الأكثر مشاهدة

ورقة قدمت في ملتقى: الإنسانيات الرقمية/جامعة الأميرة نورة                        …

 (خارطة طريق مقترحة لأقسام اللغة العربية بالجامعات في صراع الرقمية المعاصرة والذكاء الاصطناعي)

منذ سنتين

1494

2

ورقة قدمت في ملتقى: الإنسانيات الرقمية/جامعة الأميرة نورة                                

أ.د.عبدالرحمن بن حسن المحسني*

(1)

   تبنى المشكلة البحثية لهذه الورقة على إشكالية الوجود لأقسام تخصص اللغة العربية في الجامعات في صراع التحديات المحيطة، وهل يمكن أن تكون التقنية منقذًا لها؟ وكيف يمكن لها أن تسخّر الرقمية لتجاوز تحديات هذه المرحلة؟

 تقدم الورقة العلمية خارطة طريق مقترحة تفتح الإشكالية والحوار حول الآليات التي يجب أن تتخذها أقسام اللغة العربية لكي تدخل في صراع الرقمية بأدوات جادة، تتجاوز بها حالة التلاشي التي تعيشها، وتحاور هذه الورقة الأسئلة الآتية:

-أين يقع التخصص من واقع التطورات الرقمية المحيطة؟ وهل المشكلة في اللغة ذاتها أو في أصحابها؟

-هل يمكن أن يبقى التخصص منفردًا أو أنه بحاجة إلى توأمة مع تخصصات بينية وتقنية؟

-كيف يمكن أن تسهم مواقع التواصل التقني في فتح مسارات الحضور للتخصص علميًا وبحثيًا؟

– هل يمكن أن تحلّ التقنية والمسارات البينية مشكلة نشر بحوث اللغة العربية في المجلات المصنفة عالميًا؟

 وشأن هذه الورقة أن تسعى، بتوظيف المنهج الوصفي، إلى تحرير الأسئلة وإتاحة الرؤى التنفيذية لاجتراح خارطة طريق لأقسام اللغة العربية في الجامعات، نحسب أنها ستسهم-حال تنفيذها-في أن تعيد الوهج إلى أقسام العربية وتجنّبها حالة التلاشي. 

  وأقدّم هنا بأني لا أزعم، من قبل ولا من بعد، أني أكتب جديدًا يتباين عن كلّ ما يحمله كل منتمٍ إلى لغته العربية عمومًا التي تمثل انتماء وهوية، وأنّ ما أطرحه من أفكار ليس أسبقية أدلّ بها، بل مؤكد أن ذهن كل منتمٍ إلى العربية والتخصص يمور به، سواء نطقه أو كتبه أو استكن بهمه، وحسبها أن تثير السؤال وتثوّر الإجابة وتفتح النقاش حول هذه القضايا التي تتصل بالتخصص والهوية.

(2)

هناك نقطتا نظام نضعهما في مطلع هذه الخارطة، وهما يجيبان عن سؤالين:

هل ما نحن فيه الآن يمثل تحولاً رقميًا لا عودة فيه أو أنه تغير طارئ؟ 

 تثبت مؤشرات التحول الرقمي العالمية على أن التحول الرقمي يعد مرحلة مفصلية في تاريخ الإنسانية، وأنه لا عودة إلى مرحلة ما قبل الرقمية. وهو تحول يقوده قطاعان مهمان هما الاقتصاد والسياسة، وتبعتهما تحولات اجتماعية انعكست بطبيعة الحال على العلم والمعرفة. 

نقطة النظام الثانية: هل اللغة العربية في ذاتها قادرة على مسايرة التحولات الرقمية؟

    يُبيْن واقع اللغة العربية في ذاتها وصفاتها أنها قادرة على مواجهة كلّ التحديات، وعلى صهر اللغات في قوتها وبنائها إذا ما تهيّأت لها القوة السياسية والاقتصادية الداعمة التي تؤمن بقدرتها وتنتمي إليها، فاللغة العربية في ذاتها وصفاتها قادرة على تجاوز تحدي التقنية وتسخيرها لقواها؛ لا نقول هذا الكلام تزلفاً إليها أو إعلامًا عنها، ولكن من واقع تحديات مرت بها سابقًا عبر عصور متعاقبة وظروف متغايرة استطاعت أن تتجاوزها على مدى قرون، ونزعم هنا، أنها تستطيع في خضم صراعاتها المعاصرة أن تواجه هذا التحدي إذا ما وحّدت الجهود وآمنت بها القوى السياسية المتحدثة بها أو بعضها. ولا ضير، في نظري، في وجود أي لغات حية معها، فهذا لا يغض من شأنها ولا يحجم قواها، بل يزيدها توهجًا وحضورًا، ويدفعها إلى الإفادة والمنافسة.

  وبالنظر إلى القوة السياسية الحاضنة لهذه اللغة العربية نجد عدة جهود تذكر فتشكر، ومنها جهود المملكة العربية السعودية؛ فدائما ما تكون قيادة السعودية في مبادرات تظهر مدى انتمائها واعتزازها بلغتها الأم، وهي تظهر وعيًا كبيرًا بالتحديات الرقمية التي تعيشها اللغة في ظل التقنية، وتقدّم دعمًا ومبادرات ومشاريع نوعية، ومن تلك الجهود المركزية جهود (مركز الملك سلمان العالمي للغة العربية) في قضايا مثل حوسبة اللغة والذكاء الاصطناعي المتصل بها، وقبله كان (مركز الملك عبدالله الدولي للغة العربية)، ورأينا مثلًا مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية تفتح (مبادرة المحتوى العربي) التي ربطت بين كيانين مهمّين، وأسست لمشروع (اللغة والتقنية)، وكلها مؤشرات على انتماء الكيان السياسي إلى اللغة الأم العربية، وأنّ هذه اللغة يمكن أن تظفر بغطاء سياسي عربي عالمي مهم. والسعودية بما تملكه من قيمة عربية وعالمية كبيرة يمكن أن تكون في واجهة هذا المشروع، في إطار رؤية المملكة العربية السعودية (2030)، التي تبني مجتمعًا حيويًا يعتز بلغته الأم ويجيد معها اللغات الحيّة الأخرى، حتى يسهم في تفاعلية مجتمعية أكبر، وهو غطاء سياسي له اعتبارات مهمة، عالمية وعربية.

  وإذا تحدثنا عن اللغة العربية فنحن نتحدث بالتالي عن تخصصات اللغة العربية في الجامعات التي تُعنى بهذا التخصص وتنميته من خلال حوالي ستين قسمًا في الجامعات تخرّج وتشرف وتدرب المتخصصين، إضافة إلى ما تنتجه أقسام اللغة العربية من رسائل علمية لطلاب الدراسات العليا، وبحوث علمية للأساتذة المتخصصين. ومن أسف أن أقسام اللغة العربية في الجامعات مازال أغلبها مغيبًا أو متوجسًا في صراع الرقمية، وفي شبه عزلة عن الجهود المؤسسية وتفعيل مثل هذه المبادرات الرابطة بين اللغة وتحدياتها التقنية، إذْ كان يجب أن تجسَّر العلاقات بين الجامعات(ممثلة في تخصصات اللغة العربية) وبين المؤسسات السياسية الداعمة وما تقدمه من مبادرات مركزية، وكان على الجامعات وأقسام اللغة العربية أن توجّه إليها طلاب الدراسات العليا العربية لاختيار موضوعات الرسائل العلمية وتفعيل المعامل التقنية التي أتاحتها المبادرات لتطوير التخصص وربطه بمشاريع التنمية. ومثل هذا الربط الحيوي كان يمكن أن يستنقذ الأقسام من رتابة أطروحاتها وبُعْدها عن هم اللغة العربية العصري الحقيق من جهة، وكان يمكن أن يسهم في رأب الخلل الذي أدى إلى توقف بعض مبادرات المؤسسات عن العمل من جهة أخرى.

