعدة على ذلك هي توفر المواهب أولاً، ثم تعزيزها وتحفيزها عبر القراءات والمسامرات والتلاقح الأدبي، والمؤسسات الناشطة والمؤثرة، والاستفادة من التحولات التقنية والوسائط المعلوماتية الأدبية، والانشغال الأدبي، والمحاضن الثقافية كلها ستوجه البوصلة نحو إرث أدبي متنامٍ ومستدام لا تقطعه أو تخفيه مؤثرات الحياة المعاصرة ومنغصاتها الحياتية فتتوارى بالأجيال القادمة إلى الخروج من دائرة الأسوار الأدبية والثقافية.

الأديب لا ينطلق من الصفر أبدًا

ويشاركنا الرأي الشاعر والروائي الأستاذ الحسن الكَامح من المغرب  بقوله:

أولًا: لا يمكن أن نتحدث عن توريث الأدب كمحور للنقاش، دون أن نتطرق إلى البيئة وبالذات إلى البيت، فالبيت أساس التربية بصفة عامة، والتربية الأدبية خصوصاً تنطلق من هذا الركن الصغير، إلا أن هناك بعض الاستثناءات طبعاً الإيجابية والسلبية، لكن تبقى المقولة بيئة سليمة تكوين سليم أو فرد سليم، سليم في تكوينه العلمي والأدبي والثقافي، والتاريخ العالمي شاهد على ذلك، ففي بعض الأحيان فرد واحد في البيت أو البيئة له القدرة أن يؤثر في الآخرين إن كان مثقفاً واعياَ بما له وما عليه، فيستطيع أن يغرس نبتة ثقافية في عقول الأجيال الصغيرة ويقومها ويحافظ عليها حتى تصير شجرة قوية تظلل بضلالها الوارف على الآخرين.

قد يكون الجد أو الأب أو الأم أو أحد من الأقارب أو الجيران، فيورث ما كسب واكتسب من أدب وعلم وثقافة إلى الجيل الجديد، فيكون لهم القدوة الحسنة والمثال الجيد في الحياة. حينئذ تكون الاستمرارية وتطوير العلم والثقافة والمفاهيم العلمية بصفة عامة، رغم التحديات والمعيقات فالاستمرارية في توريث الأدب ما زالت قائمة ولها دور إيجابي في تغذية العقول بالعلم والأدب.

كثيرًا ما نتساءل: إلى أي حد سيبقى هذا التوريث الأدبي والثقافي ممتداً من جيل إلى جيل آخر.؟ فحين نتمعن في التاريخ البشري من الوجهة الأدبية يتضح جلياً أن فردًا واحدًا  مثقفًا يمكنه أن يغذي عقولًا  عديدة مثل الكلمة؛ لذلك الله سبحانه وتعالى ضرب مثل الكلمة بالشجرة التي تتفرع، لأنه سبحانه وتعالى وهو العارف والعالم بكل شيء، يعرف قيمة الكلمة في حياة الإنسان سواء كانت طيبة أو خبيثة. فالعلم أساسه الكلمة. ورغم التغيرات في نظري، فالتوريث الثقافي لازال قائما لكن بطريقة أخرى لتدخل الثورة التقنية، فاتخذ اتجاه آخرًا عبر قنوات أخرى لكن الأصل في التوريث لم يتغير، فتعددت اللغات والمعارف الأدبية الحداثية مع الارتباط بالموروث الثقافي الأصيل.

ثانيًا: لا يختلف اثنان أن له بصمته في تطور الثقافة وازدهار الأدب بين الأجيال عبر عقود من الزمن، والتاريخ شاهد على هذا، أسماء كثيرة وكتب متعددة، وتجارب متنوعة، وإلا لتوقفت الحياة الأدبية والمعرفية، فالأديب أو المفكر أو العالم لا ينطلق من صفر أبدًا،  بل له مرجعية أدبية وفكرية وعلمية، توارثها من القريب ثم من البعيد ودواليك، الحياة علمتنا أن النهر الكبير أصله قطرات ثم جداول، وهذا هو الأدب، عشق الأب للأدب يؤثر في الابن، ثم الابن يسعى لتطوير عقله بالبحث عما هو أكبر. وهكذا نحافظ على الهوية المعرفية، رغم ثورة التقنيات فهي تخدم هذا المحور أكثر مما تضر به.

ثالثًا : في رأيي الشخصي هو تكوين الإنسان كتكوين جنيني، فهو مرتبط دائما بالروابط العائلية الحميمية التي تغذيه نفسياً، فهو حين يرضع حليب أمه يرضع معه الموروث الإنساني (الأصل)، ثم يتغذى بما يحيط به من علم وتربية وأدب، وحين يخرج عن البيت لما يشتد عوده يحاول تطوير ما كسب من البيت ومن محيطه، وهنا بالذات تتفرع الاتجاهات، فإن كان قوي الشخصية متمسكًا بمبادئ صلبة فلا خوف عليه سيطور ما اكتسب، أما إن كانت مبادئه ضعيفة فطبعًا فالريح الأولى التي ستهب عليه ستغير اتجاهه وينساق خلف اتجاهات جديدة، بعيدًا عن عالم الأدب الثقافة، وهناك أمثلة كثيرة في كل المجتمعات العالمية.

*التوريث الأدبي مسألة ميلٍ خاصٍ بصاحبه

وللشاعرة زينب عقيل رؤيتها الخاصة حيث قالت:

أولًا: تتوارث الأجيال الكثير من الصّفات الأخلاقية، الاجتماعية، البيولوجيّة وحتى الثقافية أيضًا وتلك المتعلقة بالأدب، وبرأيي فإن هذا النوع من التوريث يبقى رهينًا بعوامل أخرى لابد وأن تتوافر في الأجيال التي تنمو وتنشأ في عائلة أدبية، تشغلها الكتابة في مختلف أوجهها النثرية أو الشعرية، وفي نظرة سريعة إلى المشهد الثقافي الحاليّ نجد أن مسألة التوريث منذ عقودٍ سابقة كانت وما زالت محافظة على أوجها، ولكنها اليوم وفي ظل متغيرات العصر، وانخراط الجيل الجديد في دائرة التكنولوجيا والانترنت، وتزايد وسائل التسلية، صارت مسألة التوريث الأدبي مسألة ميلٍ خاصٍ بصاحبه، فالعائلة التي نشأت على ممارسة الأدب باختلاف أشكاله، لم يعد كلّ أفرادها يعيشون في الواقع ذاته، وبنفس الوتيرة التي عايش فيها آباؤهم الأدب ومارسوه، إلا من زرع الله فيه هذه الموهبة الخلّاقة،  والباقي تراه في وقتنا الحالي يبحث عن توجّهات أخرى غير الأدب، تُشبه العصر الذي يعيش فيه، وتشبه أحلامه المعاصرة، التي تميل نحو العولمة.

ثانيًا: على الرغم من الكثير من العقبات التي تواجه التوريث الأدبي في عصرنا الحالي، إلّا أنه لا يمكننا أن نغفل عن ذكر ذلك الدور الأساس الذي لعبته مسألة التوريث الأدبي، في تطور الثقافة والحفاظ على الهوية المعرفية، فلهذا الموروث رغم الضغوطات والتوجهات المغرية للجيل الجديد في وقتنا الحالي، دوره الفعّال في نشر الأدب بين الأجيال.

ثالثًا: على الرغم من الكثير من التغيّرات والتّحوّلات التي تدفع بالكثيرين إلى التّفلّت من الثّقافة والتّوريث الأدبيّ، إلا أنّ هذه الظاهرة ما زالت مستمرّة لدى الكثيرين أيضًا، ذلك أنّ من يملك الموهبة التي تدفعه للكتابة والمطالعة، مهما تغيّرت المؤثّرات التي حوله، يبقى مندفعًا كلّ الاندفاع إلى فكرة التوريث الأدبي وإلى الجري خلف ركب الثّقافة. كما أنّ نشأت بعض الأشخاص في محيطٍ ثقافيّ يهتمّ بالأدب ويسعى إلى تخليده، تترسّخ في لا وعيه الرّغبة إلى نقل الإسهامات الأدبيّة في عصره إلى الأجيال التي تأتي لاحقًا تمامًا كما فعل أهله والبيئة التي نشأ فيها.

*الإبداع  والتراث عملية تراكمية

ويقول  الشاعر محمد الشحات حول قضية التوريث:

أولًا: أنا معترض على كلمة توريث الأدب، لأن  الأدب لا يورث، والتراث عبارة عن سلسلة ذات حلقات متصلة كل جيل يضيف إلى الجيل الذى يليه، وهناك حوار دائم ومتصل بين الأجيال المختلفة، والأدب في تصوري الشخصي هو نهر جار كلٌّ ينزل إليه ويأخذ منه ما يريد ويضيف إليه كل حسب قدراته وإمكاناته، وأن العصور الأديبة والمدراس الأديبة تسلم بعضها البعض ،وأنك عندما تقف عند تاريخ الأدب لا يمكنك مثلًا في الشعر أن تفصل بين آخر قصيدة كتبت اليوم مهما كان شكلها
وتركيبها وبناءها والمدرسة التي تنتمى إليها، وبين أول قصيدة جاءت إلينا، أو قصائد شعراء العصر الجاهلية، هي حلقات متصلة ومتواصلة، لسبب بسيط أنها تكتب بلغة واحدة، وتعمد على نفس المفردات وعلى المعاني القاموسية، أما الذين  ينادون بإحداث قطيعه من التراث  وإهماله وتجاهله ـ أعتقد أنهم أصحاب أغراض تخريبية تستهدف الثقافة والتراث العربي ولا بد من أن نكون حذرين من تلك الدعوات، نحن نكتب الآن وفى خليفينا شئنا أم أبينا كل ما كتب قبلنا، فلا يمكن لك أن تكتب أي شكل من الأشكال الأديبة دون أن تكون مرتكزاً على ما كتب قبلك، فهو دليلك إذا ما أردت أن تكون جزء من هذا التراث. 

ثانيًا: الإبداع والتراث عملية تراكمية، كمثل العمارة التي  تتوالى أدوارها، وعندما تكون العلاقة بين تلك الأدوار قوية ومتينة يطيل عمر البناء، وأن ما يكتب الآن من أي شكل من الأشكال الإبداعية هو بلا شك نتاج طبيعي للتراث السابق عنه، وأن المدارس الأدبية تسلم لبعضها البعض، وهذا ما يفسر انتقال المبدع من مدرسة إلى مدرسة ومن مرحلة إلى مرحلة، فلو لم يكن هناك خطوط قوية بين تلك المدراس وجسور ما أمكنه أن ينتقل، وأعتقد أن ترابط الأجيال وما بينهم من حوار دائم ومستمر هو الذى ساهم في تطوير الأدب فمثلًا  من الصعب بل من المستحيل أن تجد  شاعرًا _ وأنا هنا أقصد الشاعر الحقيقي _ لا تجد التراث الشعرى منذ العصر الجاهلي إلى اليوم غير موجود داخل إبداعه بشكل أو بآخر والكلام أيضا ينطبق على الرواية وعلى القصة وعلى المسرح، إبداع السابقين كان له فضل كبير على إبداع اللاحقين ولولاهم ما تواصل الإبداع ووصل إلى ما نحن عليه اليوم، فالأجيال تورث بعضها البعض، ومن خلال تلك العلقة يضم الحفاظ على التراث وعلى الهوية وعلى كل المكتسبات التي تمت على مدى قرون طويلة من الإبداع.

ثالثًا: أهم عامل هو احترام التراث، وأن تجعله دائمًا في مكانه اللائق، وأن تؤمن بأن لولا ما قام به أسلافك ما كنت أنت، ولن يأتي أحد بعد، ويحدث الضمور والاندثار كما حدث للكثير من الحضارات السابقة، وإن من حسن حظ الأجيال الحالية أن كل شيء يسجل ويدون، ولن يضيع شيء ومن هنا سيكون البناء أقوى وأسرع، وقد استفاد الإبداع بمختلف أشكاله من الثورة التكنولوجية الحديثة وكانت داعمًا قويًا لها، وساهمت على ازدهار الإبداع والفكر والثقافة بسبب السرعة الفائقة في نقل الأفكار والأشكال الإبداعية المختلفة، وأعتقد أن الثقافة يمكنها أن تستفيد استفادة كبيرة من تلك الثورة الرقمية وتكون عاملًا  مباشرًا  ومساعدًا على ازدهارها.

جينات الانسان تسهم في وراثة الكثير من الأمور عن آبائه وأجداده* 

وتؤكد الأستاذة ميسون أبوبكر  شاعرة ومستشارة ثقافية أن:

الأدب والثقافة والفكر من علوم العرب ونتاجهم على مر التاريخ، وعرف العرب بالفصاحة وبلاغة اللسان، وحب الأدب والشعر والتاريخ وبرع منهم رحالة جابوا الأرض وما استطاعوا من شعابها طلبًا للعلم والمعرفة، وتركوا أثرًا  بارزاً يحفل به التاريخ العربي وتكتنز بطون الكتب.

كانت العرب قديما تفتخر بشعرائها ومؤرخيها وفصحاء القوم ، بل كان الشعر تاريخ للأمة ،والشاعر مؤرخ قبيلته، وإن كان التجار يورثون أبناءهم صنعتهم وتجارتهم فإن الأدباء كذلك، وكلنا يعلم أن جينات الانسان تسهم في وراثة الكثير من الأمور عن آبائه وأجداده، واليوم من وجهة نظري لم يخلُ ذلك الجهد والتفاؤل والأمل بأباء عظماء تمنوا لأبنائهم أن يسيروا على خطاهم ويحملوا راية المعرفة وفصاحة اللسان.

كل أمة تفتخر بمنجز أبنائها و يعد الفخر صفة من صفات العرب وطريقًا آلوا إليه في قصائدهم، لذلك وجدنا ظاهرة نسب القصائد لأشخاص اشتروها من أصحابها، وتمنى كثيرون لو أنهم كانوا شعراء، ومحاولة آخرين كتابة قصائد ولو كانت بلغة بالية لكنه الشعر و عظمة الانتساب إليه.

ورغم ثورة التقنية وانشغال الجيل الجديد بما يضيع معه الوقت إلا أن الشعر بقي ديوان العرب وبقي له حضوره، وكثير من أصحاب الفكر لهم الحضور وثقة الآخرين وصدر المجلس.

*نأمل أن يخلق الجيل الجديد رأيًا وموقفًا  مستقلًا 

ويدلي الأديب  فائز سالم بن عمرو من اليمن  برأيه قائلًا:

أولًا: تتغير الحياة ونمطها من حولنا بسرعة مذهلة نكاد نستوعبها فضلًا عن التفاعل معها،  وينطبق هذا التسابق والتغير على الأدب والثقافة والعلم بشكل عام، فالهجوم الكاسح لوسائل التواصل وتسارع التكنولوجيا خلق نمطًا جديدًا من الثقافة، والمعلم والموجه والمرشد يزاحم بشدة الوسائل التقليدية لتلقين الأدب والثقافة والفكر الممثلة بالأستاذ أو المعلم أو القدوة أو النخبة أو المجتمع أو العقل الجمعي.  

وبمقدار الفوضى التي تسود وسائل التواصل على تنوعها ومناهجها وسياساتها المادية والمشبوهة أحيانا فإننا نأمل أن يستطيع الجيل الناشئ أن يخلق رأيا وموقفاً مستقلاً عن الوصاية الأسرية والأبوية للمجتمع العربي التقليدي.

ثانيًا: كما ذكرت سابقًا هذا الواقع الجديد الذي أنتجته وسائل التواصل وتعقيدات التكنولوجيا والعولمة واقع معقد وفي إطار التشكل والظهور فهو واقع هلامي يذهب يمينًا  ويسارًا  فلا نستطيع الحكم عليه أو دراسته وإنما يجب مراقبته ومتابعته من قبل المختصين لتأثيره الشديد على الواقع الثقافي والفكري والتعليمي والسلوكي للأجيال، وبشكل عام برأيي أنه يؤثر بشكل سلبي على الواقع النمطي التقليدي لتلقي الأجيال وتواترها بين سلف وخلف.

وفي هذا الشأن ينبغي ألا يقودنا الرعب والخوف لرفض هذا الواقع الجديد أو التحذير منه،  بل يجب تقنين أو التفاعل الحذر من قبل المرجعيات الثقافية والمجتمعية من هذه الثقافة الجديدة التي ستحل مكان المعلم  والأب والأسرة والقدوة.

ثالثًا: هذا المنحى من التطور العشوائي حسب رأيي يتصف بالشمولية ويأخذ طابع العولمة، أي القوي والغني يفرض ثقافته ورؤيته الاقتصادية والسياسية والثقافية للعالم على الدول والشعوب والثقافات المغلقة، هناك واقع وعالم جديد يرتسم ويبنى على أطلال أحادية القطب ويبشر بتعدد الأقطاب والرؤى والثقافات، مما يبعث الأمل بأن يعيش العالم ويقبل بكل الثقافات والرؤى والتصورات بعيداً عن سطوة الإيدلوجيا والمصالح.

فالذكاء الصناعي وعالم المعرفة الرقمي والخيال العلمي ووسائل التواصل والميديا والسينما والمسرح وغيرها من أدوات الثقافة التقليدية ستتفاعل مع العالم الجديد المتغير وستأخذ طابعاً جديداً أو متغيراً،  ولكنها ستبقى ترسم الثقافة والفكر والسلوك لواقعنا وأجيالنا، وبالنهاية على الرغم من مزاحمة هذا النمط الجديد من الثقافة والتفاعل والتواصل ستبقى الأنماط التقليدية وسيلة للثقافة والتعلم والتفاعل،  ولكن ربما بصور وأنماط مختلفة.

لموروث حلقة وصل بين نمو المعرفة والتاريخ وبين الأجيال

ويؤيد الشاعر محمد عطيف بأن الأدب حالة تتجدد بتجدد العصر معللًا  ذلك بقوله:

أولًا: الأدب حالة تتجدد بتجدد العصر والجيل ولن تظل جامدة والمشهد الآن يختلف عنه قبل عدة سنوات

فالتغيير في طبقة المجتمع من خلال التطور الملحوظ في أسلوب المعيشة  والتحول من حالة لحالة والتعاطي الثقافي المترهل في ظل مؤثرات لغير المنتج المحلي  والميل لكل ما هو جديد في عالم التقنية لجانب الانصراف عن موروثات الأدب لكل هذه العناصر أثر ربما يصل السلبية في حالة استمرار حالة تجاهل الموروثات.

ثانيًا: بالتأكيد لهذا الموروث بصمته في تطور الثقافة وازهار الأدب بين الأجيال والحفاظ على الهوية المعرفية وأن الموروث حلقة وصل بين نمو المعرفة والتاريخ بين الاجيال ففي حال انقطاع هذه الحلقة أو مسها أو فقدانها ستكون هناك فجوة بين التقارب وتواصل الأجيال المعرفي والثقافي واستمرار الأصالة التراثية.

ثالثًا: وبرأيي الشخصي العوامل والدوافع التي تسهم في استمرار توريث الأدب رغمًا عن التغيرات والتحولات وثورة التقنية ووجود اتجاهات جديدة تقتضي الانشغال بمهام أخرى خارج أسوار الثقافة، لا حلول الا بجعل الميدان مدرسة مفتوحة  لتوريث الأجيال الأدب ومقتضاه بمعنى الاستمرار في دفق التراث وغرس مفاهيمه باستمرار وبنفس الأصالة بين أجيالنا والتأكيد على أهمية أن هذه الموروثات مالم تكن متصلة بمصداقية الأصالة والانتماء فقد تتغير الهوية وتندثر الكثير من القيم الأصيلة في توريث أدبنا وثقافتنا بمختلف أنماطه.

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود