الأكثر مشاهدة

الكاتبة و التشكيلية/ فاطمة الشريف يا فارض الحج قلبي لك لبّى           فاقبل بعفو …

حج وبيع سبح

منذ سنة واحدة

449

4

الكاتبة و التشكيلية/ فاطمة الشريف

يا فارض الحج قلبي لك لبّى           فاقبل بعفوك مَنْ بحقك أخطا

الحج ركن وشعائر، رحلة وترحال، مهوى أفئدة المسلمين، وأمنية جميع المؤمنين.

كان الحج لأهل مكة عبادة وتجارة، نزهة وسياحة، يحج البيت المكي بأقل الأمتعة والتجهيزات، يقيم الأب خيمته في عرفة بمعاونة أولاده، ويمضى إلى مزدلفة بسيارته أو مرتحلاً حماره؛ ليقضي ليلته بالمشعر الحرام، ثم ينتقل صباحًا إلى مكة متوجهاً للبيت الحرام طائفا للإفاضة، قاضيا نهاره في أعمال الحج الأخرى، ويسهر في منى، وهذا دأبه حتى نفرة يوم الثاني عشر إلى مكة، فالحج لأهل البيت المكي نَّفْلُ سنوي يُؤدي بكل سعادة وهمة.

 في أيام الحج تزدهر مكة، وتزدحم أحياؤها  بحجاج العالم الإسلامي، فتشعر بالألفة والترابط بين أهل مكة والحجاج القادمين، وتتجسد الكثير من المشاهد المكية في الحديث عن المطوف أبي حسن -رحمه الله-. 

كان أبو حسن مطوفًا مكياً من الطراز الأول، يتسم بالذكاء وسرعة البديهة، وحسن المعشر وحلو الخطاب، يتقن اللغة الهوساوية بطلاقة، حيث أنّ جل حجاجه من دولة  نيجيريا الإتحادية، وكان يخصص وقتًا من يومه في مكتبته التي تضم الكثير من كتب الدين والرحلات وثقافات الشعوب، حيث أنّ مهنته تتطلب العلم الشرعي لأحكام الحج والعمرة، وثقافة واسعة في عادات قبيلة الهوسا، وأساليب التعامل والتواصل معهم، ودراية شاملة بالتعليمات والتنظيمات التي من شأنها تسهيل رحلة الحج واستقبال الحجاج من ميناء جدة الإسلامي وصولًا إلى مكة، ومن ثم تنقلهم بين المشاعر المقدسة بكل سهولة ويسر، وزيارة المسجد النبوي والآثار المدنية ؛ الأمر الذي يتطلب منه خلفية تاريخية لتلك الأماكن المقدسة والآثار الإسلامية بمكة والمدينة، قد كان نعم الوريث الصالح لمهنة الطوافة التي اكتسبها من أجداده علماء ووجهاء مكة المكرمة وفق صك (فرمان) يحق له ولأبنائه من بعده ممارسة وتوريث مهنة الطوافة.  

فقد كان استعداده لضيوف بيت الله الحرام رمزًا للكرم والجود، والجودة والإتقان، حيث يبدأ تجهيزات الضيافة من أوائل شهر رجب الحرام، وأولى تلك التجهيزات العناية المستمرة بتجديد ونظافة منزله المكون من خمسة طوابق، والواقع في السوق الصغير الحي الأقرب للحرم المكي من جهة الغرب الذي تمت إزالته في عهد الملك فهد بن عبد العزيز عام 1403هـ ، وإدخال مساحته ضمن الساحات الغربية للتوسعة الثانية للمسجد الحرام وإقامة نفق السوق الصغير، كان  ذلك المنزل يحتفظ ببعض من ملامح العمارة المكية التراثية خصوصاً في الواجهة حيث كانت نوافذ المجالس كبيرة مصنوعة من الرواشين الخشبية، وتعلوه الشوابير على حوائط الخارجات العلوية للمنزل، وكان له خارج منزله مركازٌ هو عبارة عن مكان يجلس فيه المطوف ومعه معاونيه الذين تتعدد فيهم بعض وظائف الحج مثل: سائقي الحافلات التي تنقل الحجاج، وطاهي الأطعمة الهوساوية مثل الاقاشي، والقدوقدو، والصبيان الذين هم بمثابة الخدم للحجاج الذين يقومون على توفير الخدمات لهم من نظافة المنزل، ونصب خيام المشاعر بعرفة ومنى، وحلاّق الشعر، وناحر الأضاحي، كل تلك الوظائف تؤمّن للحاج قبل وصوله، ويشرف عليها المطوف المكي بكل حرص واهتمام، وهنالك من المهن والحرف ما ينشط في موسم الحج، وتزدهر بها أحياء وأزقة مكة مثل الصّراف وهو من  يستبدل العملات أو يحّول النقد من الذهب إلى الفضة أو العكس، وحداد السكاكين، والسقا الذي يملأ بعض خزانات الماء الصغيرة داخل البيوت والأحواش، والزمزمي الذي يصب ماء زمزم من الجرار الفخارية ويسقي الحجاج داخل الحرم الشريف، والحمّالين، والقطانة (النداف) الذين يصنعون المراتب والوسائد المقدمة للحجاج.

ولأهل المطوف دور كبير في المشاركة في ضيافة وإسعاد الحجاج من حيث إعداد حلويات الحج مثل: المعمول الحجازي بأشكاله المختلفة، وتوفير النُقل الذي يُطلق على المكسرات المتنوعة، ويغلب عليه الحمص، مع بعض من الحلوى الملونة، كما يقمن بخرط السبح وتجهيزها من خشب اليسر، أو الصندل، أو الخرز الصناعي الملون وتكليف الأولاد الصغار ببيعها على الحجاج، حيث تعد من الهدايا المرغوبة لديهم، وعندما تخلو مكة من الرجال والحجاج من اليوم الثامن من ذي الحجة إلى اليوم الثاني عشر يُطلق المكّيون قديما على هذه الأيام “الخلّيف” وهي كناية عن إن هنالك أناس تخلفّوا عن الحج، وفي الغالب يكونون من كبار السن والنساء، فهذه الفئة هم من من تخلّف عن أداء فريضة الحج، وخلف الرجال والحجاج في مكة، تحرص النساء في يوم عرفة علي إحياء ليلتها بالصلاة والذكر، ونهارها بالصيام وتلاوة القرآن، والتوجه إلى الحرم للطواف به، وصلاة المغرب، والإفطار في ساحة الكعبة، ثم يعدن إلي منازلهن استعدادًا لصلاة فجر يوم العيد الأكبر، وتحرص بعض العائلات على التجمع العائلي ليلة العيد، وإحياء تلك الليالي بالسمر والرقص والحديث عن عادة “القيس” وهي من العادات القديمة جدًا، عندما تخلو أزقة مكة الصغيرة من الرجال والحجاج، فتحيي النساء تلك الليالي بارتداء الزي الرجالي “الثوب والشماغ” ويؤدين رقصات مختلفة، ويُزف قيس إلى محبوبته؛ ليجسدان بظرافة تخلّفه عن الحج رغبة منه في البقاء إلى جوار محبوبته، ويحمل بعض النساء مجسمًا خشبيًا للغزالة والحصان، ويضربن على الدفوف بالأهازيج الشعبية الخاصة بهذه الأيام والتي من أشهرها: 

 «يا قيسنا يا قيس الناس حجوا.. وأنت قاعد هنا ليش؟ الليلة نفرة قوم اذبح لك تيس.. قوم روح لبيتك.. قوم اخبز لك عيش»، فتضج مكة أنسًا وطربًا، فلا يمكن أن يدخلها لص أو قاطع طريق للجلبة والضجة التي تحدثها النساء.

صور ومشاهد متنوعة شهدها الشارع المكي والبيوت المكية خلال فترة الحج قديما تعكس النسيج الثقافي والاجتماعي المتنوع لأهل مكة، قبائل وشعوب سكنت مكة المكرمة أرض الله الحرام وقبلة المسلمين. 

التعليقات

  1. يقول Fatimah Al-Sharif:

    كل التحايا لشخصكم الكريم والشكر أن نال المقال ذائقتكم …

  2. يقول محمدباخشوين :- جده:

    سرد عذب وذكريات جميله .. طبعاً لازلنا نتذكر السوق الصغير . والحج وبساطته ومعاناته في أن معاً .. وتذكرت كشريط سينمائي باهت الملامح . ليلة الخليف (والقيس) .. فهو لم يكن مقتصراً على أهل مكه المكرمه بل كان موجود في الطائف في بعض الاحياء . وأتذكر ارتداء النساء للملابس الرجاليه . فكل إمره ترتدي مايتوفر من ملابس زوجها . وليس بالضروره الشماغ والثوب .. أحييتي ذكريات تمر في الذاكره الان كالسراب . حتى اهازيج الانشوده . حذف منها أو أضيف إليها جمل أخرى ( ياقيسنا قيس يالحية التيس) .. إلى أخر الانشوده وأهازيجها .. للأسف أنققرضت منذوا عقود طويله . ولم يتسنى لنا إستعادة ذكرياتها من أفواه أمهاتنا والسيدات كبيرات السن اللواتي طواهم الاجل المحتوم . نص بديع وتوقيت نشره أجمل تنهانينا من الاعماق . الأديبه الفنانه الرائعه . فاطمه الشريف . عيد أضحى مبارك وكل عام وانتم بالف خير

  3. يقول حامد العباسي:

    حينما أجول يين أحرف هذه الكاتبة والفنانة التشكيلية المبدعة، تكون قراءتي قراءة في ريشة كاتبة، وقلم فنانة!
    وكان من المنطقي في هذه العبارة أن تكون: (قراءة في قلمِ كاتبة وريشة فنّانة)، لكنني لم أتجاوز المنطق، فهذه الفنّانة تجيد قيادة دفّة الكلمة المحلّقة في سماء الإبداع، كما تجيد تماما توجيه ريشة الفن المبحرة في فضاءات الموهبة، وتبهرنا بلوحاتها الفنية التي تعبّر عن آلاف الكلمات، فهي بالتالي تستخدم ريشتها كقلمٍ معبّرٍ عن ماتريد قوله، وهي أيضا تقودنا إلى ذات الانبهار حينما تكتب، وكأنّها ترسم لوحةً فنية بقلمها.
    لم أطّلع على جميع لوحاتها الفنية، لكن القليل مما اطّلعتُ عليه ينبئنا أي فنّانة هي، ولم يتسنّ لي أن أقرأ جميع ماخطّه قلمها لكن القليل أيضا يخبرنا أي كاتبة هي.
    إنها تعمل بانسحام وتناغم مابين الريشة والقلم.
    تحية تقدير وإجلال الكاتبة والفنانة التشكيلية فاطمة الشريف.

  4. يقول Fatimah Al-Sharif:

    بين أحرف الشموخ والعرفان أقف عاجزة عن شكر استاذ محمد باخشوين الإعلامي الكبير وأخ القاص السعودي عبدالله باخشوين رحمة الله عليه على إضافاته القيّمة وتباريكات الأضحى السعيد … وعن شكر الإعلامي السامق الشامخ استاذ حامد العباسي على ثنائه العطر … حروف تتمازج على صفحات فرقد الإبداع لتضم كوكبة من القراء الذين تستحق ذائقتهم الإشادة والعرفان … وما هذا إلا جهد المقل المحب … أجمل التحايا لتواجدكم …
    استاذ حامد واستاذ محمد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود