مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

ربما يكون أشد الصراعات التي تنشأ بين شخصين أو طرفين، هو صراع الأدباء والنقاد، وق …

الصراعات الأدبية

منذ سنتين

1003

0

ربما يكون أشد الصراعات التي تنشأ بين شخصين أو طرفين، هو صراع الأدباء والنقاد، وقد يتحوَّل مسار هذا الصراع عن الاختلاف في الآراء إلى تغلغل الكره وتمكّن البغض داخل نفسيهما، وبهذا سيكون الرأي ناقماً على الآخر، والنقد سيكون منحازاً متحاملاً، وصدور الآراء عنهما سيكون بدافع الكراهية أكثر مما يكون لأجل الصواب والحق، وسيظل كل طرف يبحث فقط عن السقطات ومواطن الضعف عند الآخر، وسيتغافل متعمداً عن مواطن الجمال والقوة في نتاجه.
وقد تتزايد الكراهية وتستعر نار الحقد فتطول المعركة، ونحن نرى هذا الأمر في ميدان الأدب كثيراً، والأمثلة متعددة، ولعل مادار بين الشاعرين التميميين؛ الفرزدق وجرير، من نقائض وهجاء لاذع، دليل على أعتى الصراعات بين المبدعين.
وهذه المعارك تبدأ دائماً من مسألة شخصية وسوء فهم، أو نظرة قاصرة تبذر الحقد في نفس الأديب، فينبري للهجاء، إذا كان شاعراً، ولتهوين شأن الآخر والتقليل من فكره ومعرفته، إذا كان ناقداً، ويبالغ في السخرية والتهكم وتصغير الخصم، ويفتش في نصوصه ويفحصها؛ ليقف عند كل موطن ضعف، ويركز على هذا الضعف ويحلله حتى يقيم الحجة على خصمه ليثبت أنه ضعيف جداً من الناحية الأدبية، ويتجاهل جل نتاجه الأدبي الذي قد يكون مليئاً بالنفائس الأدبية! وكل ذلك مردَّه إلى الكراهية والحقد اللذين سيطرا عليه.

إن أشد شيء على المرء عندما يغضب عليه الأديب، إذ يُسخّر كل إمكاناته الأدبية من لغة وأسلوب وبيان للتقليل من شأنه والحط من منزلته وقدره، فالأديب إذا سخّر قلمه في موضوعٍ يرغب في الكتابة فيه فسيكون مؤثراً في الآخرين وفي توجيه انطباعاتهم إلى ما يريد، وهذا الأمر ينطبق على جميع المجالات، فإذا نقم الأديب على الساسة أو أهل الفن أو العلماء فستكون كتابته وَبالاً لا ينقطع حتى يصيبهم في مقتل.
وأشد المعارك قسوة هي المعركة التي تنشأ بين أديبين عظيمين، فهنا تكمن القسوة؛ وخصوصاً إذا غاب العقل وأسهمت كبرياءهما في إشعال النار بينهما، عندها تكون المعركة دماراً لا حد له، ولا يمكن لنا أن نتوقع حدّة التراشق التي ستكون بينهما، وخروج كل منهما على الخطوط الحمراء والنزول في السخرية والتهكم إلى آخر ما يمكن.

والأدب حافلٌ بمثل هذه الصراعات، وكما ضربت مثالاً، في بداية المقالة، ما دار بين جرير والفرزدق، أضرب مثالاً، في نهايتها، بالصراع الذي نشأ بين الأديب والمفكر عباس محمود العقاد ومصطفى صادق الرافعي، وكيف كتب الرافعي نقداً لاذعاً في مقالات عدة، جمعها في ما بعد، في كتاب أسماه «على السفود». وكل ذلك الصراع – كما قرأت – كان بسبب أن الرافعي كان يرى أن العقاد متعالٍ ويرى نفسه الأديب الأول، وقد تعرّض للرافعي ببعض الرؤى النقدية، فغضب الرافعي منها، فكانت هي بداية الصراع والشرارة الأولى لنشوء الخلاف بينهما.

يبقى الأدب ميداناً ثرياً ومحرضاً للقراء، وسجلاً حافلاً بكل ما أنتجته الأحداث من جمال وإبداع، وحتى بعض الخلافات والكراهية التي تدب في نفوس الأدباء تُصدر أحياناً نتاجاً أدبياً نفيساً، مثل ما عُرِف بفن النقائض في العصر الأموي، التي دارت رحاها بين جرير والفرزدق كما أشرت سابقاً.

* كاتب سعودي.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود