350
2360
0596
11946
2389
010
0103
0121
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11784
04713
04364
174299
03997
0إعداد/ د.عائشة العتيق
تعرضت العديد من المجتمعات على مر الأزمنة للكثير من الأزمات سواءً كانت كوارثاً طبيعيةً أو أمراضاً أو محناً أو حروباً أو غيرها وجاء الأدب حاضراً ومتعايشاً مع تلك الأزمات من خلال الإنتاج الادبي، فغاية الأدب أسمى من أن ترصد الجمال فقط ، بل هو صوت الإنسانية والراصد لحالاتها، والأديب المبدع مَن يجد الوتر الحساس للقضايا الإنسانية ليعزف عليه. فهل تساعد هذه الأزمات السياسية والاقتصادية في تطوير الأدب باختلاف فنونه؟ وهل استثمار الأديب والمثقف لهذه الأزمات لخلق عمل أدبي مميز يعتبر صحياً للبيئة الثقافية؟
تساؤلات طرحتها فرقد على طاولة الحوار مع نخبة من أصحاب الرأي والخبرة والأدباء والمثقفين من خلال المحاور التالية:
– كيف تقيم أدب الأزمات في العالم العربي، وأي الفنون الأدبية أعلى في تشخيص الهم المجتمعي والألم الإنساني أثناء الأزمات؟
– كيف يتم توظيف الثقافة، وتغليب صوت الإنسانية من خلال الإنتاج الأدبي في الأزمات ؟
– هل ترى أن هناك قصور في الإنتاج الخاص بأدب الأزمات وما هي الحلول لكي يحضر بقوة محققاً الأمنيات والتطلعات ؟
يبدأ حوارنا حول القضية المطروحة الناقد والروائي د. مسعد العطوي بقوله:
إن الأزمات وقعها جمعي على العقول والوجدان، وتأثيرها الواقعي متفاوت، الأمر الذي يثير الناظر والمتبصر مع تفاوت اتجاهاتهم الفنية، فيساير الأنواع ويتأثر بقوة قدرات الوعي عندهم، ومدى مخزونهم الفكري، فالإبداع لا ريب في تعدده.
ومن خلال التجارب مع الأزمات المتلاحقة، فقد رأينا تدفقاً فياضاً للشعر، والسرد، والفن التشكيلي، والمسرح، ولم يخف هيمنة بعض الاتجاهات، والذين آثروا الرمز، والغموض، والعقلانية. والشعر متعدد القراءات الذي يحشد الصور المتباعدة، ويجعلها مقياساً للجمال، ويفتت الحكاية، ومنهم من يلجأ للنظرية السفسطائية التي تطوف في فضاء الفكر الضبابي، أو بلاحق السراب.
تقدح هذه الاتجاهات سواء من النقاد، أو المبدعين في الوضوح والعمق الفكري، والمعالجة العقلانية والصراحة، وكل اتجاه بلاغي.
أتمنى أن تتواكب وتتوازى الاتجاهات فلكل اتجاه مؤيدون ومعارضون، وكذلك ورثة الإبداع بعد حين من الزمن أو الأزمان، ونتمنى أن تكون هناك دراسة نقدية لإبداع الأزمات السابق؛ كي يتبين الخالد الذي يلامس الأجيال المتأخرة، وتستوعبه وتدرك مناسبته من خلال الإبداع ذاته.
وقد أضاف الروائي والقاص عبد النجدي إضافة رائعة للقضية بقوله: أدب الأزمات، وهل الأدب إلا الحديث عن الأزمات؟ ابتداءً من الأزمات الشخصية الفردية، وانتهاءً بالأزمات الشعبية الجمعية، فعلى سبيل المثال نجد أن الثورة الفرنسية قد أثرت تأثيراً كثيراً في الأدب، وكذلك الحروب النابليونية فعلت، والحربين العالميتين. وعلى المستوى العربي الحديث، تفاعل الأدب مع النضال للاستقلال عن العثمانيين، ثم الإنجليز والفرنسيين والطليان، وفي تلك الفترة كان الشعر هو حامل لواء النضال الأدبي، إضافة إلى المقالات. أما الرواية والقصة فقد ساهمتا متأخرتين، بحكم أنهما جنسان أدبيان جديدان على الأدب العربي، وإن كان هناك من يجد لهما جذوراً في الأدب العربي القديم، لكنهما في الحقيقة بشكلهما الحالي يعتبران جنسان أدبيان جديدان. فالقضية الفلسطينية كانت مؤثرة في النتاج الأدبي، وكذلك التيارات السياسية من ماركسية ورأسمالية، احتلال العراق للكويت، سقوط نظام صدام حسين، وما تلاه من أحداث، أفرزت نتاجاً أدبياً.
هذا على المستوى السياسي أما على المستوى الاقتصادي، فكان الفقر هو الأزمة الدائمة، حتى على المستوى الصحي، فأقرب مثال لنا هو وباء كورونا، الذي نُشرت حوله كثير من الأعمال. في الوقت الحالي أظن أن الرواية هي الجنس الأدبي المسيطر، وأنها استلمت لواء الحديث عن الأزمات من الشعر، فالأدب عمل إنساني في الأساس، مادته الإنسان مشاعره وهمومه وأزماته، والحديث عن الإنسان يفضي للحديث عن المجتمع بأكمله همومه وأزماته.
الأدب يكتب للجمال، نعم هذه مسلَّمة، لكن هذا الجمال لا بد أن ينهض بحمولات إنسانية ومجتمعية، وإلا كان منفصلاً عن المتلقين، يريد القارئ أن يستمتع بجمال الأدب وأن يستفيد من حمولاته في نفس الوقت.
وليكتب الأديب عن أزمة من الأزمات، لابد أن يكون مثقفاً ويحمل هماً إنسانياً في ذات الوقت، مثقفاً ليكون لديه بنك معلومات جيد يستطيع من خلاله تناول تفاصيل الأزمة التي يريد الحديث عنها؛ ليكون مقنعاً للقارئ. أما كون الأديب لابد أن يكون حاملاً الهم الإنساني؛ فذلك لتكون كتابته صادقة، وغير مفتعلة، تصل لوجدان القارئ قبل عينيه.
وقال معلقاً على المحور الثالث : أظن أن الإجابة على هذا السؤال تحتاج دراسة مستفيضة، وحصر للنتاج الأدبي الخاص بأدب الأزمات، وأعتقد أن هذا هو دور الجامعات والأكاديميين، لنخرج بنتائج تقترب من الحقيقة.
ختاماً، يجب على الأديب أن يتلمس ما يمر به مجتمعه من أزمات، ويحاول تناولها بمنظور أدبي جمالي.
ويدلي الروائي والقاص محمد الرياني برأيه المتفائل حول أدب الأزمات بقوله: في البداية يجب أن نكون متفائلين، فلا نتمنى الأزمات حتى وإن كانت ستدرُّ أدبًا يخلده التاريخ؛ أما إذا بلغنا مرحلة التشاؤم أو عشنا واقع الأزمات، فإن للأزمات جذورًا تاريخية، وهي امتداد لتفاصيل متجذرة منذ القدم، وعبر التاريخ العربي تحديدًا فإن التاريخ قد روى لنا العديد من قصص الأزمات وقد حفظَ الرواة شعر الخنساء عندما فقدت صخرًا، وقدمت قصيدة من أشهر قصائد الرثاء في تاريخ الأدب العربي، وفي الجاهلية لاتزال أشعار الزير سالم يتناقلها الأجيال حتى استقرت في عصرنا الحاضر على شكل عمل تلفزيوني تتكرر حلقاته في القنوات المختلفة، وقصة حرب البسوس وغيرها لم تكن لتصل إلى المتلقي لولا أنها وجدت من يحييها عبر التاريخ من بوابة الحفظ والإلقاء، ولعلنا نشير إلى أن الشعر المنطوق سبق الشعر المكتوب والأدب عمومًا تأخر في نقل الأحداث وأدب الأزمات عن نقل الأحداث كتابة، وفي عصرنا الحاضر لا نستطيع الحكم على أيِّ الأدب برز في تشخيص الأزمات والحضور معها؛ بسبب أن الإعلام حضر بقوة عبر الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى، وأتاح الفرصة للشعر والنثر للتباري في مساحات الإعلام عمومًا، ولا ننكر أهمية الشعر قديمًا وحديثًا وبروزه منافحًا عن القضايا كما هو الحال في شعر حسان بن ثابت، أو حديثًا كما هو حال قضايانا العربية المصيرية كقضية فلسطين وغيرها، ونشأت مع الأزمات أعمدة الكُتَّاب ومقالات صحفية تبعًا لذلك وهي توازي فعل الشعر، كما سجلت الروايات والقصص القصيرة حضورًا لافتًا في هذا الإطار. و بلا شك فإن صوت الإنسانية هو البطل في رواية الأزمات، وهو صوت مؤثر وفاعل منذ عهد “وامعتصماه“ وربما قبله إلى الآن؛ الأمر الذي جعل من صوت الإنسانية مدفعًا لفض النزاع أو إسكات صوت الباطل، ولاشك فالأدباء في المجمل يمتازون بالعاطفة الجياشة، والإحساس المرهف، والميل إلى المستضعفين؛ كي يكونوا سندًا لهم، ولو بالكلام المرتب والشعر المقفى، والمكتبات على مستوى العالم سجلت حضورًا هائلًا وليس العالم العربي وحده فعل ذلك؛ لأن الطبقات البسيطة أو الشعوب إجمالًا هم الأكثر عرضة لنتائج الصراعات والتأثر بنتائجها، ولهذا فإن الأدب بطبيعته يميل إلى الهدوء، ونبذ العنف الذي تخلفه النزاعات، ومن النادر أن نجد أدبًا يحث على تأجيج الصراعات وإشعال فتيل الأزمات، وهذا من الإيجابيات التي نلمسها في أدب الأزمات حيث تتغلب أفواه العاطفة على أفواه البنادق متى ما تأزمت الأمور. ولا نستطيع القول بأن هناك قصورًا في أدب الأزمات؛ لأن هذا مرده إلى عوامل كثيرة تتحكم في إبراز أدب الأزمات وإظهاره، ومع هذا فالمتتبع للإعلام خاصة في القضايا المتشابكة أظهر مقدرة جيدة في تحريك المياه الراكدة التي عكرت الصفو، وأدى الحراك الإعلامي بشعره ونثره إلى حد كبير في التقارب في وجهات النظر، وهذا يؤكد الصلة الوثيقة بين الأدب والإعلام، ربما بشكل أفضل من العصور التي غاب فيها الإعلام بشكله الحالي عن مسرح الأزمات في العصور القديمة، وهنا نؤكد على أهمية الأدب والإعلام بعيدًا عن مسألة القصور الذي أشرتم إليه.
ويشاركنا الرأي حول قضية أدب الأزمات الكاتبة والناقدة الدكتورة عائشة الحكمي بقولها:
موضوع يستحق إعمال الفكر وبسط القراءة والبحث في أبعاده اللغوية والمعرفية، ماهي الأزمة، موقف الإنسان منها، كيف يتعامل معها، كيف يتعلم من حدوث أزمة، حقيقة الموضوع أدهشني، ودفعني إلى التفكير بجدية أُجرب القراءة فيه، ومما صادفني وأنا أقرأ مصطلح “الأدب الرؤيوي“، فشعرت بأزمة المعرفة في المصطلح كيف “أدب رؤيوي“، ومما اتضح أمامي أن “الأدب الرؤيوي” ثقافة قديمة عُرفت في الفكر اليهودي يساوي “أدب الأزمات“، ظهر في وقت كان المجتمع اليهودي يعيش أزمة إبادة وتنكيل بصفته شعب الله المختار، فلم يخلِّصهم من أزماتهم إلا بالرجوع إلى رب الكون، وهو أدب يرفع رسالة تقول“ مهما أصابكم من أزمات على أيدي الأعداء فليس لكم خلاص إلا بالرجوع إلى الله؛ فهو رب الكون، وخالق كل شي المتصرف في شؤونه المتحكم في تاريخ الخلق. والأزمات في حياة البشر لا حدود لها منذ أن خلق الله آدم عليه السلام، فلا تخلو حياة الإنسان منها، وتأخذ الأزمات صورتين خاصة وعامة، ومن أقوى الأزمات التي مرت على الأمة الإسلامية، أزمة الحملات والحروب الصليبية على العرب والمسلمين، التي بدأت من القرن السادس الهجري واستمرت لعدة قرون؛ وذلك للقضاء على امتداد الإسلام، وتقويض الدولة الإسلامية، فكان الجهاد في سبيل الله خير سلاح، الذي حرض عليه كبار المؤرخين والمثقفين، فأثاروا حماس المجاهدين، فاستطاعوا الصمود أمام حملات شرسة، هدفها التدمير والقضاء على كل المقومات الإسلامية، ومن هؤلاء المثقفين “ابن العظيمي“.
وقد شاع الشعر الحماسي بالعودة إلى المدائح النبوية، فكان الشعر سيد الموقف في تلك الأزمة المصيرية الطويلة المدى، فقد شكل الشعر سجلاً حافلاً للأحداث، ومن الشعراء الذين بادروا في إثارة الحماس قبل المواجهات “نجم الدين بن أرتق“ إذ يقول قبيل إحدى المعارك: “ألا أبلغ طغاة الشرك أنك آخذ بثاراتنا منهم فزائد.“
أما الهجرات القسرية فقد سجلها التاريخ العربي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي في زمن الحكم العثماني، بسبب سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، والحروب، وتضييق الحرية الدينية، وقد كان الأدباء العرب من بلاد الشام ومصر أول المهاجرين، فخلقت تلك الهجرات أزمات لا حصر لها، ومنها أزمة الغربة والاغتراب وعدم الاندماج مع مجتمعات المهجر، وقد سجل الشعراء تلك الأحوال شعراً ونثراً ورسما، مثل: ” إليا أبو ماضي، جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة“ وأيضا لدينا أزمة الكوارث الطبيعية، تترجمه قصيدة “المطر لبدر شاكر السياب“، وأزمة الأوبئة تصوره قصيدة “الكوليرا لنازك الملائكة“.
ولا نختلف إذا وقفنا عند فن الشعر، ونفوذه في ذاكرة الإنسان فهو أكثر الفنون قرباً والتصاقاً من قضايا البشر، بحكم طبيعته الفنية القائمة على الإيجاز والإيقاع والموسيقى، سريع الفهم، والحفظ، والوصول إلى المشاعر؛ لذلك يعد أدبا مناسباً لاحتواء كل الأزمات في كل الأزمنة، وفي العصر الحديث تنافسه الرواية بقوة في كونها أكثر مرونة واستيعابٍ للتفاصيل، كذلك فن المقالة يلاحق الأزمات قصيرة الأمد، ويسلط الضوء عليها عبر الصحف اليومية، فتبث التوعية والحلول والأفكار لمواجهة الأزمات.
*الأدب مقرون بوجود الإنسان وأزماته
ويعلق الكاتب والقاص السعودي أحمد إسماعيل زين على محاور القضية بقوله:
ـ أدب الأزمات بصفة عامة: هو أدب إنساني قديم، بل أستطيع الجزم بأنه أدب مقرون بوجود الإنسان على هذه الأرض، وذلك من خلال الرسومات التي وجدت على جدران الكهوف حيث سطر الإنسان عليها رسوماته التي انتصر بها في حروبه على الحيوانات، وكيف قدر على ترويضها لخدمته، وفي حروبه على الظواهر الطبيعية، كالأمطار والسيول والرياح والعواصف، وكيف تمكن من التغلب عليها والاحتماء منها، وحتى في حروبه معا لأساطير والخرافات التي يعتقد بوجودها في الحياة، ثم تطور أدب الأزمات في عالمنا العربي بتطور الإنسان بالحياة. وكان قديماً للشعر والشعراء الحظوة الكبرى في أدب الأزمات، لبث الحماسة، والتفاعل المجتمعي، وتسطير البطولات، وبالتالي: فأني أستطيع أن أقيم أدب الأزمات في العالم العربي بأن له حضوراً مميزاً من خلال ما يحدث من أزمات وحروب وثورات، وخلق تنافساً شرساً بين جميع الفنون الأدبية من خلال الشعر والشعراء بالقصائد المنبرية، والقصائد المغناة، والفنون السردية من خلال القصة القصيرة، والقصة القصيرة جداً، والرواية، والمسرحية، والمسلسلات التلفزيونية، والأفلام السينمائية، وكذلك بين الفن التشكيلي، والصور الفتوغرافية، وبالتالي الجمهور هو الحكم الفصل في إصدار حكم: أيّ الفنون الأدبية أعلى في تشخيص الهم المجتمعي والألم الإنساني أثناء الأزمات، لأني، ومن خلال اطلاعي على تجارب الكتاب العرب في أدب الأزمات، سوف أنتصر للفن الأدب الذي أتقنه.
ويتم توظيف الثقافة، وتغليب صوت الإنسانية من خلال الإنتاج الأدبي في الأزمات: من خلال ما أنتجته الأزمة من قبح وتشويه للحياة، والإنساني، وما أنتجته من فرقة بين أبناء الوطن الواحد، وما خلفته من فقر، ويتم، وأمراض، وخراب، وضياع، وتخلف، وكراهية، تدمر كل جمال الحياة، وهذي هي الرسالة السامية للأدب، والثقافة بالحياة .
ويجيب الأستاذ أحمد على المحور الثالث بقوله :إن قلت نعم هناك قصور في الإنتاج الخاص بأدب الأزمات ؟فسيكون هذا تناقضاً بين إجابتي هنا بـ(نعم)، وبين إجابتي على السؤال الأول ! ولكن بنظرتي التفاؤلية في أدب الأزمات: كنت أغبط الكتاب العرب على الأزمات التي أوجدتها لهم، وللكتابة عنها بالحياة ـ ولا أتمنى الحصول على مثلها ـ وفي نفس الوقت أتألم للأزمات التي كتبوا عنها، وأمست وقوداً لأدبهم. وبالتالي إذا كان هناك قصوراً في الإنتاج الخاص بأدب الأزمات ؟ فهو يكون في الأديب الكاتب لأدب الأزمات، حين يغلب مصلحة الحزب، والفئة، التي ينتمي لها على حساب كل الوطن والشعب الذي ينتمي له، ويجعل من الخائن مخلصاً، ومن السارق منقذاً، ومن الإرهابي القاتل للنساء والأطفال والضعفاء، والحارق للحرث والنسل، بطلاً. أمَا الحلول لكي يحضر أدب الأزمات بقوة محققاً الأمنيات والتطلعات، فهي: أن يجعل الأديب من أدب الأزمات الذي يقدمه معولاً لبناء الوطن، ووحدة الشعب، ونبذ كل نعارات التخلف، والضياع.
ويشاركنا الكاتب والناقد مصطفى داوود المرشد من العراق، بقوله:
ابتداءً يتوجب علينا التفريق بين الأزمة الفردية والأزمة المجتمعية، فيما يتعلق بتأثيرها على الواقع الأدبي العربي ولكل منهما نصيب، فالإرهاب ،والنزوح، والمرض، والاعتقال، والكوارث الطبيعية، قد تشكل تجارب فردية تجد انعكاسها في ميادين مختلفة للأدب، كما في تجربة الشاعر العراقي بدر شاكر السياب، فأزمته المرضية الخاصة أنتجت روائع القصائد “غريب على الخليج“، بينما الأزمة العربية التي نجمت عن العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، وضعت الشاعر على سكة الهم العربي، مما جعله يتصدى له بشاعريته الفذة في قصيدة “بورسعيد، وعودًا على أصل السؤال فإنّ الأدباء العرب في القرن الماضي، كانوا أكثر وعياً وانسجاماً مع النكبات والكوارث التي مرّت بها المجتمعات العربية، واستطاعوا توظيف قدراتهم الإبداعية؛ لترجمة عميق إحساسهم، وشدة التصاقهم مع الأحداث، وكان الشعر عندهم ترجماناً فورياً؛ للتعبير عن تلك الأزمات. وبقيت الرواية الصنف الأدبي الأقدر والأرسخ حضورًا في تلك المواجهات، كما فعل جبر إبراهيم جبرا، وعبد الرحمن منيف، وأحمد خلف وغيرهم، والرواية العربية تتريث في مواجهة الأزمة، وتستوعب الصدمة حتى تتمكن من الغوص عميقاً في الهاجس الإنساني، ومن ثم تسترد وعيها لتنتقل إلى تصوير المعاناة بقالب حسيٍّ رفيع، كما فعلت “أنعام كجه جي“ في معالجة الغزو الأمريكي للعراق في “الحفيدة الأمريكية“، و“عبد الخالق الركابي” في “ليل علي بابا الحزين“، و“وارد بدر السالم“ في “انفجار دمعة“. والمثقف يمثل رأس الرمح في مواجهة الأزمات، وهذا الوصف ليس تأطيرًا نظرياً، ومن هنا يتعين عليه توظيف ثقافته، وبيان موقفه كناطق معنوي باسم الهم الإنساني، ولذا يتوجب عليه القيام بهذه المهمة على أكمل وجه، وقد فعلها الشاعر الفلسطيني محمود درويش في قصيدة “بيروت“ في حصار بيروت عام 1982م والشاعر العراقي عبد الرزاق عبدالواحد في قصائد كثيرة عن الحصار، والجوع، والحرمان والغزو، وغيرهم كثيرون. فالمثقف ضمير الشعب وحامل أوجاعه وهمومه، والوسط الناقل، عندما يتقصى ويترجم ويقول ما يعجز العوام عن توصيله .
صيغة السؤال بخصوص قصور الإنتاج الخاص بأدب الأزمات، تفترض مقدمًا أنّ هناك قصورًا فيه، وأنا أشرت في إجابتي عن السؤال الأول أنّ الأدباء العرب سابقًا كانوا أقدر على القيام بهذه المهمة من منطلق الشعور القومي والحس الوطني، فالقضايا مشتركة والهم واحد، لكنّ هذا لا يعني أنّ الأدباء المعاصرين لم يلتفتوا لهذه القضايا ولم يتصدوا للأزمات التي تمرّ بها بلدانهم، وتبقى الحاجة قائمة في تفعيل هذا الدور…
ففي موضوع الوباء العالمي “كورونا“ تصدت إحدى الدوريات السعودية لدعوة كُتّاب القصة القصيرة في العالم العربي للمشاركة في عدد خاص، فكانت مبادرة طيبة وشارك الكثيرون من كُتّاب القصة القصيرة في هذا المحور الذي يُعنى بأدب الأزمات.
أما الكاتبة لينده كامل من الجزائر فترى: أن أدب الأزمات مغيب، وإن ظهر في عدد من الأعمال الروائية، يكون شحيحًا مقارنة بالكتابة الأدبية التي تنوعت في طرحها.
فحين حدث زلزال الأصنام بالجزائر في 1986م،نجد أن القليل جدًا من الأدباء من تطرق إليه في نصه الروائي كإشارة، عكس الأدب في الدول الأوربية، حيث كان لتسونامي الذي ضرب المحيط الهندي أثر واضح، إذ كُتب عنه روايات تحكي تفاصيل عوائل أثناء وبعد التسونامي، وقد حُول إلى عدة أفلام منه الفلم الأمريكي The“ “Impossible
في حين تغيب مثل هذه الأزمات في النصوص الأدبية، وتقتصر في مشاركات لبعض المقالات التي تنشر في الجرائد ثم تموت، بعد حلول أزمة إنسانية أخرى، حتى قصة الإرهاب الذي عانى منه العالم ككل، لم أقرأ عملًا أدبيًا يضم الحديث عن الإرهاب بتفاصيله الصريحة وإن كانت مجرد إشارات نحوه. والفنون كلها لها دور في تشخيص الهم الاجتماعي، من الأدب إلى المسرح، إلى الأفلام، والمسلسلات، وحتى الغناء، وبما أننا في عصر الصورة أصبح الفن يختصر في النتاج السينمائي وبالأخص المسلسلات؛ نظرًا لقلة القراءة وتراجع الأدب في إيصال ذلك للمجتمع، بالرغم من المحاولات الجادة لبعض المجلات، أغلبها مجلات سعودية التي تسعى إلى نشر الوعي، والاجتهاد في اختيار المواضيع التي تمس الثقافة الاجتماعية ومظاهرها.
ربما لو نعود إلى أزمة كورونا، كان هناك نتاج أدبي حول الأزمة، من قصص، ومسرحيات، وروايات، وقصص الأطفال، ولكنَّها تموت بعد تلك الفترة، وحتى دور النشر والقراء لا يعودون إليها؛ ربما هذا السبب يدفع الكتاب إلى الابتعاد عن طرحها. شخصيا كتبت رواية عن الموضوع، ولم أتمكن من نشرها إلى اليوم بسبب انتهاء الأزمة.
وربما يعود إلى التفكير التجاري أكثر منه خدمة للثقافة، التي هي في الأصل نتاج مادي واللامادي، أظن أن مؤسسات الانتاجية، سواء مؤسسات نشر، مؤسسات إنتاج فني، مسرحي ، تتجه إلى إنتاج مادة تجارية حتى وإن كانت بعيدة عن الطابع الإنساني المُغيَّب اليوم في جل الأعمال السينمائية، التي غلب عليها أفلام العنف، والحرب، والذكاء الاصطناعي، وغيبت المواضيع الحياتية، من مرض، وفقر، وصدمات نفسية، أضف إلى تغيب الوازع الديني في جل الأعمال، والتعامل مع النصوص بإظهار الجانب المادي، والبحث عن الغنى، كاسرًا بذلك ضوابط المجتمع من المرغوب فيه والممنوع، خذ على سبيل المثال “مسلسل الداما الجزائري“ الذي تابعته في شهر رمضان، حيث يعرض قصة بائع المخدرات، واستغلال الأطفال في الموضوع، وكيف أن الأم أيضًا خضعت للظروف القاسية، واستغلت مالًا ليس من حقها، دون ضوابط دينية كمجتمع عربي مسلم.
طبعًا هناك قصور، سواء من الناحية الأدبية، أومن ناحية الإنتاج السينمائي، والأشرطة الوثائقية، ربما يعود ذلك إلى شح التموين، ويعود أكثر إلى طلبات المجتمع؛ إذا أن المجتمع العربي محدود في طلباته، عكس المجتمع الغربي المنفتح على كل الثقافات، وأي مشروع بسيط قد ينجح، لدينا في المجتمع العربي أزمة بناء مشاريع، وربما لأننا مجتمع عاش أزمات كثيرة في تاريخه، ويكتفي بالمواضيع التي ترفع من هرمون السعادة. أما الحلول التي تساعد على تطوير أدب الأزمات فعديدة، منها: احتضان أي فكرة تحتوي على أدب الأزمات، أو تخصيص عنوان لها، وجعلها كمادة تدرس في كليات الآداب، حتى يستطيع المبدع التفنن في عرضها ويساهم بطريقة ما في حلها، وتكون سببًا لإنتاج لدرامة، أو النتاج السينمائي، وتوفير عائد مادي للمجتمع ككل.
ومن مدينة الرقة يشاركنا الشاعر السوري خليل حماده رأيه عن أدب الأزمات والمتلقي، بقوله:
من ناحية الأزمات في مناطقنا العربية كثيفة وكثيرة، مما ساعد بظهور الكثير من المبدعين من رحم المعاناة، ومن ناحية أخرى انشغال القارئ العربي بهمومه وحياته المعيشة ساهم بشح ونقص كبير لمتذوقي هذا الأدب وانشغالهم عنه ولا لوم عليهم.
وأعتقد أن فن الرواية ساهم بشكل كبير بتشخيص الهم المجتمعي والألم الإنساني، وبتنا نرى أن منتجي المسرحيات والأفلام والمسلسلات، يتجهون للروايات إن كانت غربية أو محلية والأخذ عنها.
الثقافة دائماً ما تكون هي صوت الحبّ، وعلى المثقف قبل غيره أن يعي ذلك، وأن يكون إنسانياً في طرحه وغير متحيز للضوضاء إن كان في رواية أو قصة أو مقالة، وأن يصدح بالابتعاد عن الضجيج، والعنف، والتشدد، وأن ينادي بحنجرة قلمه، للتوافق، للتسامح، للتعايش، للحبّ.
هناك زخم في إنتاج أدب الأزمات، ولكن المشكلة بالمتلقي الذي أخذته مشاغل الحياة عن الكُتَّاب، وخصوصاً بعد انتشار وسائل التواصل، وما نحتاجه هو كيفية الوصول لهذا المُتلقي بحداثية جديدة؛ تساهم في التفاته والوقوف كثيراً عند هذا الأدب والتمعّن فيه مَلياً .
مع وافر التحية تحية لكم من عنبر…“روايتي بنات تسرقها الريح“، ولدت من أم الأزمات في مدينتي الرقة.
التعليقات