343
1259
0846
0417
4210
085
0368
0203
0128
0150
0182
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11769
04707
04351
174206
03831
0إعداد_أحلام شعبان
يمثل العنوان الوجه الأول لكل الكتب الصادرة ويسعى المؤلفون والمؤلفات إلى اختيارات متباينة في عناوين كتبهم تتراوح ما بين الموضوعية والذاتية، ووسط أصول مهنية من الاختيار وأهداف ذاتية وصولا إلى الانتشار؛ وتلعب العناوين دوراً كبيرًا في تسويق المنتج الأدبي وفي الشغف بقراءة التفاصيل إلا أنها قد تؤدي في ذات الوقت إلى تباعد ما بين تفاصيل المنتج وعنوان الكتاب الأمر الذي يخلق فجوة بين القارئ والمؤلف.
ولا ننسى حقيقة أن العناوين الشكلية هي المسيطرة على الساحة الإبداعية حالياً، وهذا ما جعلنا نتساءل عن كينونة العلاقة بين العنوان وبين النص أو المحتوى؛ ومن هذا المنطلق طرحت مجلة فرقد الإبداعية القضية لمناقشتها من أبعاد متعددة مع نخبة من أصحاب الرأي والأدباء والمثقفين من خلال المحاور التالية:
– برأيك هل ترى أن ابتعاد العنوان عن التفاصيل، ضد المؤلف أم يعد حق من حقوقه ؟
– ما هي الدوافع الشخصية وراء تضخيم، أو غرابة بعض العناوين. وما هي التداعيات المستقبلية لذلك ؟
– من المسؤول عن سوء أو عدم مهنية بعض العناوين المؤلف أم دار النشر أم قطاع الترخيص وهل هنالك من أدوار تكاملية في تلك المسؤولية أم أنها فردية ؟
– كيف تلعب العناوين دورها في شهرة المنتج وكيف يوائم المؤلف بين العنوان والتفاصيل بحيادية وموضوعية ؟
*أصبح الكتاب لا يعرف من عنوانه
يبدأ حوارنا حول القضية المطروحة الشاعر محمد الشحات من مصر بقوله :
قديماً عندما بدأت الثقافة العربية تعرف الكتاب المخطوط أو المنشور كان من الأمور الهامة اختيار العنوان، وخرجت المقولة العربية الشهيرة الكتاب يعرف من عنوانه وكان المؤلف وحدة الذي يقوم بعملية الاختيار، معتمداً في ذلك على ما يحتويه كتابه، وكثيراً ما كانت المفردة ملتصقة بما يحتويه الكتاب من موضوعات، بحيث يكون العنوان مرآة لهذا الكتاب، وأعتقد بأن هناك كانت أسس قد تم الاتفاق عليها بين المؤلفين، وهي عدم خروج العنوان على متن الكتاب، وسار ذلك زمناً طويلاً، ولو قلبت في عناوين الكتب التراثية لتأكدت من ذلك، وكانت العناوين مباشرة في كثير من الأحيان، والعنوان شامل وجامع لما يحتويه الكتاب.
ولكن حدث بعد ذلك ومع زيادة أعداد الكتب التي تصدر سواءً بطريقة النشر القديمة أو الحديثة ومع دخول المطابع، وحتى لا يحدث أي نوع من التداخل والخلط، فرغم أن هناك الكثير من الكتب تتناول نفس القضية ونفس الموضوع، إلا أن عملية التلاعب في العنوان والتدخل فيه لعبت فيها الكثير من الأيادي وليست خفية، فبعضها من خلال المؤلف نفسه الذى يريد أن يختار عنوانًا مميزًا لمؤلفه، أو في بعض الأحيان مثيراً أو لافتًا لعين القارئ، وهنا دخلت الكثير والكثير من العوامل في اللعب في عنوان الكتاب، أيضًا أصبح للناشر دوراً بارزاً في اختيار عنوان الكتاب، نظراً لأمور تسويقية أو ترويجية وهنا تراجع دور المؤلف كثيراً، على اعتبار أن الناشر يهدف في المقام الأول إلى تحقيق الربح والمكسب، الأمر الذى لا ينفي وجود شبة احتيال على القارئ، ومحاولة خطف نظرة وانتباهه وأمور أخرى كثيرة لا تكون موجودة أصلا في الكتاب، لا بل ظهر لدينا دور نشر توظف موظفاً خاصاً لاختيار تلك العناوين، وهنا يتراجع دور المؤلف أو الأب الشرعي للعمل، لأنه اتفق على النشر وحصل على المقابل المادي، وأصبح الناشر أو دار النشر صاحبة الحق الأول والأخير في اختيار عنوان الكتاب، إلا إذا كان المؤلف صاحب اسم أو قيمة أدبية لا يسمح لأحد في التدخل في مؤلفه.
ولا يخفى الأمر مع ازدحام أسواق النشر، وما تدفع به المطابع من عناوين تلعب في عملية الاختيار للعنوان الكثير من العوامل، سواء في عملية تضخيم العنوان أو الغرابة وللأسف في كثير من الأحيان لا ينخدع القارئ الحقيقي بذلك وإنه وإن يقع في مصيدة العنوان الخادع بعض القراء، خاصة المبتدئين منهم.
وأعتقد ليست كل العناوين التي تخضع لعملية التدخل واللعب فيها من خلال الناشر، بل أن الروايات ومجموعات القصص القصيرة والمسرحيات في بعض الأحيان، تتعرض للعب في اسم العنوان، بسبب أمور تجارية كثيرة، ولا ينفلت العنوان من يد الناشر إلا في الكتب العلمية، أو الكتب السياسية، وإن دخلت كل العناوين في تلك الدائرة، التي يسيطر فيها الناشر على كل المقاليد، حتى لو كان المؤلف هو الذى يتحمل تكاليف طباعة مؤلفه، لأن الناشر في نهاية الأمر يهمه ألا يضع اسمه على كتاب لا يتناسب مع فلسفة العناوين التي حددت طريق سير دار نشره فيها.
وعملية العناوين واختيار العنوان لا تقتصر فقط على الكتاب العربي، كل ما ينشر من كتب وفى أي لغة يخضع تحت ما اسميه سطوة العنوان فهناك في الثقافة الغربية أعمال لعب العنوان دوراً كبيراً في زيادة انتشار الكتاب مع الاعتراف المسبق بقيمة المؤلف، فمثلاً هناك عناوين اشتهرت بعد ذلك لمؤلفين وأصبحت جواز مرور للمؤلف بعد ذلك، ومن تلك الأمثلة التي يمكننا أن نضربها من غرابة العناوين اليخيمائى رواية باولو كيلو، و 1984 لجورج أورويل، ورواية الاضراب للكاتبة الأمريكية آين راند، والطريف أن زوج المؤلفة هو الذى قام باختياره لهذا العنوان بعد أن اكتشف أن العنوان الذى وضعته زوجته سوف يكشف ما في الرواية، ومن أحد الأسماء التي كان يرغب “برام ستوكر” أن يُطلقها على روايته القوطية الشهيرة هي “الميت غير الميت” قبل أن يستقر على اسمها الحالي.، وقد عُرفت رواية “أرنست همنغواي” التي صدرت سنة 1926 بعنوان “فييستا” في الطبعات الأجنبية، لكن النسخة الإنجليزية الأمريكية حملت عنوان “ثم تشرق الشمس. ومن العناوين المقترحة للرواية: في الكثير من الحكمة هناك الكثير من الأسى، ومن تزداد معرفته، يزداد حزنه.
كما أراد المؤلف الأميركي “جوزيف هيلر” تسمية روايته الهجائية الشهيرة “الخدعة 18″، لكن رواية “ليون يوريوس” بعنوان “ميلا 18” والتي صدرت في العام السابق جعلت المحرر “روبرت غوتلايب” يعيد النظر بالعنوان، حيث فكّر هو و(هيلر) بـ”الخدعة11″، لكنهما قاما بالعدول عنه نظرًا لأن فيلم “أوشنز 11” كان يعرض حديثًا في دور السينما تجنبًا للالتباس. بعد تقليبهما عدة أرقام، اختار المحرر الرقم 22، محققًا نفس التكرار الذي أعطاه الرقم 11، و كانت الرواية تُعرف باسم “أتيكوس” قبل أن يُقرر المؤلف “هاربر لي” تغيير العنوان نظرًا لأنه ركّز على شخصية واحدة فقط ، وكان من المقرر أن تحمل رواية الكاتبة “جين أوستن” عنوان “انطباعات أولى”، لكنها عدلت عن ذلك بعد أن أصدرت الروائية “مارغريت هولفرد” رواية حملت نفس الاسم قبلها بقليل.
و“العشيقة ماري” كان العنوان المقترح لرواية الكاتية “فرانسيس هودجسون بيرنيت” قبل أن تختار عنوان “الحديقة السرية لاحقًا.
وكان هناك كتاب يضم قصص قصيرة شهيرة للكاتب الإيرلندي “جيمس جويس”، كان يُعرف سابقًا باسم “عوليس في دبلن”، وقد ضمّت هذه القصص العديد من الشخصيات التي ستظهر لاحقًا في ملحمته “عوليس” بعد عدة سنوات.، و من أشهر الروايات العالمية للروائي البريطاني “جورج أورويل”. كان الروائي يرغب بتسمية كتابه “الرجل الأخير في أوروبا”، لكن الناشر شعر بأن العنوان ليس تجاريًا بما يكفي، وأقنعه بتغييره إلى العنوان الحالي، و للروائي الأمريكي الشهير “فرانسيس سكوت فيتزجيرالد” اقترح العديد من العناوين لتُحفته الروائية قبل أن يرسو على عنوان “غاتسبي العظيم”. من ضمن العناوين التي اقترحها المؤلِّف لتحفته الروائية الكلاسيكية من الأدب الأمريكي: “أكوام الرماد والمليونيرات”، “غاتسبي ذو القبعة الذهبية”، و”العاشق عالي القفزة”. وصرّح المؤلف لاحقًا أنه شعر بأن العنوان لم يتناسب مع عظمة الشخصية الرئيسية، لكن حصل ما حصل.
ولم تخرج الروايات العربية عن هذا الاطار فراوية رانكشتاين في بغداد” للروائي العراقي أحمد سعداوي، الفائزة بجائزة الرواية العربية “البوكر” عام 2016، تعد من الأسماء الغريبية ، وفي العام نفسه نشر الأديب السوداني عبدالعزيز بركة ساكن روايته “الجنقوم” وهي اسم يصف فريقا من الجن بحسب الرواية اليهودية. ولاقت اهتماما كبيرا من الأوساط الأدبية. من بعده نشر الروائي المغربي طارق بكاري رواية “نوميديا” ووصلت إلى قائمة “البوكر” الطويلة عام 2016، وهو مصطلح إنكليزي يعبّر عن الإعلام التكنولوجي الجديد.
وقد يتحوّل البحث عن الأسماء الغريبة إلى فعل اعتيادي للروائيين الجدد. وجاءت الأمثلة متعددة، وأبرزها رواية “هيبتا” للروائي المصري محمد صادق. كما لم يكن غريبا على رواية “نيكروفيليا” للكاتبة المصرية شيرين هنائي أن تحقق عدة طبعات في وقت قياسي، خاصة أن الاسم يخص مرض نفسي نادر يعرف بمضاجعة الأموات.
ومع انتعاش أدب الرعب والجريمة في الرواية العربية، ولدت أسماء غريبة مثيرة لفضول القراء مثل رواية “فوجا” للمصري عمرو الجندي، وتعني في علم النفس الهروب إلى الجريمة، واختار نفس المؤلف بعد نجاحها اسم “مسيا” لروايته التالية، وهي تعني إنسانا مثاليّا من نسل النبي داوود.
في نفس المجال تبرز أسماء أكثر غرابة مثل “شيزوفرينيا” للكاتبة السودانية لينا عامر، و”أرض زيكولا” للكاتب المصري عمرو عبدالحميد (ثلاثة أجزاء)، و”دراكيولا” للمصري وائل نصار.
يعتبر جيل الشباب أو الروائيون الجدد، كما يُحبون أن يطلقوا على أنفسهم، استعمال العناوين الغريبة ضرورة في ظل تكرار كثير من التركيبات اللغوية النمطية واستهلاك الكثير من أسماء الأماكن في أعمال الرواد والسابقين.
يردد هؤلاء بيت الشعر الشهير للشاعر العربي عنترة بن شداد، الذي كتبه قبل أكثر من 15 قرناً، وقال فيه “هل غادر الشعراءُ من متردمِ؟”، وهو يعني أن الشعراء لم يتركوا معنى إلا وطرقوه، لذلك أكدوا أن السابقين استهلكوا كافة المعاني والعبارات ولم تبق عبارة لم تدون.
كما أن التطور ضرورة تدفع إلى الخروج من حيز عناوين “المضاف والمضاف إليه” مثل “دعاء الكروان” للأديب المصري الراحل طه حسين، و”مُدن الملح” للروائي السعودي عبدالرحمن منيف، و”عرسبغل” للروائي الجزائري الطاهر وطار. إلى جانب تجاوز عناوين الكلمة الموصوفة مثل رواية “الرباط المقدس″ لتوفيق الحكيم، والعسكري الأسود” ليوسف إدريس.
كما أن إبراهيم عبدالمجيد الروائى المصرى الشهير عندما أصدر قبل سنوات قليلة رواية بعنوان “إداجيو”، وهو اسم لرقصة غربية شهيرة. كذلك الحال بالنسبة إلى الأديب الجزائري واسيني الأعرج عندما أصدر عام 2014 رواية “أصابع لوليتا” عن دار الآداب، مجارياً رواية الأديب الروسي فلاديمير نابوكوف “لوليتا.
ورغم ما يردد عدد كبير من الناشرين بأن العنوان حق أصيل للمؤلف، إلا أن هناك الكثير من دور النشر تكون لها الكلمة العليا في اختيار العنوان، والموضوع واسع وكبير ويمكننا أن نضرب فيه بالكثير من الأمثلة.
*العنوان هو الممر الإلزامي للقارئ والمختبر الذكي للكاتب
وتشاركنا الرأي الشاعرة والأدبية الدكتورة سلوى آل خليل الأمين من لبنان حيث قالت:
أولاً: أهمية الكتاب تبدأ حين اطلاع القارئ على العنوان، فالعنوان هو الجاذب الأول لأهمية ما يرد فيه من تفاصيل، بل هو العنوان الذي يختصر المضمون بعبارتين أو ثلاث وليس أكثر تشكل القوة المعبرة لما يحويه هذا المؤلف من مضامين تسر المتلقي وتشده إلى الغوص في أعماقه باحثاً ومنقباً ومستفيداً، حيث يشكل العنوان الممر الإلزامي للقارئ والمختبر الذكي للكاتب أيَّاً كانت شهرته أو إجادته في الكتابة، إذ أن العنوان يعبر عن شخصية الكاتب ومدى ثقافته واتساع شخصيته وتنوع مطالعاته وقوة لغته، بحيث أن من يحسن وضع العنوان الصحيح لمؤلفه ،هو الإنسان المتمكن القادر على سبر الأغوار وتبيان ما يحوي هذا الكتاب من نصوص أو قصائد تشد المتلقي لمتابعة قراءة المنتج؛ لهذا فإن ابتعاد الكاتب في وضع عنوان مزخرف لنتاجه من أجل بيعه والبعد عن المضمون يسئ إلى الكاتب لأن القارئ هو البوصلة التي ترشد الكاتب إلى سواء السبيل وهو الطريق الآمن للاستمرار.
ولا يحق للمؤلف أن يخدع المتلقي وذلك بأن يعمد إلى الزخرفة في اختيار عنوان مؤلفه دون الدخول في مضامين الكتاب، إذ أن العنوان يجب أن يكون موازياً لمضمون المؤلف، صحيح للكاتب ملء الحرية في وضع العنوان الذي يريد لكن عليه ألا يغش القارئ، وعلى القارئ الانتباه، فحين شراء الكتاب عليه أن يقرأ الفهرس ويعمد إلى تفحص بعض محتوياته، هذا إذا كان لم يقرأ للمؤلف أبداً ولم يعرف قدرة هذا الكاتب وطريقة صياغته الأدبية وأسلوبه المتمكن من وضع الجملة الصحيحة في مكانها الأصح، وعدم الاستطراد والحشو الذي يسقط المعنى في متاهات ومطولات تجعل قراءة المؤلف مملة وغير مجدية. فالكاتب أو الشاعر هو الذي يتقن اختيار عناوين مؤلفاته بعد البحث الدقيق فيما أعده، كي يصل إلى القارئ بأبهى حلة وكي يقرأ ويتابع، ولا يرمي المؤلف في سلة المهملات.
ويبقى الكتاب كما يقال في الأمثال الشعبية يقرأ من عنوانه، فالعنوان هو الذي يوحي للمتلقي بمضمون الكتاب وأهمية قراءته، وهو الذي يضيء على تفاصيله وجودته وأهميته، فمن يتقن الاهتمام بوضع العنوان الصحيح لمؤلفه، هو الكاتب الجيد الذي يتقن تسليط الضوء على ما يحويه الكتاب ويوصله للقارئ بأسهل الطرق، أي كان هذا الكتاب، كتاب نصوص أدبية أو فقهية أو علمية أو ديوان شعر . فالعنوان يبقى هو الرمز الأوضح والباب الأول الذي يظهر بالطرق الفضلى والمثلى، حيث يكوَن عملية الجذب الأولى للقارئ من حيث اختصار محتويات الكتاب وتشكيل عملية الجذب للمتلقي، التي تؤدي حتماً إلى التواصل ما بين مضمون الكتاب وعنوانه، وليس إلى التباعد الذي يخدع القارئ حين حدوث الاختلاف. لهذا يبقى الكاتب أو الشاعر المسؤول الأول والأخير عن وضع العنوان لمؤلفه، ولا يصح تدخل دار النشر أو قطاع الترخيص لأسباب تجارية محضة بالموضوع، فالكاتب الواثق من مؤلفه لا يدع أيَّاً كان أن يحور أو يغير فيما كتب أو وضع من عناوين لمؤلفاته حين الطبع تكون تجارية تجذب القارئ الجاهل ، لذا تبقى المسؤولية الأولى والأخيرة بالدرجة الأولى، تقع على عاتقه ولا يجوز لأي كان أن يتلاعب بفكر الكاتب وثقافته ونتاجه، وإلا تصبح الكتابة عمل تجاري محض، ونحن الكتاب نأبى على أنفسنا الدخول في مجريات التجارة أيَّاً كان مردودها، فالكتاب حين يضعه المؤلف يكون عصارة أفكاره النابعة من ثقافة متنورة وعميقة وليس العكس. وليس للعنوان دور في شهرة المنتج، فالمنتج يقوم على أسس متينة، أهمها أولا شهرة الكاتب التي تتفاعل مع القارئ من خلال نتاجه، وثانياً جودة وأهمية ما يكتب والثقة به وبأسلوبه في الكتابة، أضف إلى ذلك أن الكاتب هو الذي يعيش حالة الكتابة بما فيها من مواقف وأسرار ومضامين وسطور وكلمات ومفردات لا يعلم سرها إلا من كتبها، لهذا يبقى الكاتب الجيد حريص كل الحرص على مواءمة العنوان الذي يضعه لمؤلفه مع ما يضعه داخله بكل موضوعية وحيادية، بحيث أن الكاتب عليه أن يعتمد الحيادية طريقاً لوصول أفكاره إلى ذهن المتلقي ببساطة وتجانس وسهولة بالألفاظ وعدم انتقاء المفردات الصعبة وما أكثرها في اللغة العربية، لأن إظهار كتابه بالطريقة الأفضل هو السبيل لنجاحه وشهرته.. خصوصًا أننا أصبحنا في الألفية الثالثة ووسائل التكنولوجيا تتحكم بمساراتنا، لهذا علينا ألا نعتمد على المفردات اللغوية الصعبة في كتاباتنا وأيضا المفردات السطحية، بل أن نعتمد التوازن كي نجذب جيل التكنولوجيا إلى التبحر في لغتنا، لغة الضاد التي هي من أجمل لغات العالم.
*العنوان هو نافذة الكتاب وصناعته صعبة
ويقول الشاعر والروائي الأستاذ الحسن الكامح من المغرب:
منذ بداياتي الأولى في عالم الكتابة انشغلت كثيراً بعناوين الكتب، كنت مولعاً بقراءة العنوان والغوص في أعماقه قبل قراءة الكتاب، واختيار العناوين ذات الجاذبية القوية للنفس. فبعض العناوين أثرت في مساري الإبداعي كثيراً فكانت السبب الرئيسي في قراءة الكتاب
وكنت معجباً بالعناوين المركبة ذات الحمولة البلاغية :الجناس والطباق. لذلك كنت أرتاح إلى قراءة تلك الكتب، مثل كتاب الترهيب والترغيب…. المختار من مناقب الأخيار… اللباب في تهذيب الأنساب… كتاب البيان والتبيين للجاحظ…… تهافت التهافت لابن رشد…. الخ.
وإذا كان الغلاف هو الباب الرئيسي للكتاب فإن العنوان هو نافذته الرئيسية التي منها نطل عليه قبل الغوص في خفاياه، لكن في بعض الحالات يكون العنوان غير دال على حقيقة ما بالكتاب. إما يكون العنوان فضفاضاً أو غارقاً في بلاغة مفرطة أو مختصر جداً، فلا يمنحك فرصة تخييل ما بالكتاب، أو ركب عالم التوقعات حتى تستفيد منه. وهنا يطرح السؤال التالي: من يختار عنوان الكتاب…؟ وكيف يختار الكاتب العنوان…؟
للإجابة عن هذا التساؤل، سبق لي أن شاركت في حوارات مع كتاب وشعراء، واكتشفت أن الكثير منهم يتهربون من العنوان ويحتاجون إلى مشاورات مع أصدقاء لاختيار العنوان، وهناك من يترك العنوان إلى آخر لحظة قبل النشر وهناك من يضع العنوان أولاً قبل كتابة المحتوى. لكن يبقى المسؤول الأساسي عن العناوين هو المؤلف أو الكاتب، لكن في بعض الأحيان يتدخل الناشر في العنوان من أجل تسويق الكتاب كما يجب، فيطلب من المؤلف تغيير العنوان ليكون أكثر جاذبية وإغراء، ومن وجهة نظري هذا لا يخدم الكتاب أو المؤلف؛ لأن العنوان يضل مهمته في إرشاد المتلقي إلى ما يبحث عنه.
فهناك عدة كتب لا علاقة للعنوان بمحتوى المكتوب، فيضيع المتلقي أو القارئ أو الباحث بين ما هو شكلي وما هو خطابي. كما أنه هناك كتاب يحبون تضخيم العنوان أو إلباسه رداءً غرائبي لا علاقة له بالمحتوى وطبعا هذا لا يخدم انتشار الكتاب بصورة جيدة تساعد المتلقي في اختيار الكتاب الذي يحتاجه كمرجع، فنسقط في متاهات العناوين الغير المسؤولة.
العنوان قاطرة ضرورية تحملك من محطة البحث عن الكتاب الصحيح إلى تحقيق ما تصبو إليه من بحثك المضني في المعرفة.
فكم من عنوان كتاب أبلغ وأعمق من المحتوى، وكم من عنوان لا علاقة له بالمحتوى، وكم من عنوان ضل طريقه المعرفي وتاه في عالم البلاغة، وكم من محتوى لا علاقة له بالعنوان إلا بالاسم.
في الأخير يبقى العنوان نافذة الكتاب، من خلاله يمكننا اكتشاف نوع الكتاب وما يحمل من محتوى جوهري. وهو كذلك صناعة واختيار صعب لأنه مثل اختيار اسم الابن سيظل مرتبطاً به إلى ما لا نهايات.
*ينبغي أن يكون للكاتب قرَّاء نخبويين
ويشاركنا الأديب خلف سرحان القرشي بقوله:
اولاً: يعتبر العنوان من المؤكد حق من حقوق المؤلف سواء أراد أن يكون العنوان فيه تفاصيل أو اراد أن يكون عنواناً مثيراً أو تسويقياً أو يبحث عن التساؤل أو عادي في تفاصيل شيء من هذا القبيل أو أراد ان يكون مباشراً أو غير مباشرٍ أو مركب من أكثر من كلمة وله أشكاله ووظائفه وطموحاته التي يسعى لتحقيقها كل هذه الأمور من حق المؤلف يحق للدار التفاهم والأخذ والاقتراح لأن هناك معايير محددة للدار لكن أيضا ليس المؤلف ملزماً لأن المؤلف هو من سيصدر الكتاب باسمه وبالتالي فمن حقه أن يضع العنوان المناسب هذا دون أن يتدخل الآخر بالنسبة إذا تنازل المؤلف عن هذا الحق للدار فهو أمر آخر راجع إليه دون أن يتدخل أحد في قرارته وعن تضخيم بعض العناوين الدوافع تختلف من شخص لشخص وأعتقد أن الدور هي التي تدخلت في صياغة العنوان لجذب القارئ ولشراء الكتاب وزيادة مبيعاته هذا ما اتوقعه وقد يكون العنوان ليس تماماً مثل المحتوى ولا يمت له بصلة وإذا كان الاختيار من الكاتب أو المؤلف فبعضهم يضع عنواناً أكبر وأعتقد أن الكاتب الذي يحترم نفسه ويحترم قراءه وهذا لا يعني أو يمنع الكاتب من اختيار عنوان ملفت وجاذب ومشوق لا يختار هذه الطريقة وقد يحاول أن يربط بين العنوان والمحتوى بحيث تكون غامضة وقابلة للتأويلات المختلفة يمكن أن ينتج ذلك من صيغة العنوان ذاته عندما توجد كلمة أو أكثر ذات معان أو مدلولات مختلفة ومن عوامل الغموض أيضا أن يتخذ العمل عنوانه من عمل ثانوي بداخله. والعنوان يعتبر مدخلاً للكتاب ويعطي انطباعات وايحاءات كثيرة وللعنوان شروط ويجب أن يعبر عن محتوى الكتاب ولا يمنع أ ن يكون مشوقاً , ولا ينبغي أن يكون هذا التشويق على حساب حقيقة الكتاب أو حقيقة هذا المحتوى وينبغي أن يتنبه الكاتب لهذا الأمر وأن يختار العنوان المناسب للمحتوى حسب ما يراه أو يلامس أو يصف أحد الشخصيات في كتابه.
ويقترح أن يكون لدى الكاتب أو المؤلف ما يسمى ب “القراء النخبويين” وهي عبارة عن دائرة من أصدقائه أو معارفه أو محبين القراءة والكتابة وغيرهم, ويطلب اراءهم ومقترحاتهم وهذا الأفضل إذا وجد نفسه بحاجة إلى هذا الأمر ويجب ألا يتعجل في اختيار العنوان وأن يتمهل قدر الإمكان وكل ما كان العنوان قصيراً كان أفضل ومن ناحية أخرى أن يكون العنوان كما قلت سابقاً أن يكون صادقاً وجاذباً وأصيلاً وينبغي ألا يكون ورد سابقا قدر الإمكان ويقوم بالبحث عنه فمثلاً لو كنت كاتب مجموعة قصصية فينبغي تجنب التشابه في العنوان حتى لا يحدث لبس في هذا الموضوع لدى دور النشر أو القراء وأنصح بوضع عنوان من ثلاث كلمات على الأقل وذلك لتجنب التشابه مع ظهور الكثير من الخيارات أمامه بحيث يساعدنا ذلك في خفض نسبة المقترحات بنسبة كبيرة جداً على محرك البحث , ولا ننسى أن هناك كتباً كثيرة ظلمت بسبب عناوينها وأخرى اشتهرت وقرئت على نطاق واسع بسبب عناوينها وتعتبر العناوين القصيرة هي الأفضل لأنه من السهل تذكرها وقد تشكل شيئاً في نفس القارئ.
*العنوان بطاقة عبور للكتاب
وترى الكاتبة الروائية الأستاذة ريم محمد:
اولاً: العنوان حق من حقوق الكاتب، فالعنوان يعتبر بطاقة عبور للكِتاب و واجهة تمثل مضمون الكتاب أو قد تمثل غاية في نفس الكاتب يريد إيصالها مع ما هو مكتوب في داخل الكتاب حتى لو ابتعد العنوان عن التفاصيل و للكاتب كامل الحق في اختيار العنوان شريطة أن يكون له هدف وبعد معين يسعى إليه من خلال العنوان أما لو كان اختياره ليس مبررًا فمن الأفضل أن يفكر في طريقة ما تساعده على اختيار العنوان المناسب.
–ثانياً: الدوافع الشخصية وراء تضخيم العناوين إذا كان الكتاب علمياً ربما يعتقد الكاتب أنه وصل إلى ما لم يصل إليه أحد قبله لذلك يختار مصطلحات مثل: أعظم و أكبر و أفضل و غيرها من الدلالات على عظمة ما كتب وما وصل إليه. أما تضخيم العناوين في الروايات قد نجده محدوداً بخلاف ما نجده في كتب القصص القصيرة فقد نجد التمجيد مثل أفضل 100 قصة وهكذا. ربما أيضا يستخدم تضخيم العناوين كنوع لجذب القارئ المبتدئ .
أما بالنسبة لغرابة العناوين قد يكون الهدف منها هو الجذب للكِتاب وخصوصًا في الكتابة الإبداعية فالعنوان الغريب يثير فضول القارئ ليكتشف معناه داخل الكتاب
وقد يكون العنوان غريب في بلد معين معروف في بلد آخر، مثل: رواية طشّاري -للكاتبة إنعام كجَجي -التي تمثل كلمة عراقية عامية معروفة أوضحت معناها داخل الرواية.
وربما يكون العنوان يحمل لفظة عربية فصيحة غير معروفة يريد الكاتب أن تصل إلى القارئ لأنها تحمل معاني قوية ترسخ في ذهن القارئ أكثر من غيرها من مُرادفات لنفس الكلمة.
اللغة العربية تزخر بالمُرادفات للمعنى الواحد مما يساعد الكاتب في اختيار أنسب مُرادف يتوافق مع ما في مخيلته حول إنتاجه الأدبي وربما يستخدم غرابة العنوان لاستعراض مهاراته الكتابية وحصيلته اللغوية.
الكتاب بالنسبة للكاتب كأحد أبنائه فهو يحرص بشدة على اختيار عنوان مميز كما يسعى لاختيار اسم مميزٍ لابنه
–ثالثاً: المسؤولية مشتركة بين الجميع من مؤلف وناشر وقطاع الترخيص. المعايير المستخدمة في تحديد مهنية وعدم مهنية العنوان في قطاع التراخيص لا نمتلكها لذلك لا نستطيع الجزم بمناسبة العنوان أو بغير ذلك. أما بالنسبة لدور النشر فإن بعض دور النشر تقترح على الكاتب تغيير العناوين إلى عناوين أفضل منها أو أكثر جذباً للقراء والبعض يستجيب أو لا يستجيب فالأمر يعود للكاتب في المقام الأول.
وتقول معلقةً على إحدى محاور القضية: يحمل هذا المحور شقين مهمين جداً لأي كاتب وهو من أفضل ما قد يسأل الكاتب نفسه قبل اختيار العنوان ويرجع نفسه فيه .
الشق الأول من السؤال : تلعب العناوين دوراً مهما جداًفي شهرة المنتج و بقائه في أذهان القراء، فكم حفظنا عناوين روايات أو كتب ونسينا أسماء مؤلفيها بسبب ما تركه العنوان في أذهاننا من أثر، و حين يتواءم العنوان المُناسب مع الغلاف المُعبْر هنا يبقى اسم الكتاب عالقاً أكثر في أذهان القراء، وكلما كان العنوان قصيراً أو مختصراً كلما كان أسرع حفظاً في ذهن القارئ وقد يعمد بعض الكتَّاب إلى الغرابة في العناوين لإثارة الفضول فتشتهر كتبهم أكثر من غيرها .
الشق الثاني من السؤال : قد يكون العنوان يلمس جزءاً من الكِتاب أو فصل من فصوله، وقد يُمثل شخصية البطل في الرواية مثلاً كما استخدمت ذلك في روايتي (غضة العود) فقد كانت ترمز إلى صفة البطلة في الرواية، أو قد يكون كلمة واحدة معبرة عن الفكرة الرئيسية في الكتاب أو يكون العنوان يرمز لوقت معين تم تأليف الكتاب فيه ويريد الكاتب توثيقه فكما قلت سابقًا للكاتب هدف في اختيار العنوان مهما كانت صفته. وعلى الكاتب أن يبحث عن السبب الرئيس وراء اختيار أي عنوان لأي كتاب من كتبه ومراجعته قبل اعتماده، و لا ضير إن استشار ذوي الرأي السديد (فلا خاب من استشار ولا ندم من استخار).
*ليس كل عنوان مميزاً كتميز المضمون
وتشاركنا بالرأي الكاتبة أبرار المطيري بقولها:
مما لا شك فيه أهمية اختيار العنوان للإنتاج الأدبي مما يشكل دوراً كبيراً في نجاحه فهو محطة التسويق الأولى للقارئ فربما تدهشه وتجعله شغوفاً في القراءة فكثير من الكتب جذبت عناوينها الكثير من القراء وقرروا الشراء ولكن هناك حقيقة يجب ألا نغفل عنها عند اختيار العناوين للإنتاج الأدبي يجب أن يكون متصلاً بأفكار الكتاب ومواضيعه وأن لا يكون بينهم اختلاف كبير وأن يقف مطولاً عند اختياره ولا يستعجل وهنا نوعان من المؤلفين نوع يريد إيضاح فكرة الكتاب من خلال العنوان ونوع آخر يختارون الغموض في العنوان حتى يشد انتباه القارئ.
قال نور الدين صمودا في كتابه “هزل وجد”: إذا كنت من الذين ألفوا، ولو كتاب واحد في حياتهم، فإنك قد ترددت كثيراً في اختيار العنوان الذي تضعه على غلافه، فالأمر بالفعل محير يدعو إلى التردد والحيرة.
ومن الأسس التي يجب اتباعه عند اختيار عناوين الكتب الثقافية:
يجب أن يكون معبراً عن محتوى الكتاب أو دالاً على معنى النصوص وأن يحمل جانباً ولو قليلاً عن دلالة الفكرة التي يتحدث عنها الإنتاج الأدبي، وأن لا يتصف بالغرابة وأن يكون جاذباً.
وابتعاد العنوان عن التفاصيل هو حق للمؤلف وله الحرية في أن يختار ما يشاء في عمله الأدبي ولكن أرى الإيجاز في اختيار العنوان أفضل حتى لا تكون تلك التفاصيل حاجزاً بين القارئ والمؤلف ويلجأ بعض المؤلفين إلى اختيار عناوين غريبة حتى تشد القارئ فكثير من القراء يجذبهم أولاً العنوان والغلاف لا المضمون فدافع الانتشار يكون سبباً في غرابة العنوان.
أما عدم مهنية بعض العناوين هي مسؤولية فردية تقع على عاتق المؤلف كما أن العناوين لها أهمية كبيرة في شهرة الإنتاج الأدبي فالعناوين الجذابة تشد انتباه كل من يراها وتتناقل الآراء بين القراء رغبة في اكتشاف هذا الإنتاج الأدبي وكل ذلك فقط بسبب عنوانه ! لذلك فإن العنوان يشكل شهرة واسعة ومن الممكن أن يكون عنصرا لنجاح الإنتاج الأدبي، ومع أهمية العنوان إلا أن هناك ما يعادله أو يفوقه أهمية وهو المضمون، وكما ذكرت أنه يجب على العنوان أن يمت بصلة للمضمون.
وليس كل عنوان يكون موفقاً، ومميزاً كتميز المضمون؛ فقد تجد العنوان لا يستهويك، ولا يحرك شعرة فيك، بينما مضمونه يكون في غاية الروعة والتأثير.
*للكاتب والناشر حق اختيار العنوان
ويرى الأستاذ أحمد إسماعيل زين كاتب وقاص سعودي:
يعتبر العنوان أول عتبات الدخول إلى عوالم النص بصفة خاصة، وأول عتبات الدخول إلى عوالم الكتاب والمنتج الأدبي بشقيه السردي والشعري بصفة عامة، في العصر الحديث.
حيث كان العنوان في السابق لا يحتل أيّ أهميّة للمبدع، والنص، والمنتج الأدبي، والانتشار، بل كان يعتبر فضح ووشاية صريحة لمحتوى، وأحداث المنتج الأدبي، وعلى سبيل المثال لا الحصر على ذلك رواية: (امرأة شقت عصى القبيلة)، لعبدالعزيز مشري، والعديد العديد غيرها من المنتجات الأدبية القصصية، والروائية، والشعرية، وحتى الكتب البحثية، والسيّر الذاتية، والتي لا يتسع المجال لحصرها، كانت تعتبر العنوان أصلاً فاضحاً لمحتوى المنتج الأدبي، لدرجة أن المتلقي ـ القارئ ـ يستطيع أن يفهم مضمون ومحتوى المنتج الأدبي من العنوان الموضوع عليه، وهذا الأمر ليس خاصاً بالأدب السعودي فقط، وإنما يشمل الأدب العربي، والعالمي بصفة عامة، وكان يعتمد انتشار المنتج الأدبي سابقاً على أسلوب وخبرة المبدع، والباحث، في تقديم منتجه، وكتابه الأدبي، للمتلقين. واستمر عدم الاهتمام بالعنوان ,سابقاً كعتبة أولية للدخول من خلالها إلى عوالم النص، والمنتج، والكتاب الأدبي إلى منتصف القرن الماضي، وتحديداً في عام 1951م، حين تبنى الناقد الفرنسي جيرار جينيت، نظرية اعتبار العنوان أول عتبة للدخول لعوالم النص، والمنتج الأدبي، وبالذات للمنتج الشعري، وتبعته في ذلك المنتج السردي، من منتصف القرن الماضي، مروراً بالحداثة، وما بعد الحداثة، إلى عصرنا الحديث الحالي، والتي ـ النظرية ـ تتبنى في مقترحاته النظرية حول موضوع الشعرية عندما حاول تطوير آلياته النقدية الإجرائية بالانتقال من مجال النص المغلق إلى مفهوم النص الشامل. ورغم وجود دعوات نقدية معارضة لمسألة الاهتمام بخطاب العتبات النصية، فإن المنجز النقدي العربي الحديث قد رآكم رصيداً معرفياً، وقارب موضوع العتبات من زوايا نظر مختلفة وانطلاقا من أجناس أدبية متنوعة. وعلى سبيل المثال لا الحصر على تبني هذه النظرية الحديثة لجعل العنوان أول عتبة للدخول لعوامل المنتج الأدبي الحديث من الأدب السعودي، الديوان الشعري: (حتى.. انكسار الماء)، ليحيى خواجي، ورواية: (ترمي بشرر)، لعبده خال، والمجموعتان القصصيتان: (الوجه الذي من ماء)، لجبير المليحان، و: (أصعد في السماء)، للعباس معافا. وهناك نظرية عربية مناهضة لهذه النظرية الحديثة، ومؤيدة للنظرية القديمة السابقة، للناقد والباحث العربي “مصطفى سلوي” يقول فيها محذراً: من مغبة الانسياق وراء هذا المنحى النقدي: “لابد من تصحيح وتوضيح جملة من الأمور المتصلة بالنص ومصاحباته حتى لا يستشري هذا الداء، أكثر مما هو عليه الآن في الأوساط الجامعية، فيهمل النص في مقابل الاحتفاء بلواحقه التي قلنا: إنها، مهما بلغت، تبقى مجرد لواحق“.
لنجد في المحصلة وهذي وجهة نظري الخاصة أن للمبدع، والكاتب الأدب، وكذلك دور النشر، كل الحق في اختيار ما يراه مناسباً لتحقيق الانتشار والجاذبية، وكذلك الربح المادي، لمنتوجهم الأدبي.
*العناوين تُشكّل عنصرًا بارزًا في شهرة المنتج
وتؤكد الشاعرة الأستاذة زينب عقيل على أهمية انتقاء العنوان بقولها:
يصرف الكتّاب أو الشّعراء وقتًا في انتقاء العنوان الأنسب لكتبهم، نظرًا لما يحمله العنوان من أثرٍ على القارئ، فهو يعدّ عنصر جذبٍ، يدفعنا إلى اختيار كتابٍ ما وتصفّحه لمعرفة ما يتضمّنه من معلوماتٍ أو شعرٍ إلخ، العنوان له شروط متعدّدة ليصبح عنوانًا صالحًا، ومنها أن يكون شاملًا محيطًا بكلّ ما يتناوله الكتاب، وبقدر ما يكون مختصرًا ودالًا في الوقت عينه بقدر ما يكتسب جودته، دالًا على كلّ ما يحتويه الكتاب بالعموم، وليس الدّخول بالتّفاصيل، العنوان لا يقتصر على محور معيّنٍ، بل يجب أن يدلّ على كل المحاور، من دون العودة إلى التفاصيل، وهناك شروط عديدة تجتمع لتُكسب العنوان جودته، ومنها أن يكون موجزًا مفيدًا، بحيث ينقل صورة واضحة للقارىء عمّا يتضمّنه محتوى الكتاب، وطبعًا كلّما كان جذّابًا كلّما جذب إليه الباحثين والمُطّلعين.
ويعتبر عنوان أي كتاب يحمل أهمية خاصة، فهو عتبة مهمة مفسرة للنص كما يرى رولان بارت، وهناك من الكتّاب مَن آثر اختيار عنوانٍ مستغربٍ، لافتٍ، ومثيرٍ ولكنه يرتبط بمحتوى ومضمون جيّد، وقد وقع اختياره على هذا النّمط من العناوين الملفتة تماشيًا مع ذوق الجمهور العام الذي ملّ من التكرار والاعتماد على العناوين التّقليدية.
ومن جهةٍ أخرى تقع بين أيدينا كتب تحمل عناوين مستغربة، وأحيانًا مثيرة، بتلميحات شديدة السّطحيّة، والغاية من هذه العناوين فقط تسويق الكتاب، دون العودة إلى مراعاة الذّائقة الأدبيّة للقرّاء، حتّى أنّنا نجد دور نشرٍ تقبل بنشر مثل هذه العناوين بهدف تنشيط مبيعاتها، فتضيع الذّائقة الثّقافيّة بين رغبة الكاتب في إحداث ضجّةٍ إعلاميّةٍ لكتابه، وبين طمع دور النّشر بتحقيق الأرباح
قد نجد أنّ بعض الكتّاب من يلجأ إلى اختيار عناوين سفيهة، أو متدنّية لا تتناسب مع الذّائقة الثّقافيّة للجمهور، ويتّجه بكتابه هذا إلى دور النّشر الّتي تقبل بنشر الكتاب من دون الالتفات إلى عواقب وجود هذه العناوين بين أيدي الناس، حيث تتغلغل بين أفكارهم، ثقافاتهم، فتُسقطها نحو الحضيض. وهنا يقع اللّوم على الكاتب ودار النّشر الّذي سمح بنشر الكتاب. ومن جانبٍ آخر ترفض بعض دور النّشر، تسويق الكتب ذات العناوين السّفيهة لأنّها تدرك خطورة هذا الأمر، وهنا تكون هذه الدّور قد حقّقت سلامة القارئ الثّقافيّة والفكريّة، إذًا، إنّ المسؤولية مشتركة وتكامليّة بين كاتبٍ يختار الأنسب لقارئه، ودور نشرٍ لا تنشر سوى ما يتلاءم مع الذّائقة الثّقافيّة للمجتمع، من دون أن تكون سببًا في تدنّي مستوى هذه الذّائقة
العناوين تُشكّل عنصرًا بارزًا في شهرة المنتج، فعلى مرّ العصور قرأنا عناوين لكتبٍ اتّسمت بالجاذبيّة والغرابة، لكنها كانت تحمل مضمونًا جيّدًا، وهذا ما أكسبها أيضًا هذه الشّهرة، أي أن عوامل عدّة تضافرت حتّى ساعدت في تحقيق نجاح الكتاب ومن بينها العنوان الّذي يعدّ بوّابة العبور.
وهناك بعض الكتب الّتي حملت عناوين غريبة، جذبت القارئ، ولكنه حين أخذ بتصفّح الكتاب الاطّلاع على مضمونه، وعلى كاتبه، وتاريخه الثّقافيّ، اتّخذ منحىً آخر، فتحوّل الكتاب هنا بفضل عنوانه إلى أداة جذبٍ مؤقّتة سرعان ما تلاشت بهرجتها مع أوّل كشفٍ على المضمون، فتكون نهاية هذه الكتب بعناوينها كفقّاعةٍ تستمرّ بضع ثوانٍ، ولا يُحكم عليها بالخلود، وبالتّالي لا تحقّق شهرة المنتج الحقيقيّة.
وكي يُوائم الكاتب بين العنوان وتفاصيل الكتاب بحياديّة تامّة، عليه أن يتناول ويختصر الفكرة العامّة للمضمون، العنوان بطبيعة الحال لن يدخل في التّفاصيل، ولكن يستطيع الإضاءة عليها من خلال الاختصار والتّلميح بعددٍ من الكلمات المختصرة الّتي من شأنها أن تحمل المعنى العام، أو الفكرة العامة للنص أو الكتاب بأكمله.
التعليقات