   ونؤكد هنا على أنّ حياة اللغة -أي لغة-يعوّل على القيمة السياسية والاقتصادية، ولا معنى لجهود لا ترعاها وتنتصر لها مؤسسة، وتلك المؤسسة السياسية هي ما دفع إلى حياة اللغة العربية عبر عصورها، ويجب على الأقسام المتخصصة أن تعلم أن حياة اللغة العربية التي يهتمون لحياتها قطعًا ليست في الانكفاء داخل الأسوار الجامعية، بل في وضع خطط تمد جسورًا بينها وبين المؤسسات التي ترعاها سياسات الدول وتمدها بقوتها السياسية والمالية، ونتذكر أن اللغات الحية على مدار تاريخ اللغات لا تكتفي بمقدراتها الخاصة ولكن تلك اللغات رعتها مؤسسات سياسية منحتها القوة اللغوية والسيادة، وقربتها من الوعي الجمعي.

ومن هنا فإن هذه الخارطة تؤكد على الآتي:

التوصية الأولى (تجسير العلاقة بين المؤسسات السياسية الراعية للغة العربية وبين أقسام اللغة العربية في الجامعات، وتفعيل العلاقة الدائمة بين مشاريع الدراسات العليا العربية والباحثين فيها والمبادرات المؤسسية التي تعتني باللغة والتقنية). 

(3)

   تفتح الإشكالية البحثية هنا الحوار حول الآليات التي يجب أن تتخذها أقسام اللغة العربية لكي تدخل في صراع الرقمية بأدوات جادة، تتجاوز بها حالة التلاشي التي تعيشها، وتسعى الورقة هنا إلى تحرير الإجابة عن سؤال:

– أين يقع التخصص من واقع التطورات الرقمية المحيطة؟ وهل المشكلة في اللغة ذاتها أو في أصحابها؟

  أثبتت اللغة العربية قدرتها التاريخية على التجدد والتفاعل مع عصرها كما سبقت الإشارة، ويبدو أنها خلقت لذلك، وكتاب الله تعالى، الذي حمى هذه اللغة من التلاشي على مدار التاريخ، نجد في بنيته اللغوية استجابة لعصره وتطويع اللغة لها، وإشارات إلى طاقاتها القابلة للتجدد في كل عصر.

 يشهد الواقع الرقمي تفاعلية رقمية كبيرة تحيط باللغة العربية تقوم عليها مؤسسات اقتصادية كبرى، وهناك حركة موازية تقوم عليها مؤسسات سياسية كبرى تهتم لشأن العربية، ويبدو أن الجهود التي تبذلها المؤسسات المهتمة لا تُرعيها المؤسسات الجامعية الأهمية والتفعيل الذي تستحق، فما زالت أقسام اللغة العربية في الجامعات العربية، تقريبًا، على ما كانت عليه قبل الرقمية، فالكتب هي ذاتها والمناهج هي الأخرى وقاعات الدرس تدرّس بالطريقة الأولى والرسائل العلمية تجتر قضايا قديمة فنيتْ درسًا. ومن هنا نستطيع أن نقول: إن مشكلة اللغة العربية في أصحابها ومدعي حبها الذين لم يستطيعوا تطوير أنفسهم والدخول في محو الأمية الرقمية، ليتمكنوا من مواجهة تحدياتها الرقمية، ومن أسف أنها قد انعكست على طلابهم فأقصوهم عن واقعهم والرقمي وفرضوا عليهم، بسلطتهم العلمية، أن يبقوا في دائرة بعيدة عن تحديات اللغة العربية فكانوا عاملًا من عوامل حالة التلاشي التي يعيشها التخصص.

والتوصية: أن تعاد هيكلة أقسام اللغة العربية في الجامعات العربية بناء على متطلبات المرحلة، وأن يُلزم أساتذة الجامعات بالدخول في دورات مبسّطة إلزامية لمحو الأمية الرقمية، وأن توضع خطط جديدة للمناهج بما يتواءم وتطور الرقمية المعاصرة.

(4)

 هل يمكن أن يبقى تخصص اللغة العربية منفردًا أو أنه بحاجة إلى توأمة مع تخصصات بينية وتقنية؟

  تؤكد هذه الخارطة على ضرورة التوأمة بين تخصص اللغة العربية والتخصصات الأخرى بما يحقق تنمية اللغة العربية وتنمية التخصصات الأخرى، وبما ينعكس على المجتمع وتطوره. ومن تلك التخصصات انفتاح العمل البحثي في حقول اللغة العربية على اللغات الحيّة في الأقسام الأخرى كتخصصات اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية والصينية، بحيث يتم العمل على مشتركات تلك اللغات في البحث العلمي لأساتذة اللغة العربية. ويتم ذلك من خلال تفعيل اختيار موضوعات بحثية ذات تقاطع مع الهم الإنساني المشترك تتصل بتخصص اللغة العربية من ناحية وموضوعات من اللغات الأخرى من ناحية أخرى، فتدرس الظواهر الفنية والإنسانية المشتركة بين الشعراء من خلال باحثين من اللغتين أو اللغات، وعلى سبيل المثال (ظاهرة كورونا كمشترك إنساني بين شعراء من لغات مختلفة// المتنبي في تصورات التجارب الإنسانية العالمية// جوته وتأثيره في اللغات المتعددة…) وهكذا. وبمثل هذا يتم استنبات موضوعات مشتركة يعمل عليها الباحثون، وهذا سيؤدي إلى تقوية بناء التخصص وانفتاحه على مسارات جديدة، كما أنه يسهل نشر البحوث في مجلات عالمية مصنفة تسهم في دعم مواقف الجامعات من التصنيف، وهذا يعيد للجامعات الثقة في التخصص.

ولعل من التخصصات المهمة التي يمكن أن تفتح آفاقًا جديدة للموضوعات البحثية تخصص الحاسب الآلي في الاتجاهات التي تدعم مسار اللسانيات العربية والإنسانية. وإنْ تلك إلا نماذج على تخصصات أخرى يمكن فتح مسارات معها.

  إن انكفاء اللغة العربية على نفسها في زمن الانفتاح المعرفي والرقمي يدفع إلى تأكسد اللغة، وإلى تعزيز حالة التلاشي التي تحيط بالتخصص، ونشير في نمذجة تداخل التخصصات إلى تجارب أمثال الدكتور نبيل علي في (هندسة اللغة) وجهوده التي تكشف الطاقة الكبيرة التي تمنحها التخصصات الأخرى للغة العربية.

والتوصية: أ- أن تسعى الجامعات إلى فتح مسارات جديدة لتخصص اللغة العربية تتقاطع فيها مع تخصصات أخرى كاللغات وكليات الحاسب. 

   ب- أن يعاد النظر في معايير الترقيات العلمية، بحيث يكون ضمن بحوث الترقية البحث المشترك الذي يقوم عليه أكثر من باحث في أكثر من تخصص بيني، ويُنشر في وعاء مجلة علمية ذات معامل تأثير عالية، تسهم في دعم الاقتباس والنشر المصنف، بما يعزز قناعة الجامعات بتخصص اللغة العربية.

احتراز (من المؤكد وجود معوقات للنشر في المجلات العالمية المصنفة مثل SCOPUS وISI ، ولكننا هنا نضع استراتيجيات عامة ، مع التأكيد على ضرورة تكاتف الجهود المهتمة بالعربية على وضع البحث العلمي للغة العربية في إطار التصنيف العالمي، وأحسب أن من أهم طرقه الموضوعات المتداخلة التي تغذي عددًا من الحقول).

(5)

 كيف يمكن أن تسهم مواقع التواصل التقني في فتح مسارات الحضور للتخصص علميًا وبحثيًا؟

 توقّفتْ كثير من المكتبات الورقية، وتعطلت كثير من المطابع، وتوجه المدونون والشعراء والأدباء إلى كتابة إبداعهم على مواقع التواصل الاجتماعي ابتداء أو نقل نتاجهم إلى مواقعهم الإلكترونية، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية هي مدونة النص الكبرى، سردًا وشعرًا، وانتقلت بعض المؤسسات الورقية إلى مواقع مثل تويتر وفيس بوك.

   وقد واكبت بعض أقسام اللغة العربية، على قلة، تتبع دراسة النص العربي على تلك المواقع، وأحجمت أخرى وهاجمت، ومشكلة اللغة والتقنية تتسع!. وفي رأي الدكتور منصور الغامدي فإنّ سبب اتساع الفجوة بين اللغة والتقنية هي سرعة التقنية وتوجس اللغويين مما وسع الفجوة بينهما. ورغم ذاك فقد قامت مؤسسات لغوية بتفعيل مواقع التواصل الاجتماعي على تويتر وفيس بوك وإنشاء مجامع ومعاجم لغوية ومواقع أدبية، ونشطت مؤسسات في دعم المكتبة التراثية العربية على يوتيوب ومواقع شبكية أخرى، نصًا كانت أو كتبًا، وكل أنشطة تتصل باللغة العربية فهي، بالطبع، داعم ورافد مباشر للتخصص.

ومن أجل حياة اللغة العربية ومواكبتها للتجدد المعاصر تؤكد هذه الخارطة على التوصية الآتية:

  ضرورة ربط طلاب التخصص بهذه المواقع كتابة ومتابعة.

   ب- تولي الأقسام وضع القوانين اللازمة للتوثيق والآليات الفنية للاستفادة القصوى من تلك المواقع.

ج- ربط طلاب الدراسات العليا باختيار موضوعاتهم من تلك المدونات والتخيّر منها.

ج- إضافة مواقع التواصل الاجتماعي وروابط بعض المواقع المختارة إلى مناهج البكالوريوس.

د- ربط الطلاب بالمصادر الأصيلة في كلّ فروع المعرفة لقربها من متناول أيديهم، وإلغاء المراجع الوسيطة والمذكرات الهزيلة والمعاقبة عليها.

  ومن شأن تفعيل هذه التوصيات إدماج اللغة العربية في الرقمية والإسهام في حفظ المدونة العربية من التلاشي.

احتراز (مما يعيق تنفيذ هذه التوصية سرعة فناء بعض الروابط والمواقع والمنصات، ومن شأن هذه الأقسام المتخصصة وما يتصل بها من تخصصات تقنية داعمة تقديم المبادرات التي تسهم في حفظ أمثل للمواقع والمدونات. 

(6)

 كيف يمكن صناعة مناهج تفاعلية جديدة في أقسام اللغة العربية؟ 

   الناظر في مناهج أقسام اللغة العربية، حتى في خططها الجديدة، يلحظ أن نسبة التطور الرقمي فيها قليلة، وأحسب أن تطوير المناهج تطويرًا رقميًا حقيقيًا يعد عاملًا أهم في مستقبلية التخصص، وتقترح الخطة هنا ما يأتي: 

تفعيل جهاز الجوال والحاسب الآلي في أدائية المحاضرات، وتحويلهما إلى مصدر معرفي.

 الاستفادة القصوى من قرب المعرفة وتفعيل الروابط المتصلة بها.

تنويع أدائية النص اللغوي والأدبي، بين المهارات العلمية المختلفة (صوتية ومرئية) بحسب موضوع الدراسة، والاستفادة من المواد المتاحة على يوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.

التوجه إلى التعلم التعاوني وإشراك الطلاب في إنتاج المعرفة وبنائها وتداولها.

الاستقطاب الإلكتروني للكفاءات العلمية لتدريس مقررات اللغة العربية وتبادل المعرفة بين أقسام الجامعات.

  إن من شأن ربط الطلاب بمصادر المعرفة الرقمية استمرارية المعرفة والتعرف على مصادرها القريبة من الطالب وانفتاح التخصص على مسارب معرفية يفيد منها الطالب وتسهم في نماء التخصص وتجدده.

 (7)

– ماهي ملامح الخارطة المستقبلية للدراسات العليا العربية، موضوعات وآليات عمل؟

  أحسب أن مستقبل تخصصات اللغة العربية رهن بوعيها بخصائص المرحلة الرقمية المعاصرة، وقدرتها على تطوير نفسها، وحسن إدارة علاقتها بالمؤسسات المهتمة. وإذا ما تم ذلك فإن على تلك الأقسام وضع خطط جديدة للدراسات العليا ترعاها كل من المؤسسات السياسية والمؤسسات الجامعية ممثلة في تخصصات اللغة العربية، وتقترح الخطة الآتي:

إعادة تدريب جميع أعضاء هيئة التدريس والموظفين وإعداد ورش عمل متطورة للتعامل مع التقنيات التدريسية المختلفة، بما ينعكس على بناء طالب الدراسات العليا وتطوير قدراته العلمية والبحثية.

تصميم مناهج جديدة في عملها وآلياتها تستوعب حركة المتغيرات وتستشرف مستقبل اللغة العربية في ظل هذه المتغيرات.

تطوير البنية التحتية للعمل البحثي وآليات تلقي المعرفة وطرائق المناقشات العلمية، حتى تناسب خصائص المرحلة. 

السعي إلى فتح مسارات لموضوعات ومشاريع علمية تسهم في صناعة مستقبليات التخصص، وفتح مجالات للمجاميع البحثية التي تسهم في بناء الاستثمار في اللغة العربية وتعزيز دورها في اقتصاد المعرفة.

(8)

– هل يمكن أن تحلّ التقنية والمسارات البينية مشكلة نشر بحوث اللغة العربية في المجلات المصنفة عالميًا؟

   يعد من أهم أسباب إقصاء كثير من الجامعات لتخصصات اللغة العربية عن واجهة الاهتمام هو انعدام قدرتها على النشر العالمي في المجلات المصنفة (SCOUPAS/ISI ) نموذجًا، ومن ثم فإنّ بحوث اللغة العربية التي ينشرها الباحثون في التخصص للترقيات، مثلًا، لا تسهم في دعم التصنيف العالمي للجامعات، رغم قيمتها علميًا، فتشعر القيادات في الجامعات بعدم أهمية التخصص، وتقترح الخارطة في هذا الصدد ما يأتي:

          ضرورة انفتاح تخصص اللغة العربية على تخصصات بينية، تقنية ومهنية تجسّر النشر في تلك المجلات.

 أن تتجه موضوعات بحوث تخصص اللغة العربية إلى أن تكون ذات صبغة إنسانية عمومًا أو في اتجاه الموازنات بين اللغات أو في تجذيرٍ لخصائص وسمات بين اللغات الإنسانية المشتركة، أو في دراسة مصادر تراثية أسهمت في التأثير على الإنسانية.

أن تعمل أقسام اللغة العربية على إيجاد مكاتب ترجمة معتمدة للبحوث.

أن تسعى أقسام اللغة العربية إلى التواصل مع المجلات المصنفة عالميًا لتوثيق النشر باللغة العربية. 

         تحفيز الجامعات للنشر في المجلات ذات معامل التأثير العالية.

         تنشيط الاقتباسات والحرص على وضع البحوث على المنصات الإلكترونية الفاعلة.  

***

 (9)

أما بعد:

  فقد كنت قد أتممت أعمال الورقة وبعثتها إلى ملتقى الإنسانيات الرقمية في 18/أكتوبر/2022، وتأجل الملتقى عدة مرات، ثم نشطت (chat GPT) من بعد وأصبح لها حضورها الفاعل مطلع عام 2023، وأصبحت محوراً لتحد جديد يمس التخصص بسبب، لا سيما وقد دخلت الشركات الكبرى في صراع الحضور لتعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي اللغوية ما استدعى طرح هذه الرؤية، وإضافتها بأفكارها ومقترحاتها إلى هذه الخارطة.

“تقوم هذه الفكرة على مساءلة واقع البحث العلمي في القسم والكلية والجامعة في ظل هذا الانفتاح المعرفي، وفي ظل وجود محركات وبرامج بحث الذكاء الاصطناعي(chat GPT) التي تتيح فرصة كتابة البحث العلمي وتوثيق مصادره في دقائق معدودة بدرجة ربما تفوق ما يكتبه الباحث المتمرس، ما يستلزم في نظري وقوف المؤسسات على آليات جديدة لتفعيل برامج الدراسات العليا والبحث العلمي.

وعطفاً على ضرورة تغير مفاهيم البحث العلمي وموجهات النشر النصي بانتقال المدونات النصية إلى مواقع الشبكات على تويتر وفيس بوك ويوتيوب وانستجرام وتيك توك وواتساب وغيرها وتضخم هذه المدونات بالنصوص ووسائطها، مما تذوب فيه الأعمال الفردية وما يستدعي وقوف المؤسسات على وضع خطط تجند لها الفرق البحثية من الطلاب التي تعمل وفق مشاريع منظمة ووفق خطط علمية مدروسة تحدد الأهداف المؤسسية ويشرف عليها الأساتذة الأكفاء، ويتم اختيار عناوين المجاميع الشعرية والسردية التي توجه إليها الدراسات وتوضع لها القوانين العلمية والمعرفية للبحث والتوثيق والتعامل البحثي وفق المستجدات وآخر ما توصل إليه الوعي بالظواهر المستجدة البحثية والمجتمعية، كل ذلك استدعى تقديم هذه الخطة للمناقشة والبناء عليها في سبيل تعديل مسار البحث العلمي وفق التطورات المفصلية الحديثة. ومن شأن تكوين الفرق البحثية العمل المنتج لمشاريع بنائية تقترب من تنفيذها المؤسسة وطلابها وإشراف الأساتذة، بما يحقق البناء المعرفي للطالب والمجموعة والعمل.

الأهداف

وضع استراتيجية مؤسسية جديدة للبحث العلمي تراعي تطورات البحث بالذكاء الاصطناعي وترعاها الكلية والقسم.

تعزيز العمل الجماعي من خلال تجنيد فرق بحثية من طلاب الدراسات العليا وطالباتها لتناول المدونات النصية واللغوية الرقمية ويشارك في صنعها نخبة من الأساتذة المتخصصين.

 تسخير التقنية والبحث بالذكاء الاصطناعي لتحقيق المخطوطات العربية والإفادة منها في دعم المحتوى العربي.

بناء استراتيجيات لمحو الأمية الرقمية وإعداد أرضية رقمية للتطوير المتجدد.

نماذج من المدونات الرقمية التي تحتاج لتجنيد فرق بحثية مشتركة:

جهود المعاجم اللغوية الرقمية على تويتر.

تعزيز المشاريع المشتركة البينية الداعمة للنشر المصنف.

حوسبة اللغة.

مدونة الشعر العربي على تويتر.

مدونة السرد العربي القصصي على فيس بوك.

 مدونة قصص الأطفال على انستجرام ويوتيوب cads.

العودة إلى المشاريع المشتركة لتحقيق التراث العربي بالتقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي.

تعزيز توجيه الطلبة إلى دراسات مسحية ميدانية لدراسة الظواهر اللغوية واللهجية.”

خاتمة

  هذه الورقة العلمية هي عبارة عن مشروع خارطة طريق للأقسام المتخصصة في اللغة العربية في الجامعات العربية، وطرحت عدة مقترحات ومشاريع لدعم موقف اللغة العربية في عصر الرقمية. والنتيجة المنتظرة لهذه الورقة تبنى على القرار الذي يبني العلاقات المتصلة والدائمة بين المؤسسات السياسية الداعمة وما تؤسسه من مشاريع تتولاها الجامعات ممثلة في تخصصات اللغة العربية، تسعى بها إلى تعزيز حضور التخصص في صراعات الرقمية، وبما يعزز توجهات رؤية المملكة العربية السعودية 2030 في بناء مجتمع حيوي يستوعب لغات الحياة الفاعلة ويعزز الانتماء إلى اللغة الأم. وقد طرحت مقترحات وتوصيات مصاحبة لإجابات الأسئلة التي قدمت بها الدراسة، لترسم خارطة شاملة للإشكالية والسؤال وما يقترحه الباحث من حلول. وتتأمل الورقة أن تتحول هذه الأسئلة والتوصيات التي طرحتها إلى خطة عمل تقوم على تنفيذها المؤسسات المهتمة لتحقيق ما طرح فيها من غايات. 

                                                                           

*ناقد وأكاديمي بجامعة الملك خالد

 

 ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

التعليقات

  1. يقول سوسن:

    رؤية على ما بها من تفاؤل فإنها صعبة التحقق؛ لأن اللغة العربية لن تتطور ويصير لها شأو وشأن ما لم تتخذ سياسات جادة حيال تعزيزها في كافة المناحي؛ للأسف أمة العرب شعوب تحب أن تأخذ اللقطة، أما التنفيذ الفعلي فمنعدم…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود