754
11752
0626
0480
6516
986
0373
0210
0128
0150
0182
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11769
04707
04351
174206
03831
0سلوى الأنصاري
٢ – في كتاب رحلة السَّبِتّي إلى المدينة المنورة عام 684هـ، والمُسمّاة (ملْءُ العيبة بماء جُمع بطول الغَيبة في الوِجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة).
والسَّبِتّي هو محمد بن عمر بن محمد، أبو عبد الله محب الدين بن رشَيد الفهريّ السَّبتِيّ، عالم بالأدب، عارف بالتفسير والتاريخ، وُلِدَ بسبتة، وولي الخطابة بجامع غرناطة، ومات بفاس، رحل إلى مصر والشام والحرمين الشريفين عام 683هـ، وصنَف رحلةً سماها (ملءُ العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة) في سبعة أجزاء.
يعرض السَّبتِيّ جانباً من طِباع أهل المدينةُ، تظهر رقة شمائلهم، وحسن تعاملهم مع الزائرين، إذ ما إن يصل الرحالة وركْبه إلى مشارف المدينة حتى يتلقاهم أهلها مرحبين وهم يحملون قليلاً من تمرها -كل بقدر استطاعته- هدية للزائرين، حتى أن بعضهم قد صنعوا عصياً في أطرافها أوعية صغار فيجعلون فيها شيئاً من التمر ويناولونه أهل القباب المستّرة من بين ستورها.
ويبدو أن انشغال السَّبتِيّ بزيارة الحرم النبوي الشريف والبقيع وحضور مجالس العلم لم يتح له فرصةً لرصد مظاهر أخرى من حياة المدينيين، إذ لا نجد شيئاً عن أحوالهم عدا الموقف السابق.
٣- كتاب: رحلة العبدري إلى المدينة المنورة والمسمّاة (الرحلة المغربية) عام 688هـ.
العبدري هو محمد بن محمد بن علي بن أحمد، أبو عبد الله الحيحي العبدري، أصله من بلنسيَة، ونسبته إلى بني عبد الدار، ولم يُعثر في المصادر على ذكر لسنة وفاته، وكان من سكان بلدة حاحة في المغرب، توجه منها حاجاً عام 688هـ فدخل باجة وتونس والقيروان، ومرَ بالإسكندرية في ذهابه وإيابه.
غادر العبدري بلدته (حاحة) الواقعة بالقرب من مدينة الصويرة على شاطئ المحيط الأطلسي في اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة من عام 688هـ قاصداً مكة المكرمة والمدينة المنورة لأداء فريضة الحج، ثم زيارة الحرم النبوي الشريف، وقد بدأ في كتابة تفاصيل رحلته عند وصوله إلى تلمسان.
ويشترك العبدري مع ابن جبير في أن كليهما قد دونا رحلتيهما تدويناً مباشراً في وقتها وليس بعد انتهائها كما هو الحال مع السَّبتي.
استمرت الرحلة قرابة عامين، مرَ العبدري خلالهما وأقام في عدد من المدن والحواضر منها إضافة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة: تلمسان، الجزائر، قسنطينة، تونس، طرابلس، برقة، الإسكندرية، القاهرة، الخليل، القدس، وفاس التي انطلق منها عائداً إلى بلدته حاحة.
اختط العبدري لنفسه في كتابة رحلته منهجاً صارماً يروم نقل ما يصادفه من أوصاف البلدان وأحوال أهلها، وقد بنى ذلك المنهج على الملاحظة من غير تورية ولا تلويح، ولا تقبيح حسن ولا تحسين قبيح، ولم يَحِد العبدري عن منهجه هذا طوال رحلته، ولم يُخبر فيها إلا عما رآه فعلاً، ونأى بنفسه عن أن يصف أو يُخبر عما لم يره عياناً؛ لأن من لم يشاهد الشيء يصعب عليه وصفه، وقلّ ما يسلم فيه من الغلط كما يذكر في الرحلة.
يفيض العبدري -مثله في ذلك مثل ابن جبير والسَّبتِيّ- بعاطفة دينية منبعها فهمه الصحيح للدين، تتبدى من خلال تفاصيل رحلته، إذ لا يقبل إلا ما كان له سند من القرآن أو السنة، ويتجنب كل ما يحمل على الاعتقادات الفاسدة وأتباعها، وتشيء الرحلة في مواضع كثيرة منها بما يتميز به العبدري من رقة طبع تتجلى في اختياره للكلمات المبهجة في وصفه لما يمر به من مدن، فتلمسان مثلاً -كما يقول-: “مدينة كبيرة سهلية جبلية، جميلة المنظر، وأهلها ذوو ليانة ولا بأس بأخلاقهم”.
وصل العبدري إلى المدينة المنورة في يوم الاثنين المصادف للثامن والعشرين من ذي الحجة من عام 689هـ قادماً من مكة المكرمة بعد أدائه فريضة الحج، وقد مكث في المدينة يومين اثنين، وغادرها يوم الأربعاء المصادف للثلاثين من الشهر نفسه، زار خلال هذين اليومين الحرم النبوي الشريف ومشاهد البقيع فقط.
اهتم العبدري بتتبع نشاط أهل المدينة الاقتصادي، فذكر من عاداتهم:
“إنهم يتحينون قدوم أركُب الحج من جهات شتى، فيُحضرون ما يبيعونه للحجاج والزوار من تمر، وعلف، وجِمال، وغيرها”
ويذكرنا هذا بإشارة ابن جبير في رحلته إلى أن أهل الحجاز -وسكان المدينة المنورة من ضمنهم-: “يعتمدون على الحجاج في معاشهم، فيؤجرون لهم الجمال، ويبيعونَهم اللبن والماء والتمر والحطب.”
العبدري رحالة رقيق القلب؛ كما تتبدى رقة طبعه في اشتياقه لأولاده، وحنينه إليهم، وتذكرهم في كثير من المواضع والمواقف، ما يتضح من القصيدة نفسها أبناؤه الصغار الذين ارتبط بهم ارتباطاً قوياً، وهم يتشوقون لعودته إليهم، والعبدري يصوغ ذلك في أبيات تشي بأبوته الحانية، وإنسانيته التي لا يُخجله معها أن يطّلع الآخرون على ضعفه فيقول:
لولا موانع ما قــضـــاه و صِــبيـــة
تبـكي لكــل مســــجع ومغـــردِ
خلـــفتهم في غربة تبـكــي لهــم
وُرق الحمام بكل غصن أملدِ
في منتهى الغرب الذي ما دونه
إلا تلاطــــم مــــوج بحر مزبدِ
شوقــاً إليكِ مـــــكرراً ذكراك في
ضـــوء النهــار وجــنح ليــل أربدِ
و يُعزّي الرحالة نفسه أنه -وإن اضطر للعودة إلى أطفاله الصغار- سيُفني ما بقي من عمره بعيداً عن المدينة.
٤- رحلة ابن بطوطة عام 725هـ:
ابن بطوطة هو صاحب أشهر رحلة تراثية وأطولها، وهي الرحلة المعروفة باسم (تحفة النُظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار).
وابن بطوطة هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، رحالة ومؤرخ، وُلدَ ونشأ في طنجة بالمغرب الأقصى، وخرج منها عام 725هـ فطاف بلاد المغرب، والشام، والحجاز، والعراق، وفارس، وما وراء النهر، وبعض بلاد الهند والصين والجاوة، وبلاد التتر وأواسط أفريقية، واتصل بكثير من الملوك والأمراء، فمدحهم واستعان بهباتِهم على أسفاره.
عاد إلى المغرب الأقصى، فانقطع إلى السلطان أبي عنان من ملوك بني مرين وأقام في بلاده، وقد أملى رحلته على محمد بن جزي الكلبي بمدينة فاس عام 756هـ ، وتُرجمت إلى عدد من اللغات منها: البرتغالية، والفرنسية، والإنجليزية. مات في مُراكش، ولقبته جمعية كمبردج في كتبها وأطالسها بأمير الرحالين المسلمين”.
بدء الرحلة:
“خرج ابن بطوطة من طنجة يوم الخميس المصادف للثاني من رجب من عام 725هـ، وقد انعقدت نيته على الحج والزيارة ثم العودة إلى دياره، لكن الرحلة امتدت لأكثر من تسعة وعشرين عاماً، زار خلالها معظم الحواضر والمدن في أنحاء متفرقة من العالم المعروف آنئذٍ، منها إضافة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة: الإسكندرية، القاهرة، القدس، دمشق، النجف، بغداد، ظفار، البحرين، قونية، القسطنطينية، سمرقند، دهلي (تعرف أيضاً بدلهي) جزر ذيبة المهل، وتعرف اليوم بجزر المالديف، كما زار جاوة، الصين، غرناطة، مالي، تنبكتو، وأخيراً فاس التي استقر بها آخر المقام.
ومما يثير الاستغراب أن يهتم ابن بطوطة في رحلته بتتبع أحوال الناس في كثير من الأمكنة التي مر بها ورصد عاداتهم وتقاليدهم ومقارنتها بأحوال أهل المغرب وعاداتهم وتقاليدهم، ثُمَّ تخلو رحلته مع ذلك من تفاصيل عن أحوال أهل المدينة المنورة وعاداتهم وتقاليدهم!.
زار ابن بطوطة المدينة المنورة ثلاث مرات خلال ترحاله الطويل، ومكث فيها -على الإجمال- ما يربو على عشرة أيام، ولا نعثر في رحلته إلا على صورة وحيدة ينقلها لنا في زيارته الأولى حيث كان يبيت في الحرم النبوي الشريف”.
كان الناس كما يذكر:
“يجتمعون في كل ليلة في صحن الحرم حلقاتٍ، وقد أوقدت الشموع الكبيرة، فيقرأ بعضهم القرآن، ويتذاكر آخرون الله -عز وجل- أو يجلسون مستقبلي الحجرة الشريفة، أما الأغنياء من أهل المدينة فنراهم يجودون بصدقات كثيرة على المجاورين والمحتاجين”.
المحور الرابع: مُدَوَّنات الرحالة عن مظاهر الحياة الاجتماعية في المدينة المنورة
مما جَمَعهُ ونَقلهُ ودوّنهُ الرحالة من مظاهر الحياة الاجتماعية في المدينة المنورة، وما كُتب من عادات وتقاليد أهل المدينةً في مناحي الحياة المختلفة، أوردُ منها على سبيل المثال:
١- استقبالهم للقادمين إلى المدينة مرحبين بِهم، دون سابق معرفة بهم ولا من أي الجهات أتوا، والقيام على خدمتهم دون السعي إلى ما يقابل ذلك، وما كانوا عليه من التديّن والأدب واللين”.
عاداتٌ، وقيمٌ، وسجايا، سَرتْ في عروق أسلافهم زمناً بعد زمن فتوارثوها مطمئنين، حيث كانت تلك العادات والتقاليد ضاربةً في طين التاريخ والقلوب، مستقين بعض تلك الشيم والعادات من هدي نبينا محمد -عليه صلاة الله وسلامه- وخلفائه الراشدين والتابعين من بعده، الذين كان على أيديهم -بعد توفيق الله وتسديده- انتشار العلم والنور إلى كل أصقاع الدنيا، حتى دأبتْ على مناقبهم الأجيال التي جاءت من بعدهم، إذ كان من عادات تلك الأجيال أيضاً:
٢- أنهم لا ينوحون على موتاهم، وما كان من تَجَلُّدِهم وأسلوب عزائهم وعدم نوح نسائهم، وجنازاتهم الوقورة، والحزن الهادئ الذي كان يسود ذوي المتوفي.
٣- حرصهم على التهنئة بحلول الشهر الجديد، حيث يذهب كل واحد في أول يوم ٍمن كل شهر إلى من لهُ عليه حق بولايةٍ أو شيخوخة أو صُحبة، حتى يهنئه في منزله، وقيامهم بخدمة الضيف خير قيام.
٤- حتى أنَّ سيدة المنزل -مهما علا شأنها- كانت هي من يُباشر طهي الطعام كاملاً.
٥- الرياضة والتنزه في البساتين خارج المدينة، فيخرجون إليها في يوم الثلاثاء أو الجمعة بعد صلاة العصر جماعاتٍ جماعات، ويعودون في المساء، وقد يخرجون إلى هذه الرياضة من أول اليوم، ومعهم غذاؤهم، فيُمضون نهارهم في أحد البساتين التي بضواحي المدينة في سرورٍ وحبور، ويسمّون هذه الفُسْحة مقيالاً”
٦- ومن عاداتهم في مواليدهم أن الطفل إذا مضى عليه أربعون يوماً غسّلوه ونظفوه وألبسوه ملابسَ بيضاء جميلة، وبعد أن يُعطّروه يأخُذهُ أهلهُ وهم في أحسن زينة ٍلهم إلى الحجرة الشريفة، فيأخُذُه الخَدَمة ويضعونه فيها، ويغطونه بستارتها ثم يدعون له بالخير، وبعدها يُسلّم الولد إلى والده ومنهُ إلى أمه فتأخُذه فَرحَةً هاشةً باشة .
ختاماً:
هذه لمحة موجزة لبعض مما وثَّقَةُ الرحالة في كتاباتهم عن عادات وتقاليد أهل المدينة المنورة على مر العصور أُخذت من عدة كتب ومراجع، عاداتٌ وتقاليد قد لا يعرفها كثيرٌ من الناس اليوم، أولا يدركون بعض مراميها، وربما هجروها عمداً بحجة تسارع الحياة رُغم ما فيها من الخير ومن المبادئ العظيمة فهل يعودون فيأخذوا بأحسنها وأطيبها ؟!
هذا وأسأل الله تبارك و تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن ينفع بها، وأن يوردها موارد القبول، وصلّ الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آلة وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
التعليقات