182
0178
0432
0397
0319
029
048
051
096
0232
060
4الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11533
04673
04046
173166
0
أحمد بنسعيد*
مقدمة
حتى تؤدي الكتابة للطفل دورها المنوط بها، وحتى تكون في مستوى تطلعات أجيالنا المتعطشة للجيد. أرى أننا لا بد أن نتناول موضوع الكتابة للطفل من الناحية المهنية.
وحتى يعرف الداخل لهذا البحر موضع رجليه من قدميه، لأن ما يبدو أن هناك ضبابا كثيفا يحف المجال، وضعفا كبيرا في فهم طبيعة الكتابة للطفل، وأسئلة متكررة لا تجد صراحة أجوبة تشفي الغليل وتوضح مواطن الخلل، والحلول.
وعليه سأبدأ بعون الله في سلسلة مقالات بعنوان (الكتابة للطفل – تأسيس المهنة) راجيا من السادة القرّاء أن يعذروا صراحتي لأن الدواء لا بد له من مشرط الطبيب.
مهنة عُمْر:
الكتابة للطفل هي مهنة نعم، ولكنها إلى الآن مهنة مستقلة أو مهنة حرة، لا تتبع لأي مؤسسة، وقد أشرنا في المقال السابق إلى ضعف المؤسسة الرسمية في هذا المجال.
فتأسيس المهنة يقع الآن وفي هذه الظروف التخلفية على أهلها من الكتّاب. أو إن شئت فقل (تأسيس مهنة الكتابة للطفل) هو: حمل ينبغي أن يضاف إلى الأحمال الكثيرة على ظهر الكاتب الذي وجب أن يتعلّمه، فكاتب اليوم عليه أن يكون ملما بأدب الطفل، وعلوم اللغة، وعلم النقد، والإلمام بالكتابات العالمية القديمة والجديدة، والتراث الشفوي العالمي لأجل الحيطة من السرقات الأدبية، والاطلاع على القوانين الوطنية والدولية في حقوق النشر، وعلوم التربية، وعلوم النفس، والرسم، والتصميم، إضافة إلى علم الإدارة، والتواصل، وعلم الحواسيب، والتطبيقات الجديدة المتعلقة بعالم الطفل المتجدد… مع ضرورة الاطلاع على الفلسفات العالمية الحديثة لأجل الأخذ بالأحوط والآمن لأطفالنا…
هذه الأحمال الثقيلة والمسؤوليات الجسيمة التي تفنى فيها الأعمار، والتي جعلت الكثير من الكتّاب يتساقطون من شجرة الكتابة للطفل عبر الزمن، لم تعد تكفي الآن بعد أن اكتشف الكاتب أن مهنته تفتقد القواعد المهنية وليس لديها مؤسسات رسمية تعترف له وتضمن حقوقه… فكان في ضوء هذا الواقع على الكاتب دراسة علم الاقتصاد، والحسابات ومراقبة المداخيل والمصاريف، ووضع الأسعار، والتسويق، وعلم الإحصاء، والإشهار، والمعاملات البنكية…
هاوٍ أم محترف؟
ليس التطوع هو الفارق بين الهاوي والمحترف؛ فالكاتب الهاوي يتطوع والكاتب المحترف يتطوع أيضا. وإنما الفرق ما يلي: الكاتب المحترف هو الذي اتخذ الكتابة للطفل حرفة يتقوّت منها أو هي سبب مصروف يومه أو شهره أو سنته. بينما الهاوي يكتب وينشر دون التفكير في المال قطعا لا جزئيا، فإذا فكّر في إدخال المال -ولو بشكل جزئي- صار محترفا أيضا.
المحترفون صناع المهنة:
هؤلاء الذين ينفقون وقتا وجهدا في الكتابة للطفل، وينتظرون منها عائدا ماليا، هم صناع المهنة. قد تختلف أوطانهم وأوضاعهم ولكنهم ينتظرون مالًا ينتشلهم من الفقر والحاجة المادية التي يعيشونها أو قد يعيشونها. وإنها لمغامرة ومجازفة أن تقتحم مهنة غير مضمونة العواقب في عصرك. وليس لها قوانين تحكمها غير الحظ ربما…
ذكرت ج. ك. راولنج في خطاب طويل لها وهي تتسلم شهادة من أكبر الجامعات: (هارفرد) كلاما مهما خاصا بالكتابة والمال: “كنت مقتنعة أن الشيء الوحيد الذي أتقن فعله هو كتابة الروايات. ومع ذلك، شعر والداي، المنحدران من أوساط فقيرة ولم يذهبا إلى الجامعة، أن خيالي المفرط النشاط كان غريب الأطوار. نعم هو يُضفي متعة لشخصيتي ولكنه لن يساعد أبدًا في سداد رهن عقاري أو تأمين رهن عقاري أو تقاعد. كانا يأملان أن أتبع طريقًا احترافيًا … أودّ أن أوضح، بين قوسين، أنني لا ألوم والداي على وجهة نظرهما. هناك فرصة تقدم للشخص لا يمكن –إن لم نقتنصها- إلقاء اللوم على الوالدين لوضعنا في الاتجاه الخاطئ؛ في اللحظة التي تبلغ فيها من العمر ما يكفي لتحكم نفسك، أنت مسؤول”.
مثال:
تخيل معي هذا المثال: كتابة رواية جيّدة للأطفال في سبعة آلاف كلمة تأخذ من الكاتب أسبوعا، ثم أسبوعا آخر للمراجعة الأولية، ثم أسبوعا ثالثا لعرضها على الأطفال وأخذ رأيهم، ثم أسبوعا رابعا لعرضها على كبار النقاد، ثم أسبوعا خامسا لإعادة كتابتها على ضوء كل ما سبق. ثم إرسالها إلى دار النشر وانتظار أشهر لردّ هذه الدُّور… هذا الزمن -التقريبي فقط لأن بعض الأعمال قد تأخذ سنوات- والمجهود الذي بُذل كيف تمّ بالضبط؟ لا شك أن وراء هذه المتعة وهذه الإفادة التي شعر بها القارئ الصغير والكبير للكتابة الممتعة المفيدة، والتي ربما تحولت لعرض مسرحي، أو لأغنية، أو لرسوم متحركة، أو لتطبيق، أو للعبة… كان وراءها كاتب(ة) جلس أمام حاسوبه أو هاتفه وهو يقوم بعملية الكتابة وإعادة الكتابة مرارا: كاتبة في بلاد حرب وعليها ديون كالجبال، أو كاتب ينتظره والداه ليشتري لهما الدواء، أو ينتظره أولاده ليملأ لهم قفة اليوم، أو كاتب شابّ يحلم بشراء منزل يؤسس فيه أسرة…
إنه يطمح لتحقيق ذلك من خلال مهنة أحبها من أعماق قلبه. والأعوام محسوبة عليه. اليوم هو شاب، غدا سيصير كهلا شيخا…
احترام حقوق الكاتب
فإذن على المؤسسة المهنية التي يعمل المحترفون على تأسيسها أن تضع قوائم تحسب عدد الساعات المصروفة في عمل ما أو تقدره من خلال عدد الكلمات النهائية (مع وضع في الحسبان عدد ساعات المسودّات التي صُرفت في نفس العمل والتعب) لتضع مبالغ تقريبية مُحترَمة على القاعدة الذهبية: (لا ضرر ولا ضرار). مبالغ تجعل محيط الكاتب وأسرته تقتنع بالمهنة التي يزاولها ومنفعتها، ولا تعتبرها ضياع وقت.
نجاح المحترف:
هناك اختلاف جذري في الإحساس بالنجاح بين الكاتب المحترف والكاتب الهاوي. فالهاوي يشعر بأنه حقق نجاحا باهرا بمجرد نشر عمله، لا يردّ أيّ بال للمقابل المالي، بل إن بعض الكتّاب الهواة مستعدّون لإنفاق المال من جيوبهم مقابل أن يُنشر اسمهم على صفحات ما هو موجود من مطبوعات وصحف ومجلات ومواقع… وبعض هؤلاء يحتاج هذا الأمر لأجل إثبات أنهم كتّاب، أو لملء سيرتهم العلمية للتطور الأكاديمي والعلمي… وكلها نجاحات معنوية. وغالبا ما تكون كتابات هؤلاء ضعيفة وضعيفة جدا.
بينما لا يرتاح الكاتب المحترف إلا إذا حصل على مقابل ماديّ يراه هو محترَما من الجهة المستفيدة. وهو مقتنع بأنه موهوب في الكتابة للطفل، وبأن الوقت إذا مضى فإنه لن يعود، وأن الوقت ثمين جدا، وأنه تكوّن لأجل الكتابة للطفل تكوينا طويلا احترافيا… فإذا وجد أن كتاباته نُشرت دون أخذ حقوقه المادية فإنه يغضب لذلك غضبا شديدا يصل إلى مقاضاة الجهة المستفيدة. وله مطلق الحرية –بعد هذا- أن يتطوع بعمله لمن يراه أهلا لذلك.
خاتمة
تخيل معي كاتبا أنفق كل وقته للكتابة للطفل، ولم يجد مالا لينفق على نفسه ومن يعول، لا شك أنه مع ضغط الحاجة المادية -الطبيعية في الإنسان- سيضع القلم متجها لأمور أخرى تدرّ عليه أموالا، فإذا فعل مثل هذا الأمر العشرات والمئات من الكتّاب يكون وطننا العربي قد فقد بالتالي زهرة كتّابه الذين كان من الممكن أن يعطوا الكثير، ونستمر بالتالي في النهل والارتشاف مما يكتبه الآخرون في الحضارات الأخرى نافعا كان أو ضارا، كما هو حالنا الآن.
يتبع إن شاء الله.
كاتب للأطفال _ المغرب
التعليقات