الأكثر مشاهدة

كم من الشعراء كتب عن الشعر واصفا ومُعرِّفا، وكم منهم كتب عن تجربته الشعرية وتعام …

(أن تكتب شعرًا) للدكتور عبد العزيز المقالح

منذ سنة واحدة

476

0

كم من الشعراء كتب عن الشعر واصفا ومُعرِّفا، وكم منهم كتب عن تجربته الشعرية وتعامله مع كتابة القصيدة، غير أن ما يميز قصيدة الدكتور المقالح أنه رسم دليلا عمليا، أو خارطة طريق لكتابة الشعر. يستهل قصيدته بضرورة استبعاد الكلمات من النص لأنها لا تكشف عن الحقيقة، بل تحجبها:
سأحاول أن أكتبَ بالورد
عن الورد
وبالبحر عن البحر
وبالشمس عن الشمس
وبالغيم عن الغيم،
وأن أكتب بالليل عن الليل.
قد أنجحُ أو لا أنجح
لكني سأحاول إبعاد الكلمات
عن النص
فقد حجبت عنّا
ظل الأشياء.
* * *
ثم يشرح ما غمض في الفقرة السابقة من أن همَّ الشاعر يجب أن يكون موجها للشعر لا للغة، ويحذر من الألفاظ المطروقة والأساليب المصلوبة:
حاول أن تكتب شعرًا
لا لغةً
أن تطرق باب المعنى
بالمعنى
أن تطرق باب الصورة
بالصورة
لا تتوسل للشعر
بغير الشعر
ولا تتقبل معنى مطروقًا
أو تعبيرًا مصلوبًا
في أفواه الشعراء.
* * *
ثم ينتقل بعد المقدمة إلى ضرب الأمثلة. فيطلب من الشاعر أن يكون ما يكتبه نابضا بالحياة، فإذا كان يكتب عن شجر فلا يكتفي بوصفه بالكلمات، بل يجعله مرئيا للقارئ، يرى فيه كل التفاصيل:
أن تكتب عن شجرٍ
ازرعْهُ على الأوراق
بلا كلماتٍ
دعهُ يتمايل
وكأن الريحَ تحركهُ
لا تنسَ إذا كان الفصل
شتاءً
أن تخلع عنه الأوراق
وجرَّدهُ من اللون
وماءِ الموسيقى!
* * *
وبالطريقة نفسها يبين للشاعر كيف يكتب عن البحر، وعن المطر:
أن تكتب بحرًا
اتركه يتمدد فوق
الأوراق
ويغمرها بالأخضر
والأزرق
ودع الموج يداعب
وجه القارئ
ويبلل بالملح يديه
ويمحو ما كتب الرمل
على شفتيه.
* * *
أن تكتب مطرًا
افتح صدر الصفحةِ
للرعد وللبرق،
ودعه يهطلْ في الروح
الظمأى
أسمعني خشخشةَ الأشجار
ودعني أتشمّم عطرَ الأرض
وقد خرجت صافيةً
بعد استحمامٍ بمياهٍ طازجةٍ
نازلة من عرش الله.
* * *
حتى إذا انتقل إلى بيت القصيد؛ وهو الكتابة عن الإنسان قفزت إلى ذهنه الصورة الوحيدة لابن بلاده؛ ذي الوجه المصفر، والعينين الذابلتين والشفتين اليابستين:
أن تكتب إنسانًا
في النص الشعري
فاحمله إلى النص
كما هو:
وجهٌ أصفر
عينٌ ذابلةٌ
شفتان بلا ظلٍ
يابستان،
وما أبقى الزمن العاصف
من أحلامٍ تتكسر فوق رماد
الواقع.
* * *
وبالطريقة نفسها يوضح لنا شاعرنا كيف تكون الكتابة عن وطن أنهكته الحروب والفاقة، وانتهى شعبه ما بين قتيل ومشرد، فأصبح وطنا خاليا من شعب:
أن تكتبَ وطنًا
تأكله الحرب
وتعوي ريحُ الأحقاد
حواليه
وتمضغه أسنانُ الخوف
وأنيابُ الفاقةِ
فاكتبه بلا شعبٍ
وبلا ماضٍ، وبلا اسمٍ
ذلك أدنى
للنص المعقول!
* * *
أما إن أراد الشاعر أن يكتب عن الشاعر الحالم فليكتبه – كما يقول شاعرنا – فتى في العشرين لا شيخا فانيا. وكأن المقالح بهذا المقطع يؤكد أن الأنموذج السابق هو الأنموذج السائد من البشر، أما الأنموذج التالي فلا وجود له إلا في مخيلة الشعراء:
أن تكتب إنسانًا
مسكوناً بالشعر
وحيدا يصطاد فراشات الحلم
فخذهُ برفقٍ من عزلتهِ
واتركهُ يبحثْ عن نجم لا يأفل
عن شمسٍ تخرج من مرآة الأيام
اكتبه فتىً في العشرين
ولا تكتبه شيخًا
شابتْ بين يديه الكلمات،
احترقتْ في عينيه الأحلامْ.
* * *
ويختتم شاعرنا نصه الباهر بشكواه من أنه لم يعثر خلال الستين عاما التي مضت من عمره، على هذا النص الذي وضع لنا مواصفاته، النص الذي يحلم به؛ النص الذي لا يشبه نصا آخر.
ستون ربيعًأ
وأنا أبحث في دنيا الشعر
عن الشعر
وعن نصٍ يشبهني
نصٍ مثلي
يضحك، يبكي
يخرج من ماءِ سليقتهِ
مختلفا
لا يشبه حين يرنّ المعنى
نصًّا آخر!

 

*كاتب سعودي

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